يقول بعض المعنيين بالتأليف الحكومي انّ كل المعطيات تشير الى ان مهمة الحريري ما تزال متعثرة بوجهها الداخلي والخارجي. فداخلياً يشكل الاشتباك الدائر بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل العقبة الكأداء التي تمنع ولادة الحكومة حتى الآن، وهو اشتباك يستبطن بأسبابه غايات ومصالح سياسية تتخطى الحكومة ومراكز القوى فيها الى ما بعدها من استحقاقات وقضايا تشكل مفصلاً مصيرياً بالنسبة الى مستقبل عون وباسيل وفريقهما السياسي، وكذلك بالنسبة الى بقية الافرقاء السياسيين في معسكري 8 و14 آذار إن كانا لا يزالان موجودان بهذه التسمية في زمن التحولات الكبرى التي بدأت تشهدها المنطقة، والتي يقال ان الحريري استشرفها في كلمته الاخيرة خلال اجتماع المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى في دار الافتاء برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وكأنه اراد من هذا الاستشراف التأسيس لما سيكون عليه مستقبله في المرحلة المقبلة.
أمّا خارجياً فإنّ ما تلقاه الحريري في الآونة الاخيرة من أصداء خارجية حول مستقبله ودوره في الاستحقاق الحكومي لم يكن مشجعاً على تعجيل خطى التأليف، وهو ما دعاه الى السفر السبت الماضي مجدداً الى الخليج وربما الى ما هو أبعد من الخليج، حيث تردد انه سيبقى في الخارج لأسبوع.
ويكشف بعض المعنيين بالاستحقاق الحكومي والمتابعين انّ الحريري في حال أقدم على الاعتذار مُكرهاً تحت وطأة استمرار العراقيل في طريقه، فإنه سيدفع في اتجاه التوافق مع الآخرين على أن تكون له اليد الطولى في تسمية الشخصية التي ستكلّف تأليف الحكومة.
ويؤكد هؤلاء انّ هذا الامر هو قيد النقاش العملي حالياً بين الأفرقاء المعنيين الذين يتجاذبهم خياران: أيكون الرئيس المكلف الجديد من نادي رؤساء الحكومات السابقين، ام يكون شخصية مستقلة يتم التوافق عليها؟ ويتشعب النقاش في تفاصيل هذين الخيارين ليكشف انّ بعض من يرغب من نادي الرؤساء السابقين ترؤس الحكومة يشترط ان تكون حكومة كاملة المواصفات وليس حكومة انتخابات فقط، بمعنى ان تكون حكومة وحدة وطنية. وهنا يسأل البعض هل انّ الحريري اذا اعتذر على خلفية اتفاق مع المعنيين على ان يكون له حق تسمية خلفيته، يمكن ان يبادر الى تسمية ايّ من نظرائه السابقين الذين يدعمون مواقفه منذ تكليفه الى الآن، أم أنه سيذهب الى خيار تسمية شخصية تواليه او مستقلة بالمعنى الدقيق للاستقلالية؟
كل المعطيات الماثلة حتى الآن لا تدلّ الى ما يمكن ان يكون عليه جواب الحريري وتصرّفه في هذا الصدد اذا كان فعلاً سيشترط لاعتذاره ان يسمّي من سيكلف بديلاً منه تأليف الحكومة.
على انّ طرح الاتيان بشخصية مستقلة لرئاسة الحكومة خلفاً للحريري في حال اعتذاره، يتجاذَبه هو الآخر ايضاً رأيان: الأول يقول ان لا يسمح له، اي للرئيس المكلف البديل ولا لوزراء حكومته، الترشح للانتخابات المقررة في 23 آذار 2022 المقبل كون ولاية المجلس النيابي الحالي تنتهي في 23 ايار من السنة نفسها، بحيث تشرف هذه الحكومة على انتخابات لا مصالح لرئيسها ولوزرائها فيها لضمان نزاهتها بعيداً من صرف اي نفوذ رسمي وسياسي فيها.
أما الرأي الثاني فيقول ان حكومة بهذه المواصفات ومهمتها الاساسية الانتخابات وتنفيذ الاصلاحات الاساسية لبدء ورشة الانقاذ من الانهيار لا ينبغي ان يكون لأي فريق سياسي دالّة عليها او على رئيسها طالما انه مع وزرائه لن يترشحوا للانتخابات، بحيث يكون ما قد يجنونه في هذه الحال من مكاسب هو تعزيز فرَص بقائهم في السلطة مكافأة لهم على حسن أداء وتحقيق إنجازات ونجاحات مشهودة امام الرأي العام واللبنانيين الرازحين تحت وطأة الانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي والناقمين على الطبقة السياسية بغالبية أفرقائها، والتي يحمّلونها المسؤولية عن هذا الانهيار وما جَلبه عليهم من مهانة وإذلال في نواح كثيرة من حياتهم من التسوّل على ابواب المصارف الى الوقوف في طوابير الذل على محطات الوقود وما بينهما.
يبقى السؤال في هذا السياق: هل يمكن المنظومة السياسية التي تتحمل مسؤولية الازمة ان تسمح بتأليف حكومة مستقلة عنها تكون مهمتها إجراء الانتخابات والتأسيس لتنفيذ الاصلاحات في عهد السلطة الجدية التي ستنبثق من الانتخابات؟
تلك هي المسألة، خصوصاً في حال قرر الحريري الاعتذار.
المصدر: الجمهورية