كتبت “الأنباء” الكويتية تقول: “كادت مسألة مرسوم تعديل الحدود البحرية الحيوية (بين لبنان وإسرائيل) أن تطغى على زيارة وكيل الخارجية الأميركية ديفيد هيل.
وكاد الاشتباك السياسي حول «المرسوم 6433» أن يطغى أيضا على الاشتباك الدائر منذ أشهر حول الملف الحكومي.
ولم يخل الأمر من إثارة ومفاجآت كان أولها مفاجأة التريث الذي أبداه رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية في الإيعاز إلى الوزير ميشال نجار للتوقيع على المرسوم، والذي أنهاه بهجوم من خارج السياق على قائد الجيش العماد جوزف عون، متهما إياه بأنه وراء استهدافه والهجوم عليه، وأنه يريد أن «يعمل رئيس جمهورية» معتمدا أساليب قديمة ومدرسة جوني عبدو.
هذا الهجوم غير المسبوق من جانب فرنجية على قائد الجيش يعني أمرين: الأول أن فرنجية باتت لديه قناعة غير معلنة بأن منافسه الرئيسي و«الأقوى» على رئاسة الجمهورية بات جوزف عون وليس جبران باسيل.
والثاني أن فرنجية يخشى أن يكون موقف قائد الجيش من هذه المسألة الاستراتيجية مدخلا إلى علاقة أفضل بينه وبين حزب الله.
المفاجأة الثانية الأكثر أهمية والأشد وقعا، تمثلت في عدم توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على المرسوم وإعادته إلى رئاسة الحكومة، لأن المرسوم يحتاج إلى قرار يتخذه مجلس الوزراء مجتمعا وفقا لرأي هيئة التشريع والاستشارات، حتى في ظل حكومة تصريف الأعمال، نظرا إلى أهميته والنتائج المترتبة عليه، خصوصا ان الوزراء الموقعين ربطوا توقيعهم بإقرار المرسوم في مجلس الوزراء.
موقف الرئيس عون قوبل بردود فعل تراوحت بين «الدهشة والصدمة»، وتركزت خصوصا في الأوساط الحليفة لرئيس الجمهورية التي لم تتقبل ولم تستوعب أن «العثرة» جاءت من رئاسة الجمهورية، وأن تريثا قد حصل في ملف وطني واستراتيجي، مع ما لهذه «الثغرة» السياسية والقانونية في الموقف اللبناني من تأثير سلبي على موقف لبنان التفاوضي.
وفي الواقع شنت حملة تفسيرات واتهامات سياسية في وجه الموقف الرئاسي بعدم التوقيع وانتظار انعقاد مجلس الوزراء وقراره.
وهذه الحملة ركزت على ربط الموقف في توقيته وأبعاده بموضوعين:
الأول: زيارة ديفيد هيل الى بيروت، وحيث أراد عون استخدام الملف في السياسة ومساومة الأميركيين عليه، ولتثبيت نفسه مرجعية في التفاوض.
وفيما ذهب البعض إلى حد الكلام عن محاولة استرضاء الأميركيين واستدراجهم في موضوع العقوبات المفروضة على باسيل، حصر البعض هذا التريث في تكتيك سياسي بهدف معرفة ما يحمله هيل.
فإذا كان متشددا يصار الى توقيع المرسوم، وإذا كان متساهلا يبقى الباب مفتوحا تفاديا لاستفزاز الإدارة الأميركية.
الثاني: يتصل بأزمة تشكيل الحكومة والاستثمار السياسي في موضوع المرسوم داخليا، للدفع باتجاه عقد جلسة لمجلس الوزراء وتعويم أو تفعيل حكومة تصريف الأعمال في وجه الرئيس المكلف سعد الحريري الذي يستقوي بهذه الورقة، وحيث إن رئيس حكومة تصريف العمال حسان دياب أخذ قراره بعدم تفعيل حكومته وعدم دعوتها حتى في موضوع إقرار الموازنة، وأعطى تعهدا بهذا الشأن للرئيس سعد الحريري الذي تضامن معه ووقف الى جانبه، بينما خذله الحلفاء.
وبالتالي، فإن السؤال الملح يبقى: ماذا لو أصر دياب على عدم عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء قبل يونيو؟! وهل سيمشي رئيس الجمهورية بالمرسوم الاستثنائي؟! وإذا حصل هذا الأمر، ألم يكن من الأفضل إبقاء الكرة في ملعب الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري بدل وضعها في ملعب دياب وعون؟!
أوساط قصر بعبدا بدت مستاءة من هذه الانتقادات والاتهامات غير المبررة وغير البريئة، وقدمت الكثير من توضيحات وتأكيدات منها النفي القاطع لوجود أي رابط مع زيارة هيل، لأن الرئيس لا يتحرك في مسألة وطنية وفق ترتيب زيارات معينة، وأنه يتفاوض تحت سقف السيادة ولن يتراجع بموضوع تعديل الحدود ولا عن العودة إلى المفاوضات، وللرئيس الحق في تحديد المسار التفاوضي ولا يريد لمرسوم أن يصل الى الأمم المتحدة وفيه عطب قانوني ودستوري.
المفاجآت لا تقتصر على أطراف الحكم. فثمة مفاجأة جاءت من خارج السلطة ومن صفوف المعارضة، وتحديدا من القوات اللبنانية التي تعاطت مع المسألة من خلفية وطنية واستراتيجية، وقالت على لسان النائب جورج عدوان (الذي كان التقى قبل يومين وزيرة الدفاع والوفد اللبناني المفاوض) «إن موضوع تعديل المرسوم موضوع سيادي ويتعلق بحقوق كل اللبنانيين من دون استثناء وبسيادة لبنان على بحره وأرضه».
وتوجه عدوان للرئيس دياب، ليطلب منه بمسؤوليته الوطنية أن يعقد جلسة لمجلس وزراء «غدا إن لم يكن اليوم»، لتعديل المرسوم رقم 6433 وإرساله فورا للأمم المتحدة».
وإذا لم يقدم الرئيس دياب على هذه الخطوة، والتي ستترك أثرا كبيرا، على رئيس الجمهورية أن يوقع المرسوم لأنه مؤتمن على المصلحة الوطنية الكبرى وعلى الدستور».