حتى الهروب من “جهنّم” سيصبح خياراً صعب المنال أمام اللبنانيين مع دخول قرار تسعير تذاكر السفر بدولار “السوق السوداء” حيّز التنفيذ، ليتحوّل البلد برمته إلى “طائرة مخطوفة” لا يغادرها إلا من يستطيع أن يفتدي حرّيته وخلاصه بـ”الفريش دولار”، وإلا فسيبقى أسير “قراصنة” يديرون دفة قمرة قيادة البلد عنوةً عن أبنائه، ويتجهون بهم بسرعة “ضوئية” نحو ارتطام جماعي وشيك بقعر الانهيار، من دون أن تفلح حتى الساعة كل “نداءات الاستغاثة” لتحرير الدولة من خاطفيها، وآخرها بالأمس مناشدة البطريرك الماروني بشارة الراعي الدول الشقيقة والصديقة “مساعدة الشعب اللبناني قبل فوات الأوان”، معلناً بالفم الملآن أنّ هذا “الشعب بريء من دولته وخياراتها”.
ولأنّ قناعة بكركي تترسخ أكثر فأكثر بأنّ الدولة اللبنانية تتصرف وكأنها “متواطئة على شعبها”، من خلال ما بلغته من مستويات متقدمة في “التقصير” والاستهتار بحياة مواطنيها وعدم ممارسة أدنى واجباتها الرقابية في منع احتكار الدواء وترشيد الدعم ووقف التهريب، فإنّ الخلاص من منظار الراعي لن يكون “وطنياً وسياسياً واقتصادياً ومالياً ومعيشياً إلا بعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية الأمم المتحدة”، له غاية “ثلاثية الأبعاد”: “تطبيق قرارات مجلس الأمن استكمالاً لتطبيق وثيقة الطائف نصاً وروحاً، وإعلان حياد لبنان، وإيجاد حل لأزمة اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين”. في وقت بدأت الهواجس تتعاظم في الحاضنة الفاتيكانية إزاء مستقبل “الصيغة اللبنانية”، الأمر الذي دفع البابا فرنسيس إلى الدعوة لإقامة “سينودوس مصغّر” على نية إنقاذ لبنان، كما وصفته مصادر رعوية لـ”نداء الوطن”، موضحةً أنّ الفاتيكان يرى أنّ “لبنان بات يواجه خطراً وجودياً وصيغته أصبحت مهدّدة بالزوال”.
وإثر إعلان البابا أمس عن دعوة ممثلي المكونات المسيحية في لبنان إلى الفاتيكان في الأول من تموز المقبل، “لقضاء يوم من التأمل في وضع البلد المقلق والصلاة من أجل السلام والاستقرار والدفع باتجاه مستقبل أكثر سلاماً لهذا البلد الحبيب”، نقلت المصادر أنّ الفاتيكان يرى أنّ الأزمة في لبنان أصبحت “وجودية أكثر منها اقتصادية وسياسية فقط”، ولذلك فإنّ البابا يهدف من وراء اللقاء المرتقب في تموز إلى “حث الداخل والخارج على التحرك السريع” لدرء الخطر عن الكيان اللبناني، كاشفةً أنّ “التنسيق بين الفاتيكان وباريس مستمر على قدم وساق، كما أنّ الديبلوماسية الفاتيكانية فعّلت قنواتها مع عواصم القرار وعلى رأسها واشنطن للتباحث في ما يمكن القيام به لإنقاذ الوضع اللبناني”.
ومن هذا المنطلق، وضعت المصادر دعوة البابا إلى عقد لقاء لبناني مسيحي في الفاتيكان ضمن إطار “تحرك الفاتيكان على الصعيدين الروحي والمؤسساتي المسيحي لوضع خريطة طريق انقاذية للبنان”، لافتةً إلى أنّ هذا اللقاء سيعقد على مستوى “القيادات الروحية المسيحية، وفي مقدمها البطريرك الماروني، للبحث في الوضع المسيحي والوضع اللبناني عامةً، ورسم خريطة تحرّك للحؤول دون زوال الصيغة اللبنانية، لا سيما وأنّ تفاقم الأزمة السياسية سيضع جميع اللبنانيين، والمسيحيين منهم على وجه أخصّ، على سكة الفقر والهجرة”.
أما حكومياً، فتدخل مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم “أسبوع الحسم” لكشف حقيقة التوجهات والنوايا، وتعوّل مصادر نيابية في هذا السياق على “حنكة بري والزخم الذي استمدّه من الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في سبيل تذليل العقبات وتقريب المسافات بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري”، معتبرةً أنّ الساعات والأيام القليلة المقبلة ستكون “مفصلية” لا سيما في ضوء ما ستخلص إليه المشاورات التي يعتزم بري إجراءها “وجهاً لوجه”، مع كل من عون والحريري “فإما ينجح في التأسيس لأرضية حكومية مشتركة بينهما، أو أنّ أرض التأليف ستنهار تحت أقدام الجميع”.
وإذ حرص نواب “المستقبل” عشية عودة الرئيس المكلف إلى بيروت، على تأكيد انفتاحه وتجاوبه مع مبادرة رئيس المجلس “تحت سقف الدستور”، غير أنّ أوساطاً مواكبة للجهود الحكومية ترى أنّ مسلسل “تهشيل” الحريري لن تتوقف فصوله في بعبدا وميرنا الشالوحي، معتبرةً أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل “لن يكلّ ولن يملّ” من محاولات تعجيز الوسطاء الداخليين والخارجيين، “ولن يُعدم وسيلة في سبيل إحراج الحريري وإخراجه من سدة الرئاسة الثالثة”، لتخلص إلى اعتبار “المكتوب العوني يُقرأ من عنوانه”، في إشارة إلى إصرار الرئاسة الأولى على المضي قدماً في استفزاز الرئيس المكلف عبر إعداد تشكيلات وزارية مطلوب منه “البصم” عليها لتبصر حكومته النور.
المصدر: نداء الوطن