أقام القائم بأعمال السفارة اللبنانية لدى الكرسي الرسولي المستشار البير سماحة، حفل غداء على شرف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، سبقه لقاء شارك فيه سفراء روسيا، ايطاليا، مصر، فرنسا، بريطانيا وبلجيكا لدى الكرسي الرسولي، الى جانب القائم باعمال السفارة الاميركية ورئيس منظمة سان اجيديو، النائب البطريركي العام المطران حنا علوان والمعتمد البطريركي لدى الكرسي الرسولي المطران فرنسوا عيد ونائبه المونسنيور طوني جبران والمحامي وليد غياض.
في مستهل اللقاء، القى سماحة كلمة ترحيب قال في مستهلها: “انه لشرف كبير لنا اليوم، ان نستقبلكم حول صاحب الغبطة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك انطاكيا وسائر المشرق، شاكرين لكم تلبيتكم لهذه الدعوة”.
أضاف: “اسمحوا لي يا صاحب الغبطة، ان اعبر لكم عن شكري وتقديري العميقين لحضوركم بيننا اليوم، وان اشير بحرص شديد الى تقديري ايضا للدور المهم والتاريخي للكنيسة المارونية في لبنان، في الحفاظ على الثوابت الوطنية، وهي الاستقلال والوحدة والعيش معا مسلمين ومسيحيين. هذا العيش الذي يثبت يوما بعد يوم كم انه حيوي واساسي في منطقة الشرق الاوسط بكاملها، التي تقع ضحية لموجة التطرف الديني ولبروز الإيديولوجيات الداعية الى نبذ الاخر والهادفة الى احلال الظلامية والجهل بدل الغنى بالتنوع”.
وتابع “من هنا، نحن ندرك ثقل القلق الذي تحملونه نيافتكم وتحديدا لناحية الهجرة الجماعية اللافتة للمسيحيين من المنطقة، ولوجود اكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري في لبنان، اي نحو ثلث عدد السكان الاصليين، وما يشكلونه من خطر كبير على بلادنا على مختلف الأصعدة الاقتصادية والأمنية والديمغرافية”.
وختم “نحن نأمل ان تتوقف دوامة العنف هذه في المستقبل القريب بفضل الجهود الدولية، وان يعلو صوت العقل والحوار وان يسود السلام من جديد على منطقة الشرق الاوسط الممزقة. كما نتمنى ان يتمكن لبنان من الحفاظ على دوره كنموذج للعيش المشترك، وكبلد رسالة قادر على مد جسور بين الشرق والغرب والحفاظ على قيم التعايش معا في كل المنطقة”.
من جهته، رد الراعي بكلمة قال فيها: “اتوجه من هذا البيت اللبناني بالتحية الى فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والى السلطات اللبنانية، كما والى الحكومات التي تمثلونها بيننا”.
أضاف “اشكركم سعادة القائم بالاعمال، باسم اخوتي الأساقفة وباسمي، لأنكم اتحتم لنا فرصة لقاء هذه الشخصيات والتحدث عن قيم لبنان، وعن المشكلة الكبيرة، التي يعاني منها وهي مشكلة النازحين السوريين. وهنا نتحدث عن مليون ونصف المليون سوري في لبنان اضافة الى نصف مليون فلسطيني، وهذا يعني نصف عدد سكان لبنان. وهنا اسألكم اي بلد يتمتع بقوة كبيرة كي يتحمل ما يتحمله لبنان، هذا البلد الصغير في الشرق الأوسط اي ان يستقبل نصف عدد سكانه؟ كيف ستكون حال بنيته سواء لناحية المدارس او ظروف العيش، ماذا سيبقى من الحضارة والثقافة اللبنانية؟ للاسف الحرب مستمرة في سوريا الجميع يتحدث عن الحرب، ويمكننا سماع كلمة سلام بصعوبة”.
وتابع “الملايين من الدولارات واليوروهات تنفق لدعم الحرب في سوريا، ونحو 12 مليون سوري تهجروا من بلادهم وسط صمت للضمير العالمي، وكأن هذا الضمير قد مات. لقد استقبلنا هؤلاء الأشخاص وتضامنا معهم، ولكننا ايضا مهددون بفقدان هويتنا وثقافتنا. واللبنانيون باتوا مجبرين رغما عنهم على هجرة بلدهم في وجه هذا التدفق الكبير لآلاف الأشخاص الذين يأخذون مكان اللبنانيين”.
وأردف “تعلمون ان هناك دورا للبنان في الشرق الأوسط، فهو البلد الوحيد في هذا العالم العربي والمسلم الذي يفصل الدين عن الدولة، وهو البلد الوحيد الذي يتمتع بنظام ديمقراطي، انه البلد الوحيد الذي يتميز بالحريات المدنية، ويقبل الوحدة في التنوع سواء في دستوره او في ميثاقه الوطني”.
وقال: “نود اصلاحات سياسية في الشرق لتثبيت الديمقراطية، ولكن انتبهوا هناك بلد حر ديمقراطي، نحن نضحي به بطريقة مباشرة وغير مباشرة. لهذا نحن نوجه اليكم النداء لكي ترفعوا صوتكم عاليا وتطالبوا بوقف الحرب. يجب ان تتوقف الحرب انها حرب مدمرة وبالنسبة لنا هي من دون معنى، انها دمار وقتل وتخريب وتشريد، كل ذلك من اجل ماذا؟”.
أضاف “لقد تحدثت مع قداسة البابا عن هذا الموضوع، وقدمت له تقريرا علميا عن تداعيات النزوح السوري الى لبنان، واكدت له على تضامننا التام معهم من الناحية الإنسانية، ولكن ايضا لبنان هذا البلد الصغير، لا يمكن ان يتحمل ما لا تستطيع اكبر الدول في العالم من تحمله، ونحن ان فقدنا لبنان لا سمح الله، نكون قد فقدنا المواطنة الحقيقية في الشرق الأوسط والقيم المسيحية المشتركة مع القيم الإسلامية، التي ولدت منذ نحو 1400 سنة على يد المسيحيين والمسلمين معا، وقد خلقوا الإعتدال في المنطقة وبتشجيع الحرب ندفع الى فقدان هذا الإعتدال، وبفقدان الإعتدال نصبح عرضة للأصوليين والإرهابيين والمتطرفين، واذا بقي النازحون السوريون ومعهم اللاجئون الفلسطينيون في وضع مزر فهذا يشكل ارضا خصبة لإحتضان الإرهاب”.
وختم “النار تشتعل هنا، ولكنها ستتمدد، وانتم تعلمون ان العالم اجمع يعاني اليوم. هذه قيمة التعايش. لقد نقلنا القيم المسيحية الى الإسلام وبدوره الإسلام نقل الينا قيمه، يجب التمييز بين الإسلام والأصولية والإسلام والإرهاب. واوروبا والغرب لا مصلحة لهما في ان يكون هناك مشكلة مع الإسلام”.