الهروب الى الامام، سمة العاجزين وما اكثرهم في لبنان هذا الزمان، اذ بينما البلد يتعطش لتشكيل حكومة، نجد اولي الأمر يتلهون ويلهون الناس بالانتخابات النيابية، الموعودة في مارس او مايو من السنة المقبلة، وبدل الإصغاء للمبادرات والمساعي الآيلة الى تأليف حكومة، يتجاوزون ما هو مطروح، بطرح آخر، كما حصل بتجاوز رئيس التيار الحر الحاكم النائب جبران باسيل لمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، والذهاب مباشرة، الى من اقترح تكليف الرئيس بري بهذه المهمة، وهو السيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، تماما كما سبق ان جرى تخطي المبادرة الفرنسية، عبر الترحيب بالمسعى الأوروبي، وعندما جاء موفد الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، اعطي من طرف اللسان حلاوة، ثم ترك يغادر بيروت خالي الوفاض.
هنا يرى مسؤول الاعلام في تيار المستقبل عبد السلام موسى ان باسيل نقلنا من المبادرة الفرنسية، الى المبادرة الايرانية، وبدل ان يسلم راية «حقوق المسيحيين» الى البطريرك الماروني بشارة الراعي، سلمها الى السيد نصر الله.
ويبدو الأمر طبيعيا بالنسبة لصاحب الطرح السياسي، فالنائب باسيل، اختار القطار الذي يوصله الى بعبدا. وقد اختار شعار حقوق المسيحيين من اجل استعادة شعبيته.
واللافت ان حزب الله، ومنابره الاعلامية، لم تتوقف امام مناشدة باسيل لصديقه السيد حسن، انما اكتفت «المنار» في نشرتها المسائية بالقول: ان مبادرة الرئيس بري هي وحدها المتاحة، في حين عبرت مصادر رئاسة مجلس النواب بالقول: من كان الكلام لا يكفيه، لعل الصمت يشفيه.
اما الرد الصارخ والوحيد فجاء من القوات اللبنانية التي اعتبرت موقف باسيل، بمنزلة مبايعة لولاية الفقيه.
والظاهر ان باسيل لايزال يعزف على الإيقاع القديم، ايقاع احداث 1975، معتقدا ان الناس لا هم لها إلا صلاحيات رئيس الجمهورية وحقوق المسيحيين، في زمن ضاعت فيه حقوق كل اللبنانيين، في دولة بلا حكومة، يحكمها الفراغ المحيط بالموقع الرئاسي، الذي تم تجاوزه، حتى من قبل حزبه السياسي، كما يقول الوزير السابق أحمد فتفت.
وقال باسيل انه لا يريد ان يعيش في ذمة أحد، لكنه لم يتردد في مناشدة السيد حسن نصر الله التدخل بتشكيل الحكومة، بدلا من الوسيط غير النزيه بري، بحسب رأيه.
هذا التكليف ظاهره وضع حقوق المسيحيين في عهدة السيد نصرالله، وباطنه، تسليف موقف كبير للأمين العام لحزب الله على أمل استرداده، بوعد رئاسي، ودق اسفين ذي حدين، بين حزب الله وحركة أمل.
القوات اللبنانية سألت، هل من المسموح لرئيس اكبر كتلة نيابية مسيحية ولديه رئاسة الجمهورية ان يستعين بالسيد نصرالله ويجعله حكما في موضوع تشكيل الحكومة؟ وما هو المثال الذي يعطيه باسيل، هل الحكم هو السلاح ام الدستور؟
ورد التيار الحر على القوات بالقول: «الذمية يا سيد جعجع هي فيما تعودت ممارسته منذ الزمن الاسرائيلي».
الواقع ان باسيل، وبوضعه مفاتيح تشكيل الحكومة بيد السيد نصرالله، كان كمن يفسر الماء بعد الجهد، بالماء، «فنصرالله الذي نصح بخيار تكليف بري القيام بهذا الجهد، لم يغب عن المشهد الحكومي ابدا، بدليل ان اثنين من ثلاثية الوساطة مع جبران باسيل وغيره، يخصانه شخصيا، وهما معاونه السياسي حسين خليل ومسؤول الارتباط وفيق صفا، مقابل علي حسن خليل المعاون السياسي لبري.
المصادر المتابعة، قرأت في تصريحات باسيل رسائل سلبية بين السطور، برفضه حكومة من ثلاث ثمانيات والمطالب بحكومة من 12 + 12 وزيرا.
وحينما يتجاوز الرئاسات الدستورية الثلاث، ويذهب الى السيد نصرالله ليسلمه امانة تشكيل الحكومة، يكون قد تجاهل رئيس الجمهورية قبل سواه، واضعا كل الأمر في سلة نصرالله ليشكل الحكومة التي يريد.
المصدر: الأنباء الكويتية