ترأس نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة العامة غسان حاصباني ورشة عمل تحت عنوان “لقاء تعزيز الشراكة بين وزارة الصحة العامة والإعلام”، في إطار سعي من وزارة الصحة لتعميق التزام الإعلام كشريك فاعل ومساهم أساسي في تعريف المواطن الى حقوقه الصحية والخدمات المقدمة له. وحضر المدير العام الدكتور وليد عمار ورئيسة دائرة الرعاية الصحية الأولية الدكتورة رندة حمادة بمشاركة عدد من الإعلاميين، وذلك في مبنى وزارة الصحة، بئر حسن.
بداية النشيد الوطني، ثم استهل حاصباني الورشة بكلمة شدد فيها على أهميتها، موضحا أن “القطاع الصحي في لبنان من أكثر القطاعات تماسا مع حياة الإنسان، وللإعلام دور كبير جدا في التوعية والتوجيه في وقت يعتمد القطاع الصحي كثيرا على التوعية لاستباق المشاكل وتفادي الأمراض وتخفيف الأكلاف الصحية على الناس والدولة”.
وقال: “إن دور الإعلام أساسي في هذه التوعية أكثر من أي وقت مضى، ولا سيما منه الإعلام المنظم إزاء التأثير الكبير الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي على الرأي العام والاعتبار الخاطئ أن هذه الوسائل متمتعة بالصدقية”.
ولفت إلى أن “الكثير من الدراسات تبين أن أكثر من خمسة وأربعين في المئة من الناس يتلقون نصائح طبية بواسطة الإنترنت من أشخاص لا يعرفونهم، ومن دون التأكد مما إذا كانت النصائح مفيدة أم لا. والمؤسف أن هذه العدوى في الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي قد انتقلت من الناس العاديين إلى الإعلاميين الذين يعتمدون على هذه الوسائل كمصدر للمعلومات”.
أضاف: “الكثير من التقارير يتم بثها على أساس حملة تم تنظيمها على وسائل التواصل الإجتماعي، ثم يتبين سريعا أن هذه الحملة كانت مبنية على أسس خاطئة ولا تعكس الحقيقة، لكنها انتقلت إلى وسائل الإعلام، وتم تداولها على نحو واسع، من دون أن يعمد أي كان إلى تصحيح الخطأ الذي تم ارتكابه”.
وشدد على أهمية “أن يكون الإعلام واعيا وعلى دراية بالوقائع والحقائق، لأن ذلك يؤثر على صحة الناس وسلامتهم”.
وتوسع حاصباني في الإضاءة على مسألتين تعكسان أهمية متابعة الملفات من البداية إلى النهاية.
وقال: “إن لغطا إعلاميا وقانونيا ساد حول موضوع احتمال تسمم حصل في مطعم ملك الطاووق الذي يقدم سندويشات، مما أدى إلى حالة وفاة. وبعد إقفال القوى الأمنية هذا المحل بسبب الاشتباه في حصول حالة تسمم قبل تدخل من وزارة الصحة، أجرت وزارة الصحة الفحوص المطلوبة وأرسلتها إلى مختبرات عدة، من بينها مختبرات خارج لبنان. وأظهرت هذه الفحوص أن نتيجة التسمم من المواد الغذائية سلبية، ما يعني أن هذه المواد مطابقة للمواصفات، كما أن الفحوص شملت المواد الغذائية التي كانت موجودة في منزل المتوفى، وتبين كذلك أن النتيجة سلبية. لذا، تم زرع جرثومي للحالات الثلاث التي أكلت في المطعم المذكور، وكانت النتيجة كذلك سلبية، وأجريت فحوص كيميائية وأتت النتائج سلبية باستثناء وجود كافيين ونيكوتين نتيجة شرب الدخان. أما عندما تم فحص الجثة، فتم العثور على نسبة عالية من الـCO مع وجود علامات تسمم من مونوكسيد الكربون. ولم يتم فحص المريضين الآخرين لأنهما كانا قد أخذا أوكسيجين في المستشفى الذي قدم لهما الإسعافات. وانتهت النتيجة إلى استخلاص حصول تسمم بالغاز في داخل البيت من العوارض إلى حالة الوفاة التي تم تسجيلها”.
وذكر حاصباني بالضجة التي أثارها الموضوع من الناحية الإعلامية والتي ركزت على لوم المطعم، مشيرا إلى أن “الوفاة لم تحصل بسبب المطعم الذي كان مطابقا للمواصفات. ومما لا شك فيه أن المطلوب عدم الاستنتاج وعدم التسرع في الاستنتاج”.
وأشار الى أن “حالات أخرى برزت أخيرا من بينها حالة الطفل الذي تردد إعلاميا أنه لم يستطع الحصول على الاستشفاء وانتشرت صوره ووجهه المتورم في أكثر من وسيلة إعلامية، مما عكس حالة انسانية محزنة أثارت ضجة كبيرة. ولكن، إتضح بعد ذلك أن الطفل يعالج على حساب أحد الأسلاك العسكرية وليس من أدنى مشكلة في ذلك، إنما أسرع البعض ونشر الموضوع على شبكات التواصل”.
وأكد أن “هناك حالات محقة، ونشجع على تسليط الضوء عليها، إنما يجب عدم استباق الأمور. إن الوزارة أقفلت أحد مصانع الشوكولا الملون للأولاد في بيروت وجبل لبنان، بعدما اتضح لنا أنه يستعمل مواد غير سليمة في الصناعة والتخزين ويوزعها في الأسواق. والوزارة مستمرة في إقفال أماكن من هذا النوع، وفي توعية الناس على هذه الأمور، ونطلب من المواطنين التعاون معنا وإبلاغنا بوجود حالات مماثلة تثير الشك، لأن مخازن كهذه تكون مخبأة ولا يمكن كشفها إلا من خلال إخباريات أو إذا اكتشفتها بالصدفة فرق التفتيش التابعة لوزارة الصحة”.
وعرض وزير الصحة صورا تم تداولها على مواقع التواصل الإجتماعي لمطابخ تحتوي على كم من الأوساخ، وتم الإكتشاف أن هذه الصور تعود إلى أكثر من سنة في الماضي وهي موجودة في أرشيف وزارة الصحة. وقال الوزير حاصباني: إن تضليلا وتحريفا يحصل في بعض الأحيان ويكون في غير مكانه، مبديا ثقته بأن “الإعلام اللبناني يفيض بالمهنية للتدقيق في الأمور التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي”.
وخاطب الإعلاميين: “إن سمعتكم كمواطنين وسمعة لبنان تتوقف على الصدقية التي يتمتع بها لبنان في هذا المجال. وعندما نقول إن اقتصاد لبنان منهار وليس من سياحة لدينا فلا نلوم حينها غير أنفسنا. لذا من المهم أن نكون موضوعيين ووزارة الصحة مستمرة بكل ما يحفظ النظام الصحي في لبنان.
وأشار إلى أن الشق الثاني من ورشة العمل يتناول الإضاءة على أهمية مراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة لوزارة الصحة وضرورة تسليط الإعلام الضوء عليها. وقال إن “هذه المراكز الموجودة على كل الأراضي اللبنانية والبالغ عددها أكثر من مئتي مركز هي مدخل أساسي للقطاع الصحي لكونها تهتم بالأمور التي لا تتطلب دخولا الى المستشفى وتساعد على تفادي دخول المستشفى في حال تم اكتشاف المرض قبل حصوله. وهذه المراكز تقدم فحوصا وعيادات لكل الموجودين على الأراضي اللبنانية، والعمل جار لتطوير أكثر من سبعين مركزا بدعم من البنك الدولي مشكورا، على أن يزيد الرقم تدريجا بتنفيذ من قبل الإدارات المختصة في وزارة الصحة”.
وإذ سأل: “لم الرعاية الصحية الأولية مهمة؟” قال: “لأننا نريد البناء عليها لتحقيق نظام صحي متكامل ومتطور في المستقبل”. وشدد على أن الرعاية الصحية “تلعب دورا أساسيا كمدخل إلى هذا النظام الصحي. فهي الأقرب جغرافيا إلى الناس والأقل كلفة عليهم وتسهم في التقليص من مشاكلهم الصحية”.
ولفت وزير الصحة إلى أن “دور الإعلام ضروري في التوعية لمعرفة أماكن وجود هذه المراكز وكيفية استفادة الموطن منها، خصوصا أن لدى وزارة الصحة المزيد من الخطط لهذه المراكز في المستقبل، حرصا على أن يكون لها دور أكبر”.
وأشار إلى أن “اللافت في هذه المراكز أنها شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع المدني الذي لا يقتصر دوره على الاعتراض على بعض المشاكل السياسية، إنما يقوم دوره أساسا على عرض البدائل والطروحات والمساهمة في التنمية والمحاسبة والمراقبة ومشاركة القطاع العام في خدمة المواطن والإنسان. والقطاع الصحي هو من أكثر القطاعات التي من الممكن أن يتعاون فيها المجتمع المدني”.
وشكر الحضور مؤكدا أنه يتطلع إلى “تعاون وثيق بين وزارة الصحة والإعلام في المستقبل القريب”، كما شكر القيمين في وزارة الصحة “ولا سيما الدكتور وليد عمار على ما تقوم به وزارة الصحة من عمل جبار في مجال الرعاية الصحية والاستشفاء وسلامة الغذاء، حتى أصبح لبنان الدولة الأولى في العالم العربي بما يختص بنوعية الخدمات الصحية والرقم 32 على المستوى العالمي الذي يعتبر رقما ممتازا نظرا لما يعانيه لبنان ونظامه الصحي من أعباء متأتية عن النزوح”.
استكمال ورشة العمل
ثم استكملت ورشة العمل بوثائقي خاص عن “مشروع الرعاية الصحية الأولية نحو التغطية الصحية الشاملة” الممول من البنك الدولي، وقدم عمار مداخلة عن النظام الصحي في لبنان مشددا على أهمية استعادة الثقة بهذا النظام “الذي أكدت أربع دراسات عالمية صدرت أخيرا جدارته”.
وقال إن “استعادة الثقة تصب في مصلحة المواطن متمنيا المزيد من التعاون من الإعلام”.
كما عرضت اختصاصية الصحة العامة والإعلامية روى الأطرش “استراتيجية التواصل” لدائرة الرعاية الصحية الأولية التي تهدف إلى تعزيز ثقة المواطنين بتقديمات وزارة الصحة العامة من خلال الشبكة الوطنية لمراكز الرعاية الصحية الاولية التي تقدم رزما من الخدمات الوقائية والعلاجية والتثقيفية للمواطنين.
وبإمكان الأب أو الأم تسجيل جميع أفراد العائلة في هذه المراكز في حال تم تأمين المستندات المطلوبة، حيث يتم الحصول على سلة من الخدمات الصحية المجانية مقسمة بحسب العمر والجنس والحالة الصحية، ما يكفل الحصول على خدمات صحية أولية وقائية وعلاجية مجانية.