كتبت ايفا ابي حيدر في الجمهورية: “تريّث حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في إطلاق عمل المنصة الجديدة ريثما تتألف الحكومة، لأنّ من شأن هكذا خطوة ان تقدّم دعماً لسير عملها وتؤتي بثمار أكثر من حيث الحد من المضاربات على الليرة وضبط سعر الدولار في السوق السوداء. لكن، وبعد هدر كل هذا الوقت من دون اي خطوات اصلاحية انقاذية اتخذ القرار بإطلاق عمل «المنصة 2» اعتباراً من يوم الاثنين الواقع فيه 26 نيسان الحالي. وقبَيل الموعد المنتظر، أعدّ مصرف لبنان دورات تدريبية شارك فيها اثنان من موظفي كل مصرف او مؤسسة صرافة مسجّلة ترغب في المشاركة بالمنصة، وذلك في مبنى «المعهد العالي للأعمال» في كليمنصو على مدى ثلاثة ايام تنتهي غداً. فهل تنجح المنصة 2 بعدما فشلت المنصة الاولى بتوفير استقرار سعر الصرف؟ وما الثمن الذي سيدفعه المودع لتحقيق ذلك؟
في السياق، يقول كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الابحاث في بنك عودة مروان بركات، انّ إطلاق منصة تداول الدولار والسماح للمصارف بالتداول بالعملات مثل الصرّافین الشرعیین على قاعدة المنصة الالكترونیة الجدیدة المستحدثة التابعة لمصرف لبنان يشكل خطوة لتعزیز فعالیّة السوق وعمقها واحتواء السیولة باللیرة اللبنانیة التي تتجه الى السوق السوداء، علماً انّ النقد المتداول تجاوز الـ 35 ألف ملیار لیرة الیوم وهو یمثّل ثلاثة اضعاف حجمه منذ سنة ونصف. أمّا السعر فیحدّده مصرف لبنان كونه المتدخّل الأكبر في المنصة التي ستبدأ عملها الاثنين المقبل، مع العلم أنّ وزیر المال تحدث عن سعر مستهدف بقیمة 10 آلاف ل.ل. للدولار
واعتبر عبر «الجمهورية» أنّ نجاح هذه المنصة مرتبط بقدرتها على تهميش السوق السوداء من حيث حجمها وعمقها وفعاليتها، إلاّ أننا نعتقد أنّ مفعول المنصة مرحلي وان الاحتواء الجذري لتفلّت سعر صرف الدولار في السوق الموازي رهنُ تطورات سیاسیة تعید الثقة الى اللبنانیین، وتحدّ من تهافتهم على تخزین الدولار في المنازل في غیاب المخارج الاقتصادیة الإصلاحیة.
ورداً على سؤال، أشار بركات الى أن مصرف لبنان سیأتي بالدولارات من احتیاطاته بالعملات الأجنبیة «علماً أننا نتمنّى الّا یسمح بانخفاض احتیاطاته السائلة الى ما دون الاحتیاطي الالزامي للمصارف والمقدّر بـ16 ملیار دولار (15% من قاعدة الودائع بالدولار المقدّرة بـ111 ملیار دولار الیوم)». وأوضح انّ الموجودات الخارجیة لمصرف لبنان تقدّر بـ22.5 ملیار دولار الّا انها تتضمن 5 ملیارات دولار من محفظة اليوروبندز وبعض التسلیفات المحلیة بالعملات، بما یعني ان الاحتیاطات السائلة لا تتعدّى الـ 16.5 ملیار دولار. وعليه، تواجه الدولة سیفاً ذا حدّین: إمّا أن تنكفئ عن التدخّل في سوق القطع بما یساهم في المزید من تدهور سعر الصرف في السوق الموازیة أو أن تستنزف ما تبقّى من احتیاطات، وبالتالي تضع ودائع الزبائن بالعملات الأجنبیة على المحك في نهایة المطاف.
من هنا، فإنّ السبیل الوحید لكسر هذه الحلقة المفرغة یكمن في تأمین المساعدات الخارجیة مع إرساء برنامج كامل مع صندوق النقد الدولي من قبل الحكومة العتیدة یضمن صدقیة الدولة في تنفیذ الإصلاحات الموعودة ویكون له أثر الرافعة للدول المانحة بشكل عام. ورأى أنّ بصیص الامل الوحید على هذا الصعید یرتبط في بذل كل الجهود لتشكیل الحكومة العتیدة، على أمل إزالة العقبات الحالیة التي تواجه التشكیل، وتشكیل حكومة ذات صدقیة بشكل وشیك، وإطلاق الإصلاحات الهیكلیة، وبالتالي تعبید الطریق أمام عقد مؤتمرات دولية داعمة للبنان.
وعَزا بركات التدهور في سعر الصرف في الشهرين الأخیرین لارتباطه بشكل أساسي بالضبابیة السیاسیة المحلیة، خصوصاً في ظلّ التجاذبات الداخلیة المرتبطة بتشكیل الحكومة. عندما یتعثّر التشكیل یرتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء وعندما تتعزّز آمال التشكیل ینخفض سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
أمّا بالنسبة للعوامل البنیویة التي أدّت منذ سنة ونصف الى تدهور اللیرة اللبنانیة فهي مرتبطة بشكل خاص بانخفاض العرض وازدیاد الطلب في سیاق شحّ الدولار في السوق بالترافق مع خلق النقد باللیرة اللبنانیة. فقد تراجعت حركة الأموال الوافدة الى لبنان بشكل لافت خلال السنة الفائتة بما أدّى الى عجز في میزان المدفوعات بقیمة 10.5 ملیارات دولار في العام 2020 رغم تحسّن العجز التجاري بنسبة 53% خلال السنة. امّا لناحیة خلق النقد باللیرة، فقد زاد النقد المتداول من 10 آلاف ملیار لیرة في بدایة 2020 الى حدود 30 ألف ملیار لیرة في نهایة 2020 بارتفاع نسبته 194% خلال العام، وذلك في سیاق تنقید العجز في المالیة العامة من قبل مصرف لبنان.
وفي نظرة مستقبلیة، رأى بركات انّ آفاق سعر صرف اللیرة مرتبط بالآفاق السیاسیة المحلیة العامة والإدارة الاقتصادیة للأزمة المالیة/النقدیة والقدرة على احتواء العجَزین المزدوجین في المالیة العامة والحسابات الخارجیة.
وشدّد على انّ الخروج من هذا المأزق لا یمكن إلّا أن یكون عن طریق حلّ عام ینطوي على تشكیل حكومة ذات صدقیة، وإطلاق عجلة الإصلاحات المنشودة، وإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وبالتالي، الحصول على المساعدات الدولیة في ظلّ التأثیر الذي یتمتّع به الصندوق على الدول المانحة والمؤسسات المانحة. وهنا نتساءل ماذا یفعل المعنیّون؟ 8 أشهر ولم تتشكّل حكومة بعد، في بلد یعاني أسوأ أزمة اقتصادیة في تاریخ لبنان الحدیث، وبحاجة لاستراتیجیة حكومیة للخروج من الأزمة ومقاربة أوجاع الناس.