أخبار عاجلة

جعجع: ‏اذا اعتقد البعض بأن مشروعه قد انتصر بلبنان وسوريا فقد فاته أن مشروعه السياسي دحره اللبنانيون في 14 آذار 2005 وسندحره هذه المرة ايضا

أقام “حزب القوات اللبنانية”، وبرعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ذبيحة الهية لراحة أنفس “شهداء المقاومة اللبنانية”، تحت شعار “نحن هنا”، في باحة المقر العام للحزب في معراب، ترأسها الراهب اللبناني الماروني الأب أيوب شهوان ممثلا الراعي، وعاونه لفيف من الكهنة. وخدمت القداس جوقة سيدة اللويزة برئاسة الأب خليل رحمة.

بعد دخول رئيس الحزب سمير جعجع والنائبة ستريدا جعجع، على وقع أغنية “سجل اسمي يا تاريخ” من كلمات الشاعر سعيد حديفة، ألحان رواد رعد وتوزيع طوني سابا، اجتاز موكب من كشافة الحرية باحة الاحتفال التي غصت بالمشاركين وفي مقدمتهم: ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون النائب ابراهيم كنعان، ممثل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وزير الاتصالات جمال الجراح، ممثلة الرئيس ميشال سليمان الوزيرة السابقة أليس شبطيني، نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسان حاصباني، وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون، وزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي، ممثل وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الوزير السابق نقولا الصحناوي، ممثل وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مستشاره العميد منير شعبان، النواب: روبير غانم، عاطف مجدلاني، نعمة الله ابي نصر، نبيل دو فريج، غسان مخيبر، ايلي عون، أنطوان سعد، رياض رحال، أمين وهبة، باسم الشاب، حبيب خضر، أحمد فتفت، نديم الجميل، جورج عدوان، انطوان ابو خاطر، انطوان زهرا، ايلي كيروز، جوزف المعلوف، شانت جنجنيان، فادي كرم، النائب أكرم شهيب ممثلا النائب وليد جنبلاط، ممثل النائب بطرس حرب نعمة نعمة، وممثل النائب دوري شمعون الأمين العام ل”حزب الوطنيين الأحرار” الياس بو عاصي.

كما حضر الوزراء السابقون: روجيه ديب، سجعان قزي، سليم وردة، يوسف سلامة، جو سركيس، طوني كرم، وممثل الوزير السابق أشرف ريفي مستشاره أسعد بشارة، النواب السابقون: منصور البون، غبريال المر، انطوان اندراوس، قيصر معوض، صولانج الجميل، وجواد بولس، ممثل قائد الجيش العماد جوزاف عون العميد زخيا خوري، ممثل المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان العميد فؤاد حميد الخوري، ممثل المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم العميد الركن وليد عون، ممثل المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا العميد ساسين مرعب، ممثل مدير المخابرات العميد طوني منصور الرائد شربل فخري، ممثل تيمور جنبلاط أمين السر العام في “الحزب التقدمي الاشتراكي” ظافر ناصر، وجمع من السياسيين والديبلوماسيين والمدراء العامين والإعلاميين والشخصيات الأمنية والحزبية، إضافة إلى حوالي 170 رئيس بلدية ومختارا و120 رجل دين، وحشد من أهالي الشهداء والمحازبين والمناصرين.

وأنشد نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسان حاصباني الرسالة وفق الطقس الأرثوذكسي، ثم تلي الإنجيل المقدس وألقى الأب شهوان عظة قال فيها: “يطيب لي بداية أن أنقل إلى رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، وإلى مسؤولي الحزب والأعضاء الكرام، بركة غبطة أبينا الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الكلي الطوبى، الذي شرفني وأوكل إلي مهمة تمثيل غبطته في وقفة الوفاء هذه السنوية النبيلة التي تنظمها القوات اللبنانية بأبهى ما يكون إكراما لذكرى الذين راحوا وهم أبدا في القلب وفي البال، إنطلاقا من مبدأ الوفاء والأمانة والمحبة تجاههم، وتجاه ذويهم الأحباء، كما أيضا تجاه رفاقهم في مسيرة البذل الواحدة لأجل لبنان الحبيب، والاحتفال بالقداس الإلهي لراحة أنفس شهداء القوات اللبنانية وشهيداتها.
فبخشوع وورع وتقوى، وبعاطفة امتنان وعرفان بالجميل، وبوعد وعهد وميثاق شرف، نصلي في هذه الجمعة المباركة بقلب واحد وروح واحد من أجل أبطال القوات اللبنانية وبطلاتها، الذين زينوا تاريخنا الحديث وشرفوه بجودهم بحياتهم، وهو الفعل الذي يشكل امتدادا ومواصلة لعمل ربنا يسوع الذي أحبنا إلى الغاية، فبذل ذاته لأجلنا على قمة الجلجلة. وكما أنه لا سلطان للموت على رب الحياة ومعطيها، كذلك هو الحال في استشهاد أحبائنا: الكلمة الأخيرة ليست للموت بل للقيامة؛ وكما قام الرب منتصرا، بعدما كان الداعون إلى الصلب والصالبون قد اطمأنوا إلى أنهم قد انتهوا منه، هكذا، كلما اطمأن المعتدون المغفلون إلى أن لبنان قد انتهى، كلما دحرج الوطن الصغير العظيم الحجر الضخم عن صدره وقام منتصرا بقوة أبطاله الشهداء والأحياء.
قال البطريرك مار نصرالله بطرس صفير يوما كلمة قاطعة كحد السيف: “لا، لن تقتلع جذورنا من هذا الشرق”. وقال أيضا: “إن خيرنا بين العيش المشترك والحرية، سنختار الحرية”. إنه كلام نبوي الصياغة والنبرة والمضمون! إنه كلام كبير من وطني الكبير لبنان!”.

