عقد الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب، مؤتمرا صحافيا في مقر الحزب في الوتوات، في حضور اعضاء المكتب السياسي، وعرض خلاه موقف الحزب من مؤتمر “سيدر”.
وقال: “قبل الدخول في شرح موقف الحزب الشيوعي من مؤتمر باريس 4، نتوقف عند التصعيد الأميركي والغربي الذي ينذر بمخاطر حرب شاملة تستهدف المنطقة العربية بأكملها، جراء تهديد ترامب بتوجيه ضربة عسكرية ضد سوريا، لا أحد يمكنه تحديد مدى خطورتها على لبنان أيضا، فليست هي المرة الأولى التي تؤكد فيها الولايات المتحدة الأميركية أنها رأس الإرهاب العالمي الذي يجب مقاومته، فلطالما كانت عدوة، عدوة فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وقضيتنا العربية، فهي كانت ولا تزال، رمز العدوان والغطرسة الامبريالية وعدوة حق شعوبنا العربية وكل شعوب العالم التواقة الى التحرر الوطني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي. لذلك نجدد إدانة التهديدات الأميركية والغربية ضد سوريا والقرار العدواني الذي تستعد لاتخاذه بضربها”.
أضاف: “مؤتمر باريس 4 جاء استمرارا لسياسة الاستدانة واستجلاب القروض من الخارج، وقد حصلت من خلالها الحكومة اللبنانية على وعود بقروض ناهزت قيمتها 11,5 مليار دولار – إقتصر عنصر الهبة فيها على 7% فقط لتمويل برنامج استثماري طويل الأجل (2018 – 2025) في بناء شبكات البنى التحتية بكلفة اجمالية قدرها 17،3 مليار دولار. إن ما أقر من قروض في باريس 4 هو بمثابة “إعلان نوايا” مبدئي، مع العلم أن مبالغها تضمنت أرصدة القروض السابقة التي لم يتمكن لبنان من استخدامها (نحو ملياري دولار). ويتطلب تجسيد هذه القروض اتفاقات تفصيلية على المستوى التقني بين لبنان وكل من الجهات المقرضة”.
ورأى أن “الاجتذاب الدائم للقروض من الخارج هو الوسيلة السهلة للحؤول دون الاصلاحات. فالحزب الشيوعي لا يرى كيف يمكن للشعب – وحال النظام على هذا القدر من الفساد وقلة الفاعلية – ان يركن إلى تمادي التحالف الحاكم في اجتذاب القروض من الخارج، ولو تحت شعار تمويل البرنامج الاستثماري. فهذا التحالف الموكل اليه راهنا رعاية تنفيذ هذا البرنامج، هو نفسه الذي يتحمل المسؤولية عما آلت اليه الأوضاع العامة في البلاد. وقد شكل ميله الدائم منذ التسعينيات نحو إستجلاب القروض من الخارج، الوسيلة السهلة ليس لتأجيل انفجار الأزمات المنذرة بالكوارث أو للتغطية على عجزه عن اجتراح الحلول فقط، بل كذلك لتأمين اغتناء الطغمة الحاكمة من مراكمة الريوع والعمولات والنهب المتمادي للمال العام. وتزداد المخاوف من أن يكون أخطر ما ينطوي عليه مؤتمر باريس 4 هو احتمال استخدامه كمطية لممارسة اكبر عملية سطو في تاريخ البلاد الحديث”.
وتحدث عن “تعاظم الأخطار المتأتية من تعميم الخصخصة والشراكة”، فدان الطرح الذي يعتبر الشراكة بين القطاعين خيارا وحيدا لا بديل منه، مما ينقل البلد من خصخصة بالمفرق الى خصخصة بالجملة. وبموجب البرنامج الاستثماري، سوف تشكل عقود المشاركة مع القطاع الخاص (التي هي بمثابة دين مستتر على الدولة) ما بين 40% من إجمالي كلفة الاستثمار في المرحلتين الأولى والثانية، فيما تشكل القروض الخارجية نحو 50% منها، والباقي 10% يؤمن عبر سندات دين محلية مخصصة لتسديد تكاليف استملاكات الاراضي. وتشمل المشاريع المعنية بالشراكة عمليات تصميم وبناء وصيانة وتشغيل مرافيء سياحية (جونيه وصيدا) ومطارات (بيروت والقليعات) واوتوستردات (خلدة- نهر ابراهيم) ومعامل انتاج الطاقة (الزهراني وسلعاتا) ومحارق النفايات ومنظومات الصرف الصحي، فضلا عن مشاريع ضخمة في قطاع النقل والطرقات المعتمدة على جعالات العبور”.
وأشار الى “فشل جميع تجارب الخصخصة الجزئية أو غير المباشرة التي شهدها لبنان مؤخرا، من جمع وإدارة النفايات المنزلية، الى الفواتير الباهظة الكلفة المدفوعة للقطاع الخاص عن توزيع مياه الشرب ومياه الاستعمال المنزلي وكهرباء المولدات الخاصة، الى العقود الملتبسة مع مشغلي خدمات التوزيع والجباية والصيانة لدى شركة كهرباء لبنان، الى الأشكال الهجينة من خصخصة إدارة البنى التحتية في الوسط التجاري (سوليدير) وأجزاء واسعة من قطاعي التعليم والصحة اللذين تراجع فيهما دور المؤسسات الصحية والتربوية الرسمية لمصلحة المؤسسات الخاصة”.
وانتقد “التغافل الرسمي المقصود عن سيطرة الاتجاهات الاحتكارية على بنية الأسواق في لبنان، خصوصا أسواق المناقصات العمومية، وإيغال الاحتكارات في فرض شروطها على المواطنين، مستظلة بالعلاقات الزبائنية التي تربطها بأطراف السلطة”.
واعتبر أن “ما تضمنه البرنامج الاستثماري من خفض للعجز في الموازنة بنسبة 1% سنويا من الناتج على مدى 5 سنوات، يعني التزام الحكومة تقليص إنفاقها و/أو زيادة ايراداتها بمعدل يصل الى نحو 3 مليارات دولار، من دون المس بالكلفة الراهنة لخدمة الدين العام التي تستأثر بنحو نصف إجمالي الايرادات. ولكن كيف يمكن للحكومة أن تحقق هذه الشروط، في وقت سيزداد فيه الدين العام – وبالتالي خدمة الدين – بفعل القروض الجديدة؟”.
وحذر من “استسهال الإيفاء بتلك الشروط عبر سياسات تقشفية وإجراءات ضريبية لمحت اليها وثائق المؤتمر، مثل زيادة الضريبة على القيمة المضافة وزيادة الرسوم على المحروقات وإلغاء دعم الكهرباء وخفض تقديمات التقاعد للعاملين في القطاع العام وإعادة هندسة منظومة التقديمات الاجتماعية الممنوحة، فضلا عن ضبط أكبر لفاتورة الأجور والانفاق الاجتماعي عموما”.
وشدد غريب على “أولوية الإصلاح الفعلي وليس الترويجي، بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية”. وقال: “لقد فصل الحزب محاور الإصلاح في وثائقه الحزبية، لا سيما وثيقة المؤتمر الحادي عشر ومذكرة “البيان الوزاري البديل”، ومؤخرا في البرنامج التفصيلي الذي أعده بمناسبة المعركة الانتخابية الراهنة. وأهم هذه المحاور:
اولا: التحرر التدريجي من قيود النمط الاقتصادي الريعي المحكوم بسيطرة الرأسماليين والزعامات الطائفية، وإعادة هيكلة الأولويات القطاعية للاقتصاد الوطني توسيعا لمسارات الانتاج والتنمية والنشاطات ذات القيمة المضافة العالية.
ثانيا: إصلاح السياسات النقدية والمالية والضريبية كي تخدم الاقتصاد المنتج والقادر على خلق فرص العمل وتحد من التركز غير المسبوق للثروة والدخل لمصلحة القلة.
ثالثا: ان اضعاف وارتهان الدولة عبر الدين ومفاعيله يجب ان يتم عكسه، باسترداد الدولة لدورها بدلا من استسلامها. ولن يتم ذلك الا عبر استحداث نظام ضرائبي جديد يطال الثروة والارباح.
رابعا: ان المدماك الاساسي للنظام الضريبي الجديد يجب ان يكون في زيادة معدلات الضريبة على شركات الاموال، ومن بينها القطاع المصرفي الى معدلات ضريبية عالية تحدد ب 30%، كما زيادة الضرائب على الفوائد وارباح الشركات وفرض ضرائب على الربح العقاري وعلى مداخيل العاملين في الخارج، وزيادة معدل ال TVA على المواد الاستهلاكية الكمالية”.
وختم: “هكذا تبيع السلطة الفاسدة الوطن وتضعه رهينة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ان تظهير ذلك على انه عمل انقاذي فيه الكثير من الكذب والخداع. ان هذه السياسات التي تطبق على دول عديدة في العالم هدفها إبقاء هيمنتها الكاملة عليها وعلى قرارها السياسي وتحويلها الى شعوب تابعة غير قادرة على التحرر. انها سياسات عدائية مضرة بمصالح شعبنا ويجب التصدي لها ومواجهتها، وسوف نتصدى لها في الشارع، وعليه يوجه الحزب الشيوعي اللبناني الدعوة الى كل المتضررين من هذه السياسات الافقارية، الى كل القطاعات ، الى العمال والاجراء والمزارعين، الى كل المتعطلين عن العمل، الى الموظفين والأساتذة والمعلمين والمتقاعدين، الى الشباب والنساء، والى كل الاتحادات والهيئات النقابية المستقلة، الى قوى الاعتراض والتغيير الديمقراطي، الى الى كل الرفيقات والرفاق والى منظمات الحزب وقطاعاته، والى كل الشيوعيين واليساريين، للنزول الى الشارع والتظاهر انطلاقا من ساحة جورج حاوي في وطى المصيطبة، وذلك في الأول من أيار الساعة الحادية عشرة، رفضا لهذه السياسات الاقتصادية الاجتماعية المدمرة، ودعوة للبنانيين جميعا لتغيير هذا السلطة الفاسدة وبناء دولة وطنية ديمقراطية قادرة على تأمين حقوقهم، دولة متحررة من التبعية والارتهان والوصايات الخارجية”.