كتبت صحيفة ” الجمهورية ” تقول : حال اللبنانيين في هذه المرحلة، كمَن يعيش على فوّهة بركان يوشك ان ينفجر في اي لحظة ويلفظ حممه في الارجاء لتأكل الأخضر واليابس مما تبقى من هذا البلد.
كل شيء في البلد صار آيلاً للسقوط والاندثار، حتى الهواء صار المواطن اللبناني قلقاً من بلوغه لحظة العجز عن التنفس، فيما الطاقم الحاكم مصاب بسكتة دماغية أفقدته الحياء، وأنسته لغة العقل وأعمَت بصره وبصيرته عما اصاب البلد وأهله، لا يهمه سوى مصلحته ورفعها فوق كل اعتبار.
الفجور مستمر، وطبقة الحكام والمتسلطين تتلذذ في التضحية ببلد وقد سوّي بالارض، وشعب كامل صار مدمراً يُرسم مستقبله بالجوع والوجع وبالاجهاز على ما تبقى من شروط مناعته وصموده امام ازمة وجودية حولت لبنان الى دولة اكثر من فاشلة، ينذر استفحالها بإفقاد هذا اللبنان صفته كوطن بعدما نسفت تلك الطبقة أركانه وخلّعت الأسس التي يقوم عليها.
الثمن الكبير
هذه الصورة السوداوية لمستقبل لبنان، والتي سبق ان حذّر منها وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان، عادت تتردد بقوة وقلق في الاوساط الرسمية الفرنسية من خلفية إلقاء المسؤولية على الطاقم السياسي الحاكم في لبنان الذي غلّب صراع المصالح الخاصة على كل الجهود الرامية الى وضع لبنان على سكة الانقاذ وفق خريطة الطريق التي رسمتها المبادرة الفرنسية. وعلى ما تؤكد مصادر ديبلوماسية في العاصمة الفرنسية، فإنّ المستويات الفرنسية تعتبر ان القادة في لبنان ماضون في اضعافه وارتكاب جريمة بحق هذا البلد وتجاهل المخاطر التي بلغت مستويات صار من الصعب احتواؤها، وتبعاً لذلك فإنّ لبنان مقبل على ايام شديدة الصعوبة، واللبنانيون وحدهم من سيدفع الثمن الكبير”.
سيناريوهات مرعبة
وبحسب المصادر نفسها، فإنّ المستويات الفرنسية، وخصوصا تلك المعنية بالملف اللبناني باتت تتحدث بقلق بالغ اكثر من اي وقت مضى، على الوضع في لبنان، وتخشى من سيناريوهات مرعبة تتهدد لبنان، ما لم يبادر القادة فيه الى خطوات علاجية فائقة السرعة، لأن سقوط لبنان هذه المرة، قد يجد نفسه على النهوض من جديد، لا عبر تشكيل حكومة او غير ذلك، لأنّ المصاعب هذه المرة ستكون اكبر بكثير من قدرة لبنان الضعيف على مداواتها. وتتشارك في هذا القلق مع المجموعة الاوروبية التي باتت تتّهم بصورة علنية وصريحة الجهات الحاكمة في لبنان بالشراكة في التدمير الممنهج للبنان.
على انّ اللافت في ما تكشف عنه المصادر الديبلوماسية من باريس، هو ان ليس في جعبة الجهات الخارجية المعنية بلبنان، أيّ توجّه لتدخّل مباشر مع اللبنانيين، وذلك تبعاً للتجربة التي فشلها اللبنانيون، بإخلالهم بالتزاماتهم التي قطعوها بالتقيد بمندرجات المبادرة الفرنسية، والكلام الاخير الصادر بهذا المعنى عن الوزير لودريان، جاء بمثابة الاعتراف غير المباشر بفشل المبادرة الفرنسية، وان كان الفرنسيون ما زالوا يقاربون المبادرة في العلن كفرصة للبنانيين لبناء حل وفق مندرجاتها. وهو ما تؤكد عليه الديبلوماسية الفرنسية في لبنان عبر الحركة التي تقوم بها السفيرة في لبنان آن غريو مع المسؤولين اللبنانيين، وآخرهم بالامس مع الرئيس المكلف سعد الحريري.
صرتم وحدكم
تتوازى هذه الاجواء مع التوصيف المأساوي الذي قدمه سفير دولة اوروبية كبرى امام مرجعيات روحية زارها في الايام الاخيرة، حيث عبر عن تخوّف كبير على لبنان كوطن ودولة ونظام سياسي.
