يترقب اللبنانيون والأسواق المالية، بآمال متواضعة، الانطلاقة الموعودة لمنصة مصرف لبنان «المركزي» عقب عطلة عيد الفطر، بعدما اكتملت التجهيزات الفنية واللوجيستية والتدريبية لتأمين مشاركة الجهاز المصرفي وشركات الصرافة المرخصة في عمليات التبادلات النقدية، بينما لم تتضح، حتى الساعة، آليات إدارة العرض والطلب وإدارة السيولة ومصادر تأمين العملات الصعبة لصالح التجار والمستوردين.
وكشف استطلاع أجرته «الشرق الأوسط» مع مجموعة من المصرفيين والصرافين شحاً في المعلومات المتوفرة لديهم بشأن ماهية التشغيل الفعلي والشروط الواجب توفرها لدى الفئات المشمولة بالاستفادة من المنصة المستحدثة، بل إن بعضهم نوّه بأن التأخير المتمادي في وضع الخطوة المنتظرة موضع التنفيذ زاد من الضبابية التي تكتنف فحواها وجدواها، وهو ما ترجمه ارتفاع سعر الدولار في الأسواق الموازية إلى عتبة 13 ألف ليرة، بما يتعارض مع التوقعات السابقة بتهدئة سوقية موازية.
وإذ يؤمل صدور إعلام عن البنك المركزي، مطلع الأسبوع المقبل، يحدد الموعد الرسمي لبدء تشغيل المنصة، لاحظ مدير عام «فرست ناشونال بنك»، نجيب سمعان، أن الاهتمام البالغ الذي يبديه رئيس الجمهورية ميشال عون بضرورة عودة انتظام مبادلات العملات تحت إدارة السلطة النقدية وموافقة وزير المال غازي وزني على الخطوة، يشكلان تغطية سياسية كافية ومسبقة للتصور الذي وضعته حاكمية البنك المركزي، وبما يشمل وصف مهام المصارف وشركات الصرافة وتحديد الآليات العملانية للعرض والطلب ومرجعية التسعير اليومي لعمليات المنصة الجديدة.
وعدّ سمعان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» استعادة حضور «البنك المركزي» ودوره المفصلي في إدارة عمليات القطع، بداية ضرورية وملحّة للخروج من الفوضى النقدية العارمة التي تعم الأسواق. كما تمثل، في الوقت عينه، استجابة مبكرة لمقترحات ووصفة صندوق النقد الدولي في المجال النقدي لجهة اعتماد سعر صرف مرن مقرون بإثبات قدرات التحكم بإدارة السيولة، سواء بالليرة أو بالدولار وحصر الجزء الأكبر من المبادلات الخاصة بالمستوردين والتجار ضمن منصة واحدة يديرها البنك المركزي.
في المقابل، ينبه خبراء ومصرفيون من مغبة «فشل» المبادرة، ربطاً بعدم توفر تدفقات دولارية بسبب تدني الاحتياطات الحرة لدى البنك المركزي دون المليار دولار، مما يثير قلقاً مشروعاً في إمكانية «مد اليد» إلى الاحتياطات الإلزامية الخاصة بالمودعين في المصارف، فيما يتعذر، بشكل شبه مطبق، سحب أو تحويل أي مبالغ بالدولار، ويكابد المودعون الأمرّين للحصول على سحوبات مقيدة بالليرة، ووفقاً لسعر يماثل نحو 30 في المائة فقط من السعر الرائج في الأسواق الموازية.
وينصح الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور جو سروع «مَن بيده القرار اليوم بأن يفكر كثيراً وبعمق وبواقعية قبل إقرار أي أمر»، لأن «الغلط» في هذا الوقت الحساس سيكون مكلفاً جداً»، مؤكداً أن «اللجوء إلى خيار إطلاق منصة جديدة للحد من المضاربات ضد الليرة، لا يتوافق مع الوقائع السائدة في البلاد، إذ إن إدارة السياسة النقدية يلزمها مناخ عام مستقر وإيجابي، ويكون هدفها الأساسي توحيد سعر الصرف، وهذا يلزمه موارد نقدية مدعومة بخطة اقتصادية ومالية إصلاحية، وهذه الأمور جميعها غير متوفرة حالياً». علماً بأن تجفيف العمليات في الأسواق الموازية ليس بالأمر السهل أيضاً. «فهذه السوق منظمة ولديها حيثياتها وزبائنها واتساعها وعمقها أكثر مما يعتقد البعض».
وفي السياق، تؤثر إدارات بعض المصارف، وبينها مصارف كبيرة، تأخير مشاركتها الفعلية والتريث إلى حين وضوح كامل المعطيات المتصلة بالمنصة، وبالأخص تبيان مصادر تأمين الدولار لتلبية الطلب المتوقع. كما تعاني المصارف عموماً من الشح في توفر العملات الصعبة، حيث تبين المعطيات المجمعة لدى جمعية المصارف أن ميزان الحسابات الخارجية للمصارف لا يزال سلبياً لدى البنوك المراسلة بنحو 1.7 مليار دولار، رغم انكبابها على ضخ نسبة 3 في المائة من إجمالي ودائعها، أي ما يوازي نحو 3.5 مليار دولار في هذه الحسابات. وليس من المتوقع أن تكتمل عمليات الضخ في الحسابات الخارجية في وقت قريب، ولا سيما أن جزءاً وازناً منها يرتبط بالإنجاز التام لعمليات بيع وحدات مصرفية تابعة في الخارج.
كذلك، يخشى في ضوء انسداد آفاق الحلول الداخلية، خصوصاً ما يتصل بتأليف الحكومة الجديدة، أن تفقد المنصة المستحدثة تباعاً جدواها المتوقعة على منوال المنصة الأولى التي اعتمدت سعراً مرجعياً للدولار عند 3900 ليرة، وما لبث أن تحول إلى سعر معتمد لدعم مجموعة من السلع والمواد الأولية من جهة، ولصرف الودائع الدولارية بالليرة ضمن سقوف محددة اعتمدتها المصارف.
وبذلك يلحق التدبير الجديد ودولاره الموعود بسواه من الإجراءات التقنية المتعددة التي اعتمدها البنك المركزي عقب انفجار الأزمة النقدية، التي أفرغتها التجاذبات الداخلية الحادة من مضامينها وفعاليتها، بحيث لم تمنع جميعها من استنزاف خطر للاحتياط الحر من العملات الصعبة، وبلغ أخيراً حدود احتياطات الودائع البالغة نحو 16 مليار دولار.
المصدر: الشرق الأوسط