استقبل وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، وتم البحث في تطوير العلاقات بين لبنان وتركيا والتطورات والاوضاع في المنطقة وملف النازحين السوريين.
إثر اللقاء، عقد باسيل واوغلو مؤتمرا صحافيا مشتركا، استهله الوزير باسيل بالترحيب بنظيره التركي في زيارته الثانية للبنان، مشيرا الى أن “ما يجمع تركيا ولبنان تاريخ طويل من العلاقات، تخللتها صعوبات وحروب وازدهار وطمأنينة، الا اننا تخطينا كل هذه المراحل. واليوم العلاقات اللبنانية – التركية ممتازة على صعيد قيادتي كلا البلدين والكثير من الاحترام المتبادل”.
وقال: “تجمعني علاقة اخوة مع الوزير أوغلو، مما يساعدنا على تقريب وجهات النظر في الأمور التي ننظر إليها من منظارين مختلفين. سياسيا، نحن نتطلع لمزيد من التنسيق في الامور الاساسية، ونشكر تركيا لوقوفها الى جانب لبنان في مواجهة التعديات الاسرائيلية، ومشاركتها في قوات الطوارىء الدولية العاملة في جنوب لبنان “اليونيفيل”. واليوم نعيش معا تحديات عديدة ومشتركة، أهمها الأزمة السورية التي تحمل البلدان بسببها الكثير من التداعيات على الصعيد الأمني وتسلل الإرهاب الذي تعاملنا معه بما يلزم، كذلك واجهنا أزمة النزوح وتركيا تستقبل عددا كبيرا من النازحين السوريين، ولبنان نسبة الى مساحته وتعداد سكانه، يستقبل العدد الاكبر منهم، ليس فقط في المنطقة بل في العالم. وهذا واجب نقوم به تجاه اي انسان محتاج، فكم بالحري اذا كان الشقيق السوري هو من يمر بهكذا حاجة. واليوم نعتبر ان الحاجة تتلاشى وآن الأوان للمواطن السوري ان يعود الى وطنه بشكل كريم وآمن. وعلينا ان نتعاون وننسق مع تركيا والأردن ودول الجوار المحيطة بسوريا لتآمين الظروف المؤاتية لهذه العودة”.
اضاف: “ليس سرا ان نظرة تركيا ولبنان مختلفة تجاه موضوع النزوح السوري بسبب واقعين مختلفين، لأن كل بلد لديه خصوصيته، لذلك نتعاون وننسق، وكل بلد يمكن ان يجد الحل المناسب مع مصالحه لتأمين هدف واحد وهو العودة الكريمة والآمنة للسوريين الى وطنهم”.
وتابع: “بالنسبة لسوريا، نحن مع الحل السياسي وندعم حق الشعب السوري في تقرير مصيره، الى جانب دعمنا لمسار “آستانا” حيث يشارك فيه لبنان بصفة مراقب، ونشكر تركيا على دعوتها لنا. كذلك ندعم “مؤتمر جنيف” وكل المقررات الدولية المتعلقة بسوريا. ولبنان يدعو الى التفريق بين الحل السياسي وضرورة السير به، الى جانب ضرورة المضي بتأمين عودة النازحين وإعادة إعمار سوريا”.
واردف: “بالنسبة للقضية الفلسطينية وما ترافق مؤخرا مع “مؤتمر البحرين” و”صفقة القرن” وكل ما يتم التداول حوله بخصوص الحل المقترح، فموقف لبنان مبدئي لجهة رفض شراء الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني في لبنان، ونعتبر ان الحقوق لا تباع والكرامات لا تشترى، وحق الشعب الفلسطيني مقدس وكرامته تعلو فوق كل اعتبارات أخرى”.
وحيا باسيل “الموقف التركي المشرف من القضية الفلسطينية ومن قضية نقل السفارة الاميركية الى القدس، وكل ما قامت به لفك الحصار عن الشعب الفلسطيني. كما نؤكد رفض لبنان قرار ضم الجولان المحتل الى اسرائيل ونؤكد سوريته وهويته العربية”.
وقال: “ناقشنا العلاقات الاقتصادية بين البلدين وضرورة تعزيزها ومتابعتها، لأن التبادل التجاري وصل الى زهاء 1,2 مليار دولار اميركي وتركيا هي وجهة سياحية اساسية للبنانيين الذين قاموا بزيارة تركيا في السنوات الأربع الأخيرة وفاق عددهم المليون، حيث قدمت لهم الخدمات السياحية الجيدة. ونأمل من تركيا ان تشجع السياح الأتراك على زيارة لبنان، وسيلقون استضافة ممتازة الى جانب أفضل الخدمات”.
وشدد باسيل على “موضوع الحفاظ على التعددية في هذا المشرق، ودور تركيا اساسي في هذا المجال كدولة إقليمية رئيسية وحاضنة للكثير من الأقليات الإثنية والدينية والعرقية”، معتبرا ان “المحافظة على التعددية مرتبطة ارتباطا عضويا ووثيقا في الحفاظ على الحريات الدينية وصون حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية. وهذا ما يحافظ على مشرقنا المتنوع والمتنور ونبقى النور الذي يشع منه ومساحة الحرية التي تبقى متاحة للجميع”.
ثم تحدث الوزير أوغلو، فأعرب عن سروره لزيارة لبنان، وقال: “قبل لقائي الوزير باسيل، قمت بزيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، على أن أزور بعد ظهر اليوم رئيس الحكومة سعد الحريري ووزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن. وأنا مسرور جدا بلقاء جميع السياسيين اللبنانيين الذين يمثلون جميع الطوائف اللبنانية. وتطرقنا ايضا الى العلاقات الثنائية والتطورات في المنطقة”.
اضاف: “نحن ننظر للبنان كدولة مجاورة وشقيقة واستقراره ونموه بالنسبة لنا مهم جدا وسنستمر بدعمه من أجل تنميته والتعاون بين البلدين مستقبلا، ونحن نهتم ايضا بالتنمية الاقتصادية فيه، لذلك بحثنا مع الوزير باسيل في كيفية نمو الاقتصاد اللبناني ودعمه، ونعلم ان الشركات التركية تود الاستثمار في السوق اللبناني، وندعم ذلك لتنمية اقتصاده”.
ولفت الى ان “الشركات التركية تود أيضا الاستثمار في مجال الطاقة، ونشكر الدولة اللبنانية على دعمها وثقتها بهم في تطوير مجال الطاقة في لبنان. ونتطلع الى موافقة لبنان على اتفاقية التبادل التجاري الحر الذي جرى التوقيع عليه في العام 2010، وننتظر من الدولة اللبنانية التوقيع عليه لتكامل التعاون التجاري في المنطقة بين الجميع. وبفضل إلغاء التأشيرات السياحية بين البلدين، وكما اشار الوزير باسيل، فإن عددا كبيرا من اللبنانيين يزورون تركيا، وكذلك السياح الاتراك الذين يقومون بزيارة لبنان”.
وتابع: “بالنسبة لسياسات المنطقة، نحن لا نختلف ابدا مع الوزير باسيل ونشاركه ذات الرأي في المواضيع المتعلقة بالمنطقة. نحن نريد حلا سياسيا للأزمة السورية في المنطقة وان ينضم لبنان الى محادثات “آستانا” لذلك وجهنا اليه الدعوة كدولة مراقبة وسيشارك العراق ايضا في هذه المحادثات لحل الأزمة السورية. اما بالنسبة للقضية الفلسطينية، نحن سنستمر في الدفاع عن حقوق اخوتنا في فلسطين ونريد ان نطلع العالم كله، خصوصا اميركا التي بدأت بهذه الحملة، ان حقوقهم لا تباع ولا تشترى. نحن ضد الاعتداءات الاسرائيلية على الاراضي اللبنانية والفلسطينية وعلى الاراضي السورية في الجولان وندعم كل الجهود اللبنانية للتصدي للعدو الاسرائيلي”.
واعلن “سنتقاسم الخبرات مع الدولة اللبنانية لإعادة النازحين السوريين الذين نستضيفهم كضيوف الى أراضيهم سالمين، وسنتعاون مع المجتمع الدولي لإعادتهم بشكل آمن وسليم الى المناطق التي حررتها تركيا، وقد عاد اليها حتى اليوم زهاء 3640 نازحا سوريا. نحن كدولة تركية نتفهم اكثر من غيرنا من الدول معاناة الدولة اللبنانية بالنسبة للنازحين السوريين وسنتعاون معها لحل هذه الأزمة في أسرع وقت”.
وعن استراتيجية معينة بين لبنان وتركيا لاعادة النازحين السوريين، قال أوغلو: “في الدرجة الأولى هو موضوع انساني، وتطرقنا اليه خلال لقاءاتي التي اجريتها اليوم وبحثنا في كيفية العمل سويا لاعادتهم، الا ان التعاون بين الدولتين لا يكفي، بل يجب تعاون المجتمع الدولي وكل المنظمات الدولية لحل هذه المسألة، ويجب اعطاء الثقة للنازح السوري كي يعود. وعلى المجتمع الدولي دعم النازحين الذين عادوا الى المناطق المحررة وتوفير مقومات الحياة الكريمة لهم. ومن الممكن عقد مؤتمر دولي بين تركيا ولبنان والدول المجاورة كالاردن، حول عودة النازحين وترغيبهم للعودة، وسأتناول هذا الموضوع لاحقا اليوم”.
وردا على سؤال قال الوزير باسيل ان نظيره أوغلو “أبدى رغبة في استثمار الشركات التركية في لبنان، خصوصا في مجال الطاقة، وقد شرحت له عن المشاركة التركية الحالية في المشاريع الاستثمارية في لبنان ومنها البواخر التركية، ومؤخرا فوز شركة تركية في المناقصة حول سد بسري الى جانب مشاريع أخرى في مجال الطاقة، ووضعته في اجواء مشاريع أخرى منوي اجراؤها في مجال الطاقة المتجددة”، لافتا الى أن “الشركات التركية مؤهلة للمشاركة في المناقصات، ما يساعد في تطوير العلاقات وزيادة الاستثمار بين البلدين”.
واشار الى انه “في مجال الطاقة، لا نرى ان لبنان بحاجة للدخول في محاور وتحالفات تتصارع، لان موقعه فريد في المنطقة بكل المعنى الجغرافي والجيوسياسي، ولديه المؤهلات البشرية، وان شاء الله لديه الموارد النفطية التي تحتاجها المنطقة ودول الجوار وصولا الى اوروبا، وهذا ظهر من خلال استقطاب لبنان لشركات عالمية كبرى للمشاركة في المزايدات التي تحصل، وعلى هذا الاساس يستطيع لبنان ان يلعب دورا تكامليا ويتفاهم مع عدد كبير من دول المنطقة ما عدا اسرائيل. والى جانب علاقاتنا مع تركيا نأمل ان نرتبط معها نفطيا”.
وكانت مداخلة للوزير أوغلو اكد فيها “اننا جاهزون للعمل مع اي دولة ترغب في التقاسم العادل للطاقة، وعلى استعداد لاستكمال عمل استخراج الطاقة من لبنان وتصديرها الى الدول الاوروبية عبر الخط بيننا. وكما نحرص على عدم الاعتداء على الحقوق النفطية لتركيا وقبرص، كذلك نحرص على عدم الاعتداء على الحقوق النفطية للبنان”.
أضاف: “بدأنا اعمال التنقيب عن النفط في البحر الابيض المتوسط على الحدود التابعة لتركيا، وفي المرحلة الثانية قمنا بالتنقيب في الحدود البحرية شمالي قبرص لاستخراج الحقوق النفطية لهم. ونوجه رسالة الى جميع دول المنطقة والعالم، اننا سنحمي جميع الحقوق النفطية لتركيا وشمال قبرص ولن تكون اتفاقيات لاستخراج النفط في المنطقة من دون تركيا وشمال قبرص. واذا تم الاتفاق العادل بين الجميع ستزدهر وسيتم تصدير الطاقة عبر تركيا الى دول الخارج”.
ونفى أوغلو “وجود قوات لتركيا في شمال سوريا”، وقال: “هناك اشتباكات بين مناطق إدلب والجيش السوري في المناطق القريبة من نقاط مراقبة للعسكر التركي. ونحن شاركنا في محادثات مع الدولتين الروسية والايرانية لانهاء الازمة السورية من خلال الحل السياسي لعودة سالمة للنازحين، واود ان اؤكد ان ليس لدينا قوات محاصرة ونقول لا نود ان نخرج من المنطقة”.
وعن سبل التصدي للاعتداءات الاسرائيلية على لبنان، قال: “تركيا دائما كانت الى جانب الضعيف لا القوي والى جانب المستهدف لا المعتدي، لذلك ستكون دائما الى جانب الفلسطينيين في القدس واللبنانيين في لبنان والسوريين في الجولان. وسنكون دائما الى جانب الحق والعدل”.