أضاف: “يتضمن تعليم القديس بولس الذي تلي علينا، تحريضا على إحياء موهبة الله، التي هي روح قوة ومحبة واعتدال، أي ضبط النفس بحكمة للشهادة والتبشير، واحتمال جميع الآلام في سبيل الإنجيل، مذكرا طيموتاوس تلميذه الأمين باليوم الذي تكرس فيه بوضع يدي بولس، مع أيدي الشيوخ، عليه (رج 1 طيم 4: 14)، طالبا منه ألا يستحي بالرب يسوع، بل أن يشهد لآلامه وموته وقيامته، وألا يستحي بمعلمه بولس، أسير الرب يسوع، بل أن يقتدي به، فيتقوى ويضحي أهلا لأن يشاركه في الجهاد والآلام في سبيل الإنجيل. عندما كتب بولس هذه الرسالة كان أسيرا في روما من أجل الإنجيل (2 تيم 1: 17؛ أف 3: 1؛ فيلمون 1، 9). لذلك هو يدعو تلميذه إلى مشاركته في الألم دون خجل. بعد ذلك يعلل الرسول الإيمان بالمسيح، والشهادة له بأن الخلاص الذي قصده الله لنا منذ الأزل، قد حققه في يسوع المسيح، حتى صار لنا إنجيله بشرى خلاص ونور وحياة أبدية. إن الله لم يعطنا روح الخوف، بل روح القوة والمحبة والفطنة” (2 تيم 1: 7). إن كل من يخاف ينهزم، وكل من كان ممتلئا من “روح القوة والمحبة والفطنة” ينتصر! فإذا كان “الإنجيل هو قوة الله” (روم 1: 17)، كما يحدده القديس بولس، فإن المؤمن بالإنجيل هو تحديدا قوي. لا يتردد القديس بولس في إعطاء نفسه لتلميذه مثالا حيا، يقتدى به، في تحمل الآلام، وفي الأمانة التامة لوديعة الإيمان الحسنة، بتأييد أكيد من الروح القدس”.

وتابع: “أما ما جاء في الإنجيل المقدس بحسب يوحنا الحبيب (يو 15: 9-14) فيتضمن نقطتين أساسيتين يمكننا أن نشدد عليهما وهما الحب والفرح، الأولى موضوعها الحب؛ لقد جعل يسوع من حب الآب له مثال حبه هو لتلاميذه، ومن حبه لتلاميذه مثال حبهم لبعضهم البعض، ومبينا أن هذا الحب المتبادل هو ميزة التلميذ المؤمن به (13: 35). الثانية موضوعها الفرح، أو كما يصوغها يسوع، “فرحي وفرحكم”: إن العمل بما ورد في تعليم الرب سبيل إلى الفرح الكامل؛ فالفرح الحق هو ثمرة المحبة. يفرح يسوع لأن الآب يحبه، ويحبه الآب لأنه يحفظ وصاياه. ويفرح التلميذ لأن يسوع يحبه، ويحبه يسوع لأنه يحفظ وصاياه. لقد جعل العهد القديم من الفرح علامة نهيوية لزمن الخلاص والسلام الدائم، في زمن المسيح الآتي (أش 9: 2؛ 35: 10؛ 55: 12؛ 65: 18؛ صف 3: 14؛ مز 126: 3-5)؛ وكذلك فعل العهد الجديد (مت 25: 21، 23؛ لو 1: 14؛ 2: 10). يشدد يوحنا على الفرح في خطاب يسوع الوداعي (16: 20-22، 24؛ 17: 13)، والألم نفسه لفراق يسوع العائد إلى الآب لا يحول دون الفرح الحق الكامل (14: 28)”.

وأردف ان “الفرح ميزة زينت شهود المسيحية الأولى الشهداء؛ فمن كان يراهم ذاهبين إلى الاستشهاد كان بالتأكيد يتساءل قائلا: “هل جن هؤلاء؟!”. لا، لم يجنوا! فالعون الإلهي الذي وعد به يسوع من يضطهدون من أجل اسمه (لو 21: 21)، هو الذي، بقوة قيامته (فيل 3: 10)، يدحرج حجر الحزن أو الكآبة أو اليأس أو الموت عن قلوبهم، ويجعلهم يفرحون بالآلام، كما يقول بولس الرسول: “إني أفرح الآن بالآلام من أجلكم” (كول 1: 24). هم كانوا يفرحون بتأدية الشهادة حتى الدم، “لأنهم وجدوا أهلا لأن يهانوا من أجل الاسم” (أع 5: 41)، من جهة، ولأنهم تطلعوا إلى المجد الآتي الذي وعدوا به، من جهة ثانية. لقد عانقوا الموت من أجل اسم يسوع بفرح وهدوء وسلام، أذهلوا بها من كانوا ينفذون أحكام الإعدام بحقهم، وكم وكم من هؤلاء العادمين دهشوا وتأثروا، فاهتدوا وآمنوا!”.

واستطرد: “لقد اختبر أبناء الكنيسة وبناتها وعاشوا ما علم الرب يسوع وتلميذه القديس بولس الرسول، فكان لا بد أن يلقوا ما لقيه الرب ورسله القديسون من رفض ومقاومة ومحاكمات وتعذيب وقتل، عالمين أن “الذين يحيون بالتقوى يضطهدون” (2 تم 3: 12). لا يمكن الاتقياء في هذا العالم أن يعيشوا إلا أحرارا، لأن الحرية مبدأ كياني، وليست أبدا وجهة نظر سياسية أو حزبية، كون الإنسان العاقل مفطورا أساسا عليها، لأن الله خلقه على صورته ومثاله، ونفخ فيه من روحه، “وحيث روح الرب فهناك الحرية”! (2 كور 3: 17)؛ أفنعجب إذا إن رأينا الجماعة المسيحية، ومنذ نشأتها، تجاهد لأجل الحرية، وتقاوم من أجلها، ويستشهد أفراد أو أعداد كبيرة منها لأجل هذه الثابتة الوجودية العظيمة؟!! أفنعجب أيضا إن رأينا أن مسيرة بطاركتنا هي مسيرة جلجلة ودرب آلام، منذ البطريرك الأول، مار يوحنا مارون في القرن السابع، مرورا بالبطريرك دانيال الحدشيتي الذي استشهد سنة 1283، والبطريرك جبرائيل حجولا الذي استشهد سنة 1367، والبطريرك العلامة والشهيد الحي إسطفان الدويهي، وبالبطريرك الياس الحويك الوطني الثاقب النظر والمجاهد لأجل لبنان، وببطريرك الصمود والتحدي والمقاومة وبعد النظر مار نصر الله بطرس صفير، أطال الله عمره، وصولا إلى غبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الكلي الطوبى، الذي لا يتوقف عن التنبيه والتحذير والتوجيه والمواجهة؟!! أفنعجب إن رأينا شبانا وشابات من عيالنا وقرانا ومدننا يهبون كالنسور لتلبية النداء المدوي في أعماق كل منهم ومنهن للدفاع عن الحق والحقيقة، عن الشرف والكرامة، عن العائلة والوطن؟!! إنهم حقا إنجيل حي!”.

وتابع: “في هذا التوجه التاريخي الراسخ سارت أفواج القوات اللبنانية، يجمع أعضاءها الروح الملهم المالئ الكيان، والهم الكياني الوجودي الواحد، والهدف النبيل الجاذب الألباب والعقول نحو محبة لبنان، وكأني بهم قد أدركوا في عمق أعماقهم أن هناك، على ما يبدو، رباطا حميما بين ما يريده الله من هذا الوطن ومن شعبه، من جهة، وبين حمل الصليب لتحقيق هذه الإرادة، وبروز قديسين وقديسات لبنانيين الواحد تلو الآخر، من جهة أخرى، وكأننا أبدا أمام لوحتي الموت والقيامة! نعم، نحن نؤمن أن للبنان دورا رسوليا إنسانيا في هذا الشرق المتخبط والضائع بين الفوضى الفكرية والدينية القاتلة، من جهة، وبين البحث عن الحقيقة، من جهة أخرى. إن حسن الرؤية لدى قادتنا السياسيين من أجل إقرار ما هو خير شعبنا واجب ضميري مقدس، ومن ثم وضوح التوجهات التدبيرية العملانية ومصداقيتها، تجعل من لبنان سراجا موضوعا على منارة ليضيء على من هم حوله، وينير كل قابع في الظلمة وفي ظلال الموت. إلى هذا نحن نتوق ليتحول لبنان مرجعية فكرية وسياسية وإنسانية وروحية لشرقنا الذي يئن من ضراوة العنف الفكري والديني والجسدي التدميري”.

ودعا إلى توبة لبنانية شاملة، بقوله: “إن وطنا أنعم الله عليه بعظماء في الفكر والقداسة والبطولة والتفوق، لقادر أن يمد الآخرين بعطاءات إنقاذية وخلاصية، لكن هذا الهدف النبيل لن يكون مستطاعا من دون توبة لبنانية شاملة عما اعتدنا على أن نقترفه بحق بعضنا البعض وبحق الوطن والخير العام، ودون شعور بالذنب! ليست محاربة الفساد واجب الدولة فقط، بل واجبنا العائلي والفردي والحزبي والوطني العام. لا يجوز لنا أن نقبل أن تكون هناك مساكنة بين الفساد والاستقامة، بين النفاق والصدق، بين الشر والخير، بين القباحة والجمال”.

وأشار الى أنه “في تاريخ المسيحية عامة، ومسيحية لبنان خاصة، كان الرهبان في طليعة المقاومين الدائمين للأمية أولا، وللفقر والعوز ثانيا، وكانوا أبدا حاملي لواء التعليم والتثقيف والصلاة والعبادة، من جهة، وأصحاب المشاريع الزراعية والعمرانية والتصنيعية والحرفية والمهنية، من جهة ثانية. من خلال نذورهم الرهبانية الثلاثة، الطاعة والعفة والفقر، عاشوا استشهادا يوميا روحيا أهلهم لأن يكونوا على خطى معلمهم شهداء الحق والنور مرات ومرات، خاصة في أديار الشوف حيث ذبح من رهبان دير سيدة مشموشة 24 راهبا سنة 1860، وفي دير مار جرجس عشاش 3، وفي دير جنين عكار 3 سنة 1976، وغيرهم عديدون. يقول البابا بنديكتوس: “في الكنيسة، الرهبان هم على الجبهة وفي الأماكن الأشد خطرا”.
أسوق هذا الكلام لا لأذكر بمآسي الماضي ولا لأتكلم على الرهبان، بل لأقول ما يلي: قد يتوجب على العاملين في الشأن العام أن يفعلوا كالرهبان، أي أن ينذروا أنفسهم للوطن ولخير أبنائه وبناته، أن يكرسوا حياتهم لهذا الهدف النبيل. لقد سعت القوات اللبنانية إلى تحقيق ذلك، وقد تكون نجحت هنا وفشلت هناك؛ وقد يقول قائل: ولكن هناك الكثير من المآخذ والهفوات والأخطاء والكبوات؛ ولكن من قال بأنهم معصومون من هذا الضعف أو ذاك؟!! ألم يتعرض غيرهم لأوضاع مماثلة؟!! يكفي أنهم كانوا في الأيام الأكثر قساوة على الجبهات وفي الأماكن الأكثر خطرا، تحركهم محبة الوطن ومحبة الإنسان. استشهد منهم الكثيرون، فتعاظم عدد الأمهات الثكالى، وعدد الآباء الذين مزق الحزن أفئدتهم، وعدد الإخوة والأخوات الذين تألموا ويتألمون في صمتهم، وأحرقت البيوت ودمرت الكنائس والأديرة، وخربت الحقول والبساتين، لكن هذه الأحداث المريرة وما تركته من آثار مؤلمة لم تنل من عزم المقاومين والمقاومات الشرفاء الأبطال، بل على العكس ملأت قلوبهم زخما لا مثيل له لمواصلة الكفاح لأجل الحرية والكرامة. لقد سارت القوات اللبنانية في هذا الخط الذي يتجذر في روح البطريرك القديس يوحنا مارون، والذي تواصل إلى أيامنا”.

ورأى “ان البطولة لا تقتصر على زمن الحرب، لأن هناك حاجة ماسة إليها في زمن السلم. إن دعم القوات اللبنانية لمصالحة الجبل، وتحقيق المصالحة التاريخية مع التيار الوطني الحر، وانفتاحها على الأحزاب الأخرى، وإسهامها في انتخاب فخامة الرئيس العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية، وغيرها من الإنجازات الوطنية، لدليل واضح على الالتزام بالقضية الوطنية ككل، وبخير كل مواطن لبناني. فلتتشابك الأيدي، ولتخلص النوايا، ولنعمل بقلب واحد من أجل توفير الأمن الاقتصادي والسياسي والوطني لجميع أبناء الوطن الواحد وبناته، ذاكرين أننا ننعم بأمن غيرنا محروم منه في منطقتنا، والفضل الأكبر في ذلك لجيشنا الوطني الباسل، الذي فرض علينا أن نحبه ونعبر له عن دعمنا الكامل له، وأن نعلي صلاة حارة على نيته ليبقى درع الوطن، وفخر اللبنانيين، دون أن ننسى واجب الصلاة لأجل شهداء جيشنا الأبرار، ولأجل ذويهم المقهورين والمظلومين، شهداء بربرية الخاطفين القتلة، وشهداء المعارك الأخيرة في الجرود”.

وختم بالقول: “نزور أضرحة شهدائنا وشهيداتنا لنصلي لأجلهم، فنشعر أمام رفاتهم الطاهر أننا نحن المحتاجون وهم المتشفعون! نحمل إليهم باقة ورد، فإذا الطيب يفوح من أعضائهم الطاهرة! فليبق دم الشهداء عربون فداء لنا ولكثيرين، يذكي في أرواحنا فضائل الإيمان والمحبة والرجاء، وينعش فينا باستمرار الأمانة والإخلاص لوطننا الحبيب لبنان. وإلى الشهيد الأول ربنا يسوع المسيح، الذي قرب نفسه ذبيحة لأبيه، نرفع آيات الشكران والتسبيح، لأنه ألهم شهداءنا وشهيداتنا الأبرار لأن يقربوا عقولهم وقلوبهم وحياتهم كلها من أجل لبنان والإنسان في لبنان. رحمة الله على شهداء القوات اللبنانية، وعلى روح كل شهيد رفع وصلب من أجل وطننا الغالي لبنان. آمين”.

وبعد القداس، عرضت مشهدية حوارية بين الشهداء والأحياء تحت عنوان “ورد أيلول”، لعب دور الراوي الممثل رفعت طربيه، وتخللها أغنية من كلمات الشاعر طلال حيدر، ألحان وتوزيع المايسترو ايلي العليا، وغناء نقولا الأسطا، زين العمر وميا حداد، وإشراف ايلي يحشوشي. تلاها فيلم وثائقي من وحي المناسبة أعدته الإعلامية دنيز رحمه فخري.

وبعد أن وضع وردة حمراء على النصب التذكاري، الذي يمثل شعار حزب “القوات” من تصميم المهندس نزيه متى، ألقى جعجع كلمة، استهلها بالقول: “قبل أن أبدأ كلمتي اليوم، البعض كان يعتقد أن أيلول الشهداء هو أيلول شهداء القوات وحدهم وعلى رأسهم الرئيس بشير الجميل. ولكن أحداث الأيام الماضية أثبتت أن أيلول الشهداء، هو أيلول شهداء كل لبنان من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب مرورا بالبقاع وجبل لبنان وبيروت”، مردفا “تحياتنا الحارة الى آخر دفعة من جنود الجيش اللبناني الذين سقطوا دفاعا عنا، تحياتنا القلبية وكل شعورنا مع أهاليهم، ولا سيما أمهاتهم وآباؤهم وزوجاتهم وأولادهم وإخوتهم وأخواتهم وكل أقربائهم. وأتوجه الى أهاليهم بالقول: أولادكم قاموا بكل واجباتهم على أفضل ما يكون، ولا يوجد إستشهاد أشرف من هذا الإستشهاد ولكن للأسف البعض لم يتركنا نهنأ حتى بهذا الإستشهاد، لذا أطلب من الجميع الوقوف دقيقة صمت عن أرواح شهداء الجيش اللبناني”.

وبعد الترحيب بممثلي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والحضور، توجه جعجع الى الشهداء، فقال: “هنيئا لكم جيشا لبنانيا وطنيا قويا لحظة فك عقاله بلغ الفرات زئيره والنيل. من فجر الأشرفية وعين الرمانة وزحلة وقنات الى “فجر الجرود”، فجر القاع ورأس بعلبك، مقاومة واحدة، لدواعش متعددة بأسماء مختلفة وأزمنة متفاوتة، لكن النصر واحد أحد دائما أبدا للبنان. عندما بدأنا بالمقاومة كانوا ألوفا مؤلفة، وكنا بضع مئات، ومع ذلك انتصرنا. أما اليوم فنحن لبنان والعالم بأسره معنا، فانتصاراتنا حتمية وستكون أضعافا مضاعفة. قاومنا بقلة من السلاح والذخائر إرهابيي الأرض وغزاة تلك المرحلة، يوم كان الجيش مغيبا مشلولا، واليوم، وبعدما عاد الجيش ليستعيد دوره بامتياز، بتنا نقاتل بالقوة السياسية والكلمة والموقف والإرادة، وإذا اقتضى الأمر العودة، عدنا”، مذكرا ان “لا دواعش الـ75 أخافتنا ولا دواعش الجرود وما بعد الجرود تخيفنا. من عنده يوحنا مارون، والآف الشهداء ذخائر لقضيته، لا تقوى عليه دواعش الأرض كلها، فمصيرهم على أيدي جيشنا البطل جهنم وبئس المصير”.

أضاف: “رفاقي الشهداء، أنتم فخر المسيرة التي وصلنا بها إلى قمم البطولة والإيمان والعنفوان، وأوصلتمونا معكم إلى عز عطاءاتنا وإنجازاتنا وانتصاراتنا. أنتم من يبقي وهج قضيتنا التاريخية حيا في قلوبنا كأنها في بداياتها الأولى، في خضم بحار من القرف والوصولية والفساد واللامبالاة والانغماس في زواريب السياسات الضيقة الانتفاعية الآنية، لا نعرف كيف نفيكم حقكم في زمن البرودة والانحلال وسقوط المبادئ والقيم، وفي عصر الخفة والاستهزاء والاستهتار في مقاربة القضايا الوطنية والمصيرية الكبرى. رفاقي الشهداء، نحن اليوم لا نحيي ذكراكم فحسب، وإنما نعيد تجسيد وعيش لحظات الشهادة معكم لحظة بلحظة. كان يمكن لكل فرد منا أن يكون في أي لحظة إسما آخر مضافا على لائحة الشرف التي تزينها أسماؤكم في هذا الاحتفال. أما وأن الله قد من علينا بسنوات إضافية من الحياة، فواجبنا تجاهه وتجاه التاريخ والوطن والقضية لا أن نكتفي بتكريمكم بأقوالنا وصلواتنا فحسب، بل في كل عمل من أعمالنا أيضا. فإكراما لذكراكم الغالية سنكون دائما حيث تريدوننا أن نكون. وسنكون تماما كما أنتم كنتم حراسا أمناء لشعب غال وتراث عريق، وقضية مقدسة، ولن نقبل بأن تستشهدوا مرتين”.

وتابع: “يا رفاقي الشهداء، إن الأفكار والتساؤلات التي تتجاذب رفاقكم، هي نفسها التي تتجاذبكم في عليائكم، فمنكم من يتساءل عن جدوى تضحياته ودموع أمهاته عندما يرى هذا الكم الهائل من المرتزقة والوصوليين الذين صنعوا أمجادهم الباطلة على حساب دمائكم الطاهرة، ومنكم من يرى أن القضية المقدسة التي اعتنقها شعبنا قبل عشرات القرون تتقاذفها أمواج سياسية غير واضحة ، فيما القضية الوطنية عرضة للطعنات المتتالية من الأقربين والأبعدين”.

وأردف: “رفاقي الشهداء، إن أسئلتكم محقة في هذا الزمن الرديء، لكن ثقوا ولا تخافوا: نحن هنا، أنتم هنا، والمسيرة التي نمشيها، أنتم من يقودها وأنتم من يسيرها وانتم من ينير دربها، فلا خوف على القضية، لا خوف على لبنان. لا المعادلات السياسية تنسينا واجبنا الوطني والأخلاقي اتجاهكم، ولا الظروف تعطينا أحكاما مخففة اتجاه أي خطوة مستقبلية. إطمئنوا، فكما خضتم غمار نضالاتكم العسكرية بكل نبل والتزام واخلاق وشفافية، هكذا يتابع رفاق لكم اليوم خوض غمار المعترك الحكومي والنيابي والسياسي والتشريعي بالصلابة عينها والأخلاقية نفسها. كما كنتم حراسا ساهرين على أمن لبنان وحريته وسلامة شعبه، نحن اليوم جميعا، قيادة حزبية ووزراء ونوابا، نقوم بعملنا بكل استقامة وشجاعة وتضحية وشفافية لرفع شأن مؤسسات الدولة والارتقاء بها إلى حيث يجب أن تكون، فنفوز بثقة الرأي العام ونظهر صورة القوات اللبنانية المشرقة والنظيفة على حقيقتها، بعدما حاولت قوى الظلم والظلام والظلامية لعقود تشويهها وطمسها بكل ما أوتيت من دعاية وتجن وفبركات صحافية وقضائية. تحية كبيرة اليكم وزراء ونواب القوات اللبنانية لأنكم أظهرتم، وبما لا يقبل الشك والتشكيك، الوجه الحقيقي لحزب القوات الذي لطالما عملت قوى الظلام على طمسه وتشويهه. من هنا نقول فوق رؤوس الأشهاد: إن الحجر الذي رذله البناؤون أصبح اليوم حجر الزاوية، حجر الأساس”.

واستطرد: “رفاقي الشهداء، أمور كثيرة تغيرت في العامين الماضيين. فعلى الرغم من الجراح والآلام، طوينا صفحة أليمة تعيسة من الماضي الحزين استمرت لأكثر من خمسة وثلاثين عاما، إلى غير رجعة. لقد قيل الكثير الكثير في تفاهم معراب، ولكن ما سيحفظه التاريخ عنه هو أنه كان نقطة تحول أساسية غيرت المناخات نحو الأفضل بشكل لم يسبق له مثيل داخل المجتمع الواحد، وفي كل مدينة وقرية وحي، وحتى داخل البيت الواحد في بعض الأحيان. من جهة ثانية، قلب هذا التفاهم المعادلات وأدى في ما أدى إليه، وبعد سنوات عجاف عجاف من الفراغ، إلى انتخاب رئيس ذي صفة تمثيلية حقيقية إلى سدة الرئاسة الاولى، وإلى قانون انتخاب جديد لم يكن ليبصر النور لولا تفاهم معراب ووجود رئيس مصمم في قصر بعبدا”.

وأكد أنه “يخطئ من يعتقد أن تفاهم معراب كان تفاهما على رئاسة الجمهورية فحسب وسينتهي مفعوله مع انتخابات الرئاسة، أو عند مواجهة أول عقبة. إن التفاهم بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر هو ضرورة خصوصا للشراكة المسيحية- الإسلامية الحقة لا يمكن لأحد التنكر لها لأنه يؤثر على مستقبل لبنان بأسره. ان التفاهم بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وجد ليبقى…وسيبقى”.

وإذ رأى أنه “عوض أن يعطي تحرير الجرود من الإرهابيين الدولة اللبنانية قوة دفع كبيرة باتجاه بسط سيادتها وسيطرتها على كامل ترابها الوطني مستفيدة من الزخم الشعبي والمعنوي والعربي والدولي، وعوض أن تسلم جميع الأطراف اللبنانية بالكفاءة العالية للجيش اللبناني وبقدرته في الدفاع عن لبنان”، قال: “نجد بعض الأطراف منزعجا من الانتصار الكامل الذي أوشك الجيش على تحقيقه، محاولا حرمانه وحرمان اللبنانيين من جني ثمرة هذا النصر، معنويا أولا وبالمحاسبة القضائية ثانيا”.

اضاف: “فها هو حزب الله مدعوما من النظام السوري، وقبل ساعات من إطباق الجيش اللبناني على ما تبقى من مسلحي داعش المحاصرين في مربعهم الأخير، يتولى مفاوضة هؤلاء المسلحين، ثم يسهل خروجهم وكأن لا أسرى لنا قتلوا، ولا شهداء وجرحى من الجيش اللبناني والمدنيين سقطوا، وكأن لا تفجيرات وقعت في القاع، أو في الضاحية الجنوبية وراس بعلبك والبقاع، وكأن لا لبنانيين ينتظرون اعتقال هؤلاء القتلة الإرهابيين وسوقهم إلى العدالة”.

وتابع: “الأدهى من ذلك كله محاولة إقناع اللبنانيين بأن كل هذه الصفقة كانت للكشف عن مصير العسكريين المفقودين، بينما يعرف القاصي والداني معرفة اليقين بأن العسكريين المفقودين، أحياء كانوا أم شهداء، كانوا مع مسلحي داعش المحاصرين، وكان الجيش اللبناني سيستعيدهم بكافة الأحوال بالإطباق على داعش”.

وأردف: “البعض حاول أن يغش أهالي شهداء الجيش اللبناني بالقول لهم إن الإطباق على داعش كان سيؤدي الى مقتلهم جميعا، وما كانوا ليعلموا مكان الجنود الأسرى، مع العلم أن أي عملية إطباق في العالم لا تقتل 100% من المطبق عليهم، والمؤسف ان الجهات الرسمية أكدت أكثر من مرة انها كانت على علم بمصير العسكريين، لذلك نحن مع كل تحقيق يجري دون اغفال الجزء الاساسي، الذي هو من عمل على تهريب “داعش” وتخليصها من قبضة العدالة”.

وواستطرد: “يكفي للواقع تحويرا، يكفي للحقيقة تزويرا، إن نسيتم لن ننسى. لذلك نحن مع كل تحقيق يجري من دون إغفال الفصل الأخير والأهم: من عمل على تهريب داعش وتخليصها من قبضة العدالة؟ فالبعض يتصرف وكأنه وحده في البلد”.

وقال: “أيها اللبنانيون، يعيش لبنان ازمة جوهرية وبالعمق على مستوى وجود الدولة والكيان بحكم ازدواجية السلاح ومصادرة القرار الاستراتيجي، قرار السلم والحرب من قبل حزب من الأحزاب اللبنانية مع ما يعنيه ذلك من تشويه لصورة الدولة اللبنانية وضرب لصدقيتها بالإضافة إلى ضرب الميثاق الوطني وأسس التعايش، التي قام على أساسها لبنان من خلال ازدواجية المعايير بين اللبنانيين وعدم عيشهم تحت سقف قانون واحد. وما جرى مؤخرا في معارك فجر الجرود لخير دليل على ذلك، إذ فاوض حزب الله على معارك خاضها الجيش اللبناني ومن ثم حاول مصادرة ثمار ما أنجزه الجيش.
من جهة أخرى، أظهرت معارك فجرالجرود أن للبنان جيشا جديا قويا يلتف اللبنانيون، جميع اللبنانيين، حوله، ويستحوذ على اهتمام أصدقاء لبنان كافة، عربا وأجانب، فإذا كانت الحال كذلك”، سائلا: “لماذا نبقي هكذا مؤسسة شرعية تحت المكيال، ونترك المجال واسعا أمام حزب يتجاوز الشرعية وترفضه أكثرية اللبنانيين انطلاقا من سلاحه غير الشرعي ومصادرته للقرار الاستراتيجي وارتباطاته الخارجية؟ بالاضافة الى ان هذا الحزب يستعدي الأكثرية الساحقة من أصدقاء لبنان في الشرق والغرب انطلاقا من سياساته، ويستمطر على لبنان العقوبات والويلات من كل حدب وصوب، مما ينعكس على اللبنانيين حصارا، فقرا وتعتيرا وتخلفا”.

أضاف: “لقد آن الأوان لكي يتم وضع حد لهذه الازدواجية. إن سياج لبنان الوحيد هو الجيش اللبناني . وكما رفع هذا الجيش راية لبنان فوق تلال القاع وراس بعلبك لا بد من أن يرفعها فوق كل التلال التي ترسم حدود لبنان. من شاطئ العريضة في الشمال إلى وادي خالد. ومن وادي خالد إلى جرود عرسال والمصنع. ومن المصنع الى راشيا، فجبل حرمون وشبعا وكفرشوبا. ومن القليعة الى رميش فعلما الشعب والناقورة. ومن الناقورة إلى حدود نفط لبنان ومياهه الإقليمية. ألأرض أرضنا، والمياه مياهنا، والسماء سماؤنا…والجيش وحده سياجها كلها”.

وأكد “لن نسكت عن الباطل ولو اعتقد هذا الباطل أن الأمر الواقع ومرور الزمن ورضوخ البعض يكسبه بعض المشروعية، فالباطل يبقى باطلا ولو تبنته عشرات الألوف، والحق يبقى حقا ولو نادى به شخص واحد، فكيف إذا نادت به أمة برمتها. فإذا اعتقد البعض بأن مشروعه قد انتصر في لبنان وسوريا وقضي الأمر، هو مخطئ، فقد فاته أن مشروعه السياسي سبق له منذ العام 1990 أن كان سائدا ومهيمنا على لبنان وسوريا، ومع ذلك دحره اللبنانيون في 14 آذار 2005، وسندحره هذه المرة ايضا ولو بعد حين. ولنا في قول الإمام علي أفضل تعبير عن ذلك: دع الأمور تجري في أعنتها ونم نوما قريرا هانئ البال، فما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال”.

وعن الأزمة السورية، قال: “لقد بلغت هذه الأزمة بعد سبع سنوات على اندلاع الثورة، حدا لا يوصف من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان كما الدمار والخراب والمآسي، التي لحقت بالسوريين. أضف إلى ذلك تداخل مجموعة عوامل ومصالح اقليمية ودولية باتت ترخي بثقلها على الجغرافية السورية، لجهة التنازع على مناطق السيطرة والنفوذ بين دول عدة. أمام هذا الواقع الدموي والمعقد والمتشابك يبقى الشعب السوري الضحية الأولى، وهو لم يقترف أي ذنب سوى توقه للحرية والديموقراطية والتغيير، على غرار معظم شعوب العالم الحر”، معتبرا “ان أي حل سياسي في سوريا لن يكتب له النجاح إلا إذا أخذ بعين الاعتبار مصالح الشعب السوري ومطالبه المحقة، التي على أساسها أطلق هذا الشعب ثورته في 15 آذار 2011، وهذه المطالب تتلخص بانتقال سياسي كامل وشامل للسلطة تبعا لمقررات مؤتمري جنيف 1 و 2، وكل ما عدا ذلك ليس سوى إطالة لأمد الأزمة ولعذابات السوريين، وتهديد مستمر لاستقرار المنطقة”.

أضاف: “صحيح أن ضرب داعش والنصرة في سوريا هو خطوة جيدة على طريق الحل، لكن الوصول إلى حل جذري يكمن في التخلص من داعش والنصرة والتخلص بالتوازي من مسببات داعش والنصرة، أي النظام السوري الذي لا يقل داعشية عن داعش بالذات. وبالمناسبة يحاول البعض من جديد الضغط لإقامة علاقات سياسية مستجدة بين الحكومة اللبنانية وبين نظام بشار الأسد، وبحجج مختلفة: إعادة النازحين، التنسيق في معركة الجرود، والآن إنجاز اتفاقات زراعية وتسهيل مرور الشاحنات اللبنانية…ولكن قبل أن يحاول هذا البعض، إنجاز الاتفاقيات على أنواعها، او اعادة النازحين فليعيدوا لنا أسرانا ومفقودينا في السجون السورية وفي طليعتهم بطرس خوند، ولتلغ معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق التي كانت قد أقرت، بقوة القهر، في ظل الاحتلال السوري للبنان، وليلغ المجلس الأعلى اللبناني- السوري، لأنه غير دستوري، وليسلم المحكومون قضائيا في قضية تفجير مسجدي التقوى والسلام وعلى رأسهم علي المملوك، ولترسم الحدود مع سوريا وليعترف بلبنانية مزارع شبعا، وبعدها لكل حادث حديث”.

وأكد أن “النظام السوري بالنسبة إلى شريحة واسعة من اللبنانيين والعرب والسوريين وبالنسبة لمعظم الدول ولمنظمات حقوق الإنسان هو فاقد للشرعية وللمشروعية، وهو نظام سجون وقبور على مدى عقود وعقود، أثخن اللبنانيين بالجراحات والذكريات المؤلمة من قصف وتدمير وانتهاك كرامات وخطف آلاف من اللبنانيين من مختلف الطوائف، وتصفية واغتيالات وتفجيرات وسرقة مقدرات الدولة، وآخر حبات العنقود كانت شبكة الأسد- مملوك- سماحة، وتفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس”، سائلا: “فكيف يريدون للحكومة اللبنانية التي يفترض بها التعبير عن الشعب اللبناني، أن تقفز فوق كل تلك الاعتبارات؟ وأن تقفز أيضا وأيضا فوق الاعتبارات العربية والدولية، لتقيم علاقات مع نظام مرفوض من كل تلك المرجعيات؟ وبكافة الأحوال، هل ما زال هنالك نظام في سوريا؟ هل النظام السوري هو الموجود في سوريا أم نظام وصاية إيراني- روسي- أميركي- تركي؟”.

وذكر أنه “في 26 نيسان 2005 أخرج جيش النظام السوري من لبنان…ولن يعود. وفي 8 آذار 2005، حاولتم إبقاء جيش الأسد في لبنان فكانت 14 آذار. وثقوا الآن أن الساحة ما زالت موجودة، وجماهير 14 آذار، بخلاف ما يشيعه البعض، ما زالت حاضرة، فلا يحاولن أحد من جديد”.

وفي ملف النازحين السوريين، قال: “إن لبنان الذي شرع أبوابه أمام النازحين السوريين بدافع إنساني وأخلاقي، لم يعد قادرا بعد مرور سبع سنوات على هذا النزوح على تحمل تبعاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، خصوصا بعدما بلغت الأزمات الاقتصادية فيه حدا غير مقبول”، مشيرا إلى أن “ظهور بعض المناطق الآمنة في سوريا مؤخرا وبروز بوادر هدنة عسكرية طويلة الأمد، تمهيدا لنضوج الحل السياسي المنشود، بات يحتم على الحكومة اللبنانية التنسيق مع المجتمع الدولي، لإيجاد الطرق الآيلة إلى عودة النازحين السوريين إلى بلداتهم ومدنهم، أو أقله انتقالهم إلى المناطق الآمنة، كخطوة متقدمة باتجاه عودتهم النهائية إلى أماكن سكنهم الأصلية. أما مطالبة البعض بالتنسيق مع نظام الأسد لإعادة النازحين السوريين، فهي دعابة تذكرنا بمقولة: وداوني بالتي كانت هي الداء”.

ولفت إلى أنه “صحيح أننا منذ انتخاب الرئيس ميشال عون بدأنا نتجه أكثر نحو استعادة المؤسسات الدستورية. صحيح أن حكومة تشكلت برئاسة الرئيس سعد الحريري وأنجزت بعض الملفات، ولكن هل استطعنا استعادة الثقة؟ لا شك في أن تركة عهد الوصاية، القديمة منها والجديدة، كبيرة وتحتاج إلى جهد كبير لتنظيف لبنان منها. لكن غياب الرؤيا وعدم الجدية في بحث ملفات كثيرة، ومواطن الفساد الكبيرة والكثيرة، على الرغم من الجهود الكبيرة لوزراء القوات اللبنانية، تضيع كل الجهود وتبقينا في الحلقة المفرغة ذاتها. فالدولة اللبنانية تعيش على مستوى إدارتها حالا من انعدام الوزن والرؤيا والمشروع”، موضحا “لقد عقدنا العزم منذ اللحظة الأولى لدخولنا هذه الحكومة على محاولة النهوض بالواقع القائم خصوصا لناحية إيجاد رؤيا وخطة عمل واضحة والتزام تام بالإجراءات القانونية، وتنفيذ جدي وسريع للمشاريع المطلوبة، والقضاء على الفساد والزبائنية في الدولة”.

وقال: “نجحنا تماما، وباعتراف الجميع، في الحقائب الوزارية التي ائتمنا عليها، لكننا نعاني كثيرا في ما تبقى. لقد نجحنا نسبيا في بعض الجوانب، لكننا لم نصل بعد إلى ما نصبو إليه, لكننا لن نستسلم بل سنتابع قدما على الرغم من صعوبة العمل، ولو بخطوات صغيرة وإنجازات متواضعة حتى الوصول الى الدولة المنشودة”، معتبرا أنه “بمقدار ما تشكل ازدواجية السلاح والقرار الاستراتيجي معضلة كبرى للبنان، بالمقدار ذاته يشكل غياب الرؤيا وتفشي الفساد وعدم الجدية في التعاطي بالشأن العام معضلة كبرى ثانية للبنان. يمكن للبنان أن يتحمل معضلة كبرى، لكنه بالتأكيد لا يتحمل اثنتين. إننا عاقدو العزم على تخليص لبنان من الثانية كما من الأولى، فهلموا. هلموا جميعا لكي نستطيع سويا إنجاز ثورة بيضاء نحن بأمس الحاجة اليها”.

أضاف: “نشتكي كثيرا، ليل نهار، نشتكي وبحق من كل شيء: من الفراغ السيادي إلى ازدواجية السلاح، ومن وضع الطرقات إلى فرص العمل والكهرباء والماء والبنى التحتية والوضع المالي للدولة والفساد. إن الشكوى والتذمر هما أمر مفهوم ومشروع، لكنهما لا يطعمان خبزا ولا يسقيان ماء. ما هو غير مفهوم وغير مقبول هو ألا تترافق هذه الشكوى مع أفعال ملموسة لتغيير الواقع القائم، وكأن اللبنانيين أصبحوا مجرد مشاهدين لعرض مسرحي لا دور لهم فيه سوى التفرج والتصفيق أو النحيب، بينما الحقيقة هي أنهم المعنيون أولا وآخرا بكل فصول المشهد السياسي، سواء لجهة الاستمرار في التفرج على أدوار الفساد والاهتراء وانتهاك السيادة من دون تحريك ساكن، أو لجهة إسدال الستارة على ذلك كله”، مؤكدا ان “التغيير المنشود هو بمتناول أيديكم، وهو رهن إرادتكم وحدكم فقط، وإن السلاح الماضي الذي تمتلكونه، والذي يتفوق على كل الترسانات العسكرية، هو سلاح الاقتراع الكفيل وحده بإحداث ثورة بيضاء تطيح بكل ما تشكون منه”.

وتابع: “إن مجتمعا قدم عشرات آلآف الشهداء ليس بمجتمع جبان أو خمول أو متخاذل أو رافض للتغيير، إنما هو مجتمع متحرك متمرد مسيس بامتياز، وإن مجتمعا أشعل شرارة الربيع العربي في العام 2005 ليس بمجتمع رجعي راكد متآلف مع الواقع المزري القائم، وإنما مجتمع تغييري إصلاحي سيادي لا يقبل بالرضوخ والذمية السياسية. إن مقولة “كما تكونون يولى عليكم” لا تسري على الشعب اللبناني، لأنه شعب راق نزيه وشريف ويستحق أن يتولى إدارته مسؤولون من الطينة ذاتها”.

ورأى ان “المطلوب اليوم هو أن يأتي الشعب اللبناني بممثلين عنه يشبهونه في أخلاقياته وعيشه اليومي، ولا يشبهون مجتمعا آخر يعيش عالمه الخاص ومصالحه الخاصة. إن القوات اللبنانية تنشد التغيير وتعمل له انطلاقا من الانتخابات النيابية المقبلة. ومثلما اختارت وزراء ناجحين منتجين، نظيفي الكف واللسان، فإنها حتما ستختار مرشحيها للانتخابات النيابية من النوعية ذاتها، فهلموا وأعدوا طريق التغيير! إقترعوا لأصحاب الأكف البيض والسير البيضاء، إقترعوا لأصحاب السياسات العامة وليس لأصحاب الخدمات الشخصية. إقترعوا للأكفاء وليس لمجرد الأقرباء أوالمعارف الشخصية ولو لم يكونوا أكفاء. إقترعوا للشجعان الذين لا يهابون شيئا ويقولون للأعور “أعور بعينو”. لا تقترعوا للذين يتكلمون ليل نهار ولا يفعلون شيئا، بل للذين يتكلمون قليلا ويفعلون كثيرا”.

وقال: “أنتم جميعا تواقون للتغيير ونحن كقوات لبنانية أثبتنا مرارا وتكرارا أننا أرباب التغيير المنشود. لا تقترعوا للذين لا سياسات واضحة لديهم خصوصا على المستويات السيادية في الدولة. بعد كل ما عشتموه من تجارب، تعرفون تمام المعرفة من يفعل ماذا. فلا تتأخروا واقترعوا للذين رأيتموهم بأم العين يفعلون ما تريدون. ألأمل موجود دائما إذا عرفنا كيف نصنعه، وإننا له لصانعون”.

وأمل من اللبنانيين “ألا تدعوا هذا الحلم يسقط من أيديكم. لا تتركوا اللامبالاة والشلل والمصالح الضيقة تنتصر عليكم في صناديق الاقتراع. لتكن أصواتكم انتصارا من أجل الحياة. لتكن إعلانا عن التمسك بلبنان الدولة القوية، الدولة التي تلبي طموحاتكم وأحلامكم”، مشيرا إلى أن “القوات اللبنانية، وكما كانت في الحرب تقف في الخطوط الأمامية للدفاع عن الحرية والكرامة والسيادة، تقف اليوم أيضا في الخطوط الأمامية للدفاع عن الدولة القوية والمجتمع الصالح والإنسان المحترم، وعن حقوق المواطنين وأمنهم الاقتصادي والاجتماعي. فهلموا ولا تتأخروا، أعلنوها ثورة بيضاء على طبقة سوداء وسياسات رمادية سوداء فاسدة، وتذكروا دائما أنه: إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر”.

وتوجه الى أهالي الشهداء بالقول: “صحيح أنكم خسرتم أبناءكم، لكنكم ربحتم وطنا يستحقه أحفادكم…صحيح أنكم ذرفتم دموعا سخية على أحبائكم الشهداء، لكن دموعا أسخى كانت ستذرف على وطن ضائع وكرامة مهدورة وحرية مداسة. صحيح أن جمرة الموت لا تحرق إلا مكانها، لكن هذا المكان ليس محصورا بقلبكم وحدكم فقط، وإنما يمتد على مدى الـ 10452 الذي أحرقته جمرة استشهاد أبنائكم. صحيح أن حرقتكم كبيرة على أبنائكم الشهداء، لكن حرقتكم كانت لتكون أكبر لو ربحتم أبناءكم وخسرتم وطنكم وأمنكم وحريتكم وعزتكم وكرامتكم لأنكم أيضا كنتم ستخسرون أبناءكم في وطن ستبكون فيه أولادكم كل صباح ومساء. صحيح أن الحياة غالية على كل الناس، لكن الموت في هذه الحال يصبح هو الحياة. فهنيئا لكم حياة خالدة لأبنائكم بالروح والقلب والذكرى، أما تعازينا غير الحارة، فنخص بها فقط من ربح حياته لكنه خسر الكرامة والحرية، وكل ما يمت إلى الحياة بصلة”.

أضاف: “ويا شهداءنا الأبرار، يجمعنا كل عام أيلول الشهادة، لا لكي نستعيد ذكراكم، بل لكي نشهد أمامكم على أن وجداننا سيبقى أمينا لكم، وأن عزيمتنا ستبقى صلبة، وأملنا بالغد سيبقى ثابتا يقينا. إن نقاء وجداننا وعناد عزيمتنا واليقين في أملنا كانت في كل مرة وحدها سلاحنا الأمضى، ذلك “الجنون في إرادتنا” الذي عاكس معادلات الأعداد وموازين القوى. اذ فاتهم أننا لسنا مجرد هواة حرب ونار وسلاح بل مقاومون مؤمنون، وبالمقاومة مستمرون. وكما قاتلنا الحديد والنار عندما دعت الحاجة، سنقاتل اليوم الفوضى والفساد وثقافات الاهتراء والخنوع وعبادة الذات. حسبنا أن لنا إرادة آتية من وجدان تاريخي وعزيمة فيها من صلابة صخورنا وعناد أرزنا، وأملا لا تحده آفاق”.

وختم “على قاعدة كل هذا، ومن أجل أن تبقى لنا هذه الأرض حرة ونعيش عليها أحرارا كراما، ولأن الخنوع واستجداء العيش ما كانا يوما في قاموسنا، ولأن اليوم يكمل الأمس ويمتد حكما إلى الغد، ولأن لأبنائنا وبناتنا الحق في ألا تهدر مقومات عيشهم وكرامتهم وأحلامهم وفخرهم بهويتهم، نقف الآن في رهبة المقام لنقول لشهدائنا مرة من جديد: على طريقكم سائرون، بالمقاومة مستمرون، حتى الاستشهاد أحرارا باقون. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، العزة والكرامة لشعبنا الأبي، عاشت القوات اللبنانية، ليحيا لبنان”.

عن Editor1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *