شدد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط على أنه “في ظل الكوارث والمصائب الإقتصادية، كان يمكن لو تشكلّت حكومة، أو لو سُمح بتشكيل حكومة فيها الحد الأدنى من النزاهة ومن الإختصاصيين، أن نبدأ بالمعالجة، وهذا كان مطلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد أن أتى بعد كارثة 4 آب، وآنذاك ظاهرياً جميع القوى السياسية إستجابت معه، أما عمليا، لا زلنا حتى اللحظة في الأفق المسدود، وذلك لسبب بسيط من قوى سياسية، ونحن من القوى السياسية لكن نحن كم نملك من تأثير على قوى مركزية أخرى؟ كم نملك من التأثير على التيار الوطني الحر أو حزب الله أو سعد الحريري وتيار المستقبل؟ لا شيء. حوصرنا في الدائرة المذهبية الصغيرة، وقالوا لنا، تفضلوا “بيطلعلكن” وزارتي الخارجية والزراعة”.
وفي حوار مع فريق تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونية، قال جنبلاط: “حتى الآن أنا إيجابي، لأن لا يزال هناك أمل بأن تستطيع فرنسا بما تملك بأن تفتح الأبواب، في حال تشكلت حكومة مقبولة، للتفاوض مع البنك الدولي والمؤسسات الدولية لنباشر بعملية الإصلاح”.
وحول من يتحمل مسؤولية عدم بت الملف الحكومي، قال جنبلاط: “محلياً، أحمّل مسوؤلية لهذه القوى السياسية (عون والحريري وحزب الله)، ولا ننسى أن التيار الوطني الحر فريق أساسي، كما وقعت أخطاء من قبل الحريري أنه يريد أن يفرض على ميشال عون أسماء معيّنة، فهناك خلاف حول الأسماء حسب الظاهر، كما هناك خلاف حول الوزارات، فالشيخ سعد بالأساس فكّر أن تشكيل الوزارة أمر سهل، كما فكر بأن يأتي بإختصاصيين، لكن إختصاصي وغير مُلم بالسياسة أمر ليس بالسهل في لبنان. يمكن أن يكون إختصاصيا في فرنسا وغيرها من البلدان، لكن في لبنان تريد إختصاصياً وقادرا أن يفرض رأيه السياسي، مثلا، وزارة الطاقة، هل نوّزر إختصاصي دون تنظيف الوزارة من رواسب جبران باسيل ومن أتى بعده في ما يتعلق بصفقات الفيول وصفقات السفن التركية، نريد واحدا يعرف أن يفرض نفسه، والأمر نفسه بالنسبة للعدلية والداخلية، كما ظن الحريري أن يمكنه أن يحيّد جبران عن ميشال عون، لكن هذه النظرية مستحيلة”.
ورأى جنبلاط أن “القوة المركزية في لبنان، يعني إيران متمثّلة بحزب الله تنتظر إستلام الرئيس المنتخب الجديد جو بايدن للتفاوض إيران معه، على الملف اللبناني، الصواريخ، العراق، سوريا، اليمن، هم مرتاحون في وقتهم، وفي الأثناء، نرى كيف يستفيدون من الفراغ في لبنان، ومن يركّب أجهزة ATM في مناطقه تمكّن من سحب مبلغ يصل إلى حد الـ5000 دولار نقدا، والمواطن اللبناني العادي يذهب إلى المصارف و”يتشرشح”، ولا يستطيع سحب إلّا كمية قليلة جدا بالعملة اللبنانية وبعد الواسطة، اما هم فنراهم مرتاحين وينتظرون التفاوض، وهنا نطرح السؤال، هل تؤثّر العقوبات؟ صحيح أنها تؤثّر لكنها – تؤثر ولا تؤثر- أتذكر العقوبات الأميركية على كوبا، 45 عاما وحتى هذه اللحظة، منذ العام 1958، بقي نظام (فيديل) كاسترو موجوداً، ومن ثم راوول كاسترو، وحتى عندما إنقطعت المساعدات السوفياتية بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي، صمدوا، والعقوبات حتى الآن تؤلم الشرائح الضعيفة والفقيرة في لبنان وإيران والشعب الإيراني، لكن النظام متماسك وقوي جدا وملحقات النظام قوية كثيرا”.
وردا على سؤال حول ان الحزب التقدمي الإشتراكي يبدو وحيدا في المواجهة في البلاد، قال جنبلاط: “يبدو كذلك، من وقت إلى آخر تخرج بعض الأصوات الخجولة، يبدو الحزب وحيدا بالمواجهة. طرحنا من خلال هادي أبو الحسن، وبلال عبدالله ملف الترشيد، ولم يلاقنا إلّا بعض النواب من المجلس النيابي ومن ثم إختفى الملف، تحدثنا عن ملف الكهرباء، والفضائح مستمرة، توجهنا إلى النيابات العامة، لكن القضاء ليس مستقلا، نحاول وسنتابع عله ينضم إلينا جمهور آخر، لكن حتى الآن لا أرى ذلك”.
ورأى جنبلاط أن “تشكيل الحكومة قد يكون بداية الإصلاح وإعادة إعمار المرفأ وعودة الحياة الطبيعية، لكن هذا سيأخذ وقتا كثيرا، أما إذا بقينا في هذا الجمود الذي تفرضه قوى داخلية مع قوى خارجية فإن لبنان القديم إنتهى، برسالته الإستشفائية والحضارية والتعليمية والثقافية، لأن نخبة الناس ستذهب، لن تبقى، ونحن نراهم يهاجرون”.
وبشأن الطروحات لدستور جديد؛ أجاب جنبلاط: “هل هذه من الأولويات؟ حتى لو كان هناك طائف أو ما تبقّى منه، أعتقد أن الأمور الأساسية التي يجب التركيز عليها هي الأمور الحياتية، الإصلاح، الحكومة، البرنامج المتواضع الذي إتفقنا مع الفرنسيين عليه، ولنبدأ بنقطة صغيرة، وهي الكهرباء، إذا ملف الكهرباء غير قادرين على إصلاحه، أما النقطة الثانية فهي التهريب، نحن لا نسيطر على شيء من الحدود، لا على المرفأ ولا المطار ولا الحدود، كيف نسيطر على تهريب المازوت؟ كيف نسيطر على تهريب المواد المدعومة؟ مصرف لبنان يدعم بما تبقى من مال في الإحتياطي الإلزامي، يدعم موادا للتجار، تجار الطحين والدواء وكل شيء، وهم من يستفيد من هذا الدعم، ويصدّرون على حساب الشعب اللبناني، فقبل موضوع النظام وتغيير النظام فلنبدأ بهذه النقاط الأهم، تلك الأمور هي معادلات أكبر”.
وفي ملف تحقيقات إنفجار مرفأ بيروت، قال جنبلاط: “لا أحد يريد تحقيقا، نحن الوحيدون الذين نريد التحقيق وكذلك المواطن العادي، يجب أولا إحترام القضاء، القاضي صوان طلب التحقيق مع رؤساء الوزراء، لماذا إختصرها برؤساء الوزارات، ولم يطلب التحقيق مع رئيس الجمهورية؟ ملغومة، حتى في هذا الأمر، كانت ردة فعل سعد الحريري في غير محلها، بأنه أتى إلى حسان دياب وتضامن معه من موقع رئاسة الوزارة، ومن موقع إثارة العصبية المذهبية، هذا كان خطأً كبيرا، كل المسؤولون الذين مرّوا يتحملون المسؤولية بشكل أو بآخر حول هذه المواد التي كانت موجودة في المرفأ، لماذا لم يحققوا معهم؟ لماذا لم يتم التحقيق مع الجميع؟ يجب التحقيق مع الكل”.
وتابع جنبلاط: “القاضي فادي صوان وصل إلى أفق مسدود، إما يكمل، وكيف سيُكمل؟ أو سيُطلب تنحيته، وقالوا، حسب الدستور، هناك هيئة معينة في مجلس النواب هي التي تحاكم الرؤساء والوزراء، ولكن جميعهم سيتفادى التحقيق لأنه قد يطال أقرب الناس لبعض كبار المسؤولين. يمكث اليوم عنصران من الأمن العام في السجن، وليس تبرئةً للأمن العام، لكن الأمن العام لا يتدخل بالشأن الداخلي في المرفأ، كما أوقفوا بدري ضاهر، وأعتقد أنه من الأساسيين الذين يجب أن يعلموا، وأوقفوا القيسي، وأنا أسمع أنه من الموظفين الشرفاء، ووقف الأمر عند هؤلاء وبعض الناس، فلماذا لا تستمر؟ ممنوع أن نستمر، نغطي الموضوع بالشكليات الدستورية والمذهبية والطائفية، اما بالنسبة للتحقيق الدولي، فقد دفع الشعب اللبناني مليار دولار للتحقيق الدولي بإغتيال رفيق الحريري وكانت نتيجة مؤسفة بعض الشيء”.
وبشأن وباء كورونا وإمكانيات المواجهة، لفت جنبلاط إلى أن الوباء “كارثة عالمية، ووزير الصحة يقوم بالحد الأدنى من واجباته، لكن لا يمكنه العمل وحده، بل نحتاج إلى مجموعة من القرارات الأكثر حسما، كإقفال المدارس، إذ هناك مدارس ومنها حكومية نجحت في موضوع التعليم “أونلاين”، وفتح المدارس أكبر خطر لزيادة نقل الوباء، وسنشتري من الآن حتى شباط مليون جرعة لقاح، وعدد سكان لبنان نظريا خمسة أو ستة مليون نسمة، ومليون جرعة ليست كافية، كما أن التوزيع يحتاج برنامجا حسب الأكثر حاجة، خاصة في ما يتعلق بالمسنّين والعاملين في المستشفيات وغيرها، لكن في نفس الوقت، اللقاح بحاجة إلى أماكن تخزين، إذ لقاح “فايزر” يجب أن يخزّن في حرارة تحت السبعين أو الثمانين درجة، و لا بد من قرار جريء لإستقدام ضعف الكمية (عدد السكان)، أي 12 مليون إذا إستطعنا، هكذا تفعل كل الدول، وعندها يصدر تعميمٌ لتلقيح جماعي لمختلف المواطنين وفق برمجة معينة، كما للاجئين الفلسطينيين عبر الأمم المتحدة، كما للسوريين، لأننا كلنا نعيش في بلد واحد”.
وأشار جنبلاط الى ان “هناك إهمالاً أو تعامٍ في بعض أوساط الجبل الدرزي، لكن هذا لا يعني أن هذا الأمر غير موجود في أوساط أخرى، اذ هناك نظرية أو فلسفة بعدم وجود كورونا، وهذا الأمر موجود أيضا في العالم، ففي فرنسا إضطروا إلى فرض وقف للتجول من السابعة أو التاسعة مساءً وحتى الصباح، يمكننا تطبيق هذا المبدأ كما وبرمجة الحد الأدنى من الحياة الإقتصادية، يمكن فرض القناع (الكمامة) على الأقل كحد أدنى كما وتغريم الناس، لكن مع الأسف ذلك ليس موجوداً”.
وبشأن طرح قانون مدني للاحوال الشخصية، رد جنبلاط: “علينا أن نتقدم بطرحنا، أن نتحدى الحواجز المذهبية، أن نتحدى الكنيسة والرهبان والمشايخ، وأن نتحدى كل من يمنع المواطن اللبناني من أن يتساوى مع الغير، علينا أن نتحدى. هذا تراثنا، محاكم مدنية بدل المذهبية، قانون الزواج المدني الإختياري الذي لم يُقر، وهناك الآلاف من الشباب الذين يتزوجون في تركيا وفي قبرص، ومن ثم يسجلون زواجهم في لبنان، لكن هنا ممنوع، لماذا ممنوع؟ علينا أن نحاول لكي نميّز نفسنا عن الآخرين”.
أما في ما خص التغيرات الإقليمية، فقال جنبلاط: “لا نشهد بداية شرق أوسط جديد، بل صار هناك شرق أوسط جديد، فهل بقي شيء من الشرق الأوسط القديم؟ هناك دولة نظرية في العراق وهو مشتت ورئيس الوزراء العراقي غير قادر على حماية مقره، المنطقة الخضراء، وهناك يوجد حشود شعبية وتفلت للسلاح، وسوريا يتقاسمها الروس والإيرانيون على ما تبقى من الوطن السوري، والنظام لا زال موجودا وللأسف محمي روسياً وإيرانياً، ليبيا تبخّرت، أما فلسطين، فالمبدأ الأخير كان الأرض مقابل السلام، ذهبوا إلى السلام من أجل السلام، وأي أرض بقيت لفلسطين بعد أن إحتل الإسرائيليون 60 أو 70% من الأرض التي كان يجب أن تكون الدولة الفلسطينية، لم يبقَ شيء. دعونا لا نتوهم، نتجه نحو خارطة جديدة في ما تبقى من الشرق الأوسط، الذي صار لونه في إدلب تركي، وفي لبنان وسوريا والعراق إيراني، وإسرائيل تستبيح كل شيء، هل سمعتم الغارة فوق بيروت منذ يومين؟ تغلغلت إسرائيل سلما إلى كل مكان، لا يزال هناك الجزائر، يملكون تراثا، ثورة كبير ضد الإستعمار، وفي الوقت نفسه، الفخ الكبير الذي ينتظر الجزائر والذي نصبه الأميركيون والإسرائيليون، فخ الصحراء الغربية التي أعطوها مجانا للمغاربة، إسرائيل تحاول وتريد الدخول والتخريب في الجزائر. هذه ارض متنازع عليها وفق الأمم المتحدة، وكانت تحتاج إلى إستفتاء، قام ترامب بإعطائها كما أعطى القدس والجولان، فهل يعطي من كيسه؟”.
أما بالموضوع الفلسطيني، قال جنبلاط: “لست يائسا من الموضوع الفلسطيني، نريد إدارة جديدة، وهذا الشعب كبير جدا، وهناك طاقات فكرية وسياسية ونضالية كبيرة، يجب تغيير الإدارة لأنه لا يمكن إستمرار الإدارة القديمة، وتتغير، لست خائفا، ليس من الممكن أن تمحو بشحطة قلم مطالب هذا الشعب، أنا متفائل، لكن الأمر يحتاج للكثير”.
المصدر: جريدة الأنباء