أكد رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط أننا “ما زلنا في بداية طموح الشعوب العربية إلى الحرية والكرامة وحياة أفضل”. ورأى أننا “نواجه عقبات كبيرة بسبب الوجود المستمر للأنظمة الدكتاتورية التي لا تريد تحقيق وعودها، إضافة إلى الفتنة الطائفية السنية – الشيعية البغيضة في العراق وسوريا وحتى في لبنان”.
وشدد جنبلاط في مقابلة مع “راديو أميركا” على أن “لا حل في لبنان، من دون تغيير هذا النظام الطائفي الراسخ”. وقال: “أنا أشارك كسائر اللبنانيين وأحاول إيجاد حل. لكن الآن كل شيء مسدود، لأنّنا في لبنان لسنا دولة حرة. نحن تحت سيطرة حزب الله المدعوم من إيران”.
وسئل جنبلاط: هل يتحول ما يسمى بالربيع العربي إلى شتاء عربي؟ ولماذا؟،
أجاب: “لا يتحول إلى شتاء عربي. ما زلنا في بداية طموحات الشعوب العربية إلى الحرية والكرامة وحياة أفضل. ما زلنا في البداية، ولكننا نواجه عقبات كبيرة بسبب الوجود المستمر للأنظمة الدكتاتورية التي لا تريد تحقيق وعودها، إضافة إلى تلك الفتنة الطائفية السنية – الشيعية البغيضة في العراق وسوريا وحتى في لبنان. أضف إلى ذلك مسألة تقاسم السلطة بين القوى المهيمنة في الشرق الأوسط والإيرانيين. في الجزائر، ما زالت السلطة العسكرية موجودة. في ليبيا، فوضى كاملة. ولكن الثورات تأخذ وقتا ولا تحصل بمعجزة.
وسئل: “ثمة عقبات، كتلك التي في سوريا، ولكن هل أسباب الفشل هي نفسها في كل الدول؟ ولماذا؟
– “كلا ليست نفسها. في لبنان، لدينا نظام طائفي قديم، وقد حاول كمال جنبلاط تغييره من الداخل، لكنه لم يفلح، لأن المناخ العربي كان رافضا في حينها لأي تغيير. في ليبيا، كان ثمة نظام القذافي الراسخ لمدة 40 سنة ولم يخلف شيئا سوى الفوضى. في مصر حصلت ثورتان، واحدة قام بها الإخوان المسلمون، وأخرى قادها الجيش والانتفاضة الشعبية، وآلت في النهاية إلى الحكم العسكري. في المغرب، حكم ملكي راسخ منذ قرون. أنا لست متشائما، ولكن الشباب العربي في حاجة إلى تغيير. وفي الوقت نفسه، لا تستطيع أي ثورة تحقيق نتائج من دون مساعدة خارجية. فحتى الثورة الفرنسية تمت بمساعدة خارجية على ما أظن. نحن في حاجة أيضا إلى رؤية موحدة. ما زلنا في العالم الإسلامي نملك رؤية رجعية”.
سئل جنبلاط: لم يستطيع رؤساء أو قادة الدول العربية (باستثناء لبنان) البقاء في السلطة طوال حياتهم تقريبا؟
– “بدأ ذلك بعد حرب 1948 وإنشاء دولة إسرائيل، فقد استمد معظمهم شرعيته من حجة أننا الآن في صراع لاستعادة فلسطين من الإسرائيليين، ولذلك لن يكون ثمة تغيير. وهذا ما أدى إلى انقلاب حسني الزعيم، ومن ثم أتى عبد الناصر، ومن ثم البعث في سوريا، ومن ثم في العراق. الآن تغير المشهد في كل العالم العربي، ولذلك علينا الاعتماد على الجيل الجديد في لبنان وفلسطين وتونس لإيجاد مشهد جديد. ومن ثم لدينا مسألة الأحزاب الإسلامية: هل تستطيع تحقيق الحداثة الإسلامية؟ لا أعرف. هذه مسألة مهمة أيضا”.
سئل: يقول البعض أن أسباب النجاح النسبي في تونس كانت أسباب الفشل في دول أخرى. فعلى سبيل المثال، في تونس، لم يتدخل الجيش، والمعارضة الإسلامية كانت مرنة بعض الشيء. هل توافقون على ذلك ولماذا؟
– “نعم، أوافق. في تونس، كان الجيش ضعيفا، ولديهم النقابات العمالية العريقة الموجودة منذ فترة طويلة. ويمكن القول إن حركة الغنوشي، الإخوان المسلمين، لديهم نهج حديث نوعا ما. ولكن علينا ألا ننسى أنّ تونس هي إحدى الدول التي أرسلت أكثر من 2000 إرهابي إلى سوريا للقتال مع داعش، وهذا جانب مخيف”.
سئل: الرئيس المصري السابق حسني مبارك كان يقول: أنا أو الفوضى. وقد تبين أن ذلك صحيح ليس فقط في مصر إنما أيضا في اليمن وليبيا وسوريا، كما قلنا، على رغم أن الأسد ما زال في السلطة.
– “في مصر ليست فوضى. صحيح أنه بقي في الحكم لثلاثين عاما ولكن لم تكن فوضى. لقد استبدل بالإخوان المسلمين، ولكن كما نعرف عن تاريخ مصر وتاريخ العداوة بين الجيش المصري والإخوان، لم يستطع الجيش تقبل وجود الإخوان في الحكم وهذه قصة طويلة تعود إلى العشرينيات… تأثير ودور الإخوان والحكم الملكي ومن ثم عبد الناصر. في اليمن، كان ذلك صحيحا في مرحلة معينة، وكانت ثمة ثورة وثورة مضادة سلميا. ومن ثم وقعت اليمن في مرمى النيران بين التدخل السعودي الداعم لفصيلة معينة وبين الإيرانيين، ما أدى إلى حرب أهلية مستمرة حتى الآن. في سوريا، هذه الأقلية موجودة منذ السبعينيات أي منذ خمسين عاما. عائلة الأسد تحكم منذ خمسين عاما، وقد دمر الأسد الأب والإبن كل محاولات الشعب السوري للحصول على الحياة الكريمة والحرية”.
سئل: كيف تقيمون النجاح النسبي (إن أمكن تسميته نجاحا) الآن في السودان والجزائر؟
– “في السودان، لا أعلم إذا يعتبر نجاحا نظرا إلى كل هذه الأمور التي تحصل الآن. فقبول الاعتراف أو التطبيع مع إسرائيل يعني الحصول على بركة الأميركيين، وهذا ما حصل في السودان. على المستوى الداخلي، ما زال لديهم طريق طويل. ففي السودان مجتمع شديد التعقيد ومشاكل اقتصادية جمة ومشاكل إثنية. ولكن الجيش قبل على مضض التراجع. أتمنى لهم النجاح، ولكن هذه البداية فقط. إضافة إلى ذلك، الغرب بأكمله، وحتى الولايات المتحدة، يقولون منذ عقود: (أبقوا العالم العربي تحت الأنظمة الديكتاتورية). فلتذهب الشعوب العربية إلى الجحيم. لدينا استقرار. لدينا أنظمة ديكتاتورية في كلّ مكان. يمكننا الاستراحة. ولذلك تفاجأوا. عندما اندلعت الثورة المصرية الأولى، تفاجأ الغرب، ولكنه لم يفعل أي شيء لمساعدة الشعب السوري على سبيل المثال. فشلوا في مساعدة الشعب السوري في وجه نظام الأسد القمعي”.
سئل: مسألة غياب المساعدة الغربية أو الأميركية يقودني إلى سؤالي التالي: المجتمع الدولي فشل في حل الأزمة في سوريا. ما المطلوب لحل هذه الأزمة؟.
– “المطلوب في وقتها كان تدخلا. لقد دعيت للتدخل ضد النظام كما تدخل الغرب في ليبيا. ولكن لأن أوباما كان يفاوض على الاتفاق النووي في حينها، لم يحصل تدخّل في سوريا. حتى المتظاهرون السلميون تركوا للموت في شوارع دمشق وحلب والأرياف السورية ونفي الملايين ولم يحرك الغرب ساكنا. لقد سألتني أيضا عن الجزائر. الجزائر في طور التغيير ولكن لم يحصل أي تغيير جذري. إنها عملية بطيئة”.
سئل: دعوني أنتقل إلى بلدكم، لبنان. يعاني 55 % من الشعب اللبناني من الفقر. كيف تقيمون الوضع في لبنان وما الحلول التي تقترحون؟
– “لا حل في لبنان. لا حل من دون تغيير هذا النظام الطائفي الراسخ الذي أسسه الفرنسيون وقبلهم العثمانيون. وقد قام الجيل الجديد في انتفاضة ممتازة في السنة الماضية ولكنها واجهت عراقيل بسبب عدم وجود خطة معينة لسبل تغيير النظام وفصل الدين عن الدولة وتأسيس نظام علماني. هذه المشكلة الأساسية.
سئل: ما الدور الذي تؤديه الطائفة الدرزية في لبنان وكيف تساهم في استقرار لبنان؟
– “نحن طائفة صغيرة من 200 ألف شخص في بلد من 4 ملايين نسمة. دوري في الحرب الأهلية كان البقاء، بسبب الصعوبات والمخاطر الكبيرة في حينها. أنا أشارك كسائر اللبنانيين وأحاول إيجاد حل. ولكن الآن كل شيء مسدود، لأننا في لبنان لسنا دولة حرة. نحن تحت سيطرة حزب الله المدعوم من إيران. لبنان بين أيديهم”.
سئل: تكلمتم عن حكم طائفي في لبنان. يؤدي الدين والنظام الطائفي عادة دورا أساسيا في الانتفاضات في معظم هذه البلدان الشرق أوسطية، من لبنان إلى اليمن وليبيا وسوريا ومصر. ما المطلوب؟
– “في لبنان النظام الطائفي كان مرفوضا من أطياف عدة، كالأحزاب اليسارية والأحزاب القومية العربية في الستينيات والسبعينيات، ولكن الحرب الأهلية منعت تحقيق ذلك. في مصر، ثمة الجيش منذ أيام عبد الناصر. وزمن عبد الناصر كان حقبة ذهبية بالنسبة إلينا ولجيلنا، لأنه أعطانا أملا ضد الغرب. أما في اليمن، فقد نجحوا في الإطاحة بعلي عبدالله صالح في شكل سلمي، ومن ثم جاءت التدخلات الأجنبية من السعودية وإيران وأدت إلى الانقسام والحرب الأهلية التي ما زالت مستمرة منذ أكثر من سبع سنوات. في العراق، لديهم مجتمع مدني قوي، ولكنه بلد مقسوم لم يستطع حتى الآن تكوين هويته بسبب الجار الفارسي، فالإيرانيون متواجدون في العراق. يحاولون تكوين هويتهم الخاصة. لقد أطاحوا، أو بالأحرى الأمريكيين، بصدام حسين ولكن من دون توفير بديل”.
سئل: هل يمكن إذن الاستنتاج أن الأنظمة الطائفية والتدخلات الأجنبية هما سببين لعدم استقرار منطقة الشرق الأوسط؟
– “الأنظمة الطائفية والتدخلات الأجنبية وأيضا دور الأديان. الشرق الأوسط منقسم بين 3 قوى كبرى: تركيا وإيران وإسرائيل. وهنا يكمن التحدي الأكبر أمامنا: كيف يمكن الوصول إلى شرق أوسط عربي حقيقي بعيدا من هذه القوى؟ فعلينا ألا ننسى أن أحد أهم العوامل في الشرق الأوسط هي إسرائيل”.
سئل: في لبنان تتحدث تقارير عن أن سفراء المملكة المتحدة والكويت والإمارات العربية المتحدة غادروا بيروت إلى بلدانهم احتجاجا على ما يسمونها الحكومة غير المستقلة. هل تظنون أن المزيد من السفراء سيحذون حذوهم؟ هل هذه الخطوة الأولى؟
– “العالم العربي منقسم اليوم بين مؤيد لأميركا، وقد شهدنا أخيرا زيارات لصهر الرئيس ترامب “جاريد كوشنر” لمصالحة القطريين والسعوديين لتشكيل ما يسمى بجبهة ضد إيران، وبين التمدد الإيراني. ولا يجب الاستهانة بالتمدد الإيراني أو الفارسي. فهذه المرة الخامسة أو السادسة في التاريخ التي يكون الفارسيون فيها على سواحل البحر المتوسط، آتين من العراق فسوريا فلبنان. وهم أيضا في اليمن. إذن نحن اليوم أمام صراع قوى جيوسياسي، مقترن في الوقت عينه بطموحات الشباب في حياة أفضل. فكيف يمكن التوفيق بينهما؟.
سئل: لقد قلتم أنكم لستم متشائمين. دعوني أسألكم مجددا: هل أنتم متفائلون بمستقبل الشرق الأوسط في ما يخص الديمقراطية والحكم المدني؟
– “أنا لا أرى ذلك في المستقبل القريب بسبب غياب وحدة الصف بين المتظاهرين في لبنان وسوريا وغيرها. كل تيار يشارك في التظاهرات له أجندته الخاصة. لذلك لا أرى ذلك ممكنا في المستقبل القريب. ربما في المستقبل البعيد. ولكنني متشائم، لا بل واقعي، بالنسبة إلى المستقبل القريب.
سئل: كلمة أخيرة؟
– “أنا من الأجيال القديمة التي آمنت بثورات عبد الناصر، وياسر عرفات في فلسطين، وكمال جنبلاط لتحقيق لبنان علماني. لا يمكنني فرض رؤيتي من الماضي على المستقبل. يجب ألا نفقد الأمل. سيأتي شخص أو أشخاص أو حدث ما في المستقبل لتحقيق شرق أوسط أفضل. ولكن علينا ألا ننسى أننا ما زالنا نرزح تحت استعمار مباشر أو غير مباشر. إضافة إلى ذلك، أنا أنتمي إلى جيلٍ يؤمن أن إسرائيل هي جسم غريب في هذا الشرق الأوسط. لقد قبلنا بحل الدولتين، ولكن الأن لا مجال لهذا الحل. هذا هو المشهد الحالي. سنرى. ربما يأتي أحد ويكمل هذا الطريق”.