ناشد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون “كل زعماء العالم ليساهموا في العمل على عودة النازحين الآمنة الى سوريا، خصوصا أن مسؤولية معالجة ازمة النزوح لا تقتصر على لبنان وحده، بل هي مسؤولية دولية مشتركة تحتم تعاون الجميع على ايجاد الحلول لها، وبصفة عاجلة. اذ لا يمكن للمجتمع الدولي أن يكتفي فقط بتأمين الحد الأدنى من المساعدات للنازحين واللاجئين في أماكن نزوحهم وتغييب برامج العودة الآمنة والكريمة لهم”. واكد “أن شروط العودة أصبحت متوافرة، فالوضع الأمني في معظم أراضي سوريا، ووفقا للتقارير الدولية، أضحى مستقرا والمواجهات العسكرية انحصرت في منطقة إدلب، وقد أعلنت الدولة السورية ترحيبها بعودة أبنائها النازحين”.
وحذر الرئيس عون من تحويل النازحين الى “رهائن في لعبة دولية للمقايضة بهم عند فرض التسويات والحلول”، ملاحظا “ان علامات استفهام عديدة ترتسم حول موقف بعض الدول الفاعلة والمنظمات الدولية المعنية، الساعي إلى عرقلة هذه العودة والادعاءات بخطورة الحالة الأمنية في سوريا، وإثارة المخاوف لدى النازحين”، مشيرا الى “ان هذا ما قد يدفع لبنان حكما إلى تشجيع عملية العودة التي يجريها، بالاتفاق مع الدولة السورية لحل هذه المعضلة التي تهدد الكيان والوجود”.
كما نبه رئيس الجمهورية “من خطورة تقليص خدمات منظمة الأونروا للاجئين الفلسطينيين مما تسبب بمزيد من الضغط الاجتماعي والمالي عليهم وعلينا”، مسجلا “رفض لبنان القاطع كل محاولة للمس او تعديل ولاية الاونروا”، ومناشدا كذلك “الدول المساهمة في موازنتها مضاعفة مساهماتها للتتمكن من استعادة دورها الحيوي”.
وفيما اكد الرئيس عون على “ان الخروق الإسرائيلية للقرار 1701 لم تتوقف يوما، وكذلك الاعتداءات المتمادية على السيادة اللبنانية برا وبحرا وجوا، والعمل العدواني السافر الذي حصل الشهر الماضي على منطقة سكنية في قلب بيروت هو الخرق الأخطر لهذا القرار، كذلك الحرائق التي استمرت لأيام داخل مزارع شبعا المحتلة جراء القذائف الاسرائيلية الحارقة، والتي تشكل جرما بيئيا دوليا يستوجب إدانة من تسبب به”، فانه جدد القول “أن لبنان بلد محب للسلام، وهو ملتزم القرار 1701″، مشيرا في الوقت عينه الى “أن التزامنا هذا لا يلغي حقنا الطبيعي وغير القابل للتفرغ، بالدفاع المشروع عن النفس، بكل الوسائل المتاحة”.
واعرب رئيس الجمهورية عن “تمسك لبنان بحقوقه السيادية على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وشمال الغجر المحتلة”، مشددا على ان لبنان “لن يوفر أي فرصة في سبيل تثبيت حدوده البرية المعترف بها دوليا بالوثائق الثابتة في الأمم المتحدة، وترسيم الحدود البحرية، وذلك بإشراف الأمم المتحدة، مع ترحيبه بأي مساعدة من أي دولة بهذا الخصوص.”
واعتبر الرئيس عون “ان أزمة الشرق الأوسط تزداد تعقيدا لأن كل مقاربات الحلول والممارسات الإسرائيلية تناقض المبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة”، لافتا الى “انه لن تقوم عدالة ولن يستقيم حق ولن يتحقق سلام طالما أن المبدأ السائد في عالمنا هو: أنا قوي إذا أنا على حق!”.
وإذ شكر رئيس الجمهورية “الدول الأعضاء في الامم المتحدة التي رعت مشروع “اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار”، وصوتت لصالحه”، فإنه اعتبر “ان أهمية هذه الأكاديمية تكمن في تجسيدها مشروعا دوليا لالتقاء الثقافات والديانات والإتنيات المختلفة وتعزيز روح العيش معا، ونشر ثقافة معرفة الآخر والقبول به، ضمن إطار مبادئ الأمم المتحدة، وعلى رأسها الدبلوماسية الوقائية للقضاء المسبق على أسباب النزاعات”، مبديا حرصه على “متابعة قيام هذه الأكاديمية”، إيمانا منه “بأن السلام الحقيقي هو ذاك الذي يقوم بين البشر لا على الورق، وبدور لبنان ورسالته.”
مواقف الرئيس عون جاءت في الكلمة التي القاها، بأسم لبنان، امام الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك، في دورتها الرابعة والسبعين.
نص الكلمة
وفي ما يلي نص الكلمة:
“سعادة السيد تيجاني محمد بندي رئيس الجمعية العامة،
سعادة أمين عام الأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريس،
السادة رؤساء الدول والحكومات،
السيدات والسادة،
يسرني بداية أن أهنئكم حضرة الرئيس على انتخابكم لرئاسة الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، متمنيا لكم التوفيق في مهماتكم، كما أشكر معالي السيدة ماريا فيرناندا إسبينوسا غاريسيس على حسن ادارتها للدورة السابقة،
وأحيي سعادة الأمين العام للأمم المتحدة السيد غوتيريس على جهوده، وخصوصا مشروعه الاصلاحي للمنظمة الدولية الذي يطال مختلف مفاصل اختصاصاتها والعناية التي يوليها لقضايا منطقتنا عامة ولبنان بصورة خاصة.
في 16 أيلول الجاري، قامت الجمعية العامة بالتصويت على القرار الرقم 344، الداعم لإنشاء “أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار” في لبنان، واسمحوا لي أن أنقل شكر بلادي للدول الأعضاء التي رعت هذا المشروع وصوتت لصالحه، مع ما يحمله ذلك من تشجيع لنا على المضي قدما في هذه المبادرة التي سبق وأطلقتها أمامكم منذ عامين.
وسوف أتابع بحرص قيام هذه الأكاديمية، إيمانا مني بأن السلام الحقيقي هو ذاك الذي يقوم بين البشر لا على الورق، وإيمانا مني أيضا بدور لبنان ورسالته كأرض تلاق وحوار، وبما يكتنزه شعبه ومجتمعه التعددي من تجارب وخبرات جعلته رافضا للتطرف الفكري والديني وعلمته كيف يعيش التسامح والقبول بالآخر.
إن أهمية هذه الأكاديمية تكمن في تجسيدها مشروعا دوليا لالتقاء الثقافات والديانات والإتنيات المختلفة وتعزيز روح العيش معا ونشر ثقافة معرفة الآخر والقبول به، ضمن إطار مبادئ الأمم المتحدة وما تصبو اليه عبر برامجها السامية التي تعمل على ردم الهوة بين الشعوب وعلى رأسها الدبلوماسية الوقائية للقضاء المسبق على أسباب النزاعات.
ومنذ يومين عقدت هنا في الأمم المتحدة قمة العمل المناخي التي دعا إليها الأمين العام. وفي هذا السياق، انضم لبنان الى مجموعة الدول الداعمة للمبادرة التي أطلقها فخامة رئيس النمسا “لمزيد من الطموح حول المناخ” بعد أن كان في طليعة الدول التي وقعت على اتفاق باريس العام 2015.
من ناحية أخرى، لقد قام لبنان بخطوات عديدة هذا العام في سبيل تعزيز دور المرأة، فقد أقرت الحكومة اللبنانية خطة عمل وطنية شاملة لتنفيذ قرار مجلس الأمن 1325 حول المرأة والسلام والأمن وباشرت تنفيذها. كما أنجزنا كل الخطوات المتعلقة بتفعيل عمل الهيئة الوطنية لحقوق الانسان ولجنة الوقاية من التعذيب.
السيد الرئيس
أيها الحضور الكريم،
لقد انحسرت الحرب الساخنة التي عمت دولا عدة في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير، إلا أن أثارها ونتائجها على بلداننا ومجتمعاتنا تزداد انتشارا وترسخا وخصوصا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
إن جلسات المناقشة للجمعية العامة هذه السنة هي تحت عنوان “دفع الجهود المتعددة الأطراف المتصلة بالقضاء على الفقر، وتوفير تعليم عالي الجودة، والعمل المناخي، والادماج”، فهل نذكركم مجددا بحجم التأثيرات السلبية الناتجة عن أزمة النزوح وتداعياتها على لبنان أمنيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا وبيئيا، وعلى البنى التحتية والنمو وارتفاع معدل البطالة؟ ما شكل خطرا جديا على برنامج تحقيق أهداف التنمية المستدامة فيه وأدى الى تفاقم أزمته الاقتصادية.
وإذا كان لبنان يسعى جاهدا لمواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة معتمدا لذلك سلسلة إجراءات وإصلاحات بنيوية جذرية في نظامه الاقتصادي والمالي، بالتعاون مع المؤسسات الدولية المعنية، فإن ذلك يدفعني أيضا الى مناشدة كل زعماء العالم ليساهموا في العمل على عودة النازحين الآمنة الى سوريا، خصوصا أن مسؤولية معالجة هذه الأزمة لا تقتصر، بالتأكيد على لبنان وحده، بل هي مسؤولية دولية مشتركة تحتم علينا أن نتعاون جميعا على ايجاد الحلول لها وبصفة عاجلة. اذ لا يمكن للمجتمع الدولي أن يكتفي فقط بتأمين الحد الأدنى من المساعدات للنازحين واللاجئين في أماكن نزوحهم وتغييب برامج العودة الآمنة والكريمة لهم.
إن شروط هذه العودة أصبحت متوافرة، فالوضع الأمني في معظم أراضي سوريا، ووفقا للتقارير الدولية، أضحى مستقرا والمواجهات العسكرية انحصرت في منطقة إدلب، وقد أعلنت الدولة السورية، رسميا وتكرارا، ترحيبها بعودة أبنائها النازحين، وقد غادر من لبنان حتى الآن قرابة 370 الف نازح، عاد منهم الى سوريا ما يزيد عن 250 الف، ولم ترد أي معلومات عن تعرضهم لأي اضطهاد او سوء معاملة.
في المقابل ترتسم لدينا علامات استفهام عديدة حول موقف بعض الدول الفاعلة والمنظمات الدولية المعنية الساعي إلى عرقلة هذه العودة والادعاءات بخطورة الحالة الأمنية في سوريا وإثارة المخاوف لدى النازحين، مما يؤشر بوضوح الى المنطلقات السياسية التي يتم من خلالها التعاطي مع أزمة النزوح، وكأني بالنازحين قد تحولوا رهائن في لعبة دولية للمقايضة بهم عند فرض التسويات والحلول، وهذا ما قد يدفع لبنان حكما إلى تشجيع عملية العودة التي يجريها بالاتفاق مع الدولة السورية لحل هذه المعضلة التي تهدد الكيان والوجود، لأن تجارب قضايا الشعوب المهجرة في العالم وانتظار الحلول السياسية لا تطمئن أبدا.
ففي تاريخنا تجربتان غير مشجعتين في هذا المضمار، الأولى في العام 1974 إثر اندلاع الحرب في قبرص ولجوء قسم كبير من القبارصة الى لبنان، ثم عودتهم السريعة الى بلادهم فور إعلان وقف إطلاق النار من دون انتظار الحل السياسي الذي لم يتحقق إلى اليوم. والتجربة الثانية بدأت في العام 1948 مع موجات نزوح الشعب الفلسطيني الى دول الشتات وإلى لبنان بشكل خاص، حيث لا يزال الفلسطينيون يعيشون في المخيمات على حلم العودة وينتظرون الحل السياسي وتنفيذ القرار 194 منذ واحد وسبعين عاما.
وفي سياق متصل أنبه من خطورة تقليص خدمات منظمة الأونروا التي تقدمها للاجئين الفلسطينيين مما تسبب بمزيد من الضغط الاجتماعي والمالي عليهم وعلينا، مما يهدد بتحويل الشباب الفلسطيني من طلاب علم الى طلاب ثأر، وأسجل هنا رفض لبنان القاطع كل محاولة للمس او تعديل ولاية الاونروا. وأناشد الدول المساهمة في موازنتها مضاعفة مساهماتها للتمكن من استعادة دورها الحيوي.
حضرة الرئيس
أيها السادة
إن أزمة الشرق الأوسط المتمادية منذ عقود تزداد تعقيدا لأن كل مقاربات الحلول وكل الممارسات الإسرائيلية تناقض المبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة؛ فتهويد القدس والسياسة الاستيطانية الممنهجة والتشريعات المخالفة لحقوق الانسان، والاعتراف بضم أراض تم احتلالها بالقوة كما حصل بالنسبة لمرتفعات الجولان، والوعود الانتخابية بضم أراض جديدة، مع ما يرشح عن “صفقة القرن” من إزالة حدود بعض الدول وضرب وحدة أراضيها الى تصفية القضية الفلسطينية وإبقاء الفلسطينيين حيث هم، والضرر الذي سيلحق بلبنان جراء ذلك كونه يضم قسما كبيرا من اللاجئين… كل ما سبق يقوض أي فرصة للسلام في الشرق الأوسط وينذر بمستقبل مجهول قاتم من دون شك، لأن حقوق الشعوب تبقى حية مهما طال الزمان.
السيد الرئيس،
أيها السادة
إن الخروق الإسرائيلية للقرار 1701 لم تتوقف يوما، وكذلك الاعتداءات المتمادية على السيادة اللبنانية برا وبحرا وجوا، والعمل العدواني السافر الذي حصل الشهر الماضي على منطقة سكنية في قلب بيروت هو الخرق الأخطر لهذا القرار. كذلك الحرائق التي استمرت لأيام داخل مزارع شبعا المحتلة جراء القذائف الاسرائيلية الحارقة، تشكل جرما بيئيا دوليا يستوجب إدانة من تسبب به.
من على هذا المنبر أعيد التأكيد أن لبنان بلد محب للسلام، ونحن ملتزمون القرار 1701، ونجهد دائما لاحترامه، ولكن التزامنا هذا لا يلغي حقنا الطبيعي وغير القابل للتفرغ، بالدفاع المشروع عن النفس، عن أرضنا وشعبنا، بكل الوسائل المتاحة.
وأعيد أيضا تأكيد تمسك لبنان بحقوقه السيادية على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وشمال الغجر المحتلة، وهو لن يوفر أي فرصة في سبيل تثبيت حدوده البرية المعترف بها دوليا بالوثائق الثابتة في الأمم المتحدة وكذلك ترسيم الحدود البحرية، وذلك بإشراف الأمم المتحدة، مع ترحيبه بأي مساعدة من أي دولة بهذا الخصوص، في وقت سوف يباشر بعمليات التنقيب عن النفط والغاز في مياهه الاقليمية قبيل نهاية هذا العام بحسب القوانين والأعراف الدولية.
حضرة الرئيس
أيها السادة
في الوقت الذي يباشر لبنان تحضيراته للاحتفال بمئوية “لبنان الكبير” تحل الذكرى الخامسة والسبعون لإنشاء منظمة الأمم المتحدة في 24/10/1945، وقد شهد العالم منذ ذلك التاريخ العديد من الحروب والصراعات خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، النقطة الساخنة باستمرار، حيث ترتفع الحرارة فيها أو تهبط، ولكنها لا تبرد أبدا، وشعوبنا تدفع دوما الثمن، من أمنها واستقرارها وسلامها واقتصادها، وحتى تنوعها الديمغرافي. وجوهر المشكلة هو نفسه، تعارض مصلحة الاقوياء مع حق الضعفاء فتضيع المبادئ والمنطق والعدالة وتتميع الحلول.
إن الانحراف الطاغي اليوم على السياسة أفقد العالم استقراره بعدما تقوضت جميع المعالم التي يهتدى بها، ولم تعد هناك مقاييس لحصر الخلافات والسيطرة عليها وبالتالي لحلها وفق القواعد المعمول بها، ما جعل شعوبا عدة عاجزة عن اتخاذ خيارات سياسية تتخطى حدودها، ومنعها عن اللقاء والتعاون، فضاعت فرص كثيرة لحل النزاعات وأفسح المجال واسعا للفوضى.
لقد قامت الامم المتحدة بالكثير من المبادرات الهادفة الى اعلاء صوت السلم والتنمية، نجحت في بعضها ولم تصل الى النتائج المرجوة في العديد منها. والمأمول منها اليوم تعزيز المبادئ العامة والقانون الدولي والمواثيق لأنها المرجع الوحيد لصون الحقوق؛ فلن تقوم عدالة ولن يستقيم حق ولن يتحقق سلام طالما أن المبدأ السائد في عالمنا هو: أنا قوي إذا أنا على حق”.