أخبار عاجلة

عوده: كل تمديد اغتصاب للسلطة ولإرادة الشعب ونرفض تعرض الأرثوذكس لإقصاء شبه كامل عن المراكز البارزة

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده خدمة الهجمة وقداس الفصح في كاتدرائية القديس جاورجيوس، في حضور عدد كبير من المؤمنين.

بعد الإنجيل المقدس ألقى عظة قال فيها: “المسيح قام من بين الأموات ووطىء الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور. اليوم نعيد لعيد الأعياد وموسم المواسم، عيد قيامة ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح وانتصاره على الجحيم. الفصح هو محور حياتنا وأساسها. لو لم يقم المسيح لكان إيماننا باطلا وكرازتنا بلا جدوى. نحن نؤمن بالمسيح، ابن الله المتجسد، “الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا” كما يقول يوحنا في رسالته الأولى (1: 3). عندما حان ملء الزمان تجسد الرب يسوع وولد في بيت لحم وعاش بين أقرانه وعلم وشفى المرضى وأقام الموتى وصنع العجائب، واتخذ له تلاميذ تبعوه حيثما حل. ثم صلب ومات وقام من بين الأموات منهضا معه جنس البشر الذين افتداهم بدمه. تجسد يسوع إذا وموته وقيامته أحداث جرت في التاريخ، في مكان محدد وزمان محدد، وكان شهود عليها أخبروا وكتبوا وعلموا أن المسيح ابن الله قد مات عنا وغلب الموت بالموت ومنح العالم القيامة. قيامة يسوع تحتل المكانة الأولى في حياتنا الروحية. إنها محور حياتنا الليتورجية. قيامة المسيح حدث تاريخي أكيد، لكن المؤمن اليوم يراها بعين الإيمان، فطوبى “للذين آمنوا ولم يروا” (يو 20: 29).

أضاف: “إنجيل السحر لهذا اليوم يحدثنا عن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة اللواتي اشترين طيبا ليطيبن جسد يسوع الذي شاهدنه ميتا على الصليب، لكنهن تساءلن من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر، لأن الحجر الموضوع كان عظيما جدا. فرأين الحجر مدحرجا، ولما دخلن القبر شاهدن شابا بلباس أبيض قال لهن: “أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب. إنه قد قام. إذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنه يسبقكم إلى الجليل” (مر 16: 6-7). أول الشهود إذا على حقيقة القبر الفارغ كن هؤلاء النسوة. وقد طلب منهن يسوع القائم أن يذهبن ويبشرن التلاميذ بالقيامة. “فرجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر” (لو 24: 9). حاملات الطيب نقلن الخبر السار للتلاميذ فكن بذلك أول الإعلاميات اللواتي حملن الحقيقة. أليست مهمة الإعلام نقل الخبر الصحيح؟ أليست رسالة الإعلام نقل الحقيقة؟ لكن المؤسف في أيامنا أن بعض وسائل الإعلام والإعلاميين ينسون أو يتناسون هذا الأمر لأسباب مادية أو شخصية أو مصلحية، متلطين وراء مبدأ حرية التعبير. كلنا نؤمن بحرية التعبير وندافع عنها. لكن سوء استعمال الحرية يؤدي إلى الفوضى وتجاوز حدود الحرية. الحرية لا تعني التعامي عن الحقيقة أو اختلاق الأخبار أو الإستهتار بالكرامات أو التعدي على الخصوصيات أو تجاوز حدود القيم والأخلاق. الحرية ليست ابتذالا ولا انتهاكا للخصوصيات. الحرية المسؤولة انضباط ضمن حدود القوانين والأخلاق واحترام للآخر ودفاع عن حقه ولو على حساب قناعاتنا أو مصالحنا. الحرية إبداع، خلق، تسام، تحليق نحو الخالق الذي خلقنا أحرارا. وحده الحق يحررنا. قال الرب يسوع: “تعرفون الحق والحق يحرركم” (يو 8: 32).

وتابع: “بما أننا في موسم الأعياد وقد عيدنا مع أطفالنا للشعانين منذ أسبوع، أتمنى على أحبائنا في وسائل الإعلام أن يحافظوا على قيم هذا البلد وأخلاق أبنائه، وأن يحترموا عيون أطفاله وعقولهم، ولا يسيئوا إلى براءتهم، فتكون برامجهم بناءة، تدعو إلى السلام وتحمل الثقافة وتبث الوعي وتنشر المعرفة وتعلي الأخلاق. نتمنى أن يراهنوا على الرسالة التي نذروا أنفسهم ووسائلهم لها وأن يكون مبدأهم رفع المتلقي إلى ما يقدمون لا النزول إليه. قد يكون المشاهد كما يقول البعض راغبا في البرامج الترفيهية الرخيصة ولكن ما المانع من أن نعطي المشاهد ما يهذب ذوقه ويغني معرفته ويعمق نظرته إلى الأمور؟ مع تعدد وسائل الإعلام نتمنى أن يكون التنافس بينها من أجل تقديم الأفضل والأرقى بغض النظر عن سوق الإعلانات. الإعلام سلطة، لذا نأمل أن تستعمل هذه السلطة لإيصال الحقيقة، والدفاع عن الحق، ونشر المعرفة، وبناء المواطن وتنشئته على القيم والأخلاق والتسامح واحترام الآخر وقبوله والتقيد بالقوانين والأنظمة وخصوصا الأمانة للوطن وكل ما يرمز إلى الوطن”.

وقال: “نحن في وطن متعدد الطوائف، وهذا أمر يجب أن يغني مجتمعنا، إنما للأسف يشكل هذا الوضع نقطة ضعف لأننا عوض أن ننصهر في بوتقة الوطنية وأن يضع الجميع مقدراتهم في خدمة وطنهم نرى كل فئة تحاول أن تستغل الوطن لحسابها. وما نسمع ونقرأ عما يجري في بعض الإدارات وما سمعناه على لسان السادة النواب عن تفشي الفساد في العديد من القطاعات، وعن أعداد المياومين والموظفين الذين لا عمل لهم، وعن تواقيع مسؤولين مقابل ملايين الدولارات خير دليل على ما أقول. هنا يهمني التأكيد على أننا، نحن الأرثوذكسيين، نفتخر بالإنتماء إلى هذا البلد، وتاريخنا يشهد على تعلقنا به وعمل أبنائنا من أجل خيره، كما يشهد على انفتاحنا، ومحبتنا لإخوتنا اللبنانيين وقبولنا الجميع. نحن قوم متجذرون في هذه الأرض ومؤمنون بالله وبابنه يسوع القائم من بين الأموات، لكن إيماننا لا يعيق انتماءنا الوطني بل نستلهمه في سلوكنا وفي علاقتنا مع الإخوة، ونحن من علمنا سيدنا أن نحب قريبنا كنفسنا، وأن نحب أعداءنا أيضا. نحن نتطلع إلى اليوم الذي تتحقق فيه فكرة المواطنة الحقيقية وتعم المساواة بين المواطنين، المساواة أمام القانون والمساواة في تولي الوظائف والمراكز دون أفضلية أو تمييز بينهم إلا من حيث الجدارة والكفاءة. لكن بما أننا ما زلنا نعيش في نظام طائفي يعطي أتباع كل طائفة ما يعود إليهم، وتتنازع فيه الطوائف المغانم وكأنها قبائل متناحرة، لن نقبل حرمان أبنائنا من حقهم في خدمة وطنهم بإقصائهم عن الكثير من المواقع في إدارات الدولة لمصلحة طوائف أخرى. أبناؤنا الأرثوذكس يتعرضون لإقصاء شبه كامل عن المراكز البارزة في القضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية فضلا عن الخلل الحاصل تجاههم في توزيع الوظائف في الإدارات العامة والمؤسسات العامة، وقضم العديد من المواقع التي كان يتولاها أبناؤنا أو تحجيمها، بالإضافة إلى الحملات الإعلامية الممنهجة ضدهم ودون أي وجه حق”.

أضاف عوده: “أنا أسأل أحباءنا المسؤولين هل يقبل أي مسؤول أن يتنازل عن أي مركز يعود لطائفته؟ هل يقبل أي وزير أن يعين في وظيفة تعود لطائفته موظف ينتمي لطائفة أخرى؟ طبعا الجواب لا. فلم يصح هذا على الأرثوذكس؟ هل ولاؤهم للوطن مشكوك به؟ أم تفتقر كنيستنا الأرثوذكسية إلى الكفاءات والطاقات والأدمغة؟ نحن لا نريد أن يظلم أحد لكننا نرفض الظلم الواقع علينا. نحن نطالب بحق أبنائنا بالموقع الرابع من حيث الأهمية في كل القطاعات ونتمنى أن يطبق القانون علينا قبل غيرنا، ولا نرتضي إلا العدل وتطبيق ما نص عليه دستورنا مع التقيد بمبدأي الإختصاص والكفاءة، أي وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، بحسب الآلية المتبعة، واختيار الأفضل من كل الطوائف، من يتزين بالأخلاق ويتحلى بالعلم والكفاءة والخبرة والسمعة الحسنة والكف النظيف”.

وتابع: “صمت آذاننا من الحديث عن الفساد والفاسدين. فليتعهد الجميع أن يعملوا على مكافحة الفساد عوض التراشق بالإتهامات، وعوض أن يلعنوا الظلمة فليضيئوا شمعة. أليس بإمكانهم القيام بورشة إصلاح حقيقية والحفاظ على الموظفين ذوي الكفاءة والنزاهة والإستقامة في مراكزهم، وترقيتهم بحسب القوانين، ومعاقبة المهملين والمرتشين والمخلين بالنظام ومتخطي القوانين مهما كان انتماؤهم؟ أليس بإمكانهم الطلب إلى الأجهزة الرقابية القيام بواجباتها ورفع تقاريرها والأخذ بتوصياتها؟ أليس بإمكانهم تعيين الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنية من أصحاب الكفاءة والعلم، بدل تعيين الأزلام والمحاسيب والمحميين؟ من هنا تبدأ معالجة الفساد والهدر والسرقة وما إليها. الفساد يضبط عندما يطبق القانون على الجميع، ويتحمل كل مواطن وكل مسؤول مسؤوليته، ويقوم الجميع بواجباتهم، وتجبي الدولة مستحقاتها من الجميع، وتعطي الجميع حقوقهم. الفساد يضبط عندما تطبق الدولة قانون الإثراء غير المشروع، وتفرض هيبتها عندما تحاكم الفاسد، أي فاسد، ليكون عبرة لمن اعتبر. وبما أننا نعيش في العصر الإلكتروني، فإن اعتماد المعاملات الإلكترونية ودفع الضرائب والرسوم إلكترونيا يلجم الفساد ويحد من الرشوة ويسرع معاملات المواطنين ويسهل حياتهم”.

وقال: “رجاؤنا ألا يبقى الكلام على الفساد كلاما بل أن يتحول إلى محاسبة ومحاكمة ولا يكون أحد فوق القانون، لكي تستعيد الدولة ثقة الشعب. المطلوب التقليل من الشعارات والإكثار من العمل. أمنيتي أن يعمل إخوتنا الوزراء على ملء الشواغر في وزاراتهم بالعدل، وبما يمليه عليهم الضمير، وأن يسموا للوظائف أفضل الموظفين لا أولئك المنتمين إلى طوائفهم أو أحزابهم. لتكن الكفاءة لا المحسوبية ما يؤهل الإنسان إلى أي مركز. ودعوا أجهزة الرقابة تحاسب، دون كيدية أو تشف. ولا تهضموا حق أحد لأن الظلم يولد الإحباط والإحباط يؤدي إلى الثورة. السياسة ليست مصالح ومكاسب وليست بابا للاثراء والتحكم برقاب البشر. لذلك على من امتهن السياسة أن يكون قدوة ومثالا يحتذى به. وليتذكر دائما أن الله يرى. في هذا السياق لا بد من التأكيد على ضرورة الوصول إلى قانون انتخاب يعتمد معايير واضحة ويؤمن حسن تمثيل الشعب في المجلس النيابي”.

أضاف: “إن احترام الدستور واجب واحترام الشعب أيضا واجب. وقد أوكل الشعب هذا المجلس النيابي لتمثيله لمدة أربع سنين لا إلى الأبد، وكل تمديد اغتصاب للسلطة ولإرادة الشعب. لذلك نتطلع مع الشعب إلى تخطي معضلة قانون الإنتخاب المستعصية منذ سنين، والوصول قريبا إلى قانون يتيح للبنانيين انتخاب من يرون فيهم الكفاءة لينوبوا عنهم ويعملوا من أجلهم. كما نتمنى أن تحترم جميع المهل الدستورية بحيث لا نعود نواجه أي فراغ في أي مؤسسة دستورية”.

وختم عوده: “في هذا العيد المبارك، نتمنى للبنان قيامة سريعة وللبنانيين الخير والإزدهار والإستقرار. كما نسأل إلهنا القائم من بين الأموات أن ينشر سلامه في منطقتنا والعالم فتتوقف الحروب وتنتهي عذابات البشر وتعود الحياة إلى الضمائر. نسأله أن يحفظ حكامنا ويغدق عليهم حكمته ومحبته ليعملوا بتفان وإخلاص من أجل هذا الوطن وشعبه. نسأله أيضا أن يبلسم جراح كل المتألمين ويعيد المهجرين إلى ديارهم والمخطوفين إلى أهلهم ويعيد إلينا أخوينا بولس ويوحنا اللذين نرفع الدعاء الدائم من أجلهما ومن أجل أن يعودا إلينا سالمين. نسأله أن يفتح آذان العالم الصامت عن أنين المتوجعين في هذا الشرق، وصراخ الأطفال ونحيب الثكالى. عار على العالم السكوت عن قتل الأبرياء في كل مكان، وعن قتل المصلين في الكنائس. ألم يعد للإنسان قيمة؟ هل اغتيل الضمير؟ لنصل بحرارة من أجل السلام في كل العالم ومن أجل أن يوقظ الرب الضمائر النائمة ويزيل القسوة من القلوب لتصبح أكثر إنسانية. حفظكم الرب الإله وأعاد عليكم هذا العيد المقدس بالصحة والخير والبركة. المسيح قام حقا قام”.

عن Editor1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *