ترأس الرئيس فؤاد السنيورة، الجلسة الرئيسية لـ”مؤتمر الازهر العالمي لنصرة القدس” الذي ينظمه مركز الازهر في القاهرة برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعنوان “الهوية العربية للقدس ورسالتها”.
وقال السنيورة: “أود بداية أن أنوه بالمبادرتين اللتين تقدم بهما فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ جامع الأزهر. الأولى، في رفض استقبال نائب الرئيس الأميركي السيد مايك بنس، ردا من الأزهر على الموقف المتفرد، المستهجن والمرفوض للإدارة الأميركية بنقل السفارة الأميركية إلى القدس وهو ما قام به أيضا سيادة الرئيس محمود عباس وقداسة البابا تواضروس الثاني. والثانية، في مبادرته إلى عقد هذا المؤتمر الذي نحن فيه اليوم من أجل نصرة القدس واستعادة وتعزيز الوعي بشأنها وصون رسالتها السامية وهويتها العربية وكذلك بشأن القضية الفلسطينية”.
اضاف: “إن عنوان هذه الجلسة محكم إلى حد بعيد. ذلك أن الهوية هي التي تحدد الرسالة، لكن الرسالة أيضا هي جزء من الهوية أو انها أحد مكوناتها. وفي هذا الشأن، يعتبر كثير من الباحثين أن ثوابت الهوية نسبية، بمعنى أنها تتكون عبر التاريخ، وتتأثر بالعوامل السكانية والجغرافية والدينية والاستراتيجية. بيد أن ذلك لا ينفي عنها طابع الثبات الذي تتسم به الهويات أو لا يقلل من شأنه. ولقد دخل ثقافة العالم في القرنين الماضيين اعتبار “الهوية القومية” ذات أولوية عند تأمل أبعاد الهويات والانتماءات ووجوهها. وذلك لجهتين:
– البعد الثقافي والإثني، وهو الرابط والمولد للعصبية التضامنية بحسب المصطلح الخلدوني.
-البعد السياسي والسيادي، باعتبار الدولة القومية الوحدة الأساسية في النظام الدولي السائد”.
وتابع: “على أن هوية القدس ذات خصوصية ليس بسبب تركيبها وأبعادها، بل وبسبب رسالتها ومهماتها المستمرة في أداء هذه الرسالة. فهي ذات قدسية لدى أتباع الديانات الإبراهيمية. ولذلك تتعذر فيها الحصرية الدينية، والتي تزداد تأزما إذا ارتبطت بحصرية قومية أو إثنية. وهو الأمر الذي يحاول الصهاينة إنجازه إلغاء للآخرين وللجهتين الدينية والقومية”.
واكد “ان هذه الحصرية المدعاة ما عرفها تاريخ القدس، لا في الزمن العربي الإسلامي، ولا في الزمن الوطني الفلسطيني الحديث. فما تعرض أحد من السلطات أو من الجمهور لتمييز في مواطن المقدسات على أساس الدين أو العرق. أما اليوم فإن الصهاينة يعتبرون أنه لضمان السيطرة والاستيلاء على القدس باسم الدين والقومية، لا بد من إزالة الأماكن المقدسة للديانتين الأخريين، بل ودفع السكان المختلفين في الدين والإثنية للهجرة عنها، من أجل اصطناع أكثرية غلابة بالقوة. وهكذا فإن إسرائيل تفترض لدولتها القومية والدينية، إلغاء الأديان الأخرى، وتهجير المعتنقين لتلك الأديان عن أرض القدس وعن فلسطين بكاملها”.
وقال: “ماذا يكون موقفنا، وماذا يكون علينا ان نفعل؟ إنه ومع إدراكنا لعظم المشكلات التي تواجهها أمتنا ومنها ما استجد حديثا أيضا في مشكلة القدس، فإنه من الضروري أن نعمل على تصويب بوصلة اهتماماتنا وجهودنا للتأكيد على أهمية التمسك بقضايانا ومبادئنا الأساسية وعدم الانحراف عنها، وفي ضرورة التنبه إلى عدم الاستسلام للأسى واليأس والإحباط أو القبول بانكسار إرادة الأمة أو القبول باللجوء إلى السلبية أو سلوك طريق التشدد أو السكوت عن الانزلاق إلى العنف القاتل والموصل إلى الوقوع في وهدة الإرهاب ظنا من البعض أن ذلك يسهم في إيجاد حلول للمشكلات المتناسلة والمتفاقمة”.
