المعادلة الاقتصادية في لبنان باتت واضحة، “كلما انخفضت احتياطات البنك المركزي بالعملات الأجنبية، سيقابلها مزيد من التضخم وارتفاع في سعر صرف الليرة مقابل الدولار”. ومنذ اندلاع الأزمة وأموال المصرف المركزي تُستنزف في دعم الأدوية والمحروقات ومجموعة من السلع الاستهلاكية الأساسية بما يعادل ستة مليارات دولار سنوياً، في ظل انكماش اقتصادي هائل أوقف الإيرادات المعوّل عليها لتعويض كلفة الدعم إلى أدنى المستويات، وما تبقّى حالياً لدى مصرف لبنان من أموال بالدولار الأميركي يمكن استخدامها لتمويل الدعم، لا تتخطّى 1.3 مليار دولار، تكفي لحوالى ثلاثة أشهر، مع الإشارة إلى أن السلفة التي أقرّها مجلس النواب في جلسته الأخيرة لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 200 مليون دولار، ستؤمّن أيضاً من هذه الأموال، ليتراجع الرصيد المخصص للدعم إلى 1.1 مليار دولار.
وتقول المعلومات إن هذه السلفة هي جزء من 996 مليون دولار تطلبها وزارة الطاقة لصالح “مؤسسة كهرباء لبنان” بشكل ملحّ وطارئ للاستمرار بتغذية التيار، الأمر الذي فرض معادلة جديدة هي الاختيار بين “العتمة الشاملة” أو استخدام الاحتياطيات الإلزامية لدى المصرف المركزي، ما اعتبره نواب حزبي “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” اللذين صوّتا ضد إقرار السلفة، عملية ابتزاز للشعب اللبناني.
تحذير… وجولة مقبلة
واعتبر النائب جورج عقيص أن إقرار سلفة الكهرباء كان خطأ كبيراً، قائلاً “من شرّع السلفة الإضافية لكهرباء لبنان هو في الواقع، عن حسن نية أو عن سوء نية، يعجّل في حصول العتمة مع تشريع سرقة جزء من مدخرات المودعين لتمويل السلفة”. وأوضح أن “القوات كانت فعلياً مع مواجهة الحكومة ووضعها أمام مسؤولياتها ولو كلّف ذلك وجعاً مؤقتاً، ومع الضغط على وزارة الطاقة للسير في حلول مستدامة لمعضلة الكهرباء، ومع الحفاظ على اليسير مما تبقّى من أموال المودعين لدى مصرف لبنان، لأن السلفة مع هذه الزمرة تعني تأجيل الإصلاحات وترحيل الحلول والعودة بعد حين لابتزاز النواب بخيار السلفة أو العتمة، وأضاف “ستكون لنا جولة أخرى بعد شهرين”.
في المقابل، أكد رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان أن “إقرار سلفة الكهرباء ضرورة كحل مؤقت، وإلا سنكون أمام العتمة وإطفاء المستشفيات والمؤسسات”، محمّلاً سياسات “الدعم” التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة وكلفت 11 مليار دولار سنوياً، والتي برأيه “أدت إلى حدود المساس بأموال المودعين”، وزر الأوضاع التي وصلت إليها البلاد.
وكان وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر، استبق جلسة إقرار السلفة بالتحذير من أن لبنان قد يتجه إلى “العتمة الشاملة” نهاية الشهر الحالي، ما لم يتم توفير المال اللازم لشراء الفيول المشغّل للمعامل.
ووفق مصادر المصرف المركزي، يستعد الحاكم رياض سلامة لعقد سلسلة اجتماعات طارئة مع وزراء الاقتصاد والتجارة والزراعة والصناعة والطاقة، إضافة إلى رئاسة الحكومة، لإبلاغهم بأن الأموال المخصصة للدعم تنتهي بداية شهر يونيو (حزيران) لاتخاذ القرارات المناسبة، لا سيما تجاه التبعات الاقتصادية وآثارها الاجتماعية الكارثية المتوقعة.
وكان وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، أعلن في مقابلة مع وكالة “بلومبيرغ” أن الاحتياطيات بالعملات الأجنبية المتبقية في مصرف لبنان تبلغ 16 مليار دولار، ولا يمكن استخدام سوى مليار و1.5 مليار دولار منها فقط لتمويل الدعم، ما يكفي لشهرين أو ثلاثة أشهر.
تهاوي المعامل
وبالتزامن مع أزمة التمويل، بدأت معامل الكهرباء في لبنان تتهاوى الواحدة تلو الأخرى. فبعد توقف معمل الزهراني جنوباً عن العمل بسبب نفاد مادة المازوت لتشغيله، قبل أن يخفّض إنتاجه من 450 ميغاواطاً أي ما يعادل ثلث معدل الإنتاج، خرج معمل دير عمار الحراري في شمال البلاد عن الخدمة كلّياً بسبب نفاد مادة الفيول أويل، وعدم إيجاد الحلول للبواخر الراسية مقابل السواحل اللبنانية، التي تنتظر تحويل الاعتمادات المالية، في وقت برزت أزمة جديدة تتعلق بمطابقة نوعية حمولتها المعايير المطلوبة لتشغيل المعمل. وأفادت المعلومات بأن الدولة اللبنانية تتكبد خسائر قيمتها 48 ألف دولار يومياً بسبب التأخير في استلام الفيول من الباخرتين الراسيتين قبالة الزهراني ودير عمار.
المصدر: عربية independent
طوني بولس