خلاصة مناقشة مجلس النواب للرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية ميشال عون الى المجلس واضحة: تخطي مضامين الرسالة المتجاوزة للحدود الدستورية، وتجديد «البيعة» للرئيس المكلف سعد الحريري، ووجوب تشكيل الحكومة بالاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، الذي قال بصوت عال: لن أشكلها كما يريد الرئيس عون وفريقه!
وخلاصة هذه الخلاصة تشكيل الحكومة، لكن أي حكومة يمكن ان تتشكل في ظل هذا الجو الملبد بالتحديات؟
يقولون ان في جعبة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بعض الأفكار، وقد عرضها بعد انفضاض الجلسة النيابية مع الرئيس الحريري، ومع النائب جبران باسيل، كل على حدة بالطبع، ووفق المعلومات المتوافرة، فإن تراجع رئيس التيار الحر النائب جبران باسيل عن مطلب «سحب التكليف» من الحريري، الذي كان المرتجى من الرسالة الرئاسية، أتاح المجال لبعض الأفكار، في حين اعتبرت مقاربته لمسألة تعديل الدستور، بمثابة قنبلة دخانية لإخفاء عملية التراجع عن جوهر الرسالة الرئاسية، أي سحب التكليف من الحريري.
وتتحدث اوساط الرئيس بري عن وجود مبادرة لديه، من شأنها اخراج الحكومة من عنق الزجاجة، لكنها لا تخفي شعورها بأن هناك من يريد حكومة، لكن من غير طريق رئيس المجلس.
وربما من هنا كان سعي بري، عندما علم بنية الرئيس عون رفع شكواه على الرئيس المكلف، الى ثنيه عن ذلك، وتقول مصادر نيابية ان الرئيس عون اقتنع بوجهة نظر رئيس المجلس، الذي فوجئ باليوم التالي بالرسالة الرئاسية تصل على عنوان مجلس النواب مباشرة، وهذا ما أثار استغرابه الشديد، وما جعله يوافق الرئيس المكلف الحريري على نقل المناقشة النيابية لرسالة الرئاسة عبر شاشات التلفزة، كي يسمع الجواب على الرسالة غير المبررة، من به صمم.
وثمة مفارقة تمثلت بعدم تصويت نواب التيار الحر والقوات اللبنانية، على التوصية البرلمانية التي أقرت برفع الأيدي وتلاها الرئيس نبيه بري شخصيا، ما قد يطرح مشكلة ميثاقية، لغياب أكبر كتلتين مارونيتين عن المشهد الحكومي!
موقف القوات اللبنانية واضح: «من يجرب المجرب، يكون عقله مخرب»، ومنذ انهيار تفاهم معراب بين التيار الحر والقوات، على أبواب مرحلة السباق الرئاسي الى بعبدا، بات كل من طرفي التفاهم في طريق، أما موقف نواب التيار الحر، فقد استمر على سلبيته من تكليف الحريري، رغم تأكيد جبران باسيل أن الرسالة الرئاسية الى المجلس، لا تطرح سحب التكليف، انما التعجيل بالتأليف.
غير ان باسيل استطرد مطالبا رئيس الجمهورية، بالدعوة الى طاولة حوار يكون بندها الأول تأليف الحكومة، وبندها الثاني الإصلاحات وبندها الثالث تطوير النظام، علما انه سبق للرئيس عون ان دعا الى طاولة حوار ولم تكن التلبية بالمستوى المطلوب.
وأما عن تشكيل الحكومة، من قبل اهل الحوار، فجوابه بالمثل القائل: «عندما يكثر الطباخون تحترق الطبخة».
النائب نقولا نحاس استصعب تشكيل الحكومة في ظل هذه المستجدات، وهذا ايضا رأي المصادر المتابعة، التي لاحظت لـ«الأنباء» ان بعض السفراء المهتمين بالشأن اللبناني، يستعجلون تشكيل الحكومة امام وسائل الاعلام ويدعون للتريث في الصالونات المغلقة، بانتظار هذه المحطة او ذاك الاستحقاق!
والحملة على الرسالة الرئاسية، أتت من خارج المجلس النيابي ايضا، فرئيس القوات اللبنانية سمير جعجع اعتبر في تصريح له ان «الرئيس عون اضاع فرصة كبيرة على لبنان».
والمفكر الاسلامي د.رضوان السيد «رأى ان لا عهد بلبنان بمثل هذا العهد منذ نشأة الكيان». بينما اكد القاضي شكري صادر، الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة «ان رسالة الرئيس عون الى مجلس النواب، عبرت عن فهم خاطئ لأحكام الدستور».
وضمن مساعي تبريد الأجواء وكبح الانفعالات، كانت زيارة السفير المصري ياسر العلوي الى رئيس مجلس النواب عشية الجلسة النيابية، حيث نقل اليه تمنيات القاهرة بتشكيل الحكومة، طبقا للتسوية التي ألمح اليها بري ووافقه عليها وليد جنبلاط.
وبالمحصلة النهائية لـ «ماتش» الرسالة الرئاسية كسب الحريري المعركة، لكن يبدو انه خسر امكانية تشكيل حكومة في فترة ما تبقى من ولاية الرئيس عون الذي كان الطرف الخاسر دون شك، وان كان صهره جبران باسيل من سيدفع الثمن نظير انهائه العهد قبل انتهاء الولاية.
لكن البطريرك الماروني بشارة الراعي تجاوز هذه المعطيات ليدعو الحريري عبر عظة الأحد من بكركي أمس، الى تقديم تشكيلة مستحدثة من الاختصاصيين وقال: لم تعد الذرائع تضع حدا، وهذا الجمود قاتل للدولة.
لقد استنزف المسؤولون الدستور حتى جعلوا نصه ضد روحه، وروحه ضد نصه، والاثنين ضد الميثاق
وأسف الراعي للاشتباك الذي حصل على أتوستراد نهر الكلب بين بعض اللبنانيين والنازحــــين السوريين المتوجهين إلى صناديق الاقتراع الرئاسي.
وسبب استفزاز مشاعر اللبنانيين في منطقة تعج بشهداء سقطوا في المعارك مع الجيش السوري، وفيما لا يزال ملف المعتقلين في السجون السورية مجهولا.
وقال الراعي النازحون السوريون شعب شقيق وتقاسم اللبنانيون وإياهم المسكن والمأكل والمشرب والمدرسة والجامعة، ولكن ليس مقبولا أن يبقوا في لبنان بانتظار الحل السياسي في سورية.
المصدر: الأنباء الكويتية