الإثنين , 23 ديسمبر 2024

شهيب: البلد القائم على توازنات دقيقة والذي لا يحكم بالغلبة يحتاج إلى قامات وطنية تؤمن بالتوافق والحوار

حل وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب ضيف شرف على احتفال جامعة الحكمة لتخريج دفعة جديدة من طالباتها وطلابها حملة الماستر والإجازات في كلياتها الثماني، حملوا اسم “المطران بولس مطر” شعارا لدورتهم، أقيم في حرم الجامعة في الأشرفية في كلية السياحة وإدارة الفنادق، بدعوة من رئيس الجامعة الخوري خليل شلفون ورعاية رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر، ومشاركة النائب البطريركي المطران بولس عبدالساتر المنتخب رئيسا لأساقفة بيروت وشخصيات سياسية وقضائية ونقابية واجتماعية وأكاديمية وممثلي القيادات العسكرية والأمنية وأهل المحتفى بهم وأساتذتهم.

بعد النشيد الوطني ونشيد الجامعة وكلمة تقديم وتعريف للاعلامية نادين كفوري، ألقى الخوري خليل شلفون كلمة رحب فيها بشهيب، وقال: “نكبر فيكم بياض الأكف تزرعون بها الخير والصلاح في وزارة التربية والتعليم العالي، كما تزرعون في تراب الوطن غرس الاستقامة والعطاء والأمل في رفع المستوى وتأمين الجودة في التعليم العالي، ونحيي ما تقدمون عليه من مبادرات وخطوات تربوية إصلاحية، سائلين الله مزيدا من القدرات، شاكرين لكم حضوركم اليوم معنا في جامعة الحكمة لتخريج كوكبة من طلابنا الأحباء إلى العمل لبناء الوطن الحبيب ككرمة غرستها يد الله الكريمة”.

ودعا إلى “ضرورة إقرار قانون ضمان الجودة في مجلس النواب، فهو الأداة اللازمة لضبط التعليم العالي وتنظيمه، مبنيا على أسس حديثة وعلمية”.

وتمنى التوفيق لراعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس عبدالساتر، وقال: “لبنان الكبير الذي نستعد للاحتفال بذكرى المئوية الأولى لإعلانه هو أول دولة دستورية في المنطقة ويرتبط ارتباطا وثيقا بتكوينه وجوهره بالمواطنية المتساوية بين جميع أبنائه، وبالحرية الفردية والجماعية لهم في شتى حقول الفكر والعمل والتعبير والإبداع، وبالقيم الإنسانية التي تعيشها الجامعة ضمن عائلتها التربوية. لبنان الرسالة هو أكثر من إعلان، إنه حقيقة نلتمسها كل يوم في عملنا التربوي الجامعي وفي تأمين الظروف الملائمة لطلابنا لكي ينجحوا في عبورهم ميدان العلم والثقافة ويواجهوا بصلابة ومثابرة التحديات التي تنتظرهم في حياتهم الاجتماعية والمهنية أينما حلوا”.

وتوجه إلى الخريجين: “أنتم رسالتنا الجامعة، قلبها النابض وهمها الأكبر، وقبل ذلك كله أنتم علة وجودها، من خلالكم تقوم بتأدية رسالتها لبناء الوطن. أنتم خريجو جامعة رفضت الانحدار بمستوى التعليم العالي إلى درك النفعية والتجارة السيئة، ورفضت كل المساومات على معايير القبول والنجاح اجتذابا للأعداد”.

وتحدث عن التحديات التي سيواجهها الخريجون كالأمانة وشفافية التعامل مع الآخرين والجهد المثابر في إدارة الأزمات ومعالجتها وميزة الانفتاح لا التقوقع الغاشم ونبذ الطائفية البغيضة”.

شهيب
وألقى وزير التربية كلمة قال فيها: “اليوم تحملون شهادة .. والشهادة ليست مجرد ورقة موقعة ومختومة. إنها عصارة سنوات العمر والجهد، وهي تعبير عن كرامة الجامعة، وعن مسؤولية رئيسها وأساتذتها تجاه الأجيال، كما أنها جواز مرور المتخرجين نحو سوق العمل. لكن في كل الحالات شهادتكم اليوم تحمل اسم دفعة سيادة المطران بولس مطر ولي الحكمة السامي الإحترام، وصاحب الرؤية البعيدة والتجربة المثقلة بالمعاني والقيم والرموز، ما يجعل منها فخرا بالإنجاز، وتطلعا نحو مستقبل واعد، رسمته سنوات من الجهد والمتابعة”.

أضاف: “نحن نأتي من إيمان يقوم على احترام أهل الحكمة ونجد في تكريم سيادة المطران بولس مطر حكمة عميقة ورشيدة فيها الكثير من المسؤولية، كما أننا نجد في إختيار سيادة المطران بولس عبد السائر، الكثير من الحكمة وبعد النظر لكي يكون خير خلف لخير سلف، يقود الطائفة والأبرشية والمؤسسات التابعة لها بكل اندفاع ومحبة وعقل منفتح وقلب يتسع للجميع. لقد حفل تاريخ الحكمة بالشخصيات التي تركت بصمات في التربية، وأسهمت في نجاحها وتألقها. ومن المفيد أن نعرف أن الحكمة التي تأسست في العام 1875 كانت أول معهد للحقوق في الشرق قبل أن تتحول منذ العام 1999 إلى جامعة تضم اليوم 8 كليات، وقد أصر سيادة المطران مطر على بنائها في منطقة فرن الشباك لأن هذه المنطقة تقع على تقاطع مع كل المناطق اللبنانية ويستطيع أبناء لبنان، كل لبنان الوصول إليها. خرجت الحكمة أهم الشخصيات في تاريخ لبنان التشريعي والقضائي والقيادي، وفي هذه المناسبة أود التأكيد على بعض الحقائق التي يجب أن يعرفها الرأي العام، وهي أننا نسعى ونجتهد مع جميع المخلصين، لإعادة الإعتبار إلى الشهادة الجامعية اللبنانية، بعدما أساء عدد من المؤتمنين ومن تجار العلم ودكاكين الشهادات إلى هذه الشهادة، وبات إسم لبنان الجامعي عرضة للضربات. وقد طلبنا من مؤسسة متخصصة تتمتع بمستوى رفيع في إنجاز الإعتماد الأكاديمي لكي تحدد لنا أي جامعة تستحق الإستمرار وأي واحدة يجب أن تقفل، وذلك في إنتظار صدور قانون إنشاء الهيئة الوطنية المستقلة لضمان الجودة”.

وتابع: “التحدي الماثل أمامنا هو في إدراك التغيير الذي فرضه عصر التواصل الرقمي المفتوح، واستشراف المهن والتخصصات التي سوف تزول، لتحل محلها اختصاصات تتلاءم مع عصر التكنولوجيا والتواصل الرقمي. وفي هذا الخضم وفي ميدان التعليم عن بعد الذي يفرض نفسه في العالم ضمن معايير تحفظها الجامعات ويحترمها سوق العمل. أشارت دراسة نشرها المنتدى الإقتصادي الدولي World Economic Forum (WEF) في العام الماضي، انه في السنوات الخمس القادمة ستختفي من سوق العمل بفعل الثورة الرقمية حوالى 175 مليون وظيفة وستنشأ بديلا عنها 155 مليون وظيفة جديدة مرتبطة بالثورة الرقمية هذه إذ نحن الآن في مرحلة الجيل الرابع من هذه الثورة اي مرحلة الذكاء الاصطناعي. السؤال هل الجامعات في لبنان تتحضر لهذه التحديات؟ كنا نتساءل هل سنصل إلى العام 2000 وها نحن في العام 2019 جيلنا كان يقرأ الصحف ويستمع إلى الراديو وهمنا الأكبر كان في حفظ جدول الضرب .. اليوم كل واحد منكم يملك بين يديه مكتبة متجولة (غوغل) ووسيلة إعلام”.

وقال: “أخيرا كلمة بالسياسة. جمعتنا الحكمة، المدرسة الوطنية الجامعة، والأسم على مسمى. هذه المدرسة التي آمنت بمعنى لبنان، البلد القائم على توازنات دقيقة والذي لا يحكم بالغلبة، ويحتاج إلى قامات وطنية تؤمن بالتوافق والحوار وسيلة لمعالجة الاختلافات، وفي هذا المجال، تحية محبة صافية إلى صاحب الغبطة المغفور له البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الذي كرس مصالحة طوت صفحة أليمة من تاريخ الجبل ولبنان، عملنا معه ومع المؤمنين، ولا زلنا، على حمايتها ورعايتها لتعزيزها وترسيخها، واستعير من كلام غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي قال “إن الجبل بمثابة القلب للجسم الذي هو لبنان، فإذا تعطل القلب، مات الجسم”. عل بعضهم يدرك ويفقه أهمية هذا الكلام، فأحفظوا القلب”.

وختم شهيب: “نهنىء الخريجين، نهنىء الأساتذة والجامعة رئيسا وهيئة إدارية وأكاديمية، والتهنئة موصولة إلى أهل سهروا وانتظروا، كما نهنىء ولي الحكمة سيادة المطران عبدالساتر والمطران الصديق بولس مطر عنوان التلاقي والمحبة”.

مطر
وقبيل تسليمه الشهادات للخريجين مع شهيب وشلفون وعمداء الكليات، ألقى مطر كلمة شدد فيها على أن “جامعة الحكمة في خدمة لبنان. في الحكمة، نحن وأنتم أمام التاريخ، لا بل في قلب التاريخ. والتاريخ كما يقولون هو معلم الحياة… أما التاريخ الذي نحن بصدده الآن، فهو الذي يسجل لنا إقتراب جامعة الحكمة من مرور مئة وخمس وأربعين سنة على تأسيسها الأول على يد سلفنا الصالح المطران يوسف الدبس، من كان علامة عصره ومن أعطى الوحدة الوطنية والعيش المسيحي – الإسلامي دفعا جوهريا عبر رهانه على تلاقي أبناء هاتين الديانتين الكبيرتين على مشروع لبناني جامع. فمن أجل هذه الغاية بالذات أقام المؤسس مدرسة الحكمة في بيروت لتعليم الشباب اللبناني وتربيته، مستقبلا فيها تلامذة من كل طوائف لبنان وكل مناطقه، ليربوا معا على محبة بعضهم البعض، وعلى محبة الوطن الذي يحضنهم جميعا وينتظر عطاءاتهم من أجله. أما معهد الحقوق الذي أنشأه المؤسس إلى جانب مدرسته الشهيرة، فلقد كان مشروعا جبارا بحد ذاته”.

وتحدث عن النكسات التي أصابت لبنان من العام 1958 حتى الآن “وكادت أن تنال من صيغة لبنان وتماسك أبنائه، لولا عناية الله ووعي العقلاء من مواطنيه ومن الرؤيويين من بينهم. ثم عدنا في الزمن الحاضر لنشهد وضع المواطنة وقد سجل شيئا من التأخر، فمع الأزمات الأخيرة على أرضنا سجلت تقوقعات طائفية برزت من كل جانب. وكأن الوطن ذهب في إجازة أو كأنه لم تعد المساحة المشتركة التي يتمسك بها الجميع ويدافعون عنها بهمة رجل واحد”.

وشدد على أن “الحكمة ستبقى فعل إيمان برسالة لبنان وبلبنان الرسالة. الحكمة تريد أن تجمع شباب لبنان لا أن تفرقه، وهي تريد للمواطنة أن تتخطى تقوقع الطوائف ضمن جدران تعزلها عن الآخرين بحجة حمايتها. وندرك في الوقت عينه أن حقوق الطوائف إذا ما ضمنها الوطن الموحد والدولة الواحدة تصبح أقوى من واقع تصون فيه كل طائفة حقوقها منفردة. أما تفتيت الشعوب وعربها طائفيا ومذهبيا كما يجرى مع الأسف في شرقنا اليوم فإنه سيكون نهاية سيئة للشرق كله وللانسانية المنفتحة على الآخر ولحضارة الحوار والتلاقي”.

وقال: “سيظل لبنان يناضل بقوة أبنائه جميعا في سبيل إرساء مصير المنطقة على أسس سليمة من العيش مع الآخر، وبهذا يكون التاريخ سائرا إلى اكتماله. وإن كانت لنا من وصية نستودعكم إياها أيها الخريجون الأعزاء فإننا نوصيكم بجبه الصعاب لأنها طريق الرجولة. ولتكن الصلاة رفيقة دربكم فلا تسلكوها من دون الله، وليكن النجاح حليفكم بكل ما تقولون وتفعلون. ولتكن الحكمة في حياتكم لا صرحا تربويا وحسب، بل ينبوع وطنية وإنسانية لا ينضب. وعندما تسيرون في هذا الإتجاه فإنكم ستكونون بنائين لحضارة المحبة من جديد. وفي المناسبة لا بد لنا من وقفة مع المناضلين اليوم في بيروت من أجل نظافة بيئتها من السموم. فالمحرقة التي يتكلمون عنها في قلب العاصمة ليست الحل المنشود على الإطلاق لرفع السموم عن بيروت وأهلها، بل ستكون هي مجلبة للسموم إليها. فكما عجز المسؤولون عن إيجاد حل لرفع الأضرار الناتجة من مدخنة الزوق، رغم وعود مر عليها ثلاثون عاما، سوف يعجزون عن رفع الأضرار عن بيروت بفعل المحرقة الجديدة. فنطالب بحل آخر للمدينة، وهي عاصمة لبنان ورمز رقيه وحضارته”.

وختم مطر: “لي وصية أخيرة للجامعة وأهلها، أن يقام فيها كرسي للحوار الإسلامي – المسيحي بروح اللقاء بين قداسة البابا فرنسيس وسماحة الإمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب والبيان الذي صدر عنهما في الخليج العربي ليعمم ويدخل الأفكار كلها والقلوب”.

كلمة المتخرجين
وكان طليعا الدورة ريتا ماريا البدوي من كلية الحقوق وشربل وشربل من كلية الاقتصاد وإدارة الأعمال، ألقيا كلمة الخريجين تحدثا فيها عن تمسكهم بالقيم التي علمتهم إياها الحكمة وسيظلون لها أوفياء كما لأهلهم ومعلميهم ووطنهم”.

عن Admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *