ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداسا لمناسبة عيد الأب، على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي، كابيلا القيامة، عاونه فيه المطرانان حنا علوان وبيتر كرم، رئيس مكتب راعوية الشباب والعائلة الأباتي سمعان أبو عبدو، أمين سر البطريرك الأب هادي ضو، بمشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور رئيس هيئة التفتيش المركزي القاضي جورج عطية وعدد من الفاعليات والمؤمنين، التزموا الإجراءات الوقائية.
في بداية القداس، ألقى ألو عبدو كلمة شكر فيها للراعي ترؤسه قداس عيد الأب. وقال: “عيد الأب اليوم له إطلالة مميزة ضمن إطار سنة العائلة، فرح الحب، التي أعلنها قداسة البابا فرنسيس. هذا العام لا تكريم ولا احتفال في ظل جائحة كورونا، إضافة الى الأوضاع المتأزمة اقتصاديا ومعيشيا وعدم الاطمئنان وراحة البال. إنها وقفة صلاة ومحبة الى كل الآباء وعائلاتهم في عيدهم والمثابرين في هذه الأيام الصعبة التي نمر بها، وخصوصا ضحايا انفجار المرفأ ومن خطفهم من بيننا وباء كورونا.
وختم: “فلنقف ونصل لراحة أنفسهم، ولنصل من اجل كل الآباء والعائلات الذين يعانون ويتألمون، متمنين لهم كل الصحة والتقدير لأنهم سيبقون منارة حب في هذا الزمن”.
بعد الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان “دعا يسوع رسله الإثني عشر، وأعطاهم سلطانا، وأرسلهم” (متى 10: 1 و 7). وقال: “لكي يواصل الرب يسوع، فادي الإنسان ومخلص العالم، رسالته، اختار الرسل الإثني عشر، كهنة العهد الجديد. دعاهم واحدا واحدا بأسمائهم ليكونوا معه ويطلعهم على سره الخلاصي، وسلمهم سلطانا إلهيا ليمارسوه باسمه وبشخصه، وأرسلهم لمتابعة رسالته. هذا ما يؤكده القديس متى الإنجيلي بقوله: دعا يسوع رسله الإثني عشر، وأعطاهم سلطانا، وأرسلهم (متى 10: 1 و 7). هؤلاء الرسل اختاروا خلفاء لهم هم الأساقفة وفق حاجات الكنيسة النامية والمنتشرة، كما اختاروا معاونين لهم هم الكهنة، والشمامسة لخدمة المحبة تجاه الفقراء. وهكذا تواصلت مسيرة هذه الخلافة مع دعوتها الشخصية وسلطانها ورسالتها حتى يومنا”.
أضاف: “يسعدنا أن نحتفل اليوم بعيد الأب ونوجه تحية إلى مكتب راعوية العائلة والحياة في الدائرة البطريركية ومنسقيه الأباتي سمعان أبو عبده والمهندس سليم الخوري وزوجته ريتا، ونشكرهم على تنظيم هذا الإحتفال مع القيم البطريركي الخوري يوحنا مارون قويق. يأتي هذا العيد في إطار سنة القديس يوسف، وسنة العائلة، فرح الحب. وللمناسبة نقيم بعد ظهر اليوم احتفال تخريج طلاب الإصغاء والمرافقة الذين تابعوا هذا البرنامج العلمي في جامعة الحكمة مشكورة، واطلاق برنامج تدريب الوسطاء بالتعاون مع جامعة القديس يوسف. أن يتزامن عيد الأب مع أول يوم من فصل الصيف الذي هو فصل قطاف الثمار، فللدلالة على أن العائلة تقطف ثمار تعب الأب، الذي يتفانى في البذل والعطاء والنشاط من أجل تأمين عيش كريم لعائلته، والتربية والعلم والشهادات الجامعية وفرص العمل لأولاده. نقدم هذه الذبيحة الإلهية على نية كل أب وعائلته، ملتمسين لهم من الله الأب المشترك فيض الخير والبركات، وللمرضى من بينهم الشفاء وتقديسهم في أوجاعهم. كما نسأل من رحمة الله للموتى ولضحايا انفجار مرفأ بيروت بنوع خاص الراحة الأبدية في السماء والعزاء لعائلاتهم”.
وتابع: “يتخذ عيد الأب بعدا لاهوتيا من إنجيل اليوم: هذا البعد هو في مثلث الدعوة والسلطان والرسالة. فالأب مدعو مع الأم ليعيشا دعوتهما الأساسية، وهي تكوين جماعة حياة وحب (دستور رعائي الكنيسة في عالم اليوم، 48) على صورة الله الواحد الثالوث، وليشكلا اتحادا روحيا على مثال اتحاد المسيح بالكنيسة (راجع أفسس 5/ 22-31). ويقلد الأب سلطانا مع زوجته لنقل الحياة البشرية وتربيتها، ونقل الإيمان إلى الأولاد، وتعليمهم الصلاة، وفتح قلوبهم على أبوة الله الشاملة. ويسلم الأب رسالة ليؤلف مع زوجته من بيتهما مدرسة طبيعية للتربية على القيم الإنسانية والإجتماعية والوطنية. والكنيسة بشخص أساقفتها وكهنتها وشمامستها ورهبانها وراهباتها ومؤسسات، مدعوة من الرب كل يوم، ومعطاة سلطانا إلهيا، ومسلمة رسالة مثلثة بموجب إنجيل اليوم وهي: تحرير النفوس من الأرواح الشريرة ومن العبوديات الداخلية والخارجية؛ وشفاء الأجساد من الأمراض، والأرواح من الخطايا والآفات؛ وبناء ملكوت الله، ملكوت الحقيقة والمحبة والحرية والعدالة، وهي الأسس الأربعة لمملكة المسيح”.
وقال: “كذلك المسؤولون في الدولة، دعاهم الشعب لتسيير مؤسسات الدولة. فالشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة (مقدمة الدستور، د)، وبهذه الصفة هم مقلدون سلطانا سياسيا وإداريا وعسكريا من الدستور، ومؤتمنون على رسالة توفير الخير العام، وإنماء المواطن والمجتمع، وتحقيق ازدهار البلاد. هذه الثلاثة المعايير أساسية لحسن الاختيار والإدلاء بالصوت الحر في الانتخابات النيابية والبلدية المقبلة التي تهيىء انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، في السنة المقبلة. فالشعب بالانتخابات يحاسب الجماعة السياسية على ما جنت عليه، وعلى ما اقترفته بحق لبنان. شعب لبنان مدعو ليقظة وطنية ولجعل الاستحقاقات الانتخابية في أيار 2022 مناسبة فريدة ليقدموا لبلادنا نخبا حاكمة جديدة تتولى قيادة النهضة الجديدة، وتطلق لبنان في رحاب التقدم والنجاح، بفضل ما يمتلك شعبنا من طاقات وقدرات. هذه هي الثورة الحقيقية التي ندعمها ونعمل على توحيد رؤيتها، وتوجيه جهودها، ونرى فيها المستقبل المرجو للبنان”.
أضاف: “مما يزيدنا عزما على دعم القوى اللبنانية الحية الواعدة هو رؤية الجماعة السياسية عندنا تعطي أبشع صورة عن لبنان، بل أسطع دليل على إفلاسها وعدم أهليتها لحكم الشعب والبلاد. كان الشعب ينتظر ولادة حكومة فإذا به يشهد مسرحية تقاذف إعلامي تكشف البعد الشاسع بين الجماعة السياسية والمواطنين. الشعب يبحث عن مصيره والجماعة السياسية تبحث عن مصالحها. الشعب يطالبها بالخبز والدواء وهي تختلق بدعة الصلاحيات. الشباب يبحثون عن مستقبلهم في لبنان وطنهم، والجماعة السياسية تبحث عن مستقبل مغانمها وبقائها في السلطة. يعطل المسؤولون تشكيل الحكومة بسبب الصلاحيات، على ما يقولون. فنسأل عن أي صلاحيات تتكلمون؟ هل تريدون إطعام الشعب بالصلاحيات؟ وتوفير الدواء بالصلاحيات؟ ورد أموال المودعين بالصلاحيات؟ ووقف الهجرة بالصلاحيات؟ وتأمين المحروقات بالصلاحيات؟ وإيجاد فرص عمل بالصلاحيات؟ تتحدثون عن صلاحيات وحقوق وجميعكم تتصرفون خارج الدستور وخارج الصلاحيات. تتصرفون كأنكم في حفل تسليم البلاد إلى الفوضى، والدولة إلى اللادولة، والسلطة إلى اللاسلطة. نحن لا نشكو من قلة الصلاحيات، بل من قلة المسؤولية”.
وتابع: “إذ نتطلع إلى مؤتمر دعم الجيش الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي أخيرا بعين الامتنان والشكر، نطالب، أكثر من أي وقت، كل الحريصين على المؤسسة العسكرية الضامنة للوحدة الوطنية والسلم الأهلي من مقيمين ومغتربين إلى حشد كل طاقاتهم دعما لهذه المؤسسة حتى تستمر في القيام بمهامها وسط التحديات غير المسبوقة التي تواجه جنودنا الأبطال المدافعين عن سيادة لبنان وكرامته. جيشنا الذي يحظى بتأييد الشعب ومساندة المجتمع الدولي، حاضر في كل لحظة للتصدي بشجاعة وحزم لأي إخلال بالأمن. وعليه حان الوقت لأن تحسم الدولة موقفها وتحصر اعترافها به دون سواه مسؤولا شرعيا وحيدا عن سيادة لبنان واستقلاله وسلامة أراضيه. وما نقوله عن الجيش اللبناني، نقوله أيضا عن سائر المؤسسات الأمنية في الدولة التي تستحق كذلك الدعم والتأييد. إن المؤسسة العسكرية القوية التي تفرض سيادة الدولة في الداخل وتحميها من الخارج هي عنصر أساس في حياد لبنان الإيجابي الناشط”.
وختم الراعي: “فلنصل إلى الله لكي يحقق أمنيات شعبنا، ويثبته في الرجاء، ويمس ضمائر المسؤولين وقلوبهم لكي يبقى لبنان صاحب رسالة واستقرار في المنطقة، تمجيدا لله”.