حرب من مجلس النواب : لبنان لن يكون يوما إلا متمسكا بفلسطين لأهلها وبالقدس عاصمة أبدية لها

ألقى النائب بطرس حرب كلمة في الجلسة العامة المخصصة للقدس، استهلها بالتوجه الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وقال: “اسمحوا لي بتهنئة دولتكم على أخذ المبادرة ودعوة مجلس النواب لمناقشة قرار الرئيس الأميركي الخطير بتنفيذ نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس.

وإنني إذ أهنئ الحكومة على ترميم قرارها النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، أود أن أؤكد أن لبنان، دولة وشعبا، يرفض بالمطلق أي طرح، يرمي إلى تحييده عن الصراع العربي الإسرائيلي لأن هذه القضية تتجاوز بنظره بعدها القومي والتاريخي إلى كونها قضية أخلاقية وإنسانية، واجتماع اليوم يعزز مفهوم نواب الأمة للنأي بالنفس، ومعنى طلب تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية، والتزام لبنان بكل ما تجمع عليه الدول العربية”.

وأضاف: “ليس من داع عند كل استحقاق للتذكير بأن في نصوصنا الدستورية مبادئ واضحة تحدد نهائية الكيان والتزاماته العربية والدولية، بدءا من الموقف من إسرائيل، كمشروع احتلال وعدوان وتوسع، وصولا إلى التزام ما تقوله الشرعية العربية والدولية في هذا الخصوص. فنحن لا ننأى بأنفسنا عن الالتزام الكامل بالقضية الفلسطينية وعن رفض الاحتلال القائم في الضفة وغزة، ولا سيما القدس، ونتمسك في المقابل بالقرارات الدولية في هذا الخصوص وبحق الشعب الفلسطيني في الكفاح من أجل استعادة حقوقه السليبة المرتبطة بأرضه وحق عودته إليها وحريته واستقلاله.

ولا داعي أيضا للتذكير بأن منظمة الأمم المتحدة لا تعترف باحتلال وضم القدس الشرقية، وهي تعتبرها مدينة محتلة بالقوة. وعندما أصدر الكنيست الإسرائيلي عام 1980 قانونا يقضي بضم المدينة، كما فعلت بعد شهور في ما يتعلق بالجولان السوري، أصدرت الأمم المتحدة قرارها الرقم /478/ عام 1980، واعتبرت أن ما فعلته إسرائيل مخالف للقانون الدولي، ودعت الدول التي لها بعثات دبلوماسية في المدينة إلى سحبها. وهذا ما حصل، فأخلت /13/ دولة أميركية جنوبية ووسطى بعثاتها في القدس ونقلتها إلى تل أبيب بالإضافة إلى هولندا.

العالم تضامن مع الحق الفلسطيني والعربي، والسؤال الذي يطرحه كثيرون: هل سيبقى الفلسطينيون والعرب مع حقوقهم، مكتفين بتنظيم وقفات استنكار سنوية، بل ومئوية، فيما الحقوق تضيع وتنهب؟

قبل أسابيع مرت مئة سنة على وعد بلفور، واستمعنا إلى بيانات التنديد والاستنكار، ومرت ذكرى قرار التقسيم، وستمر محطات أخرى، وستصدر بيانات التنديد المتشابهة.

نحن اليوم أمام محطة، قد يتبادر إلى ذهن البعض أنها جديدة على طريق تكريس نتائج الاحتلال الإسرائيلي. إلا أنها ليست كذلك، فقرار الرئيس الأميركي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارته إليها خلال السنوات المقبلة، ليس جديدا. إنه قرار قديم ملزم، اتخذه الكونغرس الأميركي قبل 22 عاما، قرار يعتبر القدس عاصمة لإسرائيل، ويعطي رؤساء الولايات المتحدة حق تأجيل نقل السفارة ستة أشهر حماية لمصالح الأمن القومي الأميركي، وأن كل الرؤساء الأميركيين السابقين، الذين تعاقبوا منذ عام 1995، قرروا تأجيل الانتقال، بمن فيهم ترامب نفسه في حزيران الماضي.

في المقابل لماذا فشل الفلسطينيون والعرب والغيارى في مواجهة القرار الأميركي منذ تسعينات القرن الماضي؟”

وأكد أنه “لا يجوز أن تتحول المناسبة إلى حفلة مزايدة على الشعب الفلسطيني، المعني الأول بالقضية، وعلى الأنظمة العربية، إلا أن ذلك لا يجوز أن يحول دون طرحنا لبعض الأسئلة دون التدخل في شؤون الآخرين، فهل يمكن للقضية الفلسطينية في ظل الانشقاق الفلسطيني، وقيام سلطتي غزه ورام الله، أن تحقق نجاحا في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية والقرار الأميركي؟

وهل يمكن مواجهة مخطط إبتلاع فلسطين ومصادرة أرضها وعاصمتها وتشريد شعبها مع تدمير الكيانات العربية الجاري على قدم الطائفية وساق المذهبية؟”

وقال: “شعبنا اللبناني الذي دفع من حياته واستقرار وازدهار بلده الكثير بإسم فلسطين، والعالم كله والفلسطينيون يعرفون ذلك، وشعبنا الذي يؤوي بين سكانه مئات آلاف اللاجئين، هو أكثر من يعرف معنى فقدان الأرض واندثار السلطة وغياب القرار الوطني.

إنه يعرف أن تلك هي مقدمات غياب الوطن نفسه. ولذلك نحن لم، ولن نتخلى يوما، عن تمسكنا بوحدانية قرارنا الوطني المعبر عنه في المؤسسات الدستورية الشرعية المنتخبة لتمثيل مصالح الشعب اللبناني بأسره.

نقول ذلك لأن أفضل ما يمكن أن نقدمه للقدس، مهد الديانات السماوية، هو الحفاظ على لبنان، حامل رسالة الأديان، بل ومختبر تفاعل هذه الأديان ونجاحها في حياتها الآمنة المشتركة والدائمة.

إن ذلك يقودنا إلى القول، إن لبنان، الدولة والمؤسسات الشرعية، سيكون أقوى في الدفاع عن الحق الفلسطيني.

لبنان الدولة الشرعية، المتمسكة بقرارات الشرعية العربية والدولية، هو الأقوى في التأثير والفعل لتحويل تلك القرارات إلى حقيقة.

لقد رفض العالم كله، من قداسة البابا فرنسيس، رمز مسيحيي العالم، إلى الأزهر، مرجع الإسلام، ومن الاتحاد الأوروبي إلى روسيا إلى الأمين العام للأمم المتحدة ودول المنظمة الأممية، واحدة تلو الأخرى، قرار الرئيس الأميركي الخطير. هذا مكسب كبير للقضية الفلسطينية والعربية.

إلا أن ذلك لا يكفي، هناك حاجة للإعلان عن رفضنا لهذا القرار الخطير باعتباره أعتداء جديدا على العرب، على كل المسيحيين والمسلمين في العالم، ومن هنا ترحيبنا بمبادرة دولة الرئيس التي ستسمح لنا، رسميا، وبإسم الشعب اللبناني، بكل توجهاته السياسية ومكوناته الطائفية، بأن نبلغ الإدارة الأميركية رفضنا الرسمي الكامل لهذا القرار، وتصميمنا على مواجهته عبر توصية نتخذها بإسم الشعب اللبناني هنا، والطلب إلى الحكومة العمل على تفعيلها عبر القنوات الدبلوماسية المألوفة”.

وختم: “كل ذلك مهم، لكن الأهم هو ما سيقوم به الفلسطينيون في أرضهم ودفاعا عنها. الوحدة الفلسطينية هي مطلب فلسطيني أصلا، ولكنها اليوم مطلب لبناني وعربي. وبقدر ما يوحد الفلسطينيون رؤيتهم من أجل فرض الاعتراف بحقوقهم في أرضهم ودولتهم، يسهلون على الآخرين سلوك درب تقديم الدعم. ولبنان، القوي بدولته السيدة الحرة وبدستوره وقوانينه، لن يكون يوما إلا حاملا لمشعل الحق والحرية، رافضا للعدوان، متمسكا بفلسطين لأهلها، وبالقدس عاصمة أبدية لها، باعتراف العالم أجمع”.

عن Editor1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *