أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، في خلال افتتاحية مؤتمر “Euromoney لعام 2017″، ان “التغيرات السياسية التي طالت العالم أجمع، تحديدا في ظل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب الرئيس ترامب رئيسا للولايات المتحدة، أثرت على الأسواق”.
واوضح سلامه ردا على اسئلة طرحت: “الـ Brexit أدى إلى انخفاض كبير في قيمة السترلينغ وانتخاب الرئيس ترامب ترك الأثر الأكبر منذ سنتين على الأسواق المالية. وقد أثر هذا الوضع أيضا على اللبنانيين، من جراء استثماراتهم في بريطانيا أو في البورصة. فانخفاض قيمة السترلينغ أثر على ثروة العديد من اللبنانيين الذين استثمروا في بريطانيا، خصوصا في سوق العقارات. لكن، من جهة أخرى، وبما أن الاقتصاد في لبنان مدولر، تحسنت أصول اللبنانيين لدى مقارنة الدولار باليورو أو السترلينغ وأسفرت استثماراتهم في الأسواق المالية عن عائدات جيدة”.
وعن العولمة والحمائية، أكد أن “العولمة كما شهدناها في السنوات الماضية، قد انتهت. والمفاوضات بشأن الـ Brexit تظهر مدى الصعوبات في هذا المجال. في الواقع، العولمة ومعدلات الفائدة السلبية أثرت للغاية على الناس في العالم، وأدت إلى مزيد من الفقر. نعم، ثمة تغيير واتجاه جديد للتعامل مع الأزمة بشكل مختلف”.
وعن ترقبه لمجريات الأحداث في ظل رئاسة دونالد ترامب وتوجه المعدلات في الولايات المتحدة، أشار إلى أن “البنك الفدرالي الأميركي تكلم عن زيادتين هذا العام، مع أن هذا الأمر لا يحصل بسرعة لأن الأرقام جاءت ما دون التوقعات. وفي أوروبا، أعلن البنك المركزي الأوروبي أنه قد يرفع المعدلات في العام 2018. أما في اليابان، فالمعدلات تناهز الصفر. المشكلة اليوم تكمن في ضعف التنسيق بين المصارف المركزية في المنطقة، ما يؤدي إلى مزيد من التقلبات في الأسواق. الاقتصاد اللبناني مدولر، والفارق بين معدلات الفائدة في لبنان والعالم لا يزال ملحوظا. لذلك، إذا تم الحفاظ على الثقة واتخذت المبادرات الإصلاحية بشأن العجز والموازنة، أو إذا تحسن النمو الاقتصادي، أعتقد أن معدلات الفائدة على الدولار في لبنان لن ترتفع”
اضاف: “بحسب صندوق النقد الدولي، لن نشهد تغيرات كثيرة في العام 2017. جميع الأنظار متجهة اليوم نحو الصين التي تواجه بعض المخاطر، خاصة في القطاع المصرفي، على أمل ألا تنعكس على الاقتصاد العالمي. إنما الوضع في منطقة الشرق الأوسط مختلف نظرا لتأثرها بالأحداث السياسية والأمنية”.
وعن إنخفاض أسعار النفط والسلع عموما، أكد سلامه أن “التراجع في الأسعار أثر على المنطقة وعلى البلدان التي يعمل فيها اللبنانيون وعلى إفريقيا. وباتت الأسواق في هذه البلدان تعاني من نقص في العملات الأجنبية وفي فرص النمو وفي التحاويل التي هي مهمة جدا بالنسبة إلى لبنان. إن موضوع النفط هو الأساس، لأن انخفاضا دون الـ 80 دولارا لم يكن متوقعا. من هنا، كان للهبوط المفاجئ في سعر النفط وقع على النمو الاقتصادي في المنطقة وهو يؤدي حاليا إلى منافسة لاستقطاب العملات الأجنبية”.
وبشأن التقلبات في الأسعار، أكد أنه “يعتمد عادة على آراء عدة شركات استثمارية، غالبيتها يشير إلى أسعار تتراوح بين 50 و 60 دولارا، ما لم تكن تطرأ اضطرابات داخل منظمة الأوبك. على صعيد آخر، تشكل الأزمة السورية مصدر قلق للبنان، علما أنه يحكى اليوم عن حلول سياسية لها. فمن المنظار اللبناني، ما يقلقنا هو موضوع النازحين، إذ وصلت كلفتهم بحسب الأمم المتحدة إلى 13 مليار دولار في غضون 5 سنوات، ما أثر سلبيا على ميزان المدفوعات في لبنان. وإن لم يلجأ مصرف لبنان إلى بعض الهندسات المالية، لكان العجز أكبر مما كان متوقعا في العام 2016. فمن مصلحة لبنان أن يوضع حد للحرب في سوريا للتمكن من معرفة مصير اللاجئين السوريين”.
وفي موضع الحديث عن دعم المجتمع الدولي لتخفيف وطأة الأزمة السورية على الاقتصاد، أوضح سلامه أن “الحكومة اللبنانية تسعى للحصول على تمويل، كما فعلت في اجتماعات لندن وبروكسل: من المهم أن تحصل الحكومة البنانية على تمويل، بأي شكل كان، وأن تستثمره في لبنان، فيكون بمثابة تعويض للحالة التي يمر بها البلد. سبق أن نال لبنان مساعدات، خاصة من خارج القنوات الحكومية، ما ساهم في استقرار الوضع الاجتماعي للاجئين السوريين في لبنان”.
وعلى صعيد التوقعات الاقتصادية للبنان في السنة المقبلة، قال: “ان لبنان اليوم على عكس السنتين الماضيتين، بات يتمتع بأسس نمو أفضل وذلك بفضل الاستقرار السياسي الناتج عن انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتشكيل حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري”. ولفت الى أن “السيولة في القطاع المصرفي مرتفعة، أن سياسة مصرف لبنان لا تهدف إلى زيادة معدلات الفائدة، وأن علينا انتظار تطور الأمور في الأشهر المقبلة، خاصة في الصيف، لتحديد النمو المرتقب لعام 2017، مع أن صندوق النقد الدولي وبعض المؤسسات الأخرى تتوقع نسبة نمو بين 2 و 3%”.
واذ اشار الى ان “الحكومة وافقت أخيرا على الموازنة التي هي قيد المناقشة في البرلمان اللبناني”. شدد على “أهمية الموازنة بالنسبة إلى الشفافية، لا سيما مضمون الموازنة حين يكون العجز مرتفعا كما هو عليه”. وأوضح أنه “يمكن تقليص عجز الموازنة من خلال النمو الاقتصادي، إذا بذلت الحكومة كل الجهد اللازم: الوضع ليس سهلا، المناطق التي يعمل فيها اللبنانيون تواجه مشاكل اقتصادية ومالية، وتداعيات الحرب السورية كانت قاسية على لبنان. ويواجه لبنان، كل عام، تحديات جديدة تتعلق بأنظمة الدفع وبالتقيد بقوانين وأنظمة دولية تؤثر حاليا على العلاقات بين المجتمع الدولي المالي والمصارف اللبنانية. ويبدو أن الحكومة تراهن على قطاع الغاز والنفط”.
من ناحية أخرى، أشار سلامه إلى أن “المصارف المركزية في العالم وفي لبنان، تلجأ إلى إجراءات غير تقليدية للمحافظة على الاستقرار. وقد أطلق مصرف لبنان هندسته المالية في وقت يسجل فيه ميزان المدفوعات تراجعا كبيرا لعدة أسباب، منها النقص في تحاويل غير المقيمين وفي نمو الودائع والمنافسة الإقليمية على العملات الأجنبية. فالتحدي كان يكمن في قلب المعطيات لمصلحة لبنان وتعزيز القطاع المصرفي، من خلال توسيع ميزانيتنا وإطلاق هندسة استقطبت إلى لبنان نحو 17 مليار دولار، ما حول عجز الميزانية إلى فائض وشجع مجددا نمو الودائع وساهم على الأخص في استقرار معدلات الفائدة”. وأكد أن “مصرف لبنان لطالما اتخذ المبادرات المختلفة وسيتخذ مبادرات جديدة لصون الاستقرار النقدي”.
وعلى صعيد التكنولوجيات الجديدة والشمول المالي والأمن السيبراني، ذكر سلامه “التعاميم التي أطلقها مصرف لبنان والتي تتيح للمصارف اللبنانية التوسع بفضل تكنولوجيات عدة: طورت المصارف أدوات تكنولوجية، وهناك فروع في لبنان تشغل بشكل أساسي من خلال التكنولوجيا. لكن، على الرغم من هذا التقدم، يلزمنا المزيد من الوقت لأن العملاء اللبنانيين يفضلون التوجه إلى المصرف والتعامل مع موظفيه للتأكد من سلامة أموالهم. نحن ندعم الشمول المالي ونؤمن بأن التكنولوجيا تعززه. لقد طور مصرف لبنان أنظمة تكنولوجية متقدمة جدا لتزويد القطاع المصرفي بخدمات أفضل (التحاويل، المقاصة). إنني أعتقد أن فتح فروع تعتمد على تكنولوجيا منخفضة الكلفة في عدد أكبر من المناطق من شأنه أن يساهم في تعزيز الشمول المالي”.
وتابع: “لقد نبهنا الأسواق من الجرائم الإلكترونية. في الواقع، لا يمكننا الحصول على نظام يتمتع بحماية مطلقة، لكن مصرف لبنان استخدم 5 أو 6 أنظمة مختلفة للوقاية من هذه الجرائم. لقد تعرضنا لاختراق هذا الأسبوع واليوم بالتحديد، إنما نجح نظامنا في صده. أما المصارف، فكل منها يطور نظامه الخاص. غير أننا لا نزال نواجه حالات جديدة متزايدة كل عام، منها اختراقات على حسابات العملاء. وحاليا، الحماية الفعلية تقضي بأن يتصل المصرف هاتفيا بالعميل الذي يقوم بتحويل ما، إنه حل قديم، ولكن آمن وفعال للغاية”.
وأبدى سلامة رأيه بمستقبل لبنان، فاكد أن “القطاعات الثلاثة الواعدة التي من شأنها أن تدعم القطاعات التقليدية، هي: القطاع المالي وقطاع الغاز والنفط وقطاع اقتصاد المعرفة، حيث الجهود تعزز قدرة لبنان التنافسية. وفي هذا السياق، أطلق المركزي عدة برامج لتأمين التمويل اللازم لقطاعين على الأقل من بين هذه القطاعات، هما القطاع المالي وقطاع اقتصاد المعرفة الرقمي. إنما نحن بحاجة إلى جهود الحكومة لتأمين البنية التحتية اللازمة”.
ولفت الى ان “لبنان احتل خلال 3 سنوات، المرتبة الأولى أو الثانية في الشرق الأوسط، إذ أنشئت 800 شركة وتنشط عدة صناديق في مجال الاستثمار في قطاع اقتصاد المعرفة الرقمي. للبنان مسار واعد في هذا المجال. في عالم اليوم، إن أي بلد يفتقر إلى هذا القطاع غير قابل للاستمرار”.