على محطة للوقود في بيروت، تلتف سيارة من خارج خط السيارات المنتظرة منذ نصف ساعة لتقف في مقدمة الخط. يتأكد الموظف من بطاقة صاحب السيارة، ويدقق برقمها، قبل أن يفتح العائق ويملأ السيارة بالبنزين. في المقابل، تنتظر كفاح طويلاً على محطة في بيروت، قبل أن يقترب منها شرطي ليسألها عن إذن لتعبئة الوقود، مشيراً إلى أن هذه المحطة تعبئ الوقود فقط لحاملي أذونات قوى الأمن الداخلي.
فمع اتساع حدة أزمة البنزين وامتدادها، بدأت العديد من القطاعات العمل للحصول على استثناءات للحصول على الوقود وتجاوز الطوابير الطويلة أمام المحطات، ومنها سلسلة ترتيبات تم اتخاذها من قبل بعض المحطات ليتمكن عاملون في بعض القطاعات من ملء خزانات سياراتهم بالوقود، بدلاً من الانتظار طويلاً في الصف. اتخذت المحطات تلك التدابير لتمكين الأطباء وسيارات الإسعاف وبعض الإعلاميين من التحرك إلى أماكن عملهم دون هدر للوقت في صفوف الانتظار الطويلة.
ويعاني لبنان منذ نحو شهرين من أزمة بنزين حادة، ألزمت السكان بالانتظار في صفوف طويلة أمام محطات توزيع المحروقات. وإلى جانب صور تظهر عمق الأزمة، مع المعلومات بأن أسعار المحروقات سترتفع وقد تنقطع، انتشر مقطع فيديو أمس يظهر مئات السيارات تقف في طابور طويل يمتد من قرية إلى أخرى في منطقة النبطية في الجنوب، بانتظار أن تفتح المحطة أبوابها وتبدأ بتزويد المركبات بالمادة الحيوية.
في مقابل هذا المشهد، بدأت معالم الفوضى تظهر أمام المحطات، وعلى طرقات نقل الصهاريج. في مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو لشبان في منطقة البيرة في عكار، يمنعون صهريجاً ينقل المازوت من العبور إلى منطقة أخرى. ويقول رجل يقف على سطح الصهريج إن مولدات الكهرباء في منطقته انطفأت نتيجة انقطاع المادة، كما فرغت محطات الوقود، ولن يسمح بمرور الصهاريج ما لم تمتلئ خزانات محطات منطقته.
معالم الفوضى أيضاً تنسحب على محطات الوقود في بيروت. ثمة استثناءات لبعض السيارات التي لا تنتظر في صفوف الانتظار الطويلة. لكن أصحاب محطات المحروقات يقولون إنهم قاموا بترتيب لتيسير أمور بعض العاملين في بعض المهن الحيوية، منعاً لانتظارهم في صفوف طويلة. وأكد عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس أن المحطات من الأساس «توفر السلعة لكل الناس بالقدر الذي تتوافر فيه السلعة في خزاناتها»، لافتاً في الوقت نفسه في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن بعض المحطات «اتخذت بعض التدابير لتسهيل عمل مهن حيوية مثل الأطباء وسيارات الإسعاف وشركات توزيع الأدوية وبعض الإعلاميين وغيرهم». وأكد أن المحطات «تسهل أمور تلك الفئات في محيطها، وهي تدبير داخلي تتخذه ليسهلوا على المواطنين حياتهم التعيسة».
وفي محاولة لاحتواء غضب سائقي السيارات العمومية جراء الانتظار الطويل، وبناءً على اتفاق بين شركة للمحروقات واتحادات النقل البري، تم تخصيص محطة في منطقة الروشة للسائقين العموميين في بيروت الكبرى، ليتمكن سائقو النقل العام من العمل ويؤمنوا قوت عائلاتهم اليومي، وقال رئيس اتحادات النقل البري بسام طليس إن هذه الخطوة ستعمم على سائر المناطق اللبنانية.
ويرتبط مشهد طوابير السيارات أمام محطات الوقود بالتقنين الذي تمارسه شركات التوزيع على المحطات، وتقول تلك الشركات إن مصرف لبنان يتأخر في فتح اعتمادات كافية لاستيراد مادة البنزين من الخارج، بالنظر إلى أنه يعاني من ضائقة مادية وشح في العملة الصعبة في محفظته، وهو يتولى تأمين العملة الأجنبية لاستيراد السلع الأساسية مثل المحروقات التي تستنزف نصف أمواله المخصصة للدعم، إضافة إلى الطحين والأدوية والمستلزمات الطبية.
وقال البراكس إن مشكلة المحطات تتمثل في شح المادة في خزاناتها بالنظر إلى أن الشركات لا تلبيها بالكميات المطلوبة. ويشير إلى مشكلة أخرى تتمثل في ضغوط أمنية تمارسها السلطات على أصحاب المحطات، حيث تجبرها على بيع المخزون الكامل في خزاناتها، وفي المقابل لا تصل الكميات المطلوبة، معتبراً أن ذلك «سياسة خاطئة، لأن المحطات تبيع جزءاً من مخزونها يومياً ولا تستنفده، ضمن سياسة إدارة مخزون، وهذا لا يسمى احتكاراً»، مشدداً على أن الاحتكار هو «حين تجمع المحطات آلاف الليترات في خزاناتها وتقفل المحطات وتحجم عن التوزيع».
وتحدثت معلومات أمس عن أنه مع حلول نهاية هذا الأسبوع «سيكون لبنان أمام أزمة نفاد مادتي المازوت والبنزين». وأفادت وكالة الأنباء «المركزية» نقلاً عن مصادر بأنه «لم يُحدد موعد بعد لفتح مصفاتي طرابلس والزهراني لتسليم المازوت لهذا الأسبوع»، أما البنزين فإن «مصرف لبنان كان فتح اعتمادات لخمس بواخر منذ 15 يوماً والكمية التي أفرغت بدأت تنفد من الشركات والمحطات وهذا ناتج عن عدم فتح الاعتمادات بسبب عدم وضع آلية جديدة لكيفية الدعم من خلال منصة تعتمد سعر 3900 ليرة للدولار».
ويوفر المصرف المركزي الدعم للمحروقات على سعر صرف 1515 ليرة للدولار الواحد، وقد اتخذت السلطات اللبنانية خلال اجتماع للجنة الأشغال والطاقة البرلمانية مع وزير الطاقة ريمون غجر في الأسبوع الماضي، قراراً بأن تصبح المحروقات على سعر صرف 3900 ليرة للدولار، ما يعني ارتفاع سعر المحروقات في السوق بنسبة 150 في المائة.
وأشار ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا أمس إلى أنه «طُرِحَ في الاجتماع أن يتم احتساب سعر الدولار 3900 ليرة لتخفيف الضغط عن مصرف لبنان»، مؤكدا أنه «لم يتم الحديث عن رفع الدعم كليا». وقال إن «أصحاب أكثر من 140 محطة محروقات رفضوا تسلم البنزين من الشركات بسبب تعرضهم للمشاكل والابتزاز والضرب ولم يستطيعوا حماية أنفسهم». وطالب «الأجهزة الأمنية بحماية المحطات التي تقوم بواجباتها».
المصدر: الشرق الأوسط