ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد الجديد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطارنة حنا علوان، بولس الصياح، جورج شيحان وبولس عبد الساتر، بمشاركة لفيف من المطارنة والكهنة.
حضر القداس ممثل رئيس الجمهورية النائب أمل ابو زيد، ممثلة الوزير السابق جان عبيد عقيلته لبنى، النائبان السابقان جواد بولس وانطوان حداد، رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض، المحافظ السابق نقولا ابو ضاهر، وفد من جمعية الصداقة اللبنانية – الملدوفية برئاسة القنصل ايلي نصار، وفد من حركة “الارض” برئاسة طلال الدويهي، رئيس رابطة قنوبين للرسالة والتراث نوفل الشدراوي، رئيس بلدية زغرتا سيزار باسيم، رئيس مؤسسة البطريرك صفير الدكتور الياس صفير، الشيخ سعيد طوق، عائلة المرحوم قزحيا يوسف الراعي، عائلة المرحوم ادوار شختورة،الرئيس السابق لرابطة الاخويات جوزاف واكيم، أمين سر نقابة شعراء لبنان الشاعر اميل نون، حشد من فاعليات وأهالي زغرتا – اهدن، مؤسسة البطريرك الدويهي والمؤمنون.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان “أنظر يدي وضع يدك في جنبي” ي” (يو20: 27)، قال فيها: “في الأحد الأول الذي يلي أحد القيامة ظهر يسوع لرسله الأحد عشر بهويته الجديدة: جراح يديه ورجليه، وجرح صدره الذي جرى منه دم وماء عندما طعنه أحد الجنود بحربة وهو ميت فوق الصليب. فكان الماء رمز المعمودية التي بها يلدنا ثانية أبناء وبنات لله، وإخوة وأخوات بالمسيح؛ وكان الدم رمز ذبيحة القداس التي بها يفتدينا ويصالحنا مع الله ومع بعضنا البعض، ويغسل خطايانا”.
أضاف: “لما كان توما الرسول يشكك بقيامة يسوع من الموت، بسبب ثقل الصدمة، وقال “ما لم أر أثر المسامير في يديه وأضع اصبعي في جنبه لا أؤمن” (يو20: 25). فدعاه يسوع في هذا الترائي وقال له: “هات إصبعك إلى هنا، وانظر يدي، وهات يدك، وضعها في جنبي. وكن مؤمنا لا غير مؤمن!” فهتف توما: “ربي وإلهي!” (يو20: 28).
وتابع: “يسمى هذا الأحد “بالأحد الجديد” لأن، بعد قيامة الرب يسوع من الموت، بدأ زمنجديد في تاريخ البشرية، هو زمن البنوة لله والأخوة بين البشر، وزمن الفداء والمصالحة، بثقافة المحبة والرحمة المتجليتين بذروتهما في شخص المسيح”.
أضاف: “في الأحد الجديد تحتفل الكنيسة بعيد الرحمة الإلهية الذي أراده الرب يسوع، كما كشف في ظهوره سنة 1931 للراهبة القديسة ماريا فوستينا البولونية، التي ترهبت في جمعية راهبات الرحمة الإلهية في بولندا. ففيما كانت ذات يوم تصلي في غرفتها بوارسو، ظهر لها الرب يسوع بكامل قامته متشحا بثوب أبيض، بشكل القائم من الموت، ويخرج من قلبه شعاعان كبيران الواحد أبيض والثاني أحمر، ويذكر ان بالدم والماء اللذين جريا من جنبه. وطلب من الراهبة ماريا فوستينا أن ترسم هذا المشهد وتكتب في زيله: “يا يسوع، أنا أثق بك”، وأن تكرم هذه الصورة في كنيسة ديرها أولا، ثم في العالم أجمع. كما طلب منها نشر عبادة الرحمة الإلهية، قائلا: “يا ابنتي، كلمي الكهنة عن رحمتي الفائقة”.
وتابع: “إن شعلة رحمة قلبي تحرقني، وأريد أن أسكبها في النفوس التي لا تؤمن بأني محب ورحوم”.
وقال: “يسعدني أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية وبعيد الرحمة الإلهية، وفي ختامها نحتفل بإزاحة الستارة عن نصب المكرم البطريرك الكبير اسطفان الدويهي في الباحة الداخلية. وهو تقدمة السيد طلال الدويهي رئيس حركة “الأرض” اللبنانية. فأود أن أشكر فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي تكرم فأوفد سعادة النائب أمل أبو زيد ليمثله في هذا الاحتفال، تكريما للبطريرك اسطفان الدويهي المعروف “بأبي تاريخ لبنان” لأن كتابه الشهير “تاريخ الأزمنة”، الذي خطه بيده سنة 1699، يشكل مرجعا أساسيا لمعرفة تاريخ كنيستنا المارونية وتاريخ الشرق الأدنى في عهد العرب والصليبيين والمماليك والعثمانيين، ويتضمن أحداثا تاريخية ودينية امتدت من بداية الإسلام سنة 636 حتى سنة 1699. هذا فضلا عن مؤلفات تختص بالكنيسة المارونية والليتورجيا والأسرار واللاهوت والروحانيات، بعضها نشر طباعة، والأكثرية الباقية ما زالت مخطوطات. وقد دامت بطريركيته أربعا وثلاثين سنة، من سنة 1670 إلى 1704. وهي سنوات ملأى بالتفاني والعطاءات والقداسة”.
أضاف: “فيما نرحب بكم، سعادة النائب، نرجو أن تنقلوا إلى فخامة الرئيس عاطفة شكرنا، مع الدعاء إلى الله كي يقود خطاه في قيادة سفينة الوطن إلى ميناء الأمان، وسط الكثير من الرياح المعاكسة. إن الشعب اللبناني يعتمد على حكمته ومسؤوليته العليا عن مصير البلاد، تجنيبها أية أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة ترتبط بقانون الانتخاب ونتائجه. إننا ونصلي وندعو كي تتمكن القوى السياسية والكتل النيابية والحكومة من إصدار قانون جديد، ترضى عنه جميع مكونات البلاد. وإذا لم تتمكن بعد كل المحاولات، فمرد ذلك أن مشاريع القوانين توضع على قياس الأفراد والمجموعات، لا على قياس الشعب وكل لبنان، وفق معيار واحد للجميع، وحده يؤمن التنافس الديموقراطي الحقيقي. هذا هو مفتاح التوافق على القانون الجديد. لذا، وفي حال لم يتم اقرار قانون جديد لسبب او لآخر، ليس عيبا الإقرار بالفشل والسير بالانتخابات النيابية وفقا للقانون الساري المفعول حاليا مع ما يلزم من تمديد تقني للمجلس النيابي. أما العيب والضرر الكبيران فهما الذهاب إما إلى التمديد بالمطلق وهذا اغتصاب للسلطة ولإرادة الشعب، وإما إلى الفراغ وهذا تدمير للمؤسسات الدستورية، فيما لبنان يحتاج، أكثر من أي يوم مضى، كوطن إلى ثقة أبنائه، وكدولة إلى ثقة الأسرة الدولية، وهي ثقة يبني عليها علاقاته الاقتصادية والتجارية والسياسية مع الدول. وهو أمر يسمعه دائما من الخارج. إن الظروف الداخلية والإقليمية لا تسمح بخضات إضافية تمنع المؤسسات الدستورية والعامة من القيام بواجباتها العديدة. ولا يحق لأحد التلاعب بمصير لبنان، وطنا وجمهورية ودولة، لأنه ملك الشعب اللبناني، لا ملك أفراد أو مجموعات. ورئيس الجمهورية يحميه بحكم “حلفه يمين الإخلاص للأمة اللبنانية وقوانينها، والمحافظة على استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه” (المادة 50 من الدستور).
وتابع:”نرحب بيننا بالوفد من الشخصيات الآتية من مدينة زغرتا للمشاركة في احتفال إزاحة الستارة عن نصب المكرم البطريرك الكبير اسطفان الدويهي، إبن إهدن-زغرتا، مكلل مسيرة شعبها، وقمة تاريخها، ومصدر اعتزازها. ونحيي بنوع خاص “مؤسسة البطريرك الدويهي” بشخص رئيسها سيادة أخينا المطران بولس عبدالساتر، نائبنا البطريركي العام في إهدن-زغرتا. وهي مؤسسة تواكب مستلزمات دعوى التطويب”.
أضاف:”لقد أنهى مجمع دعاوى القديسين في الكرسي الرسولي النظر في دعوى تطويبه، وأعلنه مكرما في 3 تموز 2008 بإصدار القرار المعروف “بعيشه ببطولة الفضائل الإلهية”: الإيمان والرجاء والمحبة؛ والفضائل الارتكازية: الفطنة والعدالة والقوة والاعتدال؛ والمشورات الإنجيلية: الطاعة والعفة والفقر؛ وفضائل أخرى ولاسيما التواضع الذي ميز حياته في كل مراحلها، إلى جانب رائحة القداسة التي رافقتها حتى النفس الأخير”.
وتابع: “إننا نصلي إلى الله كي يؤيد حكم الكنيسة بأعجوبة تجري بشفاعته، فترفعه طوباويا على مذابحها. إنه في كل حال مثال لنا جميعا في حياته المسيحية والكهنوتية والأسقفية والبطريركية، إذ يتلألأ بين الأبرار كالشمس في ملكوت الآب”، على ما يؤكد الرب يسوع (متى 13: 43).
أضاف: “نحيي بيننا جاليتنا اللبنانية في ملدوفا الحاضرة معنا، والقنصل الفخري السابق السيد إيلي نصار وقنصل بولونيا. يوجد في لبنان حوالي 9000 شخص من الملدوفيين بحكم الزواج والعمل، الامر الذي حملهم على تأسيس جمعية الصداقة اللبنانية الملدوفية الحاضرة معنا. إننا نصلي من أجل الاستقرار والازدهار في ملدوفا، وخير شعبها، ونتمنى لجاليتنا دوام الخير والنجاح”.
وتابع: “نرحب بعائلة نسيبنا المرحوم قزحيا يوسف الراعي، زوجته وابنيه وبناته وسائر الأهل. وقد ودعناه معهم منذ ثلاثة اسابيع. نذكره بصلاتنا ملتمسين له من رحمة الله الراحة الدائمة في السماء، ولعائلته العزاء والعمر الطويل. كما نرحب بعائلة المرحوم إدوار شختوره الذي ودعناه معها في أول هذا الأسبوع. نذكره بصلاتنا راجين له المشاهدة السعيدة ولزوجته وبناته وعائلاتهن وأنسبائهم العزاء وطول البقاء”.
وختم الراعي:”أنظر يدي، وضع يدك في جنبي وكن مؤمنا” (يو20: 27). هذه الدعوة هي لكل واحد وواحدة منا، ولنا كجماعة مؤمنة تلتقي في كل يوم أحد. فالصليب المرتفع فوق المذبح والذبيحة القربانية المقدمة عليه يجددان لنا هذه الدعوة. إن نظرتنا إلى المسيح الفادي، الحمل المذبوح، تملأنا إيمانا بأن من محبته ورحمته ننال غفران خطايانا، والمصالحة مع الله والناس، والحياة الأبدية.
وهكذا في كل يوم أحد نبدأ زمنا جديدا نطبع به حياتنا العائلية والاجتماعية والكنسية والوطنية، ونرفع نشيدا جديدا لتسبيح وتمجيد الثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.