كتبت صحيفة الديار تقول: لا تزال عملية تأليف الحكومة على حالها من الجمود والمراوحة وكأنها تدور في حلقة مفرغة، ولقد بلغ بها الحال الى غرفة العناية الفائقة حيث تلفظ أنفاسها، رغم كل الدفع الخارجي تحت مسمى نصائح دولية بالتسريع في تشكيل الحكومة للحصول على المساعدات والقروض المالية أو عبر الضغوط وابلاغ المسؤولين عن ملف الحكومة عن اجراءات وعقوبات قد تطالهم في حال أصروا على مطالبهم التعجيزية وعلى وضع العصي في عجلات تشكيل الحكومة العتيدة.
ولم تنفع حتى الان التهديدات الدولية وبالأخص الفرنسية بفرض عقوبات على معرقلي الحكومة بالافراج عنها، فبالظاهر تبدو الأمور عالقة على من يستحوذ على وزارتي العدل والداخلية وعلى آلية تسمية الوزيرين المسيحيين من خارج حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، غير أن المعركة الحقيقية هي رفض عون ورئيس “التيار الوطني الحر” اعطاء حلف “بري- جنبلاط- فرنجية- حريري” مع حلفائهم النصف زائدا واحدا في الحكومة الموعودة، اذ يحتسب العهد وباسيل في العدد الجديد للوزراء في الحكومة بعد اقرار مبادرة بري ب 24 وزيرا، أن الوزيرين المسيحيين يجب أن يحتسبا في حصة عون حيث يشكل عون مع وزراء حزب الله الإثنين نصف الحكومة ما يقطع الطريق على الحلف الرباعي المذكور آنفاً أن يمتلك النصف زائدا واحدا في حكومة قد تبقى الى أواخر العهد الحالي في موقع المسؤولية وفي أسوأ الأحوال في خانة تصريف الأعمال.
على صعيد آخر، يمر القضاء اللبناني بأزمة لم يشهد لها منذ حرب السنتين، اذ لا تزال قضية كف يد مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون عن عدد من الملفات المالية آخرها قضية شركة “مكتف” للصيرفة من قبل المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات تتفاعل، ففي حين يرى البعض أن القاضية عون هزمت أمام ما يسمى “حزب المصارف”، رأت أوساط قضائية في تصرف عون تمردا واضحا على الهيكلية والانتظام العام في الجسم القضائي بدعم وتدخل سياسي واضح، هذا وتضامن مع عون عدد كبير من الشخصيات والسياسيين أبرزهم النائب باسيل من دون أن يسميها داعياً الى استقلالية القضاء ودعمه في ملاحقة الفاسدين، مع العلم أن باسيل متهم من قبل عدد من جهات سياسية وجمعيات مدنية في التدخل في القضاء ومع القاضية عون تحديداً واستعماله لمصالح سياسية ولملاحقة منتقديه. وفي السياق نفسه، برز كلام نوعي لوزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم، حيث طالبت في مؤتمر صحافي التفتيش القضائي بالتحرك والبحث في ملف القاضية عون وجميع الملفات الشائكة، حيث اعتبرت انه من المعيب أن يتم التجادل في الاعلام عن قاضٍ فاسد وقاضٍ مخطئ وعن الانتماءات السياسية لهذا أو ذاك، داعية الى التوقف عن هذه المهذلة وتبيان الحقائق كافة عبر الهيئات الرقابية القضائية.
الحكومة مكانك راوح
لم يتغير الواقع الحكومي المتأزم، فلا تزال الأمور على حالها من التشدد بالمواقف والتمترس خلف الطوائف والحقوق “الواهية”. وفي هذا الاطار، ترى أوساط مطلعة ورفيعة المستوى، أن العقد لا تزال على حالها، حيث يرفض الرئيس المكلف سعد الحريري أن تؤول وزارتي الدخلية والعدل الى حصة الرئيس عون، مطالباً أن تكون العدل من حصته على أن تكون الداخلية من حصة رئيس الجمهوية. غير أن المشكلة الاساس حسب الأوساط تكمن في انعدام الثقة كلياً بين عون والحريري، فالأول يتوجس من حكومة يسيطر عليها الحريري في حين قد تكون الأخيرة في عهده، لذا لن يتنازل للرئيس المكلف عما يعتبره حصته “الشرعية”، فيما الحريري لا يريد تكرار التجارب السابقة حيث كان لباسيل والعهد الكلمة الفصل في الحكومة، ويصر تحت عنوان الحفاظ على المبادرة الفرنسية اضافة الى مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن تكون الحكومة من الإختصاصيين وخالية من أي ثلث معطل، خاصةً لفريق عون وباسيل.
وفي السياق، كشفت مصادر قريبة من حزب الله عن امكانية تحرك فرنسي جديد في الساعات والأيام المقبلة بهدف كسر الجمود في الملف الحكومي اللبناني، خاصة بعد التماس الفرنسيين لمعطيات خارجية وداخلية تعرقل تأليف الحكومة، منها اغلاق أبواب السعودية في وجه الرئيس المكلف والهمس بأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لا يؤيد عودة الحريري الى الحكم في حكومة يشارك فيها حزب الله، أما داخلياً، يبرز انعدام الثقة بين الحريري وعون وعدم رغبة الأخير بتشارك الحكومة مع سعد الحريري. هذا ولم تكشف المصادر عن ماهية وأسس هذا التحرك، غير انها أشارت الى اعادة تفعيل الاتصالات مع الأفرقاء الداخليين للخروج من الأزمة. أما عن الوساطات المحلية اللبنانية وبالأخص التي يقودها مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم فتفيد المصادر أنها جمدت منذ ما يقارب ال 6 أيام لاصطدامها بالعراقيل المذكورة آنفاً.
من جهة أخرى، يعقد يوم غد الإثنين اجتماع في مركز الاتحاد الأوروبي في بروكسل لوزراء الخارجية الأوروبيين، حيث توقعت مصادر دبلوماسية مطلعة أن يصدر موقف موحد حاد اللهجة تجاه المعنيين بتأليف الحكومة في لبنان، غير أن المصادر ذاتها استبعدت أن تفرض عقوبات نتيجة هذا الاجتماع رغم جدية الفرنسيين والأوروبيين باتخاذ اجراءات حاسمة تجاه الطبقة السياسية اللبنانية والمعرقلين لتأليف الحكومة الجديدة. وتشير المصادر أنه من غير المعروف حتى الان اذا كانت العقوبات(في حال صدورها) سوف تصدر باسم الدول أم باسم الاتحاد الأوروبي ، خاصةً أن بعض الدول الأوروبية ترفض أن تكون مشتركةً في عملية العقوبات لانعدام مصالحها في لبنان أو ضآلتها.