في انتظار عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى لبنان الشهر المقبل، بدأت الحركة الديبلوماسية تنشط في اتجاه لبنان مجدداً، بما يوحي انّ وتيرة الاهتمام بالأزمة اللبنانية عادت إلى الارتفاع، خصوصاً انّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، اكّد امس الاول انّ البلاد ستدخل مع شهر ايلول «مرحلة مهمّة جداً زمنياً على مستوى الاستحقاق الرئاسي». وسيستقبل لبنان اليوم كلاً من وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان، والوسيط الاميركي في الاتفاق الذي حصل على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل آموس هوكشتاين، وكلاهما ستلامس محادثاته بنحو او بآخر ملف رئاسة الجمهورية، إلى جانب مواضيع أخرى لا تقلّ اهمية عنه.
على مشارف ايلول وما يمكن ان يحمله من حراك سياسي مع عودة المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان لمعرفة تصوّره حول عقد اجتماع او حوار حول الملف الرئاسي، بعد ان يكون قد جوجل افكار واجوبة من راسلهم ، سبقته حماوة الملفات التي ستزخم ابتداءً من اليوم، مع زيارتين متزامنتين وفي غاية الأهمية لكل من عبداللهيان وهوكشتاين، مروراً بالكلمة المرتقبة لرئيس مجلس النواب نبيه بري عصرغد الخميس في ذكرى تغييب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه، وما ستحمله من مواقف وإشارات سياسية…
واكّدت مصادر سياسية مطلعة من كثب على الاتصالات القائمة حول الأزمة الرئاسية لـ«الجمهورية»، أن لا علاقة لزيارتي عبداللهيان وهوكشتاين بالملف الرئاسي، ولن تُحدثا أي خرق، فلكل مسؤول ومن موقعه هدف لهذه الزيارة، ومثلما سيحضران سيغادران مع صفر تقدّم.
وأشارت المصادر، إلى انّ لبنان سمع من الإعلام الفرنسي موعد عودة لودريان في 17 من الجاري، لكنه لم يتبلّغ عبر القنوات الرسمية بعد بهذا الموعد. متوقعة الاّ تكون مهمّته هذه المرة مغايرة عن سابقاتها، اي ستظل محفوفة باللا استجابة وعدم التسهيل.
والى ذلك، أبلغت اوساط سياسية مطّلعة إلى صحيفة «الجمهورية»، انّ المؤشرات الراهنة توحي انّ حظوظ نجاح مهمّة لودريان باتت ضئيلة جداً، حتى قبل أن يصل، بعد إصرار بعض القوى على رفض مبدأ الحوار الذي يشكّل عصب الطرح الفرنسي، بمعزل عن الشكل الذي يمكن أن يتخذه الحوار المفترض حول مواصفات رئيس الجمهورية وأولوياته.
وفي هذا السياق، قال تكتل «لبنان القوي» بعد اجتماعه الدوري برئاسة النائب جبران باسيل امس، انّه «أبلغ إلى الموفد الرئاسي لودريان موقفه الذي يتلخّص بأن يكون أي حوار حول الرئاسة بين اللبنانيين محصوراً بأجندة محدّدة بالبرنامج الرئاسي (الأولويات الرئاسية) وبمواصفات الرئيس واسمه وبمدة زمنية محدودة جدّاً، تنتهي إما بانتخاب المرشح المتفق عليه، والاّ الاستمرار بعقد جلسات متتالية يدعو إليها رئيس المجلس الى ان يتمّ إنتخاب رئيس للجمهورية».
عبد اللهيان
وفي هذه الأجواء، يصل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى لبنان اليوم، في زيارة لم تكن مبرمجة قبل ما انتهت اليه محادثاته الأخيرة في الرياض مع أركان القيادة السعودية، ولا سيما منهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، حيث حضر خلالها ملف لبنان بكثير من تفاصيله، ولا سيما منها تلك المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي ودور ايران في هذا الصدد.
وإذ اكّدت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ محادثات عبداللهيان في بيروت، تكتسب أهمية كبيرة في هذه المرحلة على مستوى كل الملفات المطروحة في لبنان والمنطقة. ولم تتجاهل مصادر ديبلوماسية تابعت التحضيرات التي سبقت الزيارة، نتائج اللقاءات التي كان عبداللهيان عقدها مع نظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الأسبوع الأخير من تموز الماضي، بعد أيام قليلة على اجتماع «لقاء الدوحة الخماسي» في السابع عشر من الشهر عينه. حيث طُرحت مختلف الملفات التي تعني لبنان والمنطقة ومصير المفاوضات مع مجموعة الـ (5 +1) حول الملف النووي الايراني.
ويُنتظر ان يلتقي عبداللهيان اليوم كلاً من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ونظيره عبدالله بوحبيب، في حال عاد إلى بيروت قبل وصوله، وسيطلعهما على نتائج هذه المفاوضات والجديد المتصل بالعلاقات الايرانية ـ السعودية وانعكاساتها على لبنان. كذلك سيكون له لقاء تقليدي مع الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله للبحث في آخر الملفات التي تعني ايران و«حزب الله»، من ضمن الاستراتيجية الواحدة المعتمدة في مختلف الملفات الداخلية والاقليمية والدولية.
وكتب السفير الايراني في لبنان مجتبى اماني عبر منصّة «إكس»، انّ على جدول اعمال عبداللهيان «محادثات ولقاءات مع المسؤولين اللبنانيين حول موضوعات ذات إهتمام مشترك». واكّد انّ «هذه الزيارة تعكس السياسة الإيرانية ودورها البنّاء الداعم لاستقرار لبنان وازدهاره».
وهوكشتاين
على خط آخر، يصل إلى بيروت اليوم كبير خبراء شؤون الطاقة في الادارة الاميركية، الذي كان مكلّفاً بملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل آموس هوكشتاين، وذلك في زيارة تأتي على وقع بدء الحفر في البلوك رقم 9، واشتداد التجاذب حول دور قوات حفظ السلام الدولية («اليونيفيل») وصلاحياتها في الجنوب.
وفي معلومات لـ صحيفة «الجمهورية»، انّ زيارة هوكشتاين ليست مفاجئة ومتفق عليها منذ الاعلان عن وصول منصّة الحفر تزامناً مع بدء التنقيب. واستبعدت مصادر متابعة للملف ان يكون مهندس الترسيم البحري قد انطلق بمهمّة جديدة جدّياً وهي الترسيم البري او تثبيت الحدود اللبنانية. وقالت لـ«الجمهورية»: «ربما سنسمع من هوكشتاين طرحاً لتخفيف التوتر تمهيداً لحل هذا الخلاف، لكن هذا الامر سيحتاج حتماً الى وقت ولن يكون سهلاً». واضافت: «لبنان ليس في حاجة الى ترسيم بري، لأنّ ترسيم الخط الدولي منجز منذ العام 1923، وقد جرت لاحقاً عملية تبادل او swap لبعض الاراضي المتداخلة مع فلسطين المحتلة، والتي عبثت بها اسرائيل عندما دخلت الأراضي اللبنانية واحتلتها، اما ما نريده الآن فهو تثبيت حدودنا عند النقاط الـ13 المتحفظين عنها، والممتدة من الوزاني الى الناقورة».
ونفت المصادر ان يكون لبنان قد تبلّغ أي مهمّة جديدة لهوكشتاين «وسننتظر لنرَى ما إذا كان يحمل طرحاً ما». وأشارت الى «انّ اسرائيل هي من تستعجل حالياً حل إشكالات الخط الازرق لانّها تريد الاستقرار على كل حدودها مواكبة لعملية استخراج النفط والغاز بعيداً من المخاطر. ولهذا الامر مصلحة اميركية كذلك بالطبع».
على انّ زيارة هوكشتاين تأتي بدعوة من ثلاثي «كونسورتيوم التنقيب عن النفط والغاز» في المياه اللبنانية، الذي يضمّ كلاً من «توتال إنيرجيز» الفرنسية، «إيني» الإيطالية و»قطر للطاقة»، وذلك بعد أيام على بدء شركة «توتال» عمليات التنقيب عن الثروة النفطية في البلوك الرقم 9، والتحضيرات الجارية للقيام بمهمّة تتصل بالمسوح الاستكشافية في البلوك الرقم 8، وهو سيقوم بزيارة تفقدية للمنّصة العائمة في البحر، يرافقه وزير الطاقة وليد فياض ومسؤولو «توتال» والشركة المكلّفة عملية الاستكشاف.
وعُلم انّ هوكشتاين سيلتقي اليوم كلاً من بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، وميقاتي في السرايا الحكومي.
وقالت مصادر ديبلوماسية لـ صحيفة «الجمهورية»، انّ زيارة هوكشتاين لا علاقة لها بما يجري من ترتيبات على الحدود البرية الجنوبية، بعد الإشكالات التي حصلت إثر ضمّ اسرائيل للجزء الشمالي اللبناني من بلدة الغجر والخيمة التي اقامها «حزب الله» على الحدود في مزارع شبعا المحتلة، والمشاورات الجارية في مجلس الأمن لتجديد انتداب قوة «اليونيفيل» لسنة جديدة بدءاً من بعد غد الاول من أيلول، وذلك لأنّ الملف هو في عهدة مسؤولين اميركيين آخرين ولا علاقة لهوكشتاين به.
المصدر: الجمهورية