الراعي:الشعب غير مطمئن ويخاف على مستقبله انه بحاجة الى سلام سياسي واقتصادي وامني

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان حنا علوان وعاد ابي كرم، أمين سر البطريرك الأب بول مطر ولفيف من الكهنة.

حضر القداس النائب نبيل نقولا، قائمقام كسروان – الفتوح جوزف منصور، القنصل ايلي نصار، رئيس منظمة لبنان في الامم المتحدة سمير الضاهر، وفد بولوني في ابرشية Siedlce، وفد من جمعية النهضة اللبنانية في البقاع الشمالي برئاسة عبير كيروز بو صليبي، عائلة المرحوم طانيوس موسى مهنا وحشد من المؤمنين.

بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “وقف يسوع في وسطهم، وقال لهم: السلام لكم”(لو24: 36)، قال فيها:”الرب يسوع، القائم من الموت، وقف في وسط الرسل، فيما كانوا مجتمعين، ويتبادلون مشاعر آلامهم لموته، ومشاعر فرحهم لخبر قيامته، مع شيء من الشك وعدم التصديق بسبب الصدمة. لقد وقف الرب في وسطهم وطمأنهم، وزرع سلامه في قلوبهم منتزعا خوفهم وحالة اضطراب”.

أضاف: “في كل مرة تلتقي الجماعة المؤمنة وتصغي لقراءة الإنجيل والكتب المقدسة، وتتأمل فيها، وترفع أناشيد المجد والتسبيح، يحضر الله وسط الجماعة: الآب بمحبته المظللة، والابن بنعمته الخلاصية، والروح القدس بإلهاماته وفعله.

فلا بد لكل جماعة من أن تلتئم باسم المسيح، وتستحضره في الوسط. فهو الذي يجمعها، ويخاطبها، ويتضامن معها، ويوجهها، ويقويها، ويرسلها. ولقد وعد: “إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، أكون فيما بينهم” (متى 18: 12). عندما اختار الطوباوي الأخ اسطفان شعار “الله يراني”، أراد التأكيد أن الله معنا في كل حين، ولا يتركنا لوحدنا. يرى ضعفنا فيقوينا، ويرى حزننا فيعزينا، ويرى حاجاتنا وحالاتنا فيخاطب قلوبنا ويلهم المخرج منها، إذا عدنا إليه، واستغثنا برحمته وجودته”.

وتابع: “يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، وفي وسطنا المسيح الرب، راجين انفتاح قلوبنا وعقولنا للحضور الإلهي الفاعل فينا. فنرحب بكم جميعا، ونحيي بنوع خاص جمعية النهضة اللبنانية الحاضرة معنا، ورئيستها السيدة عبير كيروز بو صليبي والاعضاء، وهي مؤلفة من نساء البقاع الشمالي، مسيحيات ومسلمات، يعتنين بالمرأة البقاعية من الناحيتين الصحية لجهة التوعية والطبابة، والاقتصادية لإيجاد فرص عمل وتأمين مساعدات غذائية. إننا نبارك هذا العمل وأعضاء الجمعية ونشكرهم على هذه المبادرة.

ونرحب بالوفد البولوني، الآتي من أبرشية Siedlce (سيدلتسيه) ومعهما كاهنان يمثلان مطران الأبرشية والراديو الكاثوليكي Poldasié. إنهم يلبون دعوة الشبيبة المارونية لشكرهم على استقبال شبابنا في بيوتهم أثناء المشاركة في الأيام العالمية في بولونيا في تموز الماضي. ويقوم الوفد البولوني برحلة تعرف إلى لبنان وقديسيه. نتمنى لهم طيب الإقامة”.

ونحيي عائلة المرحوم طانيوس موسى مهنا الذي ودعناه معها منذ أسبوع، فنجدد التعازي لأولاده الأعزاء الخوري أرثر والمهندس جورج والابنتين ولشقيقه وسائر أنسبائه. نذكره بصلاتنا، ملتمسين له الراحة الأبدية في مجد السماء”.

أضاف: “كم تؤلمنا وسائر اللبنانيين ضحايا السير التي تسقط بتواتر، وكان آخرها الاب ميلاد تنوري، من الرهبانية اللبنانية المارونية، والمرشد الروحي في مستشفى سيدة المعونات جبيل. اننا اذ نعزي الرهبانية الجليلة واهالي الضحايا، نناشد السائقين الانتباه والتقيد بتعليمات وزارة الداخلية والاجهزة التابعة لها، منعا لحدوث مثل هذه المآسي التي لا تعوض”.

وقال: “وقف الرب يسوع في وسط الرسل وقال لهم: “السلام لكم”. هذا السلام هو المسيح إياه القائم من بين الأموات، سلام الانتصار على الخطيئة والموت، وعلى الظلم والحقد والبغض. وأكد بولس الرسول: “المسيح سلامنا” (افسس2: 14). هذا السلام الذي سبق ووعد به: “سلامي أعطيكم، لا كما يعطيه العالم أعطيكم أنا” (يو14: 27). واستودعنا سلامه لنكون في العالم صانعي سلام (راجع متى 5: 9). وكما ينتزع سلام المسيح الخوف من قلوبنا، علينا أن ننتزعه من قلوب الآخرين بقوة سلامه”.

أضاف: “السلام عطية سماوية، على كل واحد وواحدة منا أن يقبله وأن يسعى إلى الحصول الدائم عليه، لكي يعيش سعيدا، ومتحرِرا من كل عقدة وخوف. والسلام واجب، على كل واحد وواحدة منا أن يصنعه وينشره في محيطه من خلال ما يحمل من مسؤولية سواء في العائلة، أم في الكنيسة، أم في المجتمع، أم في الدولة”.

وتابع: “إني أتوجه بشكل خاص إلى المسؤولين عندنا في الدولة أكانوا في العمل السياسي عامة أم في البرلمان أم في الحكومة أم في الإدارات العامة أم في القضاء. فأقول لهم: الشعب غير مطمئن ويعيش في حالة اضطراب ويخاف على مستقبله. إنه بحاجة إلى سلام سياسي، وسلام اقتصادي، وسلام غذائي، وسلام أمني. يحتاج المواطن إلى سلام من خلال وظيفة عمل يؤمن له ولعائلته ولأولاده معيشة كريمة ومستقبلا مضمونا؛ ويحتاج إلى عدالة غير مسيسة وغير مقيدة برشوات، بحيث تعطيه حقه وترفع عنه الظلم؛ ويحتاج إلى سلام تؤمنه له وتحميه إدارات الدولة بصدق وعودها والتزامها بها، فلا تخدعه، كما فعلت على سبيل المثال مع مزارعي التفاح. وما القول عن سلسلة الرتب والرواتب، ومطالب العمال، ومساعدة الأهالي الذين اختاروا تعليم أولادهم في مدارس خاصة، مثلما تساعد الذين اختاروا المدرسة الرسمية؟ هذا السلام مطلوب من الجماعة السياسية عندنا”.

أضاف: “أجل، يحتاج المواطنون اللبنانيون إلى سلام اقتصادي اجتماعي معيشي، وقد ارتفعت نسبة الفقراء فيه إلى 32 %، ونسبة العاطلين عن العمل إلى 25 %، وارتفع الانفاق السنوي العام إلى مليار دولار أميركي بسبب الازدياد الضخم في الطلب على الخدمات العامة. وانخفض معدل النمو في ما ينتج عنه من خسائر على مستوى الأجور والأرباح والواردات الضريبية والاستهلاك والاستثمار. وارتفعت نسبة مستخدمي برامج وزارة الشؤون الاجتماعية إلى 40 %. هذا فضلا عن الطلبات الإضافية التي ترهق قطاع المياه والصرف الصحي والكهرباء، وقطاع الطرقات العامة. وهذا كله بسبب ازدياد مليوني نسمة على سكان لبنان الأربعة ملايين، من بينهم حاليا مليون ونصف نازح سوري مع ازدياد سنوي بعشرات آلاف الولادات الجديدة، ونصف مليون لاجىء فلسطيني.وبنتيجة ذلك بات اللبناني يعاني من انتزاع اللقمة من فمه وفم أولاده، ومن تلوث المياه، وانتشار الفيروس والأوبئة”.

وتابع: “كيف يمكن القبول بأن تحصر القوى السياسية في البرلمان والحكومة والكتل كل همها بإنتاج قانون جديد للانتخابات، وهي تحاول ذلك، من دون جدوى ودلائل، منذ اثنتي عشرة سنة، وتهمل كل هذه الحاجات التي يعاني منها المواطنون اللبنانيون، والتي تقوض أسس السلام الداخلي والاستقرار السلمي، فيما المنطقة المحيطة بنا تشتعل فيها نار الحروب والنزاعات، وتتزايد فيها تجارة الأسلحة والتسلح، وما زالت تعيش على فوهة بركان متأجج، ونخشى الأعظم، إذ تغيب الأصوات الداعية إلى إيقاف الحروب، وإلى إيجاد الحلول السلمية، وإلى العمل الجدي من أجل إحلال سلام عادل وشامل ودائم، وإعادة جميع اللاجئين والنازحين والمشردين إلى أوطانهم وبيوتهم وممتلكاتهم، ولبنان يرزح تحت ثقلهم الأعظم، والمهدد له في كيانه واقتصاده وصيغته وثقافته وسياسته وأمنه”.

وختم الراعي: “أجل، عالمنا، بل العالم كله بحاجة إلى سلام المسيح، سلام الحقيقة والعدالة، سلام الحرية والمحبة، سلام تنمية الشخص البشري والمجتمع. لا يحق لمن أسندت إليه السلطة العامة أن يهمل مسؤوليته في بناء السلام بكل وجوهه.
من الرب يسوع المسيح، الذي هو سلامنا (افسس 2: 14) نلتمس هبة السلام والشجاعة على صنعه ونشره، لمجد الثالوث القدوس، الأب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.

ثم، التقى الراعي المؤمنين المشاركين في القداس.

عن Editor1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *