استقبل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، في بكركي، الرئيس فؤاد السنيورة وعرض التطورات الراهنة.
وقال الرئيس السنيورة بعد اللقاء:” في كل مرة ازور هذا الصرح اعبر عن مدى سعادتي ان ازور سيدنا البطريرك وتكون مناسبة للتداول والتشاور في امور كثيرة لها علاقة بادارة الشأن العام وبالاوضاع التي تمر بها المنطقة ولبنان بالذات والتحديات التي نواجهها في البلد. وبالتالي كانت هذه الزيارة مثل غيرها ولكنها مليئة بالافكار التي تداولناها مع سيدنا البطريرك في ما يختص بالامور التي نتعرض لها في هذه الاونة”.
واضاف: “اود ان انتهز هذه المناسبة لأعبر عن مدى استيائي وادانتي لما جرى في الايام القليلة الماضية من اعمال كنا نود ألا نسمع بها مطلقا، وان ما شهدناه من ضحايا بريئة سقطت كان ينبغي ألا تسقط في هذا المكان، بل كان ينبغي ان تسقط للدفاع عن لبنان وألا تسقط ابدا، في الحقيقة، لأن هذه ليست هي الطريقة في معالجة مشاكلنا، والذي جرى هو نتيجة هذه الاحقاد التي يصار الى اعادة احيائها، وبالتالي “النفخ” في هذه التشنجات التي نواجهها والتي شهدناها ايضا من خلال التصريحات المتهورة التي يطلقها البعض، بقصد ان يبني عصبية او شعبية معينة، ولكنها لا تؤدي الا الى مزيد من التشنج داخل الصف اللبناني. وهذا الامر غير مفيد في الظروف التي يمر بها لبنان، وهي دقيقة وخطيرة جدا. وايضا هذه الاساليب ليست صحية في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة والأخطار التي تتعرض لها ويتعرض لها لبنان، وكان من المفيد ان نستفيد من كل التجارب التي مررنا بها”.
وتابع: “نحن نعلم ان لبنان مدى تاريخه، ومن خلال التجارب التي مررنا بها، يحكم بقوة التوازن وليس بتوازن القوى، وبالتالي اولئك الذين يحاولون ان يعدلوا موازين القوى لمحاولة ايجاد تغييرات فان هذا لا يؤدي الى نتيجة لان التاريخ اعطانا نماذج وتجارب عديدة لفهمنا بان طبيعة لبنان هي ان يحافظ على الاتزان والتوازن وعدم مغادرة هذه القواعد. في الحقيقة ان هذا الامر الذي يجري الان من خلال هذا “النفخ” المتجدد وخصوصا في المناطق التي عانت كثيرا، ليس من المفيد اعادة ما يسمى “نبش القبور” من جديد، نحن نريد ان نعلي فكرة التسامح والغفران والتعاون في ما بيننا وليس اثارة النعرات، من جديد لأنها لا تفيد ولا تؤدي الى نتيجة، لان ما يسمى بالمكاسب الصغيرة التي يمكن ان يحققها البعض سرعان ما تزول، والتاريخ اعطانا مئات النماذج ليس فقط في لبنان ومنذ زمن الاستقلال حتى الان. وكل هذا النماذج التي اعطيت لنا هي لكي نستوعبها ونستخلص منها، وايضا النماذج من باقي الدول، وبالتالي من الضروري تفهم الظرف الذي نحن فيه، والظرف الذي نعانيه الان بسبب لاوضاع الاقتصادية الناتجة من اوضاع سياسية ووطنية وادارية، وبالتالي الحاجة في مكان ان نستطيع فعليا الرؤية والتبصر في طبيعة الأخطار التي نمر بها، وبالتالي اصبحت لا تعالج مشاكلنا “بالمراهم”.
واردف: “نحن في حاجة الى اتخاذ القرارات الصحيحة والجريئة التي تعيدنا الى ما يسمى “الاوتوستراد”، واعني بذلك عندما يكون شخص يقود سيارته ويريد الانعطاف فيأخذ المنعطف الخطأ وتعقد الامور اكثر عندما يسلك المنعطفات ولكي يصحح مساره يعود الى “الاوتوستراد”. ونحن علينا ان نعود الى “الاوتوستراد” وهو المبادرة الاساسية والعودة الى احترام اتفاق الطائف والدستور والقوانين. ولم يعد من الجائز على الاطلاق ان يقول احدهم وهو مسؤول إننا نريد ان نعدل اتفاق الطائف بالممارسة، او نريد ان نعدل القوانين بعدم تطبيقها، او اننا نتجاهل مصلحة الدولة التي هي لمصلحة كل اللبنانيين وان نعيد الاعتبار الى احترامنا للشرعيات اللبنانية والعربية والدولية: الشرعية اللبنانية المتمثلة بالدستور وباتفاق الطائف وباحترام القوانين، والشرعية العربية المتمثلة ايضا باحترامنا لقرارات الجامعة العربية والاجماع العربي، والشرعية الدولية المتمثلة باتفاق الهدنة ايضا وبال 1701. وكل هذه الامور نحن نرى انفسنا نتخطاها وبالتالي نتوجه الى مفارق تأخذنا بعيدا من مصالحنا”.
وقال: “يجب ان نعيد تصويب البوصلة تصويبا صحيحا كي نحافظ على وضعنا. يجب ان نعيد، مرة ثانية، الاعتبار الى الكفاية والجدارة بكل مسؤولية في مؤسساتنا الحكومية، ولا يمكن ان نأتي بالناس لان ولاءهم فقط لنا ويديرون مصالحنا، وبالتالي كما يقال “اذا وسد الامر لغير اهله فذلك مصيب”، والدولة اليوم اصبحت وليمة على طاولة وكل الأفرقاء يقطعون في جسمها ليأخذوا مصالحهم، هذا الامر لم يعد ممكنا، نحن الان نواجه تحديات كبرى ما زال في امكاننا مواجهتها والخروج من هذه المآزق التي نمر بها، وذلك بالعودة الى الاصول والمسارات الصحيحة، وهذا الطريق هو الذي يؤدي بنا الى استعادة ثقة اللبنانيين بدولتهم وبالسياسيين، والحالة التي وصلنا اليها هي ان الثقة انحسرت الى مستويات مقلقة جدا بين الدولة وبين اللبنانيين، ولاستعادتها يجب العودة الى الاصول واحترام القوانين والدستور واتفاق الطائف والدولة والكفاية والجدارة”.
وختم: “وهذا الامر ليس بـ”كبسة زر”، وعندما يرى الناس بأعينهم وليس بمخيلتهم ان المسؤولين في الدولة يمارسون احترام الدستور والقانون ممارسة صادقة وصحيحة وليس بالتكاذب بينهم وبين الناس، فعندما يرون ذلك، اعتقد انهم مستعدون ان يولوهم ثقتهم، والمجتمعان العربي والدولي يستطيعان ان يوليا الدولة اللبنانية ثقتهما. نحن نمر بظروف صعبة جدا، ولكن ما زال في امكاننا الخروج من هذه المآزق وهذه الطريق، وغير ذلك قفزة في الهواء”.
ورد السنيورة على اسئلة الاعلاميين، فقال ردا على سؤال: “كانت جولة افق عميقة وواسعة مع غبطته، وكان هناك تطابق في وجهات النظر، وموضوع التوطين يجب ان يكون توافقيا بين اللبنانيين، لماذا نقوم بها يوميا ليفترق اللبناني على اساسها. اللبنانيون اجمعوا بدستورهم على رفض التوطين، ونقطة على السطر. وبالتالي هذا الامر يجب ان يكون قاعدة لنسير عليها، رفض التوطين لكل الاسباب القومية والوطنية والاخلاقية التي اجمعنا عليها. لماذا كل يوم نحاول ان تتقاذف التهم في ما بيننا، ونحاول ان نرمي بين بعضنا بعضا ان هذا يريد التوطين وذاك لا يريده، وكل اللبنانيين ضد التوطين، وهذا يجب ان يكون موضع اتفاق وتعاون في ما بينهم، ويجب ان تكون لدينا وجهة نظر نواجه فيها كل العالم بان هناك موقفا موحدا بين اللبنانيين عندما يكونون موحدين على امر ما من قوة في الدنيا تستطيع ان تقف ضدهم. في العام 2006 واجهنا موقفا شديد الصعوبة، واستطعنا من خلال وحدتنا منع اسرائيل من الانتصار، اضافة الى الموقف الدولي وهنا لا أقلل من الموقف الدفاعي الذي مارسته المقاومة على الاطلاق، ولكن لو لم يكن هناك موقف للدولة واضح وصريح جمع كل اللبنانيين واحتضنوا بعضهم بعضا لما كنا استطعنا منع اسرائيل من الانتصار”.
وردا على سؤال آخر قال: “لقد استعنت مع سيدنا البطريرك في لقائنا بقول للقديس توما الاكويني الذي يقول: “ان الله الذي خلقك من دونك لا يخلصك من دونك”. نعم هناك امكان للخروج من ازمتنا الاقتصادية واقولها نعم عالية الصوت، ولكن عندما يرى اللبنانيون ان هذا الموضوع يتطلب ان يقوموا هم بالدور لتخليص أنفسهم وليس في انتظار فلان او غيره. ومن الطبيعي عندما يرى الاخرون، سواء أكانوا اصدقاء ام اشقاء، انك فعلا مصمم على اتخاذ هذا الموقف من اجل ان تساعد نفسك فسيهبون لمساعدتك، والمطلوب في ظل كل هذه الاوضاع العودة الى الطريق الصحيح والمبادئ وما يجتمع حوله اللبنانيون. واكرر يراك اللبنانيون تحترم اتفاق الطائف وليس في محاولة التذاكي على احترام الدولة وسلطتها المنفردة، ومن الطبيعي ان اقول ان هناك اشياء ليس في امكاني تحقيقها في الغد، ولكن اكرر التوجه ان يراك اللبنانيون، جميعا والاشقاء والعالم على الطريق المؤدي الى تصويب البوصلة والتزامها من دون محاولة التذاكي فسيقفون بجانبك. وقلت اكثر من مرة، ان الفساد ليس فقط ان هناك احدا فتح “الجارور” واخذ المال، فالفساد في السياسة وعندما يحاول احد ان يخضع الدولة لمصلحة حزبه والميليشيات وتعبئة الموظفين في الدولة، فهذا الامر غير ممكن، لذلك يجب على الدولة ان تسيطر على كل مرافقها وليس ان تكون مفتوحة على من يريد، وبالتالي نتهرب من الالتزامات، ويجب ان تطبق العدالة على الجميع. انا لا اتكلم على نظريات بل على توجه، وعندما تستطيع الدولة ان تضع نفسها على هذا المسار، نعم لدينا امكان الخروج من المأزق، اما ما دمنا متلهيت ببعضنا ونختلق المشاكل، وفي كل مشكلة نراها نقوم بالمزيد من التصادم بين بعضنا البعض، فهذا لن يؤدي الى نتيجة، وهذه هي الحقيقة التي يجب ان نصل اليها”.
وردا على سؤال قال:” هناك كلام يقال بتعديل الدستور بالممارسة، وهذا الكلام يقوله مسؤولون في الدولة”.
ومن زوار بكركي: السيناتور سام الزاخم ورئيس الجامعة اللبنانية الاميركية الدكتور جوزف جبرا.