شارك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعقيلته السيدة ناديا الشامي عون ورئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري، لمناسبة عيد القديس مارون مؤسس الطائفة المارونية، في القداس الالهي الذي اقيم في العاشرة قبل ظهر اليوم في كنيسة القديس مارون في الجميزة، وترأسه هذا العام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، فيما اعتذر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري عن عدم الحضور بسبب سفره الى خارج لبنان.
وكان الرئيس عون وصل واللبنانية الاولى الى الكنيسة، فأدت له التحية كتيبة من لواء الحرس الجمهوري، فيما عزفت موسيقى الجيش النشيد الوطني ولحن التعظيم. وعرض الرئيس عون كتيبة التشريفات، وكان في استقباله رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق الشيخ وديع الخازن الذي رافقه الى مدخل الكنيسة، حيث رحب به البطريرك الراعي، وراعي ابرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر ودخل الجميع وسط التراتيل الى الكنيسة التي غصت بالشخصيات الرسمية والسياسية والديبلوماسية والثقافية، وتعالى التصفيق ترحيبا بالرئيس عون والسيدة الاولى.
وعاون البطريرك الراعي في الصلاة، الى المطران مطر، النائب العام لابرشية بيروت المونسنيور جوزف مرهج، وكاهن الرعية الخوري ريشار ابي صالح، فيما حضر بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك الأرمن الكاثوليك غريغوريوس بيدروس العشرون، مطران بيروت للروم الارثوذكس الياس عودة، رئيس الطائفة اللاتينية في لبنان المطران سيزار اسايان، وعدد من المطارنة والاساقفة من الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والارمنية والروم الكاثوليك والقبطية.
وحضر القداس ايضا الرئيس امين الجميل وعقيلته السيدة جويس والرئيس ميشال سليمان. كذلك حضر رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، رئيس مجلس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، نائب رئيس مجلس النواب السابق ميشال معلولي، نائب رئيس مجلس الوزراء السابق سمير مقبل، والوزراء: جبران باسيل، غسان حاصباني، نقولا التويني، غطاس خوري، بيار رفول، يعقوب الصراف، سيزار ابي خليل، طارق الخطيب، بيار ابي عاصي، رائد خوري، ميشال فرعون، جان اوغاسابيان وعناية عز الدين، وعدد من الوزراء السابقين والنواب الحاليين والسابقين، رئيس المجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان، رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد، المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، القائم باعمال السفارة البابوية في لبنان المونسنيور ايفان سانتوس، وافراد السلك من سفراء عرب واجانب، عميد السلك القنصلي جوزف حبيس، قائد الجيش وقادة الاجهزة الامنية، وعدد كبير من المدراء العامين ومن نقباء المهن الحرة والقضاة والمحافظين ورؤساء البلديات، ورئيس الرابطة المارونية النقيب انطوان اقليموس، وحشد من المؤمنين.
وقبيل بدء القداس الاحتفالي، القى المطران مطر كلمة رحب فيها بالرئيس عون واللبنانية الاولى والرئيس بري والحضور، وقال:
“نرحب بكم يا فخامة الرئيس وأنتم تشرفوننا بحضوركم في هذه الكنيسة التي رفعت على اسم مارون الناسك في قلب عاصمتنا بيروت، وتتقدمون المصلين بين حناياها وفي عيد شفيعها وشفيع طائفتنا المارونية المباركة. ويسعدنا أن يكون إلى جانبكم دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري الذي نوجه له شكرنا الخالص لتلبيته هذه الدعوة، ولحضوره المحبب معنا ومشاركته إيانا فرحة العيد.
وهل نرحب بكم يا صاحب الغبطة وأنتم الذين ترحبون بنا جميعا في أي معبد من معابدنا على مدى العالم كله. فغبطتكم هو الرأس والأب لكنيستنا المقدسة، تقودونها بهدي الروح وإلهامه إلى المراعي الخصيبة، وتجنبونها العواصف والأنواء التي تهب رياحها على العالم، آخذين بيدها إلى شاطئ الأمن والوحدة والسلام. فالمتوجب علينا هو شكر غبطتكم على تلطفكم بترؤس هذا الاحتفال التقليدي الذي تقيمه أبرشية بيروت العاصمة منذ حوالى قرن من الزمن، أي منذ إعلان دولة لبنان الكبير، والذي يحضره مشكورين أركان الدولة والمجتمع والسفراء المعتمدون لديها والقناصل ورؤساء الكنائس في المدينة بكل أطيافها”.
اضاف: “إن هذا القداس الذي نصلي فيه كل عام على نية دولتنا منذ نشأتها، والذي استمر في مواكبة الجمهورية مع استقلالها الناجز، وتابع مواكبته لها أيضا في أزمان محنتها الأخيرة، وبعد إعادة السلام إلى ربوعها وتجديد أهلها توافقهم فيها ومن أجلها، لهو خير دليل على أن بلادنا التي أرادت في الأساس أن تبني على أرضها دولة مدنية متكاملة، تحرص في الوقت عينه على الانفتاح المستمر على القيم الدينية والأخلاقية التي يؤمن بها شعبها. وهذا ما يشير إليه دستورها الذي ينص على تأدية الإجلال لله وعلى احترام كل الديانات والمعتقدات التي يعتنقها أهلها. ولئن كان البابا القديس يوحنا بولس الثاني قد وصف لبنان بأنه أكثر من بلد، وأنه رسالة للشرق والغرب معا، فذلك لأن ما يقدمه هذا الوطن إلى أهل الشرق هو أنموذج الدولة المدنية التي تهتدي بالقيم الدينية لمواطنيها، ولأن ما تقدمه لأهل الغرب أيضا هو احترام خصوصيات الأديان وشعائرها وتأمين الحقوق المتساوية لها ضمن الحفاظ على الحرية الدينية والإنسانية للمواطنين بكل أبعادها. لكن ما يرمز إليه بخاصة هذا القداس الذي ينتظره جميع اللبنانيين هو إرادتنا الوطنية بالعيش معا كأخوة متحابين ومتعاونين. فنحن لسنا ملتقى لجماعات تسعى إلى توازنات فيما بينها وتحاول كل منها أن توازي حصتها بحصة الآخرين. بل نحن على تنوعنا شعب موحد في وطن واحد هو مرجعنا جميعا. والعلاقة في ما بيننا هي علاقة مودة ورضى بالآخر واغتناء بتراثه. وإذا ما وقع بيننا خلاف من أي نوع كان، فيجب أن يبقى رغم كل شيء خلافا بين أخوة، يحكمه سقف هذه الأخوة فلا يطال هذا السقف ولا يتعدى، لأنه يحمي الجميع ويبقى ضمانة لبيتنا الواحد ولساكنيه على السواء.
وفيما نكرر معكم يا صاحب الغبطة والنيافة شكرنا لفخامة الرئيس على حضوره العزيز، ولدولة رئيس مجلس النواب الكريم، نرحب أجمل ترحيب بأصحاب الغبطة والسيادة، وسعادة ممثل الكرسي الرسولي، وأصحاب الفخامة والدولة والمعالي والسعادة وبسفراء الدول وقناصلها وبالسلطات القضائية والقيادات العسكرية والهيئات الحزبية والمراجع المدنية كافة وبجميع المؤمنين الذين أتوا من قريب أو بعيد ليشاركونا الصلاة وتغمرنا وإياكم بهجة العيد.
وإذ نضرع إلى الله من أجل كنيستنا وأبنائها في العالم أجمع، لتبقى شاهدة لإيمانها، ومتمسكة بتراث الآباء والأجداد ومنفتحة على الدنيا بالمحبة والوفاء، ومن أجل وطننا العزيز لبنان لينهض إلى الحياة من جديد وإلى الإسهام في صنع التاريخ، نسأل شفاعة الناسك القديس مار مارون ليلهمنا أن نكون على مثاله ممن يضحون بذواتهم في سبيل أوطانهم، وليس بأوطانهم في سبيل ذواتهم. وإننا مع جميع أبناء الوطن نتطلع إليكم يا فخامة الرئيس بأمل كبير غير محدود وإلى دولة رئيس مجلس النواب ودولة رئيس مجلس الوزراء، في السعي الذي تقومون به معا، من أجل تثبيت الوفاق الوطني الشامل في البلاد ومن أجل إحياء كل مؤسسات الدولة وتفعيلها على غير صعيد، فتصبح هذه المرحلة من حياتنا الوطنية مرحلة تأسيسية جديدة، صانعة للفرق ومحققة للمعجزات ومتوجة لتضحيات الآباء والأجداد، ليبقى لنا وللشرق والعالم، لبنان الرسالة، لبنان المحبة ولبنان الحضارة. أيدكم الله بنعمته وشملكم بعفوه ورضاه وسكب عليكم وعلى جميع اللبنانيين وعلى الكنيسة المعيدة لمارون الناسك في كل مكان فيضا سخيا من نعمه وبركاته”.
بعد الانجيل المقدس، القى البطريرك الراعي العظة التالية:
“حبة الحنطة إذا وقعت في الأرض وماتت، أعطت ثمرا كثيرا” (يو12: 24)
فخامة رئيس الجمهورية،
دولة رئيس مجلس النواب،
صاحبا الغبطة،
راعي الأبرشية،
أيها الإخوة والأخوات الأحباء،
جميل هذا الاحتفال بعيد القديس مارون، أبي الطائفة المارونية، عيدا كنسيا ووطنيا، بحضوركم فخامة الرئيس مع السيدة الاولى ودولة رئيس مجلس النواب، على رأس هذه الجماعة المصلية المنتقاة من شخصيات كنسية ومدنية، سياسية وديبلوماسية، قضائية وإدارية وعسكرية، ثقافية وإعلامية. كلكم مؤمنون أحباء جئتم تبتهلون إلى الله، بشفاعة القديس مارون، من أجل الاستقرار والنهوض في وطننا لبنان، وفي بلداننا المشرقية. كما جئتم تكرمون الطائفة المارونية لفضلها التاريخي في قيام لبنان عبر مسيرة طويلة من الصمود والجهود والتضحيات، والتعاون مع المكونات الوطنية الأخرى العزيزة.
يسوع المسيح هو “حبة الحنطة” الذي مات على جبل الجلجلة فولدت منه الكنيسة، شعب الله الجديد. وراحت تكبر وتنمو وتنتشر بالعدد والمؤسسات والرسالات عبر ميتات أبنائها وبناتها، بدءا من الرسل الاثني عشر وصولا إلى اليوم، ناشرة في العالم إنجيل المحبة والأخوة والسلام. فأصبحت صورة “حبة الحنطة” نهجا لقيام كل عائلة ومؤسسة ودولة.
القديس مارون، الناسك في العراء على تلة من منطقة قورش، بين انطاكية وحلب، “حبة حنطة” مات في الأرض بالتضحية والتفاني هناك سنة 410، فولدت منه الكنيسة المارونية، على ضفاف العاصي أولا، ثم كبرت ونمت وأمت جبل لبنان من جهتي العاقوره، وجبة بشري، وراحت تنتشر على الأرض اللبنانية، جبلا ووسطا وساحلا، من الشمال والجنوب، بقيادة بطاركتها العظام، بدءا من القديس يوحنا مارون، بانين مداميك صلبة في بنيان هذا الوطن”.
اضاف: “إن أول من كتب سيرة القديس مارون كان تيودوريطس مطران قورش، الذي ارتقى إلى الدرجة الأسقفية بعد وفاة القديس مارون، لكنه تتبع أخباره، وتنشق أريج قداسته، وعاصر تلاميذه. وكانت إطلالتهم معه في مجمع خلقيدونية سنة 451، الذي أعلن بفم القديس البابا لاون الكبير أن يسوع المسيح ذو طبيعتين إلهية وإنسانية متحدتين ومتمايزتين في شخصه الإلهي. ومذ ذاك الحين، والكنيسة المارونية، التي تكونت كنيسة بطريركية حوالي سنة 686، هي كنيسة كاثوليكية دائمة الاتحاد بكرسي بطرس بروما.
لا يقتصر العيد على مباهجه، بل يتعداه إلى معانيه ومقتضياته في حياتنا. وأهمها التحلي بفضائل القديس مارون وروحانيته، فنختصرها بثلاث هي: الصلاة التي كانت تدخله في اتحاد عميق مع الله، وتنقي عقله وقلبه من كل ميل إلى الخطيئة والشر، وتملأه حبا وعطفا وحنانا نحو الجميع؛ روح التوبة بالتقشف التكفيري عن خطاياه وخطايا الناس؛ التجرد الكامل من الذات وخيرات الدنيا. في هذه الثلاث عاش تلاميذ القديس مارون تابعين “حبة الحنطة” التي أثمرت الجماعة المارونية طائفة وكنيسة وأمة. فتفاعلت مع مجتمعها العربي ومحيطها الإسلامي في حوار الحياة واللغة والمصير، ومع مختلف الكنائس في حياة مسكونية على أساس المحبة في الحقيقة، ومع دول الانتشار في الاغناء والولاء. وهي في كل ذلك تحمل هوية ورسالة أنطاكية – سريانية وخلقيدونية كونتا ثقافتها التي كتبتها على أرض لبنان فأغنته، وجعلت منه وطنا روحيا لموارنة العالم، على تنوع جنسياتهم”.
وتابع: “بصفتها الانطاكية، الكنيسة المارونية بطريركية فيها جسم أسقفي واحد رأسه البطريرك. وهي كنيسة بطرسية، إذ في انطاكية بدأ بطرس الرسول رسالته كرأس للكنيسة الناشئة، وفيها دعي تلاميذ المسيح لأول مرة “مسيحيين” (أع 11: 26). إنها مؤتمنة مع الكنائس الأخرى على الحضور المسيحي الفاعل في بلدان هذا الشرق.
بتراثها الليتورجي السرياني، تستمد روحانيتها من القديسين الآباء السريان، امثال القديسين افرام ويعقوب السروجي. وهي روحانية مريمية، ودعوة دائمة إلى توبة القلب لملاقاة العروس الإلهي في نهية الأزمنة.
بصفتها الخلقيدونية، تواصل الكنيسة المارونية أمانتها لسر المسيح، المخلص والفادي، الإله المتجسد والمتحد نوعا ما بكل إنسان، على ما نصلي في ليتورجيا القداس: “وحدت يا رب لاهوتك بناسوتنا وناسوتنا بلاهوتك، حياتك بموتنا وموتنا بحياتك. أخذت ما لنا ووهبتنا ما لك، لتحيينا وتخلصنا، لك المجد إلى الأبد”. إن إيمان الكنيسة المارونية بسر التجسد منحها روحانية متجسدة في بيئتها اللبنانية والمشرقية، حمل الموارنة مع شركائهم في المصير، من مسيحيين ومسلمين، على العمل معا في تكوين الوطن اللبناني الغني بالثقافتين، والتعاون في شتى المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، من أجل ترقي الإنسان والمجتمع.
من القديس مارون وديره على العاصي، أخذت كنيستنا البطريركية طابعا نسكيا رهبانيا من ناحية روحانيتها القائمة على الشهادة للمسيح التي تجعله حاضرا بمحبته وخلاصه لكل إنسان، عبر مؤسساتها المتنوعة، وعلى اكتشاف المواهب المتعددة وتنميتها، والانطلاق بها للخدمة والرسالة، انطلاقة من المسيح متجددة أبدا.
بشركتها الدائمة مع الكرسي الرسولي الروماني، انفتحت الكنيسة المارونية على الغرب، ونهلت من مقدراته العلمية والفكرية، ودخلت آفاق الإنسان والتاريخ والعالم، وفي عمق التراث الإنساني. فتخلصت من الانعزالية، واعتمدت الحقيقة والحرية. وبفضل مدرستها في روما، التي تأسست سنة 1584، بنت جسرا ثقافيا متبادلا جمع بين كنوز الشرق وكنوز الغرب، على يد خريجيها الذين لمعوا في بلدان أوروبا حيث علموا وكتبوا وترجموا، والذين كانوا في أساس النهضة الثقافية العربية في شرقنا. ومع البطريركين يوحنا مخلوف وجرجس عميره الإهدنيين، اللذين دامت حبريتهما من سنة 1609 إلى 1664، تعاون الأمير فخر الدين الثاني الكبير في توحيد الجبل اللبناني والبناء وانفتاح البلاد، وفي إجراء تحالفات اقتصادية وثقافية مع الغرب بدءا من أمراء توسكانا بإيطاليا (راجع المجمع البطريركي الماروني، النص الثاني: هوية الكنيسة المارونية ودعوتها ورسالتها، 7-34).
قاد البطاركة الموارنة هذه المسيرة المارونية، برسالتها الكنسية والوطنية، حتى إعلان دولة لبنان الكبير في أيلول 1920 على يد البطريرك الياس الحويك الذي ترأس الوفد اللبناني إلى مؤتمر فرساي بباريس للسلام، بعد سقوط الأمبراطورية العثمانية. فكانت بكركي، على ما كتب المغفور له شارل مالك الوزير والسياسي وكاتب ديباجة إعلان حقوق الإنسان العالمي: “مركزا روحيا فريدا في الشرق الأوسط. الكل يتطلعون إلى قيادته وتوجيهه لجمع الشمل. بكركي من الأهمية بحيث إذا خرب لبنان، وبقيت هي سليمة معافاة وقوية، ماسكة بيد من حديد بزمام دعوتها التي انبطت بها، فباستطاعتها وحدها أن تعيد إعمار لبنان. أما لا سمح الله، إذا وهنت بكركي أو حل بها سقم ما، فلبنان وحده لا يستطيع إغاثتها كي تستعيد عافيتها. أي مؤسسة أخرى في لبنان يصح فيها هذا القول؟ وإذا قدرنا ماذا يعنيه لبنان تاريخيا ومشرقيا، تجلى لنا مركز بكركي الفريد، وتبعتها العظمى، في لبنان والشرق الأوسط”. انتهى كلام شارل مالك، ابن الكنيسة الانطاكية الروم أرثوذكسية”.
واردف الراعي: “حبة الحنطة، إذا وقعت في الأرض وماتت، أعطت ثمرا كثيرا”.
من تضحيات الزوجين والوالدين تنشأ أحسن عائلة مجملة بالأولاد والقيم والعلم. ومن تضحيات المعلمين والمربين، يتكون لنا جيل جديد مؤمن مخلص لله وللوطن، خلوق وصاحب قدرات كبيرة، بناء. ومن تضحيات كهنة ورهبان وراهبات، تأسست رهبانيات رجالية ونسائية ملأت الدنيا برسالتها ومؤسساتها في خدمة كل إنسان.
ومن تضحيات المسؤولين السياسيين، تقوم لنا دولة قادرة ومنتجة، ووطن محبوب من شعبه. غني بتراثه، ومعتز بتاريخه. إن هذه التضحيات كفيلة بمواجهة التحديات. وأولها تعزيز العيش المشترك كتجربة لبنانية نموذجية مميزة بنمط الحياة الذي يؤمن فرص التفاعل والاغتناء المتبادل، ويحترم الآخر في تمايزه وفرادته وثقافته، ويتشارك معه في حكم الشأن الوطني وإدارته. وثاني التحديات بناء دولة ديموقراطية حديثة تحمي صيغة العيش المشترك، وتوفق بين المواطنة للأفراد والتعددية للجماعة. لقد أعلنت الكنيسة المارونية إيمانها بمثل هذه الدولة وحددت مقوماتها بأربعة:
1 – التمييز الصريح، حتى حدود الفصل، بين الدين والدولة، بدلا من اختزال الدين في السياسة، أو تأسيس السياسة على منطلقات دينية لها صفة المطلق.
2 – الانسجام بين الحرية، التي هي في أساس فكرة لبنان، والعدالة القائمة على المساواة في الحقوق والواجبات، التي من دونها لا يقوم عيش مشترك.
3 – الانسجام بين حق المواطن الفرد في تقرير مصيره وإدارة شؤونه ورسم مستقبله، وبين حق الجماعات في الحضور والحياة على أساس خياراتها.
4 – الانسجام بين استقلال لبنان ونهائية كيانه، وبين انتمائه العربي وانفتاحه على العالم (راجع المجمع البطريركي الماروني: النص 19: الكنيسة المارونية والسياسة، 45).
هذه هي مقتضيات عيد القديس مارون الكنسي والوطني. نسأل الله بشفاعته أن يساعدنا بنعمته لنكون “حبة الحنطة” تموت عن الذات ليحيا لبنان معافا وقادرا على تأدية رسالته التي تسلمها من تضحيات الآباء والأجداد، لمجده تعالى الإله الواحد والثالوث، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
بعد القداس والصلوات التي رفعت على نية لبنان والسلام، توجه الرئيس عون والبطريرك الراعي والمطران مطر والبطريرك يونان والوزير السابق الخازن الى صالون الكنيسة حيث تقبلوا التهاني بالعيد.