أطلقت عائلات روحية ونقابات مهن حرة وجامعات وفاعليات اقتصادية وهيئات عمالية وقوى مجتمعية، مبادرة إنقاذية وطنية تحت عنوان “معا نسترد الدولة”، في لقاء نظمته في قاعة “الخطى الضائعة” في قصر العدل في بيروت، لمناسبة عيد الاستقلال.
شارك في إطلاق المبادرة نقابتا المحامين في بيروت وطرابلس، نقابتا الأطباء في بيروت وطرابلس، نقابتا أطباء الأسنان في بيروت وطرابلس، اتحاد المهندسين، نقابة محرري الصحافة، نقابة الصحافة، نقابة الصيادلة، نقابة الممرضات والممرضين، نقابة المعالجين الفيزيائيين، نقابة خبراء المحاسبة، نقابة المقاولين، نقابة خبراء التخمين العقاري والعائلات الروحية وجامعات وفاعليات اقتصادية وهيئات عمالية بمساندة قوى مجتمعية. وتخلل المبادرة التوقيع على وثيقة من قبل المشاركين.
النشيد الوطني بداية، ثم كلمة لنقيب المحامين في بيروت الدكتور محلم خلف قال فيها: “في هذه اللحظة التاريخية، في ذكرى مئوية دولة لبنان الكبير، في ذكرى استقلال الجمهورية، في مشهد أبوكاليبتي ظلامي غير مسبوق في تاريخ الوطن، نجتمع اليوم أمامكم: نحن من؟ نحن القوى المجتمعية الحية في لبنان، من عائلات روحية ونقابات مهن حرة وجامعات وفاعليات إقتصادية وهيئات عمالية وقوى مجتمعية. نحن أين؟ نجتمع في قصر العدل في بيروت، في قصر العدالة المنهوكة من كل شيء، هذه العدالة المنشودة لأمل لبنان! نحن ماذا نريد؟ نحن لسنا بساعين الى سلطة، نحن لسنا بإنقلابيين ولا بعنفيين، نحن نريد التغلب على الواقع المرير بمسار دستوري سلمي حقوقي ديموقراطي، نحن نريد استرداد الدولة بإعادة تكوين السلطة، نحن نريد استرداد الدولة لنعيد بناء الوطن! نحن بماذا نطالب؟ نحن نعرض مبادرة إنقاذية وطنية بعيدة عن أي تجاذبات وعن أي مصالح، إنها خارطة طريق للخروج من الأزمة الأخلاقية التي أطبقت على الحياة العامة، هي مبادرة متكاملة لا تتقارب بجزئياتها بل بكليتها، بتواضع، بتعاضد، بشجاعة، ومن دون إستثناء أحد، ندعو، أولا، كل المواطنين للإنضمام إليها، نطلب، ثانيا، من المعنيين في السلطة، الإطلاع عليها بالسرعة القصوى، نناشد، ثالثا، العالم كله وكل ضمير حي لمواكبة تنفيذها، فمن خلالها خلاص للبنان وللبنانيين”.
أضاف: “اليوم الناس جائعون يائسون. اليوم قررنا أن نرفع الصوت، لن يكون لنا وطن، طالما نحن ساكتون، لن يكون لنا وطن، طالما نحن ننأى عن المطالبة بحقنا في العيش والحرية والكرامة، لن يكون لنا وطن، طالما نحن نختلف يمينا ويسارا، جنوبا وشمالا، صلبانا ومآذن. لن يكون لنا وطن، إذا لم نسترد الدولة بمؤسساتها! اليوم الناس متعبون من كل شيء. كفاهم أن يسمعوا خطابات رنانة مكررة مملة فارغة من أي وقع على حياتهم وهمومهم.كفاهم أن يسمعوا: واحد يتحدث عن البطولات، آخر يتحدث عن المؤامرات، واحد يحكي عن الحرية، آخر ينادي بالديموقراطية والمساواة، واحد يتحدث عن الكرامة، آخر ينادي بالعلاقات المميزة والمتمايزة. كلام وكلام، أنهار من الحبر، أكوام من الفراغ. ألا يكفي؟ بلى يكفي كلاما. اليوم الناس تعسون من كل شيء. هم مقتولون، جسدا وروحا، هم مذبوحون، غربة وتهجيرا وحزنا، هم مقهورون مسحوقون حتى الشرايين وغصات الصدور. ومن أجل ماذا؟ ألا يكفي؟ بلى يكفي موتا وتعاسة وقهرا وغربة! اليوم الناس غاضبون من كل شيء. هم غاضبون ممن يدعون أنهم يعملون لوحدة هذا البلد وسيادته وازدهاره، هم غاضبون ممن يزعمون أنهم يسعون وراء التصحيح والعدالة، هم غاضبون ممن يوهمون أنهم يدافعون عن البؤساء والفقراء والمظلومين، هم غاضبون ممن قسموا الوطن الى أوطان، والشعب الى طوائف، والطوائف الى مذاهب، والأحياء الى أحياء وطنية وأحياء غير وطنية، والأسماء الى أسماء محبوبة وأسماء مكروهة مرفوضة. ألا يكفي؟ بلى يكفي غضبا وفعلا وردود فعل”.
وتابع: “اليوم، نحن القوى المجتمعية الحية، نحن المجتمعين في هذه القاعة، قررنا أن نفجر صوتنا عاصفة تهز الضمائر الملوثة، قررنا التشاور والتحاور لأكثر من ثلاثة أشهر، كسرنا كل الحواجز الاصطناعية، أولينا حركة التخاطب المثلى بعمل مضن خلاق، فأضحى لنا لغة واحدة، مبادرة واحدة جامعة، مبادرة صناعة لبنانية مئة بالمئة، مبادرة تجعل من هذا الليل الطويل فجرا لقيامة وطن الأبرياء والأطهار والطيبين. مبادرة نقيم فيها سويا نهجا جديدا يربط المواطن بالدولة على أساس الحقوق والواجبات ودون أي وسيط، نحرر فيها الدين من الطائفية. إن مبادئ هذه المبادرة، بقدر ما هي تطبيق لمندرجات الدستور ومقرونة بخطوات عملية واضحة المعالم وسهلة التنفيذ، فإنها بالقدر نفسه على حجم أوجاع الناس وآمالهم. وإن مبادئ هذه المبادرة تبقى مفتوحة للنقاش البناء بما يطمئن كل الهواجس، فلا مسلمات إلا إنقاذ لبنان والعيش الواحد فيه. أما المطلوب فواحد: أصحاب الإرادات الصلبة لتنفيذها”.
وقال: “في هذه اللحظة التاريخية، لا خيارات لنا أخرى إلا خيار تنفيذ خطواتها: في هذه اللحظة التاريخية نفسها، ونحن نعاني من انهيار الدولة التي صنعها بأحلامهم الكبيرة وسواعدهم المناضلة آباؤنا المؤسسون للصيغة والميثاق، لن نقبل باستمرار انهيار الدولة وسنستردها معا. في هذه اللحظة التاريخية نفسها، وبيروت الحبيبة منكوبة موجوعة دامعة لكنها أقوى من إصرارات النحر وعصية على امتحان الامتثال للدمار والموت. بيروت ابنة القيامة والعدالة لروحها وأهلها حق لن نتنازل عنه حتى آخر رمق. في هذه اللحظة التاريخية نفسها، والشعب اللبناني صامد في وجه إستباحة حقوقه الأساسية، يعاند الجوع، ويتفوق في مقاومته للإنهيارات البنيوية القطاعية لأنه يؤمن بلبنان، ولن نقبل باستمرار هذا الإستنزاف المستدام لمقدراتنا وكأننا أسرى قدرية مأساة المشتركات بفعل سوء حوكمة ولا مبالاة حكم. في هذه اللحظة التاريخية نفسها، إذ فيما العالم يعاني كابوس الخوف من الآخر، ويستشعر فيه الشعبويون فرصة للإنقضاض على التنوع من باب بناء المعازل الإثنية، والإيديولوجية، والدينية، والطبقية، في هذه اللحظة يتعاضد اللبنانيات واللبنانيون في لملمة جراحات فرضت عليهم قسرا ويتكاتفون في الإصرار على بناء دولة المواطنة الحاضنة للتنوع، وليس هذا البناء بتفصيل، بل هو مدماك الحضارة الإنسانية التي أوجدها أجدادنا في فعل الحرف التواصلي بين أصقاع العالم. في هذه اللحظة التاريخية نفسها، ولبنان يستحق أن ينهض من ركام تجاوز المؤتمنين عليه لحسن الحفاظ على الأمانة التي ولوا عليها، ولأن اللبنانيات واللبنانيين بقدر ما هم معنيون باستعادة مقدراتهم على كل المستويات، بقدر ما هم قادرون على تحديد ملامح الدولة النظيفة الكفوءة المحترفة التي يريدون في المئة عاما المقبلة، دولة القانون والحق وحقوق الإنسان، دولة الحريات الفردية والعامة، دولة الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة، دولة الكفاءة النزيهة، دولة المواطنة الفاعلة، دولة الإيمان بحرية المعتقد وحرية الضمير، دولة التعاضد، دولة العيش الواحد تحت سقف الدستور والقانون، دولة مسؤولة عن كل مواطنيها تحميهم وتدافع عنهم، تمارس سيادتها الفاعلة وسلطتها الحازمة بعدالة على كامل أراضيها وتصون حدودها بكل المعايير الوطنية”.
أضاف: “في هذه اللحظة التاريخية نفسها، قررنا ألا نستقيل من دورنا المبادر في إنقاذ وطننا واستعادة دولتنا وتأمين كرامة مواطنينا. ليس في قاموسنا من مصطلح للإستسلام. ليس في مسيرتنا من خيار لليأس. ليس في تاريخنا من بوصلة غير صناعة الأمل فنحن بنات وأبناء الرجاء. شريكاتي وشركائي في المسؤولية، في هذه اللحظة التاريخية، وشريكي نقيب المحامين في طرابس العزيز الأستاذ محمد المراد سيعلن عن مضمون وثيقة هذه المبادرة، نحن أمام التزام أخلاقي نحاكي فيها ضميرنا الوطني كل من موقعه، كل في اختصاصه، كل بحسب إمكاناته، نعلن بجرأة أننا سنخوض غمار تنفيذ المبادرة حتى النهاية، ولسنا في إعلانها اليوم سوى في بداية مسيرة الألف ميل، لكن بمهلة محددة، فمواجهة الانهيارات لا تكون بالمحاصصات والزبائنيات والإستقطابات، والإستنفارات، بل بصحوة ضمير عندنا جميعا، وبالأولى عند السلطة، فهناك بيت قصيد التعطيل والاستباحة والقفز فوق الدستور ومندرجاته، والدوس على أوجاع الشعب اللبناني”.
وختم خلف: “نحن اتخذنا قرارنا بالبقاء في أرضنا، وفي إنقاذ وطننا، وفي تحقيق آمال أجيالنا الصاعدة، وفي بناء مداميك المئوية الثانية للبنان الكبير، لا كلام بعد اليوم، إنه وقت العمل الفاعل على حجم كل لبنان. اليوم، أول الغيث لقيامة الوطن فعلا وعملا، اليوم، قلب لبنان ينبض من جديد”.
وألقى نقيب المحامين في طرابلس محمد مراد نص وثيقة المبادرة، جاء فيها:
“لبنان في أزمة. اللبنانيات واللبنانيون في حالة من اللاأفق. الدولة في انهيار كارثي. لا بد من مبادرة إنقاذية وطنية أساسها استرداد الدولة بإعادة تكوين السلطة في مسار دستوري ديموقراطي سلمي. من هنا تأتي هذه المبادرة من القوى المجتمعية الحية على مرحلتين بما ينتج أملا في لبنان العيش الواحد. انطلقت المبادرة الإنقاذية الوطنية من نقابة المحامين في بيروت، وعرضت في نقابة المحررين وتحصنت بورشة عمل لنقابات المهن الحرة في نقابة المحامين في طرابلس، وتوسع تحصينها بالموازاة مع الجامعات، واستكمل تحصينها مع العائلات الروحية والفاعليات الإقتصادية والهيئات العمالية، لتواكب من ثم من قوى مجتمعية في تأكيد على أنها دينامية مفتوحة للجميع.
1- في المرحلة الأولى: إلحاحية تشكيل حكومة، فاعلة، هادفة، عادلة، موثوقة من مستقلين متخصصين بصلاحيات تشريعية محدودة ومحددة ضمن مهلة زمنية محددة على أن يكون في سلم أولوياتها:
أولا- إقرار بدء تنفيذ خطة إنقاذية مالية – إقتصادية – إجتماعية تقوم على الأسس التالية:
– تعزيز الحماية الاجتماعية للشعب اللبناني بإقامة شبكة أمان اجتماعية على مستويات أربعة: التربية، الصحة، الغذاء والشيخوخة.
– تحقيق العدالة في قضية تفجير مرفأ بيروت.
– تنفيذ خطة وطنية لمكافحة جائحة كورونا ومفاعيلها والحد من انتشارها، والتنسيق في ما بين وزارات الصحة والتربية والداخلية ونقابتي الأطباء في بيروت وطرابلس، ونقابة الممرضات والممرضين، ونقابة المعالجين الفيزيائيين، وتوحيد الرؤية والخطوات الضرورية في مواجهة هذه الجائحة.
– إطلاق مسار الإصلاحات الفورية البنيوية والقطاعية واتخاذ التدابير الآيلة إلى إقامة نهج جديد لمناهضة كل أشكال الفساد في الحياة العامة وعلى سبيل المثال: مواجهة الأزمة المالية والإقتصادية والإجتماعية، مواجهة أزمة الكهرباء وتحلل البنى التحتية، وقف الهدر، إقرار قانون استقلالية القضاء، تحصين التدقيق الجنائي وتفعيله على كل المؤسسات العامة والمصالح المستقلة في القطاع العام، بما فيها مصرف لبنان، إصلاح مسار إتمام المناقصات في القطاع العام وصون الحريات الفردية والعامة وحرية الإعلام.
ثانيا- في إعادة تكوين السلطة:
– تنطلق بإقرار قانون مجلس شيوخ بحسب ما ورد في الدستور، وذلك لتوفير ضمانات للعائلات الروحية اللبنانية من ناحية، وتنقية الانتخابات النيابية من القيد الطائفي والمذهبي من ناحية أخرى، بما يوائم بين حماية الخصوصيات الطائفية والمذهبية بالمعنى الحضاري ويفتح السبيل نحو جمهورية المواطنة.
– إقرار قانون إنتخابي خارج القيد الطائفي، على أن يتم تعميق النقاش في هذا التحول، بما يطمئن اللبنانيين إلى أن خصوصياتهم الطائفية والمذهبية مصانة لكن ضمن سقف المواطنة الفاعلة.
– إجراء انتخابات نيابية وانتخابات مجلس الشيوخ في اليوم نفسه.
إن المرحلة الأولى هذه تؤمن تشكيل سلطة نظام المجلسين بما يعيد الإنتظام العام إلى تطبيق مندرجات الدستور في خطوة مؤسسة نحو دولة المواطنة وجمهورية الإنسان.
2- في المرحلة الثانية:
قيام مجلس نيابي منتخب خارج القيد الطائفي والمذهبي وإنشاء مجلس الشيوخ في المرحلة الإنقاذية الأولى يؤمن تشكيل حكومة جديدة تتولى ثلاث مهمات أساسية:
أولا- استكمال تحصين تطبيق الإصلاحات البنيوية والقطاعية مع تدعيم الخطة الإنقاذية المالية – الإقتصادية – الإجتماعية الملحة.
ثانيا- إنفاذ اللامركزية الإدارية مع إنشاء صندوق وطني تعاضدي تنموي ما بين المناطق من ضمن سياسة عامة متكاملة تبقي على روابط وحدة الوطن.
ثالثا- إقرار قانون أحزاب على قاعدة وطنية غير طائفية.
وإن هاتين المرحلتين تؤمنان استعادة بنيان الدولة وتسمحان، من خلال قيام مؤسساتها، بإعادة تكوين السلطة على قواعد دستورية ديموقراطية سلمية تستقيم معها الحياة العامة، وتؤسسان لخيارات استراتجية برؤية وطنية جامعة واضحة على كل المستويات لننهض سوية وطن العيش الواحد المبني على التعاضد مع كل ما تحمله هذه الرمزية من سمات فاعلة في الوجدان العالمي”.