فريدة هي تلك المرحلة من العمر في حياة المرأة، ففي أحشائها ينبض قلب آخر ويقاسمها الجسد والروح، على أمل أن يشاركها العمر والدهر.
الحمل في حلاوته ومشقاته، يبقى حلم كل امرأة أن ترى مولودها في قلبها وتحبه قبل أن تلتقي عيناها عينيه. نعم في مشقاته، وقد باتت كثيرة اليوم مع انتشار وباء الكوفيد-19 ومخاطره على البشرية جمعاء.
المخاوف التي ترافق المرأة طيلة فترة حملها هي كثيرة إلى أن تحين ساعة الولادة، فتحمل طفلها بين ذراعيها مطمئنة وتفرح للقائه بعد طول انتظار.
هذا القلق يزداد مع تفشي الوباء في مجتمعنا والضغط الكثيف على المستشفيات وعدم قدرتها على استقبال المصابين، فالكارثة التي كنا نخشاها حلت واللبناني اليوم بات أسير الخوف على صحته وصحة عائلته وأحبائه.
في هذا الإطار كان لنا حديث مع الدكتور إيلي صنيفر، الاختصاصي في الجراحة النسائية والتوليد والتقنيات المساعدة للحمل ورئيس قسم علاج العقم في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي.
مخاطر فيروس كورونا في أثناء الحمل
شرح صنيفر أن “المرأة الحامل قد تتعرض أكثر للإصابة بالكوفيد – 19، لأن الجهاز المناعي في هذه المرحلة يتأثر قليلا بالتغييرات الطارئة على الجسم خلال فترة الحمل”، مشيرا إلى أن “الأمر الإيجابي لدى الحوامل هو أنهن غير متقدمات في السن، ما يشكل حماية لهن. ولم نعاين حتى الآن حالات خطيرة جراء التقاط فيروس كورونا، إلا في حالات خاصة عند اللواتي يعانين من ضعف في المناعة أو مشاكل صحية كالضغط والسكري أو مشاكل في الكلى والرئتين والقلب”.
وقال: “على المرأة الحامل المصابة بالعدوى، أن تلتزم الحجر الصحي كأي شخص مصاب آخر وإجراء فحص الـ PCR لمعرفة نسبة وجود الفيروس في الجسم، وتعطى دواء مسيلا للدم لأنها تتعرض للجلطات أكثر من غيرها. وينصح الإكثار من شرب الماء والسوائل والمشي قدر الإمكان، وتتابع خلال هذه المرحلة من قبل طبيبها لمراقبة وضعها الصحي”.
أضاف: “أما الأعراض لدى الحامل فهي الشعور بالإرهاق والإسهال والسعال، ألم في الجسم والعضل وأحيانا حرارة مرتفعة. نراقب جيدا إذا ما كانت تعاني صعوبة في التنفس والحاجة إلى أوكسيجين إضافي أو التهاب في الرئتين، فتضطر إلى تلقي العلاج في المستشفى أو العناية الفائقة بحسب وضعها الصحي وتفاقم الأعراض”.
وأسف “لعدم تجهيز مستشفيات خاصة بكورونا وتوفرها في كل منطقة مع فريق عمل خاص مدرب لمتابعة المرضى، وعدم الاتكال فقط على المستشفيات الحكومية التي لا قدرة استيعابية لها على استقبال هذا الكم الهائل من المصابين”، وتابع: “نحن في لبنان نتمتع بنظام طبي وجامعات متطورة ومستشفيات عدة خاصة وأطباء بارعون وأكفّاء، ولكننا لم نهتم بإعداد ما يكفي من الممرضين والممرضات لخدمة هؤلاء المرضى والذين يشكلون مع الطبيب المرافق العمود الأساسي في عملية الاستشفاء والعلاج”.
عن الأعراض النفسية، كشف أن “التحلي بروح الإيجابية عامل أساسي لكل امرأة حامل، كي تعبر الأشهر التسعة بعيدا عن الاضطراب والتوتر من أجل سلامتها وسلامة جنينها، تحديدا المرأة المصابة بفيروس كورونا لئلا يصيبها الهلع والخوف، فيؤثر ذلك على مناعتها التي تلعب دورا كبيرا في شفائها. التوعية أمر اساسي في هذه المرحلة والتشجيع على التزام المنزل قدر الإمكان وتخفيف الزيارات واتخاذ الوقاية اللازمة والاجراءات الضرورية. وعلى الرغم من أن أكثرية الدراسات لم تبرهن حتى اليوم انتقال العدوى من الأم إلى جنينها لأن الفيروس لا يتمركز في الدم الذي يمر إليه عبر الخلاص، تبقى الوقاية السبيل الأفضل. فالعدوى قد تنتقل إلى الطفل خلال عملية الولادة إذا اقترب من أمه، لذلك يتم عزل الطفل عن أمه حين يولد إلى أن تتعافى من جديد”.
واعتبر أن “الفصل الثالث والأخير من الحمل قد يكون هو الأخطر على المرأة الحامل المصابة بالكوفيد -19 وبخاصة التي تظهر عليها الأعراض، لأنها تعاني في هذه المرحلة ضيقا في النفس وثقلا في الجسم. في حالات مشابهة، من الأفضل أن تتم الولادة القيصرية حفاظا على الفريق الطبي الموجود في غرفة الولادة وعدم تعرضه للعدوى من خلال النفس الذي يلعب دورا أساسيا في الولادة الطبيعية. ولم تصدر بعد دراسات علمية تثبت أن فيروس كورونا يزيد من خطر الإجهاض أو تشوهات في الجنين أو موته، ولكن قد نضطر إلى ولادة مبكرة إذا ساءت حالة الأم لإنقاذها أولا ومحاولة إنقاذ الطفل ثانيا في أي شهر كانت من الحمل. في حالات نادرة، قد يسبب الفيروس “تسمم الحمل” الذي يؤدي إلى تجلطات في الدم وارتفاع الضغط مما يشكل خطرا أحيانا على حياة الأم والطفل معا”.
وقال: “بالنسبة إلى لقاح كورونا، لم تتضمن الأبحاث التي جرت على الحوامل والمرضعات في التجارب السريرية، لذلك لا ننصح به حاليا وننتظر أن تكتمل الدراسات التي تثبت سلامته وفعاليته”.
توصيات وإرشادات لفترة المخاض وما بعد الولادة
“مع مرور الأيام، سيتغلب الإنسان على فيروس الكوفيد-19 مثلما تغلب على فيروسات أخرى مرت عليه عبر التاريخ، وسيصبح الفيروس أقل ضراوة ويتمكن جسم الإنسان من مقاومته”، يقول صنيفر، مشددا على أن “هذه المرحلة دقيقة جدا في لبنان في ظل تفشي الوباء بشكل ملحوظ في الأيام الأخيرة والضغط القائم على المستشفيات. وتبقى الوقاية واعتماد التباعد الاجتماعي الحل الأنسب وبخاصة عند المرأة الحامل، من وضع الكمامة وتفادي الاختلاط بالناس وعدم تلبية دعوات الولائم والسهرات والسفر إلا في الحالات الضرورية. أما الأم التي تخالط أولادها الذين يذهبون إلى المدرسة، هناك أمر إيجابي وهو مناعة الأولاد التي تحميهم إلى حد ما من الفيروس. وإذا أصيب أحد أفراد العائلة، على المرأة اتخاذ أقصى درجات الوقاية والحذر وعدم الاقتراب من الشخص المصاب في المنزل. وأيضا المرأة الحامل التي تعمل في مجال الرعاية الصحية هي معرضة كثيرا للعدوى، ومن الافضل أن تخفف التواصل المباشر مع المرضى، وتقوم بواجباتها مع اتخاذ مسافة آمنة واعتماد التطهير والتعقيم الدائم. وإذا كانت تشك بإصابتها، تخضع لفحص ال ـPCR كأي شخص عادي وتحجر نفسها 14 يوما وتعيد الفحص بعد هذه الفترة لتتأكد أن نتيجتها سلبية وشفيت تماما”.
وأضاف: “لقد تغير البروتوكول المتبع في المستشفيات بشأن الحوامل اللواتي حان موعد ولادتهن، إذ يحق لكل امرأة أن يرافقها شخص واحد إلى المستشفى، شرط أن يقوما بالفحص المخبري الضروري للتأكد من عدم إصابتهما، كذلك منعت الزيارات والهدايا والورود والزينة في الغرف تفاديا لنقل الفيروس. وإذا كانت الولادة طارئة وسريعة ولم نتمكن من إجراء الفحص نعتبر المرأة وكأنها مصابة، فتتخذ الإجراءت الوقائية الكاملة في غرفة العمليات ويفضل أن تتم الولادة القيصرية، وفي حالات أخرى قد تكون الولادة طبيعية بحسب وضع المرأة الصحي وحالتها”.
وقال: “أما المرأة التي تظهر نتيجتها إيجابية فتنقل إلى غرفة خاصة بالكورونا بعد الولادة، وإما أن يفصل الطفل عن أمه حتى يحين وقت مغادرتها المستشفى بعد يومين لئلا تتم نقل العدوى إلى المولودين الجدد الآخرين، وإما أن يتم عزله معها في الغرفة طوال الوقت. في المنزل، تتبع الأم المصابة والتي لا يظهر عليها العوارض الإجراءت الوقائية المناسبة، وبإمكانها الرضاعة لأن الفيروس لا ينتقل بحليب الثدي مع ضرورة التطهير وارتداء الكمامة دوما لتجنب تعرض الرضيع للفيروس. كما يمكن شفط الحليب بعد غسل اليدين جيدا والتأكد من تعقيم مضخة الثدي، كما ويمكنها السماح لشخص آخر غير مصاب بالعدوى بإطعام الطفل مع استمرارها بالتباعد الاجتماعي حتى تتعافى كليا وتعود الحياة إلى طبيعتها”.
ختاما، قدم صنيفر بعض النصائح لكل امرأة وضعت مولودها “بالاهتمام جيدا بصحتها والإكثار من تناول السوائل، تحصين مناعتها جيدا وعدم استقبال الزيارات من أجل سلامتها وسلامة طفلها، أخذ الفيتامينات وتناول الأطعمة المليئة بالبروتيينات المغذية واتخاذ اجراءات الوقاية مثلها مثل أي إنسان عادي. كذلك أنصح النساء بعدم الهلع وأشجعهن على الحمل لأن الحياة تتابع مسيرتها، فبإمكانهن اتخاذ الإجراءات الضرورية والوقاية القصوى لتمر فترة الحمل على خير، ونحن نشهد عددا لا بأس به من الحوامل في الفترة الأخيرة على الرغم من الظروف المحيطة بنا”.
وختم: “قد لا نجد حلا نهائيا لفيروس كورونا قبل العام 2022، وعلينا جميعا التحلي بروح المسؤولية لحماية مجتمعنا وعائلاتنا بدءا من المواطنين والمسؤولين والوزارات والطاقم الطبي والمستشفيات”.
“خلاصك بالسلامة” ربما يكون أجمل دعاء تسمعه اليوم كل امرأة حامل، في ظروف صحية قاسية نعيشها في العالم وتحديات تواجهنا في الوطن من كل صوب. تبقى السلامة لك سيدتي هي الأمنية الأحب على قلبنا، أنت التي تحملين الحياة في أحشائك في زمن تحتضر فيه الحياة وتقاوم الموت لتزهر الدنيا من جديد. فلك أيتها المناضلة ولطفلك الذي تنتظرين، ألف تحية وسلام ليكون “خلاصك” فعلا من أجمل النعم والعطايا والهبات.
تحقيق ندى القزح
الوكالة الوطنية للإعلام