وقالت مصادر مرجعية دينية لـ”الجمهورية” ان السفير المذكور اكد ان مسؤولية فشل الحلول في لبنان تقع على اللبنانيين، وثمة بعض من القادة يمارس هروباً الى الامام بإلقاء مسؤولية افشال الحلول في لبنان على عوامل خارجية، وهي اصلاً ليست موجودة، بل بالعكس فإن المجتمع الدولي مُجمع على ان الحل منطلقه ينبغي ان يكون من لبنان، ومع الاسف ليس في لبنان من يتلقف المطالبات المتكررة من المجتمع الدولي بالذهاب الى اصلاحات فورية تضع المعضلة اللبنانية على سكة الحل والخروج من الازمة التي صارت بالفعل تهدد وجود لبنان. واشارت المصادر، نقلا عن سفير الدولة الاوروبية الكبرى، انّ المبادرة الفرنسية كانت تشكل الفرصة للانقاذ، لكنها فرصة ضاعت في اصرار المسؤولين في لبنان على انكار ما يحل ببلدهم من مصاعب، وتجاهلهم تأثيرات الانهيار اللبناني على المصير الوجودي للبنان ككيان. ومن هنا فإن على اللبنانيين ان يدركوا ان بمقارباتهم العدائية لوضع بلدهم، قد تدفع المجتمع الدولي الى ان ينكفىء جدياً عن تعاطيه مع الملف اللبناني، علماً ان مسؤولية الحل بالدرجة الاولى تقع على اللبنانيين، والمجتمع الدولي على استعداد ان يقارب الملف اللبناني بمقدار مسؤولية اللبنانيين، وبمعنى أدق، كل الخارج يراقب الوضع اللبناني عن كثب، وانّ احدا في خارج لبنان سيكترث لحل لبناني قبل ان يكترث اللبنانيون لهذا الحل.
لا جديد
كل هذا الحراك الخارجي، يقابل في الداخل، في تمترس اطراف التأليف خلف شروطهم ومعاييرهم التعطيلية. وبحسب معلومات ”الجمهورية” التي استقتها من الاجواء السائدة على جانبي الخلاف المستحكم بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، تؤشر الى انّ الامور عادت الى ما تحت نقطة الصفر، وبالتالي كل النقاط الخلافية التي برزت في بدايات الخلاف، ما زالت هي هي المانعة لأي انفراج على الخط الحكومي. بحيث ان الخلاف عاد الى الدوران من جديد على شكل الحكومة وحجمها، مع ثبات الرئيس المكلف على موقفه من حكومة من 18 وزيراً لا اكثر في مقابل الاصرار على توسيعها من قبل فريق رئيس الجمهورية، وكذلك الامر بالنسبة الى الحقائب الوزارية التي صارت ابعد من وزارة الداخلية والعدل، وبدأ الحديث عن انه تمدد ليشمل من جديد وزارات اخرى، اضافة الى العقدة الاساس المتمثلة بالثلث المعطل الذي يصر عليه رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، وهو ما اكد الرئيس المكلف على رفضه من جديد وبشكل قاطع.
معركة تكسير رؤوس
واكدت مصادر متابعة للملف الحكومي لـ”الجمهورية”: المسألة لا تحتاج الى تبصير، الخلاف كان وما يزال قائماً وبصورة مفجعة على مثلث عون – الحريري – جبران، وهذا المثلث أفشل كل الوساطات وضرب كل نصائح الاصدقاء والحلفاء عرض الحائط، والامور مفتوحة الى مزيد من الصراع عليه، خصوصا انّ عنوان المعركة الدائرة هو معركة تكسير رؤوس بين اطراف هذا المثلث التي تحارب بعضها وتحارب البلد من اجل مستقبلها ومصالحها وتتمسك بقشور مواقعها وملذاتها ومكاسبها. حتى ولو كان الثمن تكسير رؤوس اللبنانيين واسقاطهم في الهاوية كما هو حاصل في هذه الفترة.
ورسمت المصادر صورة قاتمة حول مستقبل الوضع وقالت: ما بلغه البلد من انهيار، والارتفاع الجنوني لسعر الدولار الذي يُدار بغرف سوداء مرتبط بعضها ببعض اطراف مثلث الخلاف الحكومي، من شأنه ان يجعل الامور اكثر صعوبة، وحتى لو تشكّلت الحكومة في اي وقت فهي لن تقدر ان تقوم بشيء، اذ انّ روما قد احترقت وتهدمت وانتهى الامر، فكيف يمكن ان تعالج تحوّل البلد الى حطام وركام ورماد. ومثل هذا الكلام ابلغه مرجع سياسي لمن استفسره حول الوضع الحكومي، وختمه قائلاً: الله يرحم البلد.
إشعال البلد
وسألت “الجمهورية” احد العاملين على خط الوساطة عما اذا كان في الافق بصيص امل في بلوغ تفاهم حكومي، فقال: يجب الا نقطع الامل، فيمكن ان تبرز الحلول في اي لحظة.
اضاف: ان حركة الاتصالات جامدة حاليا، إلّا أنّ هناك شعوراً لدى مختلف الاطراف بأنهم وصلوا الى الحوائط المسدودة، ولن يكون امامهم في نهاية الامر سوى ان يتراجعوا عن تصلبهم والدخول الى ساحة التفاهم. ولذلك لا يجب القول ان الامور مقفلة، خصوصا وانها كما تعقدت فجأة واستعصت على الحلول، فإنها مرشحة لأن تحلّ في اي لحظة، علماً ان اطراف الخلاف في جَو انّ الايام المقبلة هي ايام مفصلية بالنسبة الى لبنان، وانه لا بد من بلوغ مخارج للوضع المعقد، ذلك ان المخاطر توجب ذلك، فالمخاطر الامنية في سقفها الاعلى وثمة معطيات تؤكد انّ الامور قد تفلت في اي لحظة مع توفر معطيات عن نيات جدية بإحداث فوضى ومشكلات امنية، وبعض القيادات تلقّت نصائح باتخاذ أقصى جانب الحيطة والحذر في هذه الفترة، اضافة الى التدحرج الرهيب في سعر الدولار الذي بات ينذر بإشعال البلد. وتبعاً لذلك، تؤكد الشخصية العاملة على خط الوساطة ان لا احد من اطراف الخلاف الداخلي قادر على الاستمرار في منحى العرقلة والتعطيل، بل لن يكون قادرا على تحمل ارتدادات وتداعيات الانهيار الامني او النقدي الذي تؤكد كل المؤشرات أنه إن لم يُحتَو مسبقاً، فقد صار وشيكا ونتائجه مدمرة.
موقف بري
وفي وقت عادت فيه التحركات والاحتجاجات بزخم الى الشوارع في بيروت والمناطق التي تم قطع بعضها، بالتوازي مع الارتفاع الجنوني في سعر الدولار والارباك الكبير في السوق الاستهلاكي وعلى صعيد المحروقات التي تشهد شحاً في مختلف المناطق حيث رفعت خراطيمها في غير مكان، غابت الحركة السياسية بالكامل بحيث لم يسجل اي حراك على حلبة التأليف، ما خلا لقاء عقد مساء امس في بيت الوسط بين الرئيس المكلف ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. فيما لم يصدر عن القصر الجمهوري او بيت الوسط اي اشارات عن ليونة في المواقف.
وسط هذه الاجواء، برز موقف لكتلة التحرير والتنمية بعد اجتماعها برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي صوّب في اتجاه طرفي الخلاف الحكومي، حيث توجهت الى “المعنيين بتأليف الحكومة على مختلف المستويات والمواقع الى وقفة تاريخية ومسؤولة والمبادرة الى وقف التراشق الاعلامي والاقلاع عن المضاربات السياسية التي لا تؤدي سوى الى نتيجة واحدة هي إرباك النظام العام، والى مزيد من فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها من أبنائها في الداخل ومن المجتمعين العربي والدولي في الخارج”. وشددت الكتلة على ”المعنيين بالتأليف والتشكيل والتوقيع على المراسيم، التخلي عن أي رهان على الوقت او على متغير إقليمي من هنا او هنالك، والتخلي ايضا عن رمي كرة المسؤولية من ملعب الى آخر والمبادرة فوراً الى فتح قنوات الحوار والتلاقي من اجل إزالة كافة العراقيل التي أعاقت وتعيق إنجاز حكومة مهمة تنقذ لبنان من الذي يتهدد وجوده، حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين وفقاً لما نصّت عليه المبادرة الفرنسية، حكومة لا يشكل اعضاؤها استفزازاً لأحد، حكومة تراعي الميثاقية والمناصفة ليس فيها ثلث معطل لأي طرف من الاطراف، فالحكومة ممر إلزامي لمنع انهيار هيكل الوطن فوق الجميع. فهل انتم فاعلون؟