اعتبر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان “الاستقلال عمل دؤوب ونضال متواصل وتاريخ حافل بالمحطات”، لافتا الى ان “هذا العهد هو محطة من تلك المحطات واسعى جاهدا لتكون مشرقة وتبقى كل الارادات متضافرة لنحصن معا استقلالنا وسيادتنا وحرية قرارنا ونحفظ استقرار وطننا وسط العواصف التي تضرب المنطقة، وأيضا لنكمل معا عملية بناء الدولة”، مشددا على ان الوطن الذي حرر ارضه من العدو الاسرائيلي والتكفيري ليس وطنا تسهل استباحته ما دام يعتصم بوحدته الداخلية”.
وشدد الرئيس عون على ان “ما تلقاه لبنان هو تداعيات الصدامات وشظايا الانفجارات، معتبرا ان لا شيء ينفع في معالجة التداعيات إن لم يقفل باب النزاعات. ولكنه في كل الحالات لن ينصاع الى أي رأي أو نصيحة أو قرار يدفعه باتجاه فتنة داخلية”.
واذ رأى رئيس الجمهورية ان “الأزمة الحكومية الأخيرة شكلت للحكم، وللشعب اللبناني اختبارا صادما وتحديا بحجم القضايا الوطنية الكبرى، يستحيل إغفالها والسكوت عنها، فانه سأل “هل كان يجوز التغاضي عن مسألة واجب وطني فُرضَ علينا لاستعادة رئيس حكومتنا إلى بلده لأداء ما يوجبه عليه الدستور والعرف، استقالة أو عدمها، وعلى أرض لبنان؟ ” وقال “انها مسألة كرامة وطن وشعب أظهر حيالها تماسكا وطنيا فريدا، فالسيادة كل لا يتجزأ سواء على الأرض أو في السياستين الداخلية والخارجية”.
وتوجه الرئيس عون بثلاث رسائل في آن، فدعا اللبنانيين الى ان “يفرحوا ويحتفلوا بالاستقلال ويصونوه ويحافظوا عليه “وقد دفعنا اغلى الاثمان كي يعود عيدا بعد ان كان ذكرى”. وقال “بوحدتكم تخطيتم الكثير من الصعاب والأزمات والمخاطر، فلا تسمحوا للفتنة أن تطل برأسها بينكم لأنها الدمار الشامل الذي لا ينجو منه أحد”. كما توجه الى الجيش والقوى الامنية بالقول: انتم حراس الوحدة الداخلية وحماة الحدود، فكونوا دوما جاهزين لأداء واجبكم والوفاء بقسمكم”.
اما في رسالته للدول العربية، فاعتبر الرئيس عون “إن التعاطي مع لبنان يحتاج الى الكثير من الحكمة والتعقل، وخلاف ذلك هو دفعٌ له باتجاه النار. وقال على الرغم من كل ما حصل لا تزال آمالنا معقودة على جامعة الدول العربية، بأن تتخذ المبادرة انطلاقا من مبادئ وأهداف وروحية ميثاقها، فتحفظ نفسها والدول الأعضاء فيها، وتنقذ إنسانها وسيادتها واستقلالها”.
كما دعا رئيس الجمهورية “المجتمع الدولي، الى ان يصون الاستقرار في لبنان، من خلال التطبيق الكامل للعدالة الدولية”.
وتطرق الى “مواصلة اسرائيل انتهاكاتها لسيادة لبنان برا وبحرا وجوا فسأل: اليس اجدى ان تبادر الاسرة الدولية الى مقاربة جديدة تقوم على الحقوق والعدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها تعالج عبرها قضايا السلاح والتسلح والحروب؟”.
مواقف الرئيس عون جاءت في رسالة الاستقلال التي توجه فيها الى اللبنانيين عبر الوسائل الاعلامية المرئية والمسموعة عند الثامنة من مساء اليوم لمناسبة الذكرى الرابعة والسبعين للاستقلال، وهنا نصها:
“أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون، غدا يوم ليس كسائر الأيام، وعيد ليس كسائر الأعياد، هو يوم الوطن وعيد استقلاله. والاستقلال ليس لحظة محددة بزمان ومكان، حصلت وانتهت، الاستقلال هو عمل دؤوب ونضال متواصل؛ هو قصة شعب دفع الكثير ولما يزل، ليبقى سيدا، حر القرار، وعلى أرضٍ حرة. هو تاريخ حافل بالمحطات، منها المؤلم ومنها المُشرق، هو يومكم أيها اللبنانيون، هو عيدكم، فلا تترددوا في الاحتفال به.
هذا العهد هو محطة من تلك المحطات، وأسعى جاهدا لتكون مشرقة، أسعى جاهدا لتبقى كل الإرادات متضافرة لنحصن معا استقلالنا وسيادتنا وحرية قرارنا ونحفظ استقرار وطننا وسط العواصف التي تضرب المنطقة، وأيضا لنكمل معا عملية بناء الدولة. فإن نجحنا، وسننجح، نكون قد وضعنا المداميك الاساسية لوطن قوي، وقدمنا نهجا جديدا في إدارة شؤون الدولة.
أيها اللبنانيون، لقد أعلنت في خطاب القسم أنه في طليعة أولوياتنا منع انتقال أي شرارة من النيران المشتعلة حولنا الى الداخل اللبناني، وأكدت ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات
الخارجية، والتزامه احترام ميثاق جامعة الدول العربية وبشكل خاص المادة الثامنة منه،
لذلك انتهجنا سياسة مستقلة تماما وتحاشينا الدخول في النزاعات ودعونا الى الحوار والوفاق بين الاشقاء العرب ولما نزل، لأن، في الحروب الداخلية خسارة حتمية للمنتصرين، كما للمهزومين، ولا معنى للحالين، لأن الخسارة الكبرى تقع على الوطن.
لقد نأى لبنان بنفسه، ولكن للأسف، الآخرين لم ينأوا بنفوسهم ولا بنفوذهم عنه.
فمع بدء الحرب في سوريا بدأت التنظيمات الإرهابية تخترق حدودنا الشرقية وتتغلغل الى الداخل اللبناني محاولة السيطرة على ما أمكنها من قرى وبلدات ومناطق، زارعة الموت والدمار عبر تفجيرات إرهابية طالت كل لبنان، ونحن، على الرغم من انتصارنا على الأرهاب وتحرير أرضنا منه، ما زلنا نتساءل من أين جاء الإرهاب الى لبنان؟ من أرسله؟ من موله؟ من سلحه ومن دربه؟ ولماذا؟ أليس لضرب الاستقرار وزرع الفتنة، وقد شهدنا مآل الأحوال في الدول العربية التي تمكنت منها تلك التنظيمات؟.
من ناحية ثانية، تربض إسرائيل على حدودنا الجنوبية وتاريخها مع لبنان، ومنذ قيامها، حافل بالاعتداءات والحروب التدميرية، من اعتداءات الستينات والسبعينات الى اجتياحها للبنان في العام 1982 ووصولها الى بيروت واحتلالها نحو نصف لبنان ثم انسحابها محتفظة بأجزاء من الجنوب تحت سيطرتها لثمانية عشر عاما، شنت خلالها سلسلة حروب تدميرية منها “تصفية الحساب” في العام 1993 وعناقيد الغضب في العام 1996 ومجزرة قانا الأولى، وتدمير محطات تحويل الكهرباء في العام 1999، حتى اضطرت الى الانسحاب في العام 2000 تحت ضغط مقاومةاللبنانيين، لتعود في العام 2006 وتشن حربا جديدة ارتكبت خلالها أبشع المجازر ودمرت البنى التحتية بما فيها الجسور كما دمرت أيضا العديد من القرى وضاحية بيروت الجنوبية، ولكنها هذه المرة لم تستطع تجاوز الحدود. وهي اليوم تنتهك سيادتنا برا وبحرا وجوا بشكل مستمر غير آبهة بالقرارات الدولية وتهددنا بحروب جديدة وتدمير جديد. أليس أجدى أن تبادر الأسرة الدولية الى مقاربة جديدة تقوم على الحقوق والعدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، تعالج عبرها قضايا السلاح والتسلح والحروب؟.
أيها اللبنانيون، في كل تلك المراحل والمحطات، كان لبنان يدفع أغلى الأثمان ويحاول جاهدا إبعاد شبح الفتنة؛ فالوطن الذي بذل الدماء سخية، شعبا وجيشا، ضد العدو الإسرائيلي كما التكفيري، وسطر بطولات وتضحيات في تحرير أرضه من الاثنين معا، ليس وطنا تسهل استباحته ما دام يعتصم بوحدته الداخلية في وجه الفتنة التي هي الشر الأكبر.
إن ما تلقاه لبنان هو تداعيات الصدامات وشظايا الانفجارات، ولا شيء ينفع في معالجة التداعيات إن لم يقفل باب النزاعات. ولكنه في كل الحالات لن ينصاع الى أي رأي أو نصيحة أو قرار يدفعه باتجاه فتنة داخلية، ومن يريد الخير للبنان يساعده على تحصين وحدته لأنها صمام أمانه.
وفي هذا السياق تأتي الأزمة الحكومية الأخيرة، والإشكالية التي أحاطتها، وصحيح أنها عبرت، إلا أنها قطعا لم تكن قضية عابرة، لأنها شكلت للحكم، وللشعب اللبناني
اختبارا صادما وتحديا بحجم القضايا الوطنية الكبرى، يستحيل إغفالها والسكوت عنها.
فهل كان يجوز التغاضي عن مسألة واجب وطني فُرضَ علينا لاستعادة رئيس حكومتنا إلى بلده لأداء ما يوجبه عليه الدستور والعرف، استقالة أو عدمها، وعلى أرض لبنان؟
ثم أنها، أولا وآخرا، مسألة كرامة وطن وشعب أظهر حيالها تماسكا وطنيا فريدا، فالسيادة كلٌ لا يتجزأ سواء على الأرض أو في السياستين الداخلية والخارجية.
أيها اللبنانيون، وسط الغليان الحاصل حولنا، بضع رسائل أود توجيهها بكل صراحة وصدق:
رسالتي الأولى هي للأشقاء العرب: إن التعاطي مع لبنان يحتاج الى الكثير من الحكمة والتعقل، وخلاف ذلك هو دفعٌ له باتجاه النار. وعلى الرغم من كل ما حصل لا تزال آمالنا معقودة على جامعة الدول العربية، بأن تتخذ المبادرة انطلاقا من مبادئ وأهداف وروحية ميثاقها، فتحفظ نفسها والدول الأعضاء فيها، وتنقذ إنسانها وسيادتها واستقلالها.
وأتوجه أيضا إلى المجتمع الدولي المدرك لأهمية الاستقرار في لبنان، وأدعوه ليصونه من خلال التطبيق الكامل للعدالة الدولية.
أما الى الللبنانيين فأقول: بوحدتكم تخطيتم الكثير من الصعاب والأزمات والمخاطر، فلا تسمحوا للفتنة أن تطل برأسها بينكم لأنها الدمار الشامل الذي لا ينجو منه أحد. وحدها وحدتكم هي المنقذ، هي أمانكم، هي استقراركم، وهي مستقبل وطنكم وأولادكم.
والى جيشنا وقوانا الأمنية أقول: أنتم حراس الوحدة الداخلية وحماة الحدود، فكونوا دوما جاهزين لأداء واجبكم والوفاء بقسمكم.
أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون، لقد دفعنا جميعا أغلى الأثمان كي يعود الاستقلال عيدا بعد أن كان ذكرى، فافرحوا به واحتفلوا، وهذا حقكم. وصونوه وحافظوا عليه وهذا واجبكم. عشتم، عاش لبنان، حرا سيدا مستقلا”.