رعى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري غروب اليوم مأدبة إفطار أقامتها منسقية “تيار المستقبل” في طرابلس وزغرتا والبترون والكورة في معرض رشيد كرامي الدولي بطرابلس.
وحضر الإفطار وزراء ونواب طرابلس والشمال ورجال دين وفاعليات اقتصادية واجتماعية وثقافية وعائلات وأكثر من ألفي مدعو.
بعد الإفطار، ألقى الرئيس الحريري الكلمة الآتية:
رمضان كريم لأهلي في طرابلس، رمضان كريم لأهلي في الكورة والبترون وفي جبيل وزغرتا. طرابلس لها عندي مكانة خاصة. لهذا السبب قرّرت أن أفتتح إفطاراتي في المناطق بطرابلس، وعند أهلي في طرابلس.
أنتم أهل طرابلس الطيبين، أنتم أهل الصدق، أهل كلمة الحق. وأنا قادم في رمضان، شهر الصدق والحقّ، لكي أحدثكم بكلام الصدق والحقّ. تاريخكم يا أهلي، يا أهل طرابلس تاريخ عريق مع الاعتدال والعيش المشترك. منذ سنين طويلة حاول نظام الأسد تشويه هذا التاريخ، وتخريب صورة طرابلس الوطنية والحضارية في أذهان اللبنانيين والعالم. لكن طرابلس كانت أكبر من المؤامرة. أنتم كنتم أكبر وأقوى من المؤامرة، وبقيتم في عين العرب واللبنانيين، جوهرة الاعتدال والحياة الوطنية الواحدة.
أنتم أول من فهم أن الإرهاب لعنة تتسلل إلى مجتمعاتنا، لارتكاب أسوأ الجرائم وأشدها وحشية باسم الإسلام. أنتم أول من فهم أن مسؤولية مواجهة هذه اللعنة مسؤوليتنا نحن بالدرجة الأولى، لأن العرب والمسلمين هم أوّل المستهدفين ولأن حفنة من أهل الضلال تجر الاتهام إلى الجميع، وتصيب بأضرارها وأخطارها مئات الملايين من الناس.
طرابلس هي على رأس المدن العربية والإسلامية التي رفضت أن تسمح للارهاب بأن يكون لديه متر مربع واحد في أحيائها. فقراء طرابلس الذين دافعوا عن كرامة المدينة وعروبتها، منعوا أي بيئة حاضنة للارهاب، لأن إيمانهم حقيقي ولأنهم نشأوا على القيم الحقيقية للاسلام الحنيف، ولأن مناعتهم الوطنية والعربية والإسلامية أقوى من أي مؤامرة ومن أي تطرف أو ضلال، وبقيت طرابلس عاصمة الاعتدال. وهذا دين في رقبتي، ورقبة كل اللبنانيين وكل العرب وكل المسلمين لطرابلس. وبداية إيفاء هذا الدّين قانون عفو عادل يعطي كل صاحب حق حقه.
وهنا أقول أنه قد يكون البعض يحب أن يتاجر بهذا الموضوع، أما أنا فمن الناس الذين لا يحبون أن يواربوا في هذه الأمور. هناك من ارتكب الجرائم، وهناك قانون ويجب أن يدفعوا ثمن جرائمهم. أما من لحقهم الظلم، فمن ظلمهم يجب أن يدفع الثمن وهؤلاء يجب أن يشملهم العفو العام. ممنوع أن يتعرض أحد للظلم في دولة اسمها الجمهورية اللبنانية.
كلنا نعرف المراحل التي مررنا بها خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية، وما الذي كان مخططا لطرابلس وماذا حصل فيها. هذه مرحلة مرت، ولكن الآن واجبنا أن نقوم بهذه المدينة ونصلح ما حصل في السابق.
دائما نسمع أن الدولة غابت كثيرا عن طرابلس، ولم تعط العاصمة الثانية حقّها بالتنمية، وهذا كلام فيه كثير من الصحّة. وأكثر من ذلك أقول: ليست فقط طرابلس بحاجة للدولة اللبنانية، الحقيقة أن الدولة اللبنانية بحاجة لطرابلس، لأن ما من دولة من دون طرابلس، ما من استقرار من دون طرابلس، ما من تنمية ولا نهوض اقتصادي من دون طرابلس.
لا يشرفنا ولا يشرف أحدا منا، وأنا أولهم، أن تكون طرابلس أفقر مدينة على البحر المتوسط. إنما أمام هذا الواقع، لدينا خياران: إما أن نستمر في النظر إلى الخلف ونبكي على الأطلال، وإما أن نقرر أن ننظر إلى الأمام ونعمل من أجل طرابلس. نحن بصراحة، قررنا أن نعمل ونتطلع إلى الأمام.
في رمضان الماضي، في إفطار كهذا الإفطار، قطعت لكم وعدا أن نضع كل جهدنا وكل طاقاتنا لإطلاق ورشة التنمية في طرابلس. واليوم، والحمد لله، طرابلس ورشة. لهذا السبب أتيت الأسبوع الماضي لكي أرى بعيني الطريق الدائري، والمنطقة الاقتصادية الحرّة التي أمنا الأموال لإقامتها، وسوق الخضار الجديد الذي كان بحاجة إلى الأموال التي أمناها، والمباني الجاري تأهيلها في البقّار وبعل محسن والمنكوبين وخان العسكر، والمدرسة النموذجية ودار المعلمين الذي سيكون موصول بشبكة إنترنت، والذي يتم تشييده في أبو سمرا، ومبنى كلية الهندسة في رأس مسقا، بتمويل البنك الإسلامي، ومبنى كلية العلوم الذي يموله جزئيّاً الصندوق السعودي للتنمية.
بعض هذه المشاريع كان متأخرا، وقد شددت على مجلس الإنماء والإعمار ووزارة الأشغال وكل المعنيين أن ينهوا كل هذه الأعمال في أسرع وقت ممكن. وحين أحصل على مواعيد التنفيذ سآتي إلى هنا في طرابلس وأخبركم عن كل مشروع متى سيفتتح بيومه وتاريخه، وليجرأ أحد على عدم إنهاء المشاريع. وبالتأكيد جميعكم ترون الورشة الكبيرة في البنى التحتية.
هذه الورشة القائمة اليوم، وغدا ورشة جديدة: الأوتوستراد الشرقي الذي تأمن التمويل له في مجلس الوزراء، وربط مرفأ طرابلس بالهرمل والداخل السوري قيد التنفيذ بمرحلته الثانية، ومشروع سكة الحديد الذي يربط طرابلس بالعمق السوري وصولاً إلى العراق سينفّذ بإذن الله، وغيرها من مشاريع رفع مستوى البنى التحتية وتحسين الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه واتصالات. “الكهرباء ستأتي إلى طرابلس، يعني ستأتي إلى طرابلس”. نسمع كثيرا هذه الأيام نظريات، وهناك شخصيات سياسية جديدة هبط عليها الإلهام، تعطينا دروسا بالنظافة، وتاريخها معروف بالفساد. ما يهمني شخصيا أن تتم التغذية بالكهرباء، وفي السابق كنا نسمع نظريات عدة، ولكن هذه الحكومة وضعت خطة وستنفذها، وحينها ستتوفر الكهرباء خلال أشهر في كل لبنان وخاصة في طرابلس. هذا وعد مني إليكم.
من دون أن ننسى عودة الاهتمام بمعالم طرابلس الأثرية والسياحية التي لا مثيل لها في المنطقة كلها، بالتعاون مع وزارة الثقافة ووزارة السياحة، لكي تعود طرابلس إلى دورها الريادي باستقطاب السياح.
ولكن ما الهدف من كل هذه المشاريع؟ من ربط طرابلس بكل المناطق اللبنانية وبالعمق السوري وصولاً للعراق؟ وتأهيل البنى التحتية وإقامة المدارس والمهنيات والكليات؟ وتجهيز المرفأ وإنشاء المنطقة الاقتصادية الحرة؟
قلنا أن قرارنا هو أن نتطلع إلى الأمام، ودور طرابلس في المنطقة آت، عندما تنطلق ورشة إعادة إعمار سوريا والعراق ويصبح العالم يبحث عن أقرب مرفأ فيه المهارات والكفاءات، في مدينة مؤهّلة ببناها التحتية وأهلها الطيبين الصادقين، المعروفين بالانفتاح والاعتدال والحضارة.
هنا دور طرابلس، وهنا فرص العمل لأهل طرابلس، وخصوصاً لشباب وشابات طرابلس، لا بل لكل اللبنانيين، لأنني مقتنع أن طرابلس في المرحلة المقبلة ستكون الرافعة للنهوض الاقتصادي والنمو وفرص العمل في كل لبنان.
فلشباب طرابلس وشابّاتها أقول: مستقبلكم هنا، في هذه المدينة، هنا في لبنان، وكل ما هو المطلوب منّا هو أن نحافظ على الاستقرار وعلى أهلنا وبلدنا، وأن نعمل ونتطلع إلى الأمام ونأخذ دورنا في العالم العربي والعالم، وأن نحافظ على الاستقرار ونحافظ على أهلنا وعلى بلدنا ونعمل وننظر إلى الأمام ونأخذ دورنا في العالم العربي والعالم، ونحافظ على ثوابتنا.
نحن عرب، ومتضامنون مع إخوتنا العرب، في وجه العدو الإسرائيلي، وفي وجه أيّ جار يريد أن يتدخل بشؤون العرب الداخلية. نحن أهل دولة ومشروعنا الدولة، ونرفض أي سلاح غير سلاح الدولة. نحن موقفنا السياسي معروف وخلافنا علني مع حزب الله بسبب تورطه بالحرب السورية، وموقفنا معروف من نظام الأسد، وقناعتنا راسخة أن الشعب السوري سينتصر عاجلاً أم آجلاً. ونحن أهل الاعتدال والعيش الواحد في وجه أي تطرّف وأي فتنة وأي تهميش.
هذا قراري، وهذه المسؤولية التي أتحملها تجاهكم بموقعي في رئاسة الحكومة، وحقكم علي يا أهل طرابلس، يا أهلي في طرابلس، أن أحمل قضيتكم في كل المواقع، لتبقى طرابلس منارة لبنان التي لا تنطفئ.
وكل عام وأنتم بخير، ورمضان كريم.