في حديثه إلى صحيفة “الأنباء” الالكترونية، ذكر رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط أكثر من 15 مرة تعبير “التسوية”. التسوية البسيطة الهادفة إلى انتاج حكومة لا أكثر. نعم، ولسخرية القدر، الوضع مأسوي وخطير لدرجة أنّ تأليف حكومة صار يحتاج إلى تسوية. باتت الاستراتيجية الدفاعية وسلاح “حزب الله” من القضايا الثانوية، لأنّ هناك خطراً داهماً اسمه الجوع والفقر. قال جنبلاط: “هناك أمور خلافية حول الإستراتيجية الدفاعية وغيرها، لكنها ليست بأهمية الأكل، والقمح والخبز والدواء أهم من الراجمات والصواريخ، “ما حدا رح ياكل راجمات وصواريخ”.
لا داعي للغوص كثيراً في أعماق وخلفيات كلام رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي”، واتهامه بالقفز على حبال المواقف والانتقال بخفّة من ضفة القبول بحكومة عشرينية للعودة سريعاً إلى أحضان حكومة الـ 18 وزيراً، وهو الذي يتحدث منذ مدة عن حتمية وقف التعطيل الحاصل وتسهيل ولادة الحكومة… فمقاصده واضحة جداً ولا تحتاج إلى الكثير من التدقيق. قلق الزعيم الدرزي مما ستحمله الأحداث على الأرض، بان بوضوح بين سطور مواقفه. وها هو اشكال عائشة بكار يثبت أن الأرض تغلي توتراً، وقد تنفجر في أي لحظة.
في الواقع، ليست المرّة الأولى التي يرفع فيها جنبلاط راية الاستسلام للتفاهم الداخلي. وما قبوله بأي صيغة حكومية قد ترضى بها بقية القوى السياسية، إلا من باب حرصه على عدم عرقلة أي اتفاق. ولهذا أعلن منذ فترة عدم ممانعته التنازل عن حصرية التمثيل الدرزي فاتحاً الباب أمام دخول وزير ثانٍ، ارسلاني الانتماء، ليعود منذ أيام إلى الصيغة المصغرة، فقط لأنّ رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري متمسك بهذه الصيغة ولا يزال عندها.
ولأنّ جنبلاط يحاول تذليل أي عقبة قد تُرمى مسؤوليتها على عاتقه، طرح سابقاً فكرة الصيغة الموسّعة، لكي لا يُواجه بتهمة العرقلة، وتصوّر المسألة الدرزية بأنّها العقدة في منشار الحكومة. لهذا أبدى الرجل انفتاحه على أي صيغة من شأنها أن تنتج تفاهماً سياسياً يساعد على الخروج من نفق المراوحة القاتلة. بهذا المعنى قال جنبلاط: “أنا متماشٍ ومنسجم مع طرح الرئيس الحريري، ولكن الأحداث نتيجة “الفلتان” تتجاوز كل شيء، لذلك أقول بالتسوية، والتسوية التي يرضاها أرضاها، وليس لدي أي شروط”.
ولهذا يهمل الزعيم الدرزي بقية القضايا الخلافية ويركّز كل اهتمامه على الميدان حيث الجوع والفقر لا يرحمان ومن شأنهما أن يطيحا بكل شيء. ما يزيد من اندفاعته نحو التشجيع على التفاهم هو الكلام الذي يسمعه من السفراء الغربيين والمسؤولين الدوليين الذين يتواصل معهم، وتحديداً الفرنسيين والروس الذين يتحدثون لغة واحدة: الحكومة هي معبر الخلاص الوحيد، ولا يمكن للوضع اللبناني المتفجّر أكثر، لا الاتفاق النووي ولا الحل السياسي في سوريا ولا أي من ملفات المنطقة، لدرجة أنّ الإدارة الفرنسية تخلت عن كل المواصفات التي سبق ووضعتها لكي تقبل بدعم الحكومة، وباتت تتقبّل أي صيغة يتفاهم عليها اللبنانيون شرط أن تبني المشروع الإصلاحي. وبهذا قصد “ربما يبقى بعض الشيء من المبادرة الفرنسية”.
ولأنّ الوضع الميداني هو الذي يثير هاجس وليد جنبلاط، وجّه أكثر من رسالة ايجابية في أكثر من اتجاه. أعلن بوضوح أنّ الحزب التقدمي “على إتصال بحزب الله، وعلى إتصال دائم بالحاج وفيق صفا والأستاذ حسين خليل من خلال الرفيق غازي (العريضي) والرفيق وائل (أبو فاعور)، وربما نحن لسنا على إتصال بالتيار الوطني الحر، لكن إذا لزم الأمر إنني جاهز”.
لا بل أكثر من ذلك، تتحدث المعلومات عن تفعيل اللجنة الميدانية للتنسيق بين “حزب الله” وحركة “أمل” و”الحزب التقدمي” و”الحزب الديموقراطي” لمعالجة أي خلل قد يقع في المناطق المشتركة. وسيسعى الاشتراكيون إلى التواصل أيضاً مع العونيين في ما خصّ المناطق المشتركة في الجبل خشية من تداعيات أي توتر أو اشكال قد يقع. والأرجح أنّ رئاسة الجمهورية تلقفت ايجاباً رسالة جنبلاط وقد تترجم من خلال تواصل رسمي بين الطرفين تمهيداً للقاء قد يجمع بينهما.
نداء الوطن