كتبت صحيفة “النهار” تقول: اذا كان يصح الحديث عن نتيجة عملية وفعلية وحيدة للقاء الـ17 في قصر بعبدا امس على درب المسار الطويل المعقد والمشوب بتوترات ومعارك سياسية وتجاذبات لا افق لها في مسار تأليف الحكومة العتيدة المنتظرة منذ اكثر من خمسة اشهر، فان هذه النتيجة تتلخص بتبريد بل بتخفيض سعر الدولار على نحو ملموس واكب وأعقب زيارة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لبعبدا واجتماعه مع رئيس الجمهورية ميشال عون لنحو خمسين دقيقة.
حتماً ان الطابع الدراماتيكي للقاء كهذا جاء بعد اقل من 24 ساعة على انفجار اعنف صدام واشتباك اعلامي بين عون والحريري كان وحده كفيلا بجعل الأنظار تنشدّ الى اللقاء وما يمكن ان ينسج عليه من رهانات، ولو ضعيفة وواهية، حيال الدفع بالبلد نحو مفاجأة انقاذية تستولد الحكومة المنتظرة التي باتت في حسابات السياسة كما في انطباعات الناس اشبه بمعجزة لفرط ما امعنت سياسات التعطيل والاشتراطات والمماحكات في تفخيخ العبور اليها. ولكن ما بدا واضحاً وراء ترتيب التوافق على اللقاء السابع عشر منذ تكليف الحريري، هو ان لا عون ولا الحريري كان يمكنهما تمرير يوم امس من دون الإتيان باي خطوة من شأنها تبريد الغليان الذي تفجر مع التصعيد الكبير الذي تصادما عبره الأربعاء بعد الرسالة النارية غير المألوفة في التعامل بين رموز الدولة والمؤسسات الدستورية والذي كان ينذر بدفع الازمة المالية والاجتماعية والاختناقات التي تطبق على البلاد بكل قطاعاتها الى مستويات مخيفة ستنعدم معها تماما أي قدرة للسيطرة على الفوضى التي بدأت تزحف بخطورة عالية. لذا يمكن إجمال الخلاصات والنتائج التي أدى اليها هذا اللقاء بانه كان بمثابة اتفاق حصري وموضعي على “هدنة” تمتد على الأقل لأربعة أيام أي الى موعد اللقاء الـ18 بين عون والحريري الذي توافقا على عقده الاثنين المقبل ولكنها في المضمون السياسي هدنة بين متراسي التاليف والتشكيل. اذ تفيد معلومات “النهار” ان لقاء رئيس الجمهورية والرئيس المكلف أعاد التواصل بينهما واعطى فرصة جديدة لعملية التأليف، الا انه لم يسجل تقدماً اذ بقي كل منهما على موقفه في مقاربته لعملية التأليف.
ماذا جرى؟
وعلم من مصادر اللقاء، ان الرئيس الحريري لم يحمل تشكيلة حكومية جديدة بل ابقى على التشكيلة السابقة المؤلفة من 18 وزيراً والقائمة على ثلاثة “ستات” ولم يدرج فيها ممثلين شيعيين من حصة “حزب الله”. وسأل عون الحريري اذا كان سأل “حزب الله” رأيه في الاسمين اللذين كان ادرجهما في التشكيلة السابقة فرد بأنه لم يتشاور معه. وتشير المعلومات الى ان الرئيس عون أكد اصراره على مقاربة مختلفة عن السابقة وفقاً للمعايير التي حددها مراراً.
واشارت المعلومات الى ان الجوّ لم يكن متشنجاً بل عادياً جداً. وعرض الرئيسان الموضوع من كل جوانبه، لكن ذلك لم يؤد الى نتائج عملية فتقرر استكمال البحث الاثنين. لم تطرح في اللقاء تشكيلة حكومية كاملة، وهي ما زالت تحتاج الى المزيد من البحث الاثنين المقبل.
وكان واضحاً ان رئيس الجمهورية قابل هدوء الحريري بهدوء مماثل، وبدا ذلك واضحاً من عدول قصر بعبدا عن اصدار بيان كان ابلغ الصحافيون بانتظاره، وقد ارجئ الى الاثنين بانتظار ما ستؤول اليه الفرصة الجديدة المعطاة لعملية التأليف.
زيارة الحريري الى بعبدا سبقتها اتصالات شارك في جزئها الظاهر اللواء عباس ابراهيم الذي زار بعبدا صباحاً قبل زيارته عين التينة.
وبعد اللقاء الذي استمر زهاء خمسين دقيقة، اعلن الحريري انه بحث مع رئيس الجمهورية “في تطلعاتي بشأن الحكومة، على أن تكون مؤلفة من 18 وزيرا من الاختصاصيين، لكي ننتشل البلد من الأزمة الاقتصادية التي يغرق البلد فيها. ففي نهاية المطاف، الهدف الأساسي من أي حكومة هو وقف الانهيار الذي نواجهه اليوم … واتفقنا على أن نجتمع مجددا يوم الاثنين المقبل في لقاء آخر، لكي نتمكن من الخروج بشيء واضح للبنانيين. وستكون هناك بعض الأجوبة الأساسية حول كيفية الوصول إلى تشكيلة حكومية في أسرع وقت ممكن”.وأضاف: “الهدف الرئيسي اليوم من أي حكومة هو السير بداية بوقف الانهيار من خلال برنامج صندوق النقد الدولي وأن نعيد ثقة المجتمع الدولي بالبلد” وقال : “ربما رأى اللبنانيون بالأمس اصطداما بين رئاستي الجمهورية والحكومة، وقد أتيت اليوم لكي نحاول التخفيف من هذا الاصطدام ونعمل على تهدئة الأمور. الاثنين المقبل سنعقد اجتماعا آخر بإذن الله، وكما كنت دائما صريحا معكم، سأبقى كذلك وسأقول لكم في كل لحظة ما الذي يحصل. الآن هناك فرصة، لنستغلها ونفكر لكي نتمكن من الخروج بشيء ما الاثنين المقبل”.
وعلى رغم تفاقم موجات الإضرابات والاحتجاجات والاعتصامات سجل سعر الدولار بعد ظهر امس في السوق السوداء انخفاضا لافتا اذ جرى تداوله بسعر 10900 ليرة بعدما كان تراجع ظهرا الى 11900 ليرة على وقع الانباء عن لقاء بعبدا والتكهنات المتصلة بتشكيل الحكومة.
غير انه بعد ساعات على لقاء بعبدا، بدت مواقف الأمين العام لـ”حزب الله ” السيد حسن نصرالله التي اعلنها مساء بمثابة تفخيخ جديد لتأليف الحكومة اذ من شأنها اطاحة جوهر المبادرة الفرنسية من خلال نسف حكومة الاختصاصيين والعودة الى حكومة تكنوسياسية. قال نصرالله “اننا قدمنا تسهيلات في شأن تشكيل الحكومة واذا اتفق رئيس الجمهورية والرئيس المكلف الاثنين المقبل على حكومة اختصاصيين غير حزبيين فنحن ماضون بذلك”. ولكنه استدرك بان “نصح” الحريري بإعادة النظر في حكومة الاختصاصيين وتشكيل حكومة “تكنوسياسية” معتبرا ان حكومة الاختصاصيين “لن تصمد من دون غطاء سياسي نظرا الى استحقاقات خطرة كرفع الدعم”. ودعا الى اشراك القوى السياسية فيها لتحمل مسؤولياتها ومن يتنصل يجب ان يحاكم. ودعا في مواجهة الازمة الداخلية الى “التصرف بعقل وحكمة ومسؤولية وطنية وخلقية”، موجها دعوة إلى “وضع سقف يقضي بعدم الذهاب الى اقتتال داخلي”، ملمحا الى “وجود من يعمل لقيام حرب اهلية في لبنان، كما فعلوا في سوريا والعراق واليمن”، مذكرا بمحاولات جرت من قبل ولكنها فشلت. وكرر دعوته الى “عدم الاندفاع او السماح لأي طرف بالاندفاع الى حرب أهلية” معتبرا ان “الحرب الأهلية لا تحتاج الى صواريخ دقيقة، وإنما الى كلاشينكوف ومضادات وهذه الاسلحة متوافرة عند غالبية اللبنانيين”. كما وجه دعوة مباشرة الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لضبط سعر الدولار قائلا له ” أنت قادر على ذلك “.
وبرز بعد خارجي في خلفية لقاء بعبدا يتصل بزيادة الضغوط الخارجية على المسؤولين اللبنانيين لتشكيل الحكومة. فغداة تلويح فرنسا بعقوبات أوروبية على الطبقة السياسية التي تعوق الانقاذ، اعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عزمه على تغيير نهج واسلوب تعامله مع الطبقة السياسية اللبنانية. كما عول على الاسراع في تشكيل حكومة وتنفيذ الاصلاحات.
وأفاد مراسل “النهار” في باريس ان الرئيس ماكرون اعلن بعد ظهر امس خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الاسرائيلي رؤوفين ريفلين انهما “تناولا الوضع في لبنان.” واعرب الرئيس الفرنسي “عن تعلقه بالشعب اللبناني وتمسكه بالاستقرار والسلام” في لبنان واضاف “نحن مقتنعون معا ان زمن المسؤوليات وباي حال زمن اختبار المسؤوليات انتهى.”
وبعد اعلان مصدر ديبلوماسي فرنسي انه يجب زيادة الضغوط بشكل كبير على الطبقة السياسية اللبنانية وتلميحه الى تهديد فرنسي بعقوبات قريبة على بعض السياسيين، اوضح ماكرون انه “خلال الاسابيع المقبلة وبطريقة واضحة ودون ادنى شك نحتاج الى تغيير النهج والاسلوب لانه لا يمكننا ان نترك الشعب اللبناني يتخبط منذ شهر اب الماضي في الوضع الحالي.” وتابع “يجب تجنب انهيار البلد لذلك المطلوب الاسراع في تشكيل حكومة وتنفيذ الاصلاحات المرجوة.” واعتبر انه بشكل عام “يجب العمل معا من اجل الاستقرار والامن في المنطقة.”