أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان “الدور المسيحي في لبنان والشرق لا يقوم على الحرب ولا على تقليد الحياة الحديثة، إنما يجب على المسيحي أن يعود الى عمقه لان عمق المسيحية وجوهرها هما في داخل الانسان وليس خارجه، ومن هذا الداخل يشع الى الخارج”. وسأل: “كانت أورشليم الأرض التي بشرت العالم بالسلام والمحبة، فهل يجوز ان تصبح على ما هي عليه اليوم؟ أمعقول ان نصبح مشردين ونحن من عشنا في هذه المنطقة ونقلنا الحضارة الى اوروبا والعالم؟”
وقال خلال مقابلة مع محطة “SAT 7” التلفزيونية لمناسبة عيد الفصح، : “ما يجري في الشرق له غايات سياسية كبيرة هي إفراغه من المسيحيين وتقسيم المنطقة الى عدة دويلات. ان الهجرة من الشرق بدأت منذ زمن، وخصوصا من اسرائيل، حيث لم يبق على سبيل المثال من المسيحيين في القدس من اصل 22% من السكان الا واحد في المئة. وفي حالات أخرى، لا سيما كما حصل في سوريا والعراق واحيانا في مصر وكينيا وليبيا، فقد قامت فئة بقتل المسيحيين كما المسلمين وهدمت الكنائس والجوامع على السواء”.
وكشف ان “الحبر الاعظم البابا فرنسيس يعرف الوضع في الشرق الاوسط، وهو قلق ويسعى دائما الى مساعدة المسيحيين. ومن هذا المنطلق، سأل عما يمكن القيام به، وقد اوضحنا له اننا ما زلنا في خطر، كما اطلعناه على وضع المسيحيين في منطقة الشرق الاوسط، وهو ابدى رغبة في زيارة لبنان، ومرد حب الاطلاع لديه وزيارة لبنان هو المساعدة، وقد سأل: “بماذا يمكنني مساعدة لبنان؟”
وشدد على ان “لبنان يمكن ان يكون مركزا عالميا لحوار الