اقام رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري غروب اليوم، في السراي الحكومي مأدبة افطار، حضرها رئيس مجلس النواب نبيه بري، نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسان حاصباني والرؤساء امين الجميل ،حسين الحسيني ، فؤاد السنيورة، نجيب ميقاتي وتمام سلام، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نعيم حسن، ممثل رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ علي الخطيب ،رئيس اساقفة ابرشية بيروت المارونية المطران بولس مطر، متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، السفير البابوي في لبنان غبريال كاتشيا، ممثل رئيس الطائفة الاشورية في لبنان الخور اسقف تيرون كاليان، الرئيس الروحي الاعلى لطائفة اللاتين في لبنان المطران سيزار اسايان، القائم برئاسة المجلس الاسلامي العلوي في لبنان الشيخ محمد خضر عصفور، ممثل بطريرك انطاكيا وسائر المشرق الرئيس الاعلى للكنيسة السريانية الارثوذكسية في العالم المطران دانيال كورييه، ممثل بطريرك الارمن الكاثوليك لبيت كيليكيا المطران جورج اسادوريان، رئيس المجمع الاعلى للطائفة الانجيلية في لبنان وسوريا القس سليم صهيوني، مدبر الكنيسة البطريركية لانطاكيا وسائر المشرق والاسكندرية واورشليم للروم الملكيين الكاثوليك المطران يوحنا جنبرت، ممثل كاثوليكوس بيت كيليكيا للارمن الارثوذكس المطران شاهي باتوسيان، رئيس الطائفة الكلدانية في لبنان المطران ميشال جان قصارجي، ممثل بطريرك السريان الكاثوليك الانطاكي في العالم المطران يوحنا جهاد بطاح، رئيس الطائفة القبطية في لبنان وسوريا الاب رويس الاورشليمي.
كما حضر المأدبة حشد كبير من الوزراء والنواب وقادة الاجهزة الامنية وكبار الموظفين والسفراء العرب والاجانب وشخصيات سياسية وقضائية واعلامية ورؤوساء هيئات اقتصادية وفاعليات.
بعد المأدبة القى الرئيس الحريري الكلمة التالية:
دولة الرئيس نبيه بري
أصحاب الفخامة والدولة والسماحة والسيادة،
الزملاء والزميلات،
السيدات والسادة الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كل رمضان وأنتم بخير، كل رمضان ولبنان واللبناييون بخير وأمن وأمان، نعمة ما زلنا نتحلى بها ولله الحمد، في ظل العواصف التي هبت على العديد من البلدان الشقيقة. الأمن والأمان مهمان، ولكنهما غير كافيين… ما يحتاجه اللبنانيون هو العيش بكرامة.
واليهم أتحدث اليوم ،بكل طوائفهم وأطيافهم السياسية والاجتماعية،وأدعو من خلالهم، كل السياسيين والزعماء، الى أن يعتبروا التفاهم السياسي الحاصل ،فرصة حقيقية لحماية لبنان وتعزيز كرامة اللبنانيين .
في هذه الفترة الوطنية والإقليمية الحساسة،التي تشكل نقطة تحول ،ما نفع أن يربح اللبناني بعض المعارك في الخارج، ولكنه يخسر حقه في حياة كريمة في الداخل؟
اللبناني يخسر من كرامته كل يوم ، عندما لا تضاء أنوار بيته، وعندما ترمى النفايات في شوارعه، وعندما يرى نفسه عاجزا عن مجاراة تطور العالم، إقتصاديا وتكنولوجيا… هذه هي الحرب الحقيقية ، التي علينا خوض تحدياتها ،الحرب الاقتصادية والانمائية والمعيشية ،وهذه هي الحرب التي اخترت أن أخوضها في حكومتي.
هذه الحكومة أنجزت في وقت قياسي دراسة مشاريع مهمة ،وعلى رأسها النفايات والكهرباء والانترنت والنفط ، وأزمة النزوح السوري ، والحلول أصبحت جاهزة… تنتظر فقط صدور قرارات سياسية جريئة، بعيدا عن المحاصصة والطائفية ،وبعيدا بالتأكيد عن الفساد وشبهاته ،(وعن الذين تهبط عليهم فجأة صحوة النزاهة والشفافية.) والقرار لكم ، أيها السادة الكرام .أنتم المسؤولون تجاه الناس ، أن تبادروا الى قرارات تاريخية ، أوتتمسكوا بسياسات الماضي ، التي لن تكون إلا على حساب مستقبل أبنائكم وبناتكم .
اخواني واخواتي، المشكلة في لبنان أننا نريد حلولا سريعة،وهذا ما اعتاد عليه الناس في الظاهر ، تزفيت من هنا وترقيع من هناك ،ولكن اللبناني ، سئم في الواقع ، من الحلول المؤقتة والزائفة ، وهو ينادي بتغيير حقيقي .إن لبنان يحتاج الى حلول جذرية ،كالتي شهدها في التسعينات ،تبدأ بإعداد الدراسات المطلوبة، التي تواكبها ورشة تخطيط وتشريع ، تتكامل مع مراحل التنفيذ والتشغيل…هذه الحلول تتطلب حكمة وصبرا ومثابرة ،لكننا في النهاية سنربح حلولا مستدامة .
الرائج اليوم ، أن تبدأ الانتقادات بعد أيام من تشكيل أي حكومة ،وتشن الحملات السياسية العشوائية ، بحجة الغيرة على مصلحة المواطن ،ودغدغة المشاعر الشعبوية واستغلال الناس انتخابيا…في الدول المتقدمة، تناقش المواضيع التقنية الدقيقة على طاولات العمل الرسمي ،فمن تهمه فعلا مصلحة البلد ، ولديه اقتراح او اعتراض ما، فان باب السرايا مفتوح أمامه في أي وقت، وانا شخصيا سآخذ كل نقد بعين الاعتبار.أما إقحام الرأي العام بتفاصيل، بعضها مزيف ، وبعضها الآخر يثار لأغراض سياسية ، دون الإستناد الى الأدلة المطلوبة ، فهذا أمر لا يعزز ثقة المواطن بالدولة ، ولا ثقة المستثمر بلبنان .
أيها السيدات والسادة ، الأسبوع الماضي ، قرر مجلس الوزراء ، التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة،الذي قدم لسنين طويلة ، نموذجا مميزا للنجاح وحماية النقد الوطني في أصعب الظروف .قرار حكيم يصب في الاتجاه الصحيح ، وتأكيد على أهمية الإجماع السياسي في مقاربة المصلحة الاقتصادية للبلاد،ونحن نأمل أن يندرج هذا النوع من الإجماع، على ملف قانون الانتخابات والموازنة العامة،اللذين وقعا ، للأسف ، في دوامة التجاذب السياسي، وصارا رهينة التعطيل الذي يضع البلاد على حافة الفشل .فعندما يتصاعد الشحن الطائفي ويخفت صوت العقل فهذا فشل .
وعندما يزداد الطلب على الهجرة، ويموت الناس يوميا بسبب السلاح الفالت ، فهذا فشل .وعندما يأتي رمضان ولا يجد كثير من الناس قوتهم ،ليس فقط في الشمال والبقاع ،بل في قلب بيروت وضواحيها، فهذا أيها السادة فشل .
فهل هناك من يريد للدولة أن تفشل ،ليبقى المواطن اللبناني رهينة بعض السياسات الخاطئة ؟المهل الدستورية ، أيها السادة ، تداهم الجميع ، وما بعد منتصف ليل التاسع عشر من حزيران ،لن يكون كما قبله . والخيار السليم الوحيد المطروح أمامنا ،هو الاتفاق على قانون انتخاب جديد ، عادل وشامل ،وخلاف ما يحلل البعض ، بأننا في العلن نريد التغيير ،ولكننا في الخفاء نماطل بهدف العودة الى قانون الستين أو التمديد، أقول لكم ، إنني على يقين تام ، بأن العودة الى قانون الستين أو التمديد ، سيشكل هزيمة لنا جميعا أمام قواعدنا الشعبية، ويعبر عن اهتراء سياسي ،لا يصب في مصلحتنا ومصلحة البلد.
وهنا اود ان اوجه تحية الى دولة الرئيس الصديق نبيه بري، الشاهد على ما اقوله وهو اكثر من يسعى مثلنا للتوصل الى قانون جديد وعصري للانتخابات.ولكي نكون واضحين، عندما اقول اننا سنصل الى قانون للانتخابات يعني اننا سنصل الى قانون للانتخابات، لان الفشل غير مسموح به. لقد اصبحنا قاب قوسين من التوصل الى ذلك، وانا تكلمت عن ذلك مرات عدة كذلك فعل فخامة الرئيس ودولة الرئيس بري. يجب ان نصل الى قانون الانتخابات هذا وسنصل اليه، وعندها سترون كيف سينهض البلد، فهذا الموضوع الوحيد الذي لا يزال يفصلنا عن الاستقرار الذي يجب ان نعيشه كل يوم في هذا البلد.
إن شباب وشابات لبنان ، يريدون قانونا جديدا للانتخابات ، وينادون بوجوب تداول السلطة، وتجديد خلايا الحياة السياسية، فلا يجوز أن نماطل أو نتغافل عن حقوقهم ومطالبهم .وإنني في هذا المجال أراهن ،على مشاركة الشباب والشابات ، عبر الكوتا، في إدارة الشأن العام،وأراهن على فتح أبواب الداخل ،وغلق أبواب الهجرة، التي تستنزف ثروتنا البشرية .اننا نريد لشباب وشابات لبنان ، ان يجدوا مستقبلهم ، هنا في هذا البلد ، وفي هذه الدولة ، المسؤولة عن إيجاد فرص العمل،والمسؤولة عن توفير الطبابة والدراسة والكهرباء والمياه والحياة الكريمة .
نحن نؤمن بأننا قادرون على التغيير ، وسنقوم به باذن لله تعالى ، هدفي، كما كان هدف والدي، رحمه الله،القضاء على الفقر والجهل ، وتجديد الثقة بدور لبنان ،صحيح أن هناك عدوا يقبع في جوارنا ،ولكن العدو الأكبر هو العوز الذي يجرد البشر من كرامتهم ،ويدفع بشبابنا الى حمل السلاح والقتال تحت ايديولوجيات متطرفة ومنحرفة…ليس حبا بالحروب ،بل بحثا عن لقمة العيش وسعيا وراء اعتزاز وهمي .
أيها الأصدقاء والزملاء ، لقد حل رمضان هذا العام، وهو يحمل بشرى وألما في آن .البشرى ، إننا ندخله بأغلبيتنا الساحقة موحدين على حماية استقرار بلدنا ،أما الألم ، فهو الجريمة الوحشية التي حلت بإخواننا الأقباط في مصر الشقيقة،نسأل الله أن يكون في عونهم ، جريمة وقعت على أيدي حفنة من الوحوش، لا مكان للرحمة وإلانسانية في قلوبهم أصلا، لنسأل عن دينهم…
رمضان مناسبة مباركة للخير والسلام ، والمناسبة تدعونا اليوم ، لمناشدة كل المنابر الاسلامية في العالم العربي لإعلان رمضان لهذا العام ، شهرا لنبذ التطرف ومكافحة الارهاب بكل أشكاله.نحن في لبنان، نقف في الصفوف الأمامية لهذه المعركة ، والجيش اللبناني والقوى الأمنية تقوم بواجبها على أكمل وجه ،وتتصدى للتنظيمات الإرهابية في أوكارها، وحيثما تحاول التغلغل في مناطقنا، اننا نتطلع الى استكمال إمساك الجيش بكامل حدودنا الشرقية والشمالية لضبطها في الاتجاهين .والمسؤولية تفرض علينا مواكبة الجيش والقوى الأمنية ، المسؤولة حصرا ،عن حماية الاستقرار ، وتعزيز قدرات الدولة ومؤسساتها ، بمثل ما تفرض علينا واجب التضامن مع آلاف العائلات اللبنانية،التي تتحمل منذ سنوات ، عبء استضافة آلاف العائلات السورية التي أجبرتها نيران الكراهية والحرب على النزوح. إننا في لبنان نتقاسم مرارة النزوح مع إخواننا السوريين ، ونأمل في هذا الشهر الفضيل أن تتوافر شروط العودة الى ديارهم ، حالما تنتهي الحرب الظالمة على هذا الشعب الطيب ، كما نتطلع الى المجتمع الدولي ، كي يتحمل مسؤولياته في معالجة الأعباء المترتبة.
وفي المقلب الاخر، يهمني التأكيد على أن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، لا يعبر عن الدولة اللبنانية وحكومتها ومؤسساتها الشرعية ، التي تلتزم ميثاق جامعة الدول العربية. وإن التحديات الناشئة عن الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية ،تستدعينا الى التمسك بالتضامن العربي ،ورفض الاجراءات الإسرائيلية المعلنة لتهويد القدس الشريف ،والتي ستشكل تهديدا جديدا لمشاريع السلام،وخروجا على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة .
أعزائي الكرام، ختاما أقول إن الحوار الداخلي هو سبيلنا الوحيد، كما أعتقد أن الحوار في المنطقة هو السبيل لخلاصها ووقف الحروب ، فعندما تتوقف لغة الحوار تتحرك لغات اخرى ندفع أثمانها دما وخرابا. اسأل الله سبحانه وتعالى، أن يعيد هذا الشهر المبارك، على لبنان والعرب والمسلمين بالخير والسلام، وأن ينأى بوطننا عن الحروب والنزاعات، وأن يحفظ لنا وحدتنا واستقرارنا ، وأن يتحلى اللبنانيون بالصبر والتروي ،ويعين أهل السياسة على التوصل الى قانون جديد للانتخابات إنه سميع مجيب الدعاء.