كتب ناصر زيدان في “الأنباء الكويتية”:
بعيدا عن الاتهامات والمهاترات، يبدو لبنان أمام وضعية دقيقة ولم يعد قادرا على تحمل المزيد من التسويف أو المماطلة، وقد كان بيان وزارة الخارجية الروسية دقيقا وواضحا عندما وضع مهلة 10 أيام لتأليف الحكومة وإلا فهناك خطر يهدد الدولة، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون هدد بتغيير طريقة التعاطي مع المسؤولين اللبنانيين إذا لم تتشكل من دون تأخير حكومة المهمة التي وعدت كل الأطراف أمام ماكرون في قصر الصنوبر ببيروت في 7 أغسطس 2020 بالموافقة على تأليفها.
الأوضاع في لبنان مشدودة إلى درجة الغليان، والخوف جدي من انفلات الأمور عن السيطرة لأسباب معيشية ولأسباب أمنية.
ومن المؤكد أن حل المشكلة المالية وتراجع قيمة الليرة اللبنانية لا يمكن أن يحصل عن طريق إجراءات تقنية أو إدارية، بل يحتاج إلى تدابير سياسية سريعة، أولها تشكيل حكومة يمكنها الحصول على ثقة أصدقاء لبنان وأشقائه القادرين على مساعدته، وإذا لم تكن الحكومة على هذا القدر من المسؤولية وتوحي بالثقة، فلا طائل منها، وستكون مجرد حكومة مشابهة لسابقاتها، وبالتالي ستكون عاجزة عن تقديم أية حلول إنقاذية مرجوة.
المعطيات المتوافرة تشير الى حالة من الصراع الداخلي والخوف تعيشه القوى السياسية كافة، ولاسيما منها المؤثرة على القرار.
ورئيس الجمهورية قلق الى أبعد الحدود وبدأ يبعث برسائل الى الأطراف لتهيب الموقف وللمساعدة بالحل، وقد تلقف رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط دعوته وأجرى تواصلا قد يساعد في تدوير بعض الزوايا للوصول الى تسوية لا تطيح بالمبادئ وتحت سقف إنتاج حكومة قادرة على العمل وليس حكومة مناكفة، برغم أن مواقف جنبلاط في الأسابيع الأخيرة كانت واضحة لناحية تحميل العهد وحزب الله المسؤولية الكبرى عما جرى، وقراره بزيارة بعبدا اتخذه قبل خطاب أمين عام حزب الله التهديدي الأخير، والزيارة ليست لإنقاذ العهد من العزلة، بل مسعى مؤلم لإنقاذ لبنان.
والرئيس سعد الحريري هو أيضا أمام امتحان سياسي قاس، وأمامه خيار واحد، وإذا لم ينجح في الامتحان سيكون سقوطه مدويا جدا، وسيؤدي حكما لسقوط الصيغة برمتها.
لكن طريق الحريري وعرة، وأمامه عقبات، فهو ملزم بالمساكنة مع من لم يكن لديهم أي رغبة بعودته، وهو من ناحية ثانية مسؤول عن أي فشل قد يحصل، خصوصا أن الرأي العام اللبناني لم يتفهم مبررات تأخير تشكيل الحكومة، وأعتبر التأخير بسبب خلافات على المحاصصة وليس بسبب تثبيت هوية الحكومة ذات المهمة المحددة.
والحريري خائف من تعطيل مهمته الإنقاذية بحكومة ملغومة، خصوصا أن السيد حسن نصرالله شوش على حكومة الاختصاصيين غير الحزبية بإشارته إلى ضرورة تأليف حكومة سياسية قوية لكي تتحمل المسؤولية عن الإجراءات التقشفية الإنقاذية التي ستتخذها، والواضح أن نصرالله يناصر في هذه الإشارة موقف رئيس الجمهورية.
لكن نصرالله أمام امتحان صعب أيضا، وما أطلقه عن خيارات إذا ما استفحلت الأمور، يبدو أنه كلام واه، وهو يملك قدرة تعطيل أي خيار، ولكن غير قادر على فرض أي خيار بديل عنه، والتجارب أثبتت أن الجوع يهزم أكبر الجيوش.
أما الإشارة إلى التعديلات الدستورية، فمهمة معقدة أكثر مما يتصور، وهي في لبنان لا تخضع لموازين قوى آنية مهما كانت طفيفة.
كل القوى المختلفة في لبنان أمام الامتحان الأخير لإنتاج تسوية تتلاءم مع خطورة المرحلة بعيدا عن المناكفة وعن الكيد السياسي وعن شطارة تسجيل النقاط التي لم يعد لها أي قيمة.
فهل سيتلقف هؤلاء الأجواء المهيئة للالتقاء في منتصف الطريق وإنتاج حل، وبالتالي منع غرق سفينة الوطن بالجميع؟
عادة ما يتناقض مبدأ التسوية مع العدالة، لأنه يساوي بين الأطراف بصرف النظر عن صوابية موقفهم، لكن هذه التسوية مهما كانت قاسية، كلفتها أقل من أي صدام.
وأحد أهم أسباب فشل الديموقراطية في لبنان، لأن البلد قائم على التسوية، وعلى شعار لا غالب ولا مغلوب، أقله حتى هذه اللحظة.