أخبار عاجلة

قانون العفو العام طبخة لم تنضج بعد

في خضم الملفات المزمنة والساخنة، تهب على البلاد بين وقت وآخر “نسمة عفو عام” منذ انطلاقة عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، تترافق مع اعتصامات متنقلة بين طربلس وبعلبك وصيدا، للضغط من أجل الافراج عن سجناء، سواء كانوا محكومين أو موقوفين، من خلال إصدار عفو عام عنهم. لكن بين من يرى أن هذه الخطوة تشكل حلقة في سلسلة استكمال المصالحة الوطنية وآخر يعتبرها افلاتا جماعيا من العقاب، يبدو أن طبخة العفو العام لم تنضج بعد، فهل سيسلك هذا القرار طريقه الى مجلس النواب؟ هل سيكون عاما أم مشروطا؟ وهل سيقتصر على المحكومين أم يشمل الموقوفين؟
يؤكد وزير العدل الأسبق المرجع القانوني ادمون رزق أن “السياسة هي فن جعل العادل ممكنا، وانطلاقا من ذلك فإن مسألة العفو العام هي إجراء روتيني يحدث في بداية عهد رؤوساء الجمهوريات في كثير من البلدان ومنها فرنسا على سبيل المثال لا الحصر حيث يصدر رئيس الجمهورية الجديد عفوا عن كل مخالفات السير أو غيرها من المخالفات، لكن هذا الاجراء يحتاج الى كثير من التدقيق في لبنان لأنه لا يجوز أن يأتي بمثابة “ترضية” أو مكافأة، لأن الهدف من إصداره هو المساعدة على ترسيخ الاستقرار الأمني والاجتماعي، وبالتالي لا يمكن ولا يجوز أن يشكل العفو العام موضوعا للتفاوض أو عملية تسوية بين المرتكب من جهة والعدالة والسلطة من جهة أخرى”.

رزق ليس ضد مبدأ العفو العام بالمطلق، لكن الأمر يحتاج الى استنساب نتائج مثل هذا الاجراء، خصوصا انه سبق أن صدرت قوانين عفو في لبنان عن أنواع من الجرائم، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستشجع هذه الخطوة على الجريمة بما أن المرتكب يعلم مسبقا أنه سيصدر عنه العفو، وبالتالي يشجع على التمادي في ارتكاب الجرائم؟ يشدد رزق على “عدم جواز الفصل بين العفو العام والوضع الأمني في ظل مقاربة سياسية لجميع المواضيع، من دون استثناء، مشوبة بالشخصانية، من قانون الانتخابات الى الوضع الاقتصادي والأمني الى الملفات الاخرى العالقة”.

تبرر العفو العام عادة ظروف اجتماعية أو سياسية تحتم اسدال الستارة على بعض الجرائم، بغية حذفها من ذاكرة الناس واستئناف الحياة من خلال مرحلة جديدة لا تعكرها ذكريات تلك الظروف، إذ قد يصدر العفو العام على أثر اضطرابات سياسية أو أفعال جرمية ذات صلة بتلك الاضطرابات.

تحصر المادة 154 من قانون العقوبات الافادة من العفو العام بالمحكومين فقط، وهو يمنح عادة لرفع مظلومية أو إعطاء فرصة جديدة لمرتكب بوقف تطبيق العقوبة بحقه وخفضها، لكن لا يفترض بالعفو أن يضر بالدولة، ويجب أن يستفيد منه المحكوم لمنحه فرصة للتوبة والصفح، علما أن العفو العام يصدر بموجب قانون عن مجلس النواب ويكون موضوعه أفعالا جرمية محددة، بغض النظر عن شخص مرتكبها، وذلك بعد أن يتقدم عشرة نواب باقتراح يحول الى الهيئة العامة التي توافق عليه أو ترفضه بالأكثرية، ثم يحيل مجلس النواب القانون على رئيس الجمهورية لتوقيعه أو رفضه ضمن مهلة دستورية محددة.

الى جانب العفو العام، يمنح الدستور رئيس الجمهورية الحق في إصدار عفو خاص عن المحكومين، علما أن من يستفيد من العفو الخاص هو من صدر باسمه الشخصي سندا الى المادة 152 من قانون العقوبات، مع الاشارة الى أن المستفيد من هذا العفو هو من صدر بحقه حكم مبرم ولا يستفيد منه من لا يزال قيد المحاكمة.

يتصاعد الجدل بين وقت واخر، وان خافتا، بشأن العفو العام في الوقت الذي أوعز فيه وزير العدل سليم جريصاتي الى المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود إعداد مسودة لتصنيف السجناء بحسب الجرائم المنسوبة اليهم، وعن طبيعة ملفات المحكومين والموقوفين، علما أن أعداد الموقوفين تعادل ضعفي المحكومين وبالتالي يفترض وجود بنود معينة تختص بالموقوفين لجهة تحديد نوع الجرائم المحتمل أن يشملها العفو، كما يلفت جريصاتي الى أنه “اذا قدر لهذا العفو أن ينضج ويصدر وفق المسارات القانونية، فالمطلوب وضع توصيف دقيق للجرائم التي يتعين أن تستثنى من هذا القانون، ولا سيما جرائم القتل، وتلك المتصلة بقضايا الارهاب والتفجيرات، وبالتالي ضرورة جدولة الملفات وفرزها لدرسها قضائيا وإعداد لائحة ستكون معنية بالعفو بناء على قواعد ومعايير محددة غير قابلة للتعديل”.

لن يستفيد من العفو، في حال اقراره، الموقوفون بجرائم القتل ومصنعو المخدرات وحبوب الكبتاغون وتجارها، لأن هؤلاء من بين المجرمين الخطيرين، ولن يستفيد منه أيضا كل من قاتل الجيش أو اعتدى على مراكزه ومن تورط في التفجيرات، ولا عصابات الخطف مقابل الفدية، أما في خصوص سارقي السيارات وعصابات السلب فليس من الواضح ما اذا كان سيبت أمر العفو عنهم، مع الاشارة الى أنه في الحالات القضائية الكبرى مثل جرائم القتل، على القانون أن يأخذ مجراه، لأنها حالات متعلقة بحق الناس، ولا يمكن لأحد أن يطالب أصحاب الحق بالتنازل عن حقهم.

العفو العام هو قرار سياسي بالدرجة الأولى، ولا يمكن حصره في منطقة معينة أو بطائفة محددة، والفكرة لا تزال موضوع درس نظرا الى حساسيتها، وبين موال ومعارض، قد يشكل هذا القانون فرصة لاعادة تنظيم السجون وتخفيف الاكتظاظ فيها وتحسين واقعها اذا اقترن بخطة حقيقية للاصلاح.

المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام

تحقيق لينا غانم

 

عن Editor1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *