يشهد البرلمان اللبناني، مع دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري النواب لانتخاب رئيس للجمهورية في جلسة تُعقد الأربعاء من الأسبوع المقبل، أعنف مواجهة رئاسية بين مرشح محور الممانعة زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية ومنافسه الوزير السابق جهاد أزعور المدعوم من قوى المعارضة و«التيار الوطني الحر» وعدد من النواب التغييريين والمستقلين تكاد تكون شبيهة بالمعركة الرئاسية التي فاز فيها الرئيس سليمان فرنجية على منافسه إلياس سركيس بفارق صوت واحد. هذا في حال أن جلسة الانتخاب الثانية عشرة ستتوّج بانتخاب أحدهما.
فدعوة الرئيس بري لانتخاب رئيس للجمهورية لا تعني أن الطريق أصبحت سالكة سياسياً لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، بمقدار ما أنه أراد أن يعفي نفسه من اتهام قوى المعارضة له بأنه يقفل أبواب البرلمان أمام انتخابه ما لم يضمن إيصال مرشح الثنائي الشيعي إلى سدة الرئاسة الأولى، بخلاف ربطه الدعوة بوجود مرشح منافس لفرنجية، وهذا ما حصل بترشيح أزعور.
ويبدو أن المشهد الرئاسي، قبل نحو أسبوع على موعد انعقاد جلسة الانتخاب، أخذ يتبدّل، بحسب المصادر في المعارضة، لمصلحة أزعور الذي يتقدّم حتى الساعة على منافسه فرنجية، ما يدعو للسؤال عن رد فعل الثنائي الشيعي إذا لم يتمكن من تعديل ميزان القوى بكسبه تأييد العدد الأكبر من النواب المتردّدين لفرنجية، وكيف سيتصرف في جلسة الانتخاب، وإن كان يراهن حتى الساعة على أن المرشَّحَيْن يتعادلان سلباً.
ويبقى التعادل السلبي، كما تقول مصادر نيابية، قائماً إلا في حال حصول مفاجأة بانضمام نواب «اللقاء الديمقراطي» إلى مؤيدي أزعور، وهذا ما يفسر ترقُّب الثنائي الشيعي بقلق، رغم أن اللقاء لا يزال يدرس موقفه الذي سيصدره في نهاية اجتماعه الذي يعقده مساء الخميس برئاسة النائب تيمور وليد جنبلاط، فإنه من السابق لأوانه أن يذهب الثنائي الشيعي إلى إبداء قلقه قبل أن يتأكد من حقيقة الموقف الذي سيصدره اللقاء في ظل ارتفاع منسوب الاصطفاف السياسي الذي يغلب عليه الطابع المذهبي.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن قلق الثنائي من تأييد نواب في «اللقاء الديمقراطي» لم يبقَ في داخل الغرف المغلقة وتسرّب إلى العلن، ما استدعى تحرّك أكثر من مسؤول في الحزب «التقدمي الاشتراكي» باتجاه الرئيس بري في محاولة لتبريد الأجواء بين الحليفين اللذين لم يجتمعا تحت سقف واحد في مقاربتهما لرئاسة الجمهورية.
ويبقى السؤال: هل يؤجل «اللقاء الديمقراطي» اتخاذ قراره لئلا يكون طرفاً في الاشتباك الرئاسي؟ أم أنه سيمضي في ترشيحه لأزعور، خصوصاً أن اللقاء باعتراف حلفائه وخصومه يشكل بيضة القبّان في حسم الخيار الرئاسي؟
وفي هذا السياق، تعترف المصادر النيابية بأن مجرد حصول أزعور على تأييد الغالبية النيابية المطلقة في دورة الانتخاب الأولى سيؤدي حكماً إلى فتح الباب أمام انعقاد دورة الانتخاب الثانية التي يتطلب انعقادها حضور أكثرية ثلثي أعضاء البرلمان، على أن يُنتخب رئيساً مَنْ يحصل على 65 صوتاً، وهذا ما يشكل إحراجاً لمحور الممانعة الذي لا يزال يتمسك بترشيح فرنجية، رافضاً التخلي عنه إفساحاً في المجال للانتقال إلى الخطة (ب) للتفاهم حول رئيس توافقي كشرط لوضع حد لتصاعد المواجهة بين المعارضة على اختلافها والثنائي الشيعي.
وعليه، فإن خيار الاقتراع بورقة بيضاء يبقى قائماً، لكن لا شيء نهائياً حتى الساعة ريثما ينتهي الثنائي الشيعي من تعداده لتوزّع أصوات النواب على المرشَّحَيْن، في ضوء الإنجاز الذي تحقق من وجهة نظر المعارضة بكسب تأييد عدد لا بأس به من المستقلين والتغييريين.
لذلك، فإن محور الممانعة أعلن الاستنفار العام بالتزامن مع دعوة الرئيس بري النواب لانتخاب الرئيس في محاولة لإقناع المترددين بالاقتراع بورقة بيضاء لحجب أصواتهم عن أزعور، بما يتيح له قطع الطريق عليه لمنعه من تسجيل رقم لا يتجاوز بفارق كبير الرقم الذي سيحصل عليه منافسه.
من جهة أخرى، علمت «الشرق الأوسط» أن النواب أسامة سعد وعبد الرحمن البزري وشربل مسعد باشروا اتصالاتهم بعدد من النواب، على رأسهم المنتمون إلى «قوى التغيير»، وأبرزهم إبراهيم منيمنة، وحليمة قعقور، وفراس حمدان، وسنتيا زرازير وآخرون من المستقلين بغية تشكيل قوة نيابية تتموضع خارج التجاذبات الرئاسية الآخذة إلى التصعيد بين الثنائي الشيعي وقوى مسيحية رئيسية.
ويدرس هؤلاء النواب الامتناع عن التصويت لأي من المرشَّحَيْن في محاولة للضغط لإخراج المنافسة الرئاسية من التجاذبات الطائفية لمصلحة التفاهم على مرشح توافقي.