لم تفلح الضغوط الدولية بقيادة واشنطن وباريس في إيصال التشكيلة الحكومية التي حملها الرئيس المكلف سعد الحريري إلى بعبدا أول من أمس إلى بر الأمان.
وخرج الحريري من لقائه الثاني مع الرئيس ميشال عون خلال 24 ساعة، ليعلن اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة بعد وصول الأمور بينهما إلى طريق مسدود. وعلى الفور، سجلت الليرة اللبنانية انهيارا جديدا أمام الدولار الأميركي، فيما اندلعت مظاهرات غاضبة في عدة مناطق.
وفي تصريح مقتضب بعد اللقاء الذي لم يدم أكثر من 20 دقيقة، قال الحريري «التقيت مع فخامته وأجرينا مشاورات في موضوع الحكومة، وخلال الكلام كان هناك تعديلات يطلبها الرئيس واعتبرتها جوهرية في التشكيلة التي قدمتها»، وأضاف «وأيضا تناقشنا في الأمور التي لها علاقة بالثقة، والواضح أنه لا شيء تغير، ويبدو أننا لا نتفق مع الرئيس. واقترحت على رئيس الجمهورية ان يأخذ مزيدا من الوقت لكنه قال: يبدو انه نحنا مش رح نتفق»، وختم الحريري «قدمت اعتذاري عن تشكيل الحكومة والله يعين البلد».
ورد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية ببيان قال فيه إن «الرئيس عون عرض على الحريري ملاحظاته على التشكيلة المقترحة طالبا البحث في إجراء بعض التعديلات للعودة إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال الفترة الماضية من خلال مسعى الرئيس نبيه بري».
واعتبر ان «رفض الرئيس المكلف لمبدأ الاتفاق مع رئيس الجمهورية ولفكرة التشاور معه لاجراء اي تغيير في الاسماء والحقائب يدل على انه اتخذ قرارا مسبقا بالاعتذار، ساعيا لإيجاد اسباب تبرر خطوته».
وقال البيان إنه بعد اعتذار الرئيس المكلف سيحدد رئيس الجمهورية موعدا للاستشارات النيابية الملزمة بأسرع وقت ممكن.
ميدانيا، وما ان أعلن الحريري اعتذاره، حتى هبّت الحركة الاحتجاجية بدءا من مدينة صور امتدادا إلى بيروت وضاحيتها وصولا إلى طرابلس وعكار وبعض المناطق العكارية، وسجل في صور خصوصا أعمال تكسير سيارات ومتاجر.
وصدر عن العلاقات الإعلامية في حزب الله بيانا يدعو فيه جميع مناصريه والمنظمين لديه أخذ الحيطة والحذر في كل المناطق اللبنانية، داعيا إلى ضبط النفس وعدم التجول بين المناطق توخيا، وأضاف البيان انه من المؤسف جدا ان نرى ما رأيناه اليوم من فشل سياسي، كما دعا جميع الأطراف السياسية إلى ضبط النفس منعا للانزلاق نحو ما لا تحمد عقباه.
كما شهد سعر الليرة انهيارا كبيرا في السوق الموازية عقب إعلان الحريري الاعتذار بعد أكثر من 9 اشهر من تكليفه.
ووصل متوسط سعر بيع الدولار الأميركي إلى 21500 ليرة للدولار الواحد، فيما بلغ متوسط سعر الشراء 21300 للدولار وذلك بعد أن كان متوسط سعر البيع صباح أمس 19300 ليرة للدولار الواحد والبيع 19350، وتوقعت مصادر ان يصل إلى 25 ألفا.
واللافت أن تيار المستقبل من دعاة اعتذار الحريري، لأنه سيعاد تكليفه حتما، في ظل امتناع رؤساء الحكومة السابقين عن تسمية أي منهم، فضلا عن امتناع الحريري عن تسمية بديل له، ما يعني فوضى سياسية واجتماعية عارمة.
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عرض مع السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيّا والسفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو الأوضاع العامة في البلاد والمستجدات الحكومية، وسلمت السفيرتان الرئيس عون رسالة خطية مشتركة من وزيري الخارجية الاميركية أنطوني بلينكن والفرنسية جان ايف لودريان أكدا فيها على اهتمام بلديهما بالوضع اللبناني وضرورة الإسراع في تشكيل حكومة جديدة تواجه الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان.
وتزامنا مع لقاء عون مع السفيرتين، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بيانا أكد أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان بحثا الوضع في لبنان ودعوا فيه المسؤولين اللبناني لتشكيل الحكومة.
المصادر المتابعة اعتبرت تحركات أهالي شهداء انفجار المرفأ باكورة الحراك الساخن المتوقع أن يلهب الشارع من جديد في حال رفض التشكيلة الجديدة فيهدد باندلاع مواجهات وأحداث أمنية تخرج عن السيطرة في ظل استفحال الأزمات المعيشية والدوائية والنفطية والكهربائية والمائية.
من جهته، دعا النائب المستقيل مروان حمادة الرئيس عون إلى الاستقالة والعودة إلى فرنسا، كما دعا إلى رفع الحصانة عن الجميع بالنسبة للتحقيقات بتفجير المرفأ، مؤكدا ان الأهم ان نصل إلى قلب القضية، وهي ان نعرف من أتى بالنيترات ومن تركهم طوال هذه المدة، ومن سمح ان يأخذ منهم إلى خارج المرفأ وخارج الحدود، معتبرا ان دخول متفجرات إلى البلد يتطلب توقيع وزيري الدفاع والاقتصاد، منتقدا القضاة الذين تجاوزوا هذه التواقيع وانزلوا البضاعة.
ودعا قاضي التحقيق طارق بيطار إلى توسيع «بيكار» التحقيقات.
من جهته، غرد رجل الأعمال بهاء الحريري أمس: «الله يعين البلد على من أوصله إلى ما وصل إليه بسبب التسويات والمحاصصات والتنازلات التي جعلت أكبر أحلام المواطن اللبناني تأمين الدواء والغذاء لأطفاله بينما ينعم من في السلطة بكل الخدمات».