ألقى العلامة السيد علي فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وحشد من المؤمنين.
وقال فضل الله في خطبته السياسية: “عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الإمام الحسن العسكري؛ الإمام الذي تطل علينا ذكرى وفاته في الثامن من شهر ربيع الأول، عندما قال: “أوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من بر أو فاجر… فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدى الأمانة وحسن خلقه من الناس، قيل: هذا شيعي فيسرني ذلك.. اتقوا الله وكونوا زينا ولا تكونوا شينا، جروا إلينا كل مودة وادفعوا عنا كل قبيح، فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك..”. ثم قال: “أكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي، فإن للصلاة على رسول الله عشر حسنات.. احفظوا ما وصيتكم به وأستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام”.
في هذه الوصية، بين الإمام العسكري الصورة التي كان يراها للمنتمين إليه، والتي تدخل السرور إلى قلبه، فهو كان يريد لهم أن يكونوا علامة فارقة في مجتمعاتهم في الإيمان والخلق، وأن يكونوا زينا لأهل البيت، لا شينا عليهم. ومتى تحقق ذلك، فستبنى الحياة، وسنكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات”.
اضاف: “البداية من لبنان الذي استطاع أن يتجاوز بنجاح قطوع الأزمة التي نتجت من إعلان الرئيس الحريري استقالته من الخارج، وهو ما يعود إلى الحكمة التي تحلى بها المسؤولون اللبنانيون، عندما آثروا التريث في قبول الاستقالة وترتيب الآثار عليها، فقد كان واضحا لدى القيادات السياسية اللبنانية، وبما لا يقبل الشك، أن الواقع السياسي الداخلي يشير إلى انفراج لا إلى انفجار، رغم التغريدات المتكررة التي كانت تأتي من الخارج، ولكنها لم تجد صدى في الواقع السياسي الداخلي، كما كان واضحا أن هناك شيئا غامضا يحيط بهذه الاستقالة. ومن هنا، كانت أهمية الحركة التي جرت عندما توحد اللبنانيون على مطلب عودة الرئيس الحريري، والتي تجاوزوا فيها خلافاتهم، إضافة إلى التحرك الذي جرى في الخارج على مستوى مواقع القرار ومواكبته بخطاب التهدئة الذي نعمت به الساحة اللبنانية”.
وتابع: “لكن الإنجاز تحقق أخيرا، فقد نجح اللبنانيون بفعل وحدتهم وتضامنهم وقياداتهم الحكيمة، في حماية بلدهم من العابثين فيه، وتحقيق الاستقرار الذي تجلى بعودة الرئيس الحريري عن الاستقالة وعودة العجلة السياسية في البلد إلى الدوران، وإن بشكل تدريجي. لقد كشف كل ما جرى عن حقيقة أن لبنان لا يزال تحت سقف الرعاية الدولية والإقليمية التي لا تريد للاستقرار اللبناني أن يتعرض للاهتزاز، وأن تجاوز الأزمات لا يتحقق إلا بوحدة الشعب اللبناني. ونحن أمام ما حدث، نتقدم بالتهنئة إلى اللبنانيين بكل مواقعهم، على هذا الإنجاز، وهم يستحقون التقدير عليه، لأنهم وقوا بذلك لبنان من فتنة لو حصلت، لكانت قد شكلت تهديدا للاستقرار الذي نعموا به خلال الفترة السابقة”.
ودعا فضل الله في الوقت نفسه، “القيادات السياسية في لبنان إلى عدم الاسترخاء أمام ما حصل، فلا بد من العمل لتحصين الساحة الداخلية، حتى لا يسمحوا للعابثين بها بأن يجدوا أرضا خصبة لهم، وهو ما يتم بإدارة حوار لبناني، أيا كان شكله، حوار يتفهم هواجس الجميع، لكنه يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الوطن وقوته، لسد أي ثغرة يمكن أن يدخل منها البعض لتحقيق مصالحه على حساب وحدة لبنان. ونحن في الوقت نفسه، نريد للخطاب السياسي أن يتحلى بالمسؤولية والحكمة والتوازن، سواء الخطاب اللبناني الداخلي أو ما يصدر عن الخارج”.
ورأى أن “ما حصل ينبغي أن يكون درسا إضافيا للبنانيين، بأن منطق الغالب والمغلوب لا يمكن أن يسري في مركب واحد في لبنان، وأن لا حل إلا من خلال شعور الجميع بأنهم في هذا المركب الذي لا ينبغي لأحد أن يخرقه، وأن لا فضل للبناني على آخر، إلا من خلال إمكانياته التي يقدمها لخدمة بلده”.
أما على صعيد ما جرى في الجامعة العربية، قال: “كنا نأمل منها أن تكون أكثر حرصا في قراراتها على المصلحة العربية التي تقضي أن توجه بوصلتها إلى عدو الأمة العربية الذي يحتل أراضي منها ويهدد مقدساتها، والذي أدار ظهره لكل قراراتها، بدلا من أن توجهها إلى من كانوا وسيبقون شوكة في وجه هذا العدو الصهيوني ومشاريعه، وهم قوة لهذا العالم، إن فهمهم هذا العالم، بعيدا عن كل الهواجس والحسابات الضيقة. لقد كنا نريد من الجامعة أن تكون منصة للحوار مع إيران ومع قوى المقاومة، ونرى أن ذلك هو السبيل لإزالة الهواجس وإيقاف الاستنزاف الذي يصيب الجميع والذي لن يستفيد منه إلا أعداء هذه الأمة”.
واردف: “في هذا الوقت، ومع تحرير آخر المواقع التي يسيطر عليها داعش على الحدود السورية والعراقية، تكاد تنتهي ظاهرة كانت هي الأخطر على العالم العربي والإسلامي وعلى صورة الإسلام والمسلمين. إننا أمام ما حصل، لا بد من أن ننحني أمام التضحيات الجسام التي قدمت، والجهود التي بذلت في هذا الطريق، سواء في سوريا أو العراق أو في لبنان.. وهي جهود تستحق الشكر والتقدير”. وأمل أن “ينعكس ذلك على إعادة الاستقرار في المنطقة وخروجها من دائرة الاستنزاف الذي عانته طويلا والذي نأمل أن يكون قد بدأت معالمه في سوريا”.
وعن اليمن، قال: “هذا البلد الذي لا يزال يعيش تحت وطأة القصف والتدمير والتجويع إلى حد المأساة التي لا يكفي فيها فتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية، فلا بد من إنهاء هذه الحرب الظالمة والمجنونة اليوم قبل الغد، فهل يسمع العالم؟”.
وختم: “وأخيرا، مرت علينا قبل يومين ذكرى الاستقلال، حيث احتفل لبنان الرسمي والشعبي بهذه المناسبة، كما جرت العادة. ونحن في الوقت الذي نهنئ اللبنانيين بهذه المناسبة، نتطلع إلى تحصين الاستقلال، ليكون ناجزا حقيقيا وتاما، ولكي لا يعود البلد ممرا ولا مقرا للمستعمر، ولا يبقى تحت وطأة القرارات والضغوط الخارجية التي تحاول النيل من حريته وعزته وكرامته”.