يبدو ان الضجة التي أثيرت حول الحدود البحريّة اللبنانية جنوبا، ومرسوم تعديلها بغية استعادة كامل حقوقنا النفطية التي أكَل “الاتفاقُ – الاطار” بين بيروت وتل ابيب بوساطة اميركية، جزءا لا بأس به منها، هدأت، وهي ستستكين اكثر يوما بعد يوم الى ان “ينقطع” حسّها نهائيا قريبا. لماذا؟ لان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي خاض منذ اسابيع معركة تعديل المرسوم، يبدو اقتنع، وفق ما ترى مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، بأن اي تغيير في قواعد مفاوضات الناقورة بين لبنان والكيان العبري برعاية واشنطن، سيطيح التنقيب اللبناني المرجوّ، عن بكرة أبيه. وهذه هي الخلاصة التي خرج بها بعيد استقباله وكيل الخارجية الاميركية دايفيد هيل في بعبدا منذ ايام.
وعليه، تتابع المصادر، يرجّح ان يكون مشوار المرسوم العتيد انتهى في محطة بعبدا، التي ليست في وارد توقيعه قريبا. وقد أكد الرئيس عون في سلسلة بيانات ومواقف، سَهَره على عدم اضاعة اي شبر من الحقوق، الا انه يتمسّك بأمور دستورية، ابرزها ان التعديل يتطلب جلسة لمجلس الوزراء، بحسب رأي هيئة الاستشارات والقضايا.
وفق المصادر، العهد يفضّل ان تنام هذه القضية، وفي الاثناء، يعمل مَن يدورون في فلك تأييد هذا التوجه اعلاميا وسياسيا، على ضخّ معطيات، في اجواء “الترسيم”، بغية دعم الخيار الرئاسي من جهة، ودفع الرأي العام المحلي الى الاقتناع بأن التخلّي عن جزء من الحقوق البحريّة يبقى افضل من خسارتها كلّها. في هذه الخانة، تصب المعلومات التي تحدثت امس عن تخبط في دراسات الجيش اللبناني وفي ادائه التفاوضي، لاظهاره وكأنه يتخبّط ولم يعدّ ملفاته جيدا، ما استدعى ردا مقتضبا وحاسما من المؤسسة العسكرية جاء فيه “تنفي قيادة الجيش – مديرية التوجيه ما أوردته إحدى الصحف المحلية ومفاده أن الجيش أدخل تعديلاً جديداً على مقترحه المتعلق بالمفاوضات التقنية غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية، من خلال إضافة خط حدودي جديد سُمي “خط قانا”.
لكن في مقابل الرغبة بالعودة الى “التفاهم – الاطار” على قاعدة افضل الممكن، يرفض المتمسكون بالثروة النفطية “لانها حق سيادي”، ترك الملف “يموت”. في هذه الخانة يصب تمسُّك الجيش بالمرسوم 6433، كما موقفُ لجنة الادارة والعدل، فرئيسها النائب جورج عدوان كشف بعد جلسة للجنة امس أن الاخيرة “تحمّل الحكومة المستقيلة المسؤولية الكاملة لكي تجتمع فورا وتتخذ قرارا بتعديل المرسوم 6433 تحت طائلة المساءلة الدستورية بالاخلال بالواجب الوطني. نطلب منها بالحاح ان تقوم بذلك قبل فوات الاوان وضمن المهل المطلوبة، وان تتخذ كل التدابير لابلاغ الامم المتحدة بموقف لبنان والتعديلات عليه، وهي موثقة ومثبتة وفقا للعلم وللقانون. واضاف “سنرفع توصية الى الهيئة العامة لكي تطلب من الحكومة ان تجتمع، وهنا تصبح توصية صادرة عن مجلس النواب للاجتماع في اسرع وقت. انما الحس الوطني والمسؤولية الوطنية يقضيان بالطلب من الحكومة الا تنتظر الهيئة العامة في المجلس وتبادر لأن هذا عمل تتوقف عليه حقوق كل اللبنانيين اليوم ومستقبلا”.
هذه الحركة كلّها، تتابع المصادر، من المستبعد ان تنجح في تغيير القرار الرسمي – الذي عاد وجمع بين “العهد” ورئيس مجلس النواب نبيه بري – والقاضي بعدم تعديل المرسوم وباستئناف المحادثات في الناقورة، بالصيغة والخرائط التي بدأت على اساسهما. وهي على الارجح، ستنطلق مجددا بعيد تعيين ممثل جديد للولايات المتحدة فيها، خلفا لجون ديروشر. اي ان صافرة الجلوس مجددا الى الطاولة، تنتظر واشنطن، لا اكثر. فالطريق اليها، من بيروت عادت وفُتحت، بعد ان كانت قُطعت منذ اشهر عقب قرار الوفد اللبناني تغيير خرائط التفاوض.
المصدر: المركزية