الإثنين , 23 ديسمبر 2024

دريان في خطبة العيد: نخشى من عنف اجتماعي يؤدي إلى ثورة الجياع والعراقيل التي وضعت وتوضع في وجه الحريري ما زالت قائمة

ألقى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان خطبة عيد الفطر السعيد في جامع محمد الأمين في وسط بيروت، وأم المصلين في حضور رئيس حكومة تصريف الاعمال الدكتور حسان دياب، النائبين فؤاد مخزومي وعدنان طرابلسي، أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية الشيخ أمين الكردي، رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام في لبنان القاضي الشيخ خلدون عريمط، قائد شرطة بيروت العميد محمد الأيوبي، علماء وأعضاء من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى وحشد من الشخصيات السياسية، الاجتماعية، النقابية والعسكرية.

وقال دريان في خطبة عيد الفطر: “الحمد لله الذي أنزل القرآن هدى ونورا. القرآن الذي أخبرنا الله أنه أنزل في ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر. والحمد لله الذي حثنا على الخير في كل آن ، وفي شهر رمضان على وجه الخصوص. والحمد لله الذي أقدرنا على الطاعات في شهر الصوم ، وفي كل زمان ومكان. والحمد لله الذي جدد في شهر رمضان الآمال ، وقوى العزائم على مكافحة اللأواء ، والتطلع إلى الغد الأفضل والأجمل ، والأكثر إنسانية وتقوى وورعا ، وتعاليا على الجراح. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، المتفرد بالكمال والتمام هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، العزيز الذي لا يضام، والجبار الذي لا يرام، له العظمة والجلال ، والعز والكبرياء . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، بعثه رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين، وحجة على الخلائق أجمعين، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا”.

وتابع: “أيها المسلمون: أود مع شروق شمس يوم العيد، أن أهنئكم أيها الإخوة بالصيام المأجور، وقيام النعمة المشكور . وقد قال سبحانه: لئن شكرتم لأزيدنكم، وعلى الفور، وبدون تريث أو تردد، نوجه الأنظار والأفئدة إلى نضال الإخوة في القدس وفلسطين. النضال من أجل الحرية والكرامة، والعيش الآمن والعزيز. النضال بالعبادة والصلاة من أجل حماية الأقصى والقدس. وقد قال سبحانه وتعالى: وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا، نعم، لقد انطلق شباب القدس وفلسطين، وشيوخها ونساؤها وأطفالها إلى رحاب المسجد الأقصى المبارك، يناضلون الاحتلال، ويناضلون عن دينهم وحقهم في الصلاة في جنبات الحرم وساحاته ومصلياته. لقد ناضلوا في رمضان بالبطون الخاوية، والإيمان الملتهب، من أجل البقاء في أرضهم وبيوتهم وشوارعهم ، والصمود فيها، حيث لكل خطوة واثقة صدقة، ولكل جبهة ساجدة أجرا محتسبا. لا يحول بينهم وبين أداء واجب المجاهدة شراسة محتل، ولا تغول مستوطن، ولا انتهاك باغ أو معتد. إنه المثل الذي يضربه لنا في كل يوم شباب فلسطين وشيوخهم. فتختلط دماؤهم وهم الركع السجود بتراب القدس، وحي الشيخ جراح، وبالآماد المتطاولة من المعاناة والصبر من أجل الحرية، ومن أجل أن يكون الدين كله لله”.

وتوجه الى “العرب أيها المسلمون”، قائلا: “في الوقت الذي كان فيه الإخوة المقدسيون والفلسطينيون الآخرون، يشهدون جميعا ليلة القدر؛ كان هناك الشهود من جميع أنحاء العالمين العربي والإسلامي، الذين يقفون مع حق الأرض والوطن، ومع حق الدين والصلاة في الأقصى. ستبقى القدس عنوانا للوحدة العربية والإسلامية، وستبقى فلسطين قضيتنا المركزية، وما يجري اليوم في باحات المسجد الأقصى من قبل العدو الإسرائيلي المغتصب هو انتهاك لحقوق الإنسان، وتعد على المقدسيين والفلسطينيين، وعلى العرب والمسلمين والمسيحيين في العالم، وهو إرهاب منظم لا يمكن السكوت عنه، وندعو جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس الأمن والمجتمع الدولي، الى اتخاذ إجراءات سريعة لردع هذا العدوان، وإنصاف الشعب الفلسطيني، والعمل على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف”.

وأضاف: “أيها المسلمون، أيها اللبنانيون: أريد أيضا توجيه النظر إلى شواهد النعمة والرحمة في شهر الرحمة . إنه التضامن المنقطع النظير، الذي ظهر في المدن والبلدات والقرى بالمساعدات الغذائية، وبالمساعدات النقدية، وبمواساة المكروبين، وذوي الحاجة والعفاف. ما بقي مسلم، إلا وتضامن بقدر الوسع والطاقة، وفي أحيان كثيرة بما يتجاوز الوسع والطاقة . فلننظر إلى مواكب أهل التطوع – أفرادا وجماعات – في آناء الليل وأطراف النهار، ولنعتبر . إنها الهمم العالية، والعزائم الصلبة، والإيمان الفياض الذي يصنع العجائب. يقال وسيقال، لكن ذلك كله غير كاف. وقد يكون الأمر كذلك، لكن الأعمال الصالحة هي التي تغني وتبقي، فرسول الله، كان جوادا وكريما على الدوام، أما في رمضان، فقد كان كالريح المرسلة. وعلى خطى النبي وسنته، نمضي جميعا لنغير أسلوب الحياة من أجل الأفضل، ولكي تبقى الكلمة السواء واليد العليا، هي مناط اهتمام المؤمنين ومساعيهم الخيرة”.

وقال: “نحن نشيد بنضال الإخوة الشهداء والشهود في فلسطين، وبأهل الخير والتضامن والتكاتف في لبنان . ونشيد أيضا بروح العيش المشترك، التي ظهرت في أعمال المتطوعين من الشباب والشابات، الذين لا يزالون يعملون بدون كلل ولا هوادة، لتجاوز كارثة انفجار المرفأ، وكوارث الوباء الذي كلف آلاف المصابين، وآلاف الأرواح. ولا بد أيضا من الإشادة بجهود سائر العاملين في المستشفيات، وفي مراكز التلقيح، وفي مساعي النجدة والمبادرة.المجتمع اللبناني مجتمع تضامن ومواساة وإنجاز للجديد، والمتقدم في الخير العام، ومن أجل جميع الناس، سواء الكبار والشيوخ أو الصغار والفقراء، وأهل الحاجة والمسكنة. لا يتوقف اللبنانيون عن العمل المبدع والمعمر والباني، الذي يبعث على الأمل والحياة والمعافاة. هذا هو الشعب اللبناني الذي نعرفه، والذي نقدره، والذي يبقى مناط الرجاء والعيش العزيز الكريم”.

وتوجه الى اللبنانيي، قائلا: “إذا كنا نشيد بالمحسنين في رمضان وغير رمضان، وفي فلسطين ولبنان، وسائر ديار العرب والمسلمين؛ ونحن نشهد لهم وبهم باعتبارهم قوى العزيمة والمواساة والكرامة؛ فإنه يكون علينا أن نشهد أيضا على المقصرين والمشاركين في صنع الأزمة الكبرى، التي يعانيها اللبنانيون جميعا. في طليعة الذين ينبغي أن نشهد عليهم، العاملون في الشأن السياسي العام، الذين خذلوا مواطنيهم خذلانا شديدا حين انغمسوا في الفساد، وحين حالوا دون تشكيل حكومة قادرة على إيقاف الانهيار، وإعادة الاعمار، والذهاب إلى المجتمع الدولي، من أجل المساعدة، هؤلاء السياسيون مسؤولون ومدانون من طريق الانغماس في الفساد الذي صار وباء أفظع من وباء كورونا. وطريق منع الخير، ومنع عمل المؤسسات الدستورية، والانحدار إلى مستويات دنيا من مخالفة الدستور، ومن ضرب القضاء، ومن اللجوء إلى أوهام الطائفية، والتفرقة بين المواطنين. كل هذه الأعمال السيئة، لن ينساها لهم الشعب، الذي انكشفت أمامه نزعات السياسيين، الذين انهمكوا لأعوام وإلى الآن، في الاعتناء بمصالحهم على حساب الناس، وحساب استقرار لبنان وسمعته بين دول العالم. والرأي العام يتساءل معنا أيضا، أين نتائج التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، وأين هي حقوق المواطنين الذين قتلوا أو جرحوا أو دمرت ممتلكاتهم ؟ كل تاخير في هذا الملف هو نقطة سوداء ووصمة عار في مسيرة الوطن. إن ما نشهده من أزمات تلو الأزمات، وآخرها تهديد المواطن بانقطاع ما تبقى من بعض ساعات التغذية الكهربائية، ونتساءل: هل سيبقى الصمت سائدا حتى يتحول لبنان إلى العتمة الشاملة، ويقضى على مقومات عيش المواطن الكريم، الذي ينزف دما ودموعا وبطالة، ويتضور جوعا نتيجة أخطاء الحكم وخطاياه، وانطلاقا من ذلك، فإننا نبدي خشيتنا من انفجار أو عنف اجتماعي ، يؤدي إلى ثورة الجياع، التي لا تبقي ولا تذر، وحينها لا ينفع الندم. ويكون علينا بعد السياسيين، أن نتوجه بالعتب الشديد إلى أولئك الذين ائتمنهم الشعب على أمواله وودائعه، فخانوا الأمانة ، وانصرفوا إلى التربح، فشاركوا بقوة السياسيين، في تدمير قطاع لبناني عريق، شهد له اللبنانيون والعرب والعالم في زمن الأسلاف، حين كان لبنان هو مصرف العرب، ومستشفاهم، وجامعاتهم ومدارسهم. وكم اعتززنا بثورة الشباب ، من أجل الإصلاح وما نزال”.

وتابع: “المبادرات الداخلية والخارجية لتشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين، لم تثمر حتى الآن، والسبب أصبح معروفا للقاصي والداني، وهو الشخصانية والأنانية التي تعمي البصر والبصيرة، فالعراقيل والعقبات التي وضعت وتوضع في وجه الرئيس المكلف تأليف الحكومة، ما زالت قائمة، ويبدو أنها مستمرة بشكل ممنهج، ولا يوقف الانهيار والخراب الذي نعيشه، إلا ولادة حكومة تعالج الفساد والاهتراء الذي لم يشهده لبنان على مدى عقود، وتقوم بالإصلاحات المطلوبة، وأي كلام آخر هو خداع للناس. علينا أن نعترف ونقول بالفم الملآن: نحن نعيش أزمة فقدان الثقة، والمؤمن لا ييأس، ومن لا تحركه غيرته تجاه وطنه وشعبه، فلا خير فيه مطلقا، حب الوطن ليس مجرد كلمات تقال، أو شعارات ترفع، أو خطابات رنانة تلقى، بل هو فعل، والأنا تودي بنا إلى طريق غير مستقيم. المطلوب التعاون والتضافر من أجل حب الوطن ، فعلى أبنائه أن يجدوا ويجتهدوا ويقفوا وقفة شجاعة، ضد كل الأساليب التي تشكل سدا منيعا بوجه تشكيل الحكومة. أعان الله الرئيس المكلف، على مهمته الشاقة، وكان الله في عون رئيس حكومة تصريف الأعمال، الذي تحمل ما لم يتحمله غيره في مثل هذه الظروف الصعبة”.

وقال: “أيها المسلمون أيها اللبنانيون، هناك صراع بين قوى الخير والمسؤولية، والتضامن الوطني والإنساني في لبنان من جهة، وفئات البغي وعصائبه، وانعدام المسؤولية، والذين يصنعون الكوارث أو يزيدونها شرا وعدوانا. ورمضان شهر المحاسبة، فمنهم من تثقل موازينه، ومنهم من تخف. ونحن مع الشعب، نسأل الله الذي قال: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شر يره، أن يجزي كلا بعمله، والخيرون معروفون بسيماهم، والمجرمون معروفون بجرائمهم وعدوانهم على الوطن وعلى الدولة”.

وختم دريان: “أيها المسلمون، رمضان شهر الصبر والمواساة والمبادرة. وقد أديتم واجبكم، وصنعتم فارقا في مجالات العبادة، ومكافحة البؤس والتعب، والاحتياجات المتفاقمة. أهنئكم بالعيد المبارك، وأسال الله أن يجزيكم خير الجزاء، على الفضائل والطاعات، وبارك الله لكم صومكم وفطركم، وصلاتكم وزكاتكم وعملكم، من أجل الخير والبر والتقوى. أقول قولي وأستغفر الله العظيم لي ولك، فيا فوز المستغفرين استغفروا الله” .

بعدها، توجه دريان إلى ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث قرأ الفاتحة عن روحه الطاهرة ورفاقه الأبرار.

وكان دياب اصطحب مفتي الجمهورية من منزله صباحا إلى مسجد محمد الأمين في موكب رسمي، حيث قدمت ثلة من قوى الأمن الداخلي التشريفات في باحة المسجد لدياب ودريان.

عن Editor1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *