يترنّح تكليف الحريري على الحافة الرفيعة مع استنزاف كل محاولات التقريب بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
بهذا المعنى، يوحي الحريري بأنه أصبح أقرب إلى الاعتذار بعدما تجمعت لديه «الأعذار» التي تبرر في رأيه هذا القرار عقب طول انتظار، الّا انه لم يحسم بعد أمره بشكل نهائي في انتظار «اللمسة الأخيرة» التي ستكون موضع تفاوض هذا الأسبوع .
وقد أعطى الحريري عبر حركته في اليومين الماضيين إشارة واضحة الى انه رفع مستوى الانذار من حدود التلويح بورقة الاعتذار الى التهديد باستخدامها خلال ايام، في ما يبدو أنها آخر محاولة منه للضغط و«انتزاع» الحكومة، قبل أن يبق بحصة جديدة ستضاف الى إنتاج «الكسارة السياسية» التي فتّتت التسوية بين عون – باسيل والحريري.
َواذا كان الحريري قد بادر الى الإعلان عمّا يشبه «حالة الطوارئ» في بيئته عبر لقاءاته مع رموزها الدينية والسياسية، تحّسباً لكل الاحتمالات، الا انّ اللافت انه أبدى حرصاً على التنسيق والتشاور مع بري في اي قرار قد يتخذه، مؤكداً أنه وإيّاه واحد وان علاقتهما تكاملية.
ومن الواضح أن بري لا يزال غير مؤيّد لاعتذار الحريري، وهو بذلك لا يعكس موقفه فقط، بل يمثّل أيضاً الاتجاه العام لدى مجمل الفريق الداعم لتكليف رئيس «تيار المستقبل»، وفي طليعته «حزب الله». وبالتالي، فإنّ الحريري لم يفقد لغاية الآن غطاء الثنائي الشيعي وحلفائه.
ولئن كان بري يتمسك بمبادرته الهادفة الى التوفيق بين فريق العهد ورئيس «المستقبل»، الا ان رياح الواقع تجري عكس ما تشتهيه سفنها، خصوصاً ان «التيار الوطني الحر» يتعامل مع صاحب المبادرة كوسيط من جهة، وكخصم من جهة أخرى كما أظهَر السجال الحاد الاخير بين باسيل ومعاون رئيس المجلس النائب علي حسن خليل حول البطاقة التمويلية.
وتعليقاً على محاولات دفع الرئيس الحريري الى الاعتذار، يتساءل الرئيس بري عبر «الجمهورية»: «من هو البديل عنه؟ هل لديهم بديل مقنع وحقيقي قادر على مواجهة تحديات هذه المرحلة وتداعيات الازمة الاقتصادية والاجتماعية ومخاطر الانهيار والمعاناة التي تواجه اللبنانيين على كل الصعد؟ هل لديهم بديل موضوعي وجدي يستطيع حماية جوهر اتفاق الطائف وتوازناته؟».
ويضيف: «شو هالمَزح، مش هيك بتمشي الأمور، وليس بهذه الخفة يتم التعاطي مع ملف تشكيل الحكومة في لحظة مصيرية لا تتحمل المناورات والتجارب».
ويلفت بري الى ان مسألة تغيير الرئيس المكلف هي أكثر تعقيداً مما يفترض البعض، قائلاً: «عليهم أن يقنعوني بالبديل، ويقنعوا أيضاً الأخ السيّد حسن نصرالله والمجلس الشرعي الإسلامي والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ونائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي، وعليهم أيضاً إقناع الفقراء و»المعتّرين» الذين يقفون في الطوابير أمام محطات الوقود ويبحثون عن حبة دواء في الصيدليات، فهؤلاء ما عادوا يتحملون هدر الوقت والمبادرات، ام انّ الجرّة لا تسمع صرخة العطشان كما يقال».
ويتابع: «للأسف الشديد، هناك من يتصرف بطريقة تهدد بإضاعة فرصة الإنقاذ نتيجة حسابات ضيقة، وهذا ما لن نقبل به».
ولدى سؤاله: ما هو مصير مبادرتك وسط التعقيدات التي تحيط بها؟
يؤكد بري انّ مبادرته ستستمر حتى الرمق الأخير، لافتاً الى انها ليست قرآناً ولا إنجيلاً لكنها الفرصة الأخيرة ولا خيار سواها، وبالتالي انا متمسك بها حتى النهاية.
ويستغرب بري الهجوم على مجلس النواب من دون أي مبرر، مشدداً على ان المجلس يؤدي كل واجباته لإقرار البطاقة التمويلية في أقصر وقت ممكن لمساندة الناس الذين يحتاجون اليها وتعزيز قدرتهم على الصمود الاجتماعي، بينما يكتفي البعض بالمزايدات من غير أن يفعل شيئاً.
المصدر: الجمهورية