واضاف: “ليس صحيحا ما يقال ان الكلام يبقى كلاما، وأن ردة الفعل على قرار الرئيس الأميركي كان ينبغي ان تكون أقوى من جانب الدول، ومن جانب الشعوب العربية. لقد مضت عقود وعقود كان خلالها العرب يجيبون على افتراس الصهاينة لفلسطين وأجزاء من الدول العربية الأخرى بالحرب وباستدراج وساطات المفاوض الأميركي على وجه الخصوص بعدها. وبغض النظر عما جرى لتلك السياسات والممارسات وفيها، يكون علينا، وبخاصة أن التحديات تتفاقم، أن نراجع سياسات الحرب والتفاوض معا، وان نستفيد من دروس التاريخ القديم والحديث في ضوء المتغيرات والتحولات الجارية في العالم من حولنا، ودروس النضال الذي ما غادرته أمتنا أبدا لاستخلاص العبر والدروس. وها هو الشعب الفلسطيني يخوض ملحمة مستمرة من أجل أرضه ومجتمعه وعروبته ودينه وإنسانه. لدينا عناصر قوة لا ينبغي ان نتجاهلها ولا أن نستخف بها بحجة أنها لم تأت بنتائج مباشرة أو كافية. ولدينا هدف واضح هو إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس”.
واعلن ان “عناصر قوتنا تتمثل في:
– الإيمان العربي والإسلامي والمسيحي بحق الشعب الفلسطيني في الحرية وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
– والاقتناع العربي والعالمي بأن القدس هي بيئة أديان وحضارات وملتقى للحوار والتفاهم، ولا ينبغي ولا يصح ولا يجوز ان تحتكرها دولة بالاحتلال، وبنفي الأديان الأخرى، ونفي شعب القدس وفلسطين.
– ولدينا قرارات الشرعية الدولية، والتي ظهرت قوتها أخيرا بعد قرار الرئيس الأميركي، إذ وقف الجميع في مجلس الأمن في وجه الولايات المتحدة، وصوتت الأكثرية الساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد ذلك القرار. وهذا الدعم هو ما يجب على العرب صونه وصيانته والمحافظة عليه وتوجيهه لما يخدم قضايانا في القدس وفلسطين.
– ولدينا نضال الشعب الفلسطيني لصون أرضه وموطنه وجغرافية دولته، وانتزاع حريته ومقدساته من الاحتلال والالغاء.
– ولدينا المبادرة العربية للسلام، والتي حظيت وتحظى بإجماع فلسطيني وعربي وإسلامي ودولي”.
وأكد السنيورة “ان العمل الآن ينبغي أن ينصب على الجهد الرسمي والشعبي العربي لاستحداث نوع من الاتساق الذي يزيد من الفعالية، كلما تجاوب مع النضال الفلسطيني ودعمه، ووسع الآفاق من أجل التضامن معه”. وقال: “ونحن نرجو لكي تستقيم الرسالة المنطلقة من الهوية أن يتوحد نضال الشعب الفلسطيني، حتى لا يتقابل الوطني مع الإسلامي، أو يقف الإسلامي في وجه الدولي”.
اضاف: “إن هذه الشراكة المستجدة التي تقيمها مؤسساتنا الدينية وفي طليعتها الأزهر مع الجهات الدينية الأخرى في منطقتنا العربية وفي العالم، إنما تشكل بعدا هاما من أبعاد هوية القدس التعددية، والتي ينبغي السير فيها، والحرص على تطويرها. والشاهد الأكبر على هذا الجهد المتميز في “مؤتمر الأزهر من أجل نصرة القدس” الذي نشارك فيه اليوم”.
وقال: “تستمعون في الساعتين القادمتين إلى مداخلات موجزة ومركزة في المكانة والأبعاد الدينية والتاريخية والثقافية والتعددية الحوارية والحضارية للقدس. وكلها أبعاد وقضايا حساسة. لكن المسألة الدينية والحريات الدينية من بينها بالغة الدقة والحساسية. ليس من حق أحد أن يتدخل في عقائد الآخرين وعباداتهم ومعابدهم وأوقافهم الدينية. لكن الصهاينة يفعلون ذلك كله، وبالاشتراك بين الإدارة الإسرائيلية والمستوطنين والجيش الاسرائيلي. ويكون علينا ان نصارح أنفسنا والآخرين بالخيارات الحقيقية في هذا المجال، كما في المجالات الأخرى. وينبغي ان نضع نصب أعيننا ونحن نقوم بذلك الارتباط القائم بين الهوية والرسالة. فإذا كان المحتلون يريدون تغيير الهوية والرسالة بالقوة العسكرية وبالتمييز الديني والإثني، فنحن من جانبنا مسيحيين ومسلمين، يكون علينا صونا لهوية القدس ولرسالتها في الدولة الوطنية الفلسطينية، ان نظهر أهمية وسمو التجربة التاريخية والوطنية الحاضرة في عيشنا المشترك وفي تعارفنا وتآلفنا وهي التجربة التي تعطي العرب والعالم نموذجا للعودة إلى الضوء برؤية جديدة للعيش معاوبما يكسبنا دعم شعوبنا العربية وشعوب ودول العالم، فتكون رسالة “التعارف” هي العنوان المعلن لرسالة القدس العالمية من أجل أن نستعيد حقنا في فلسطين وان تتأسس الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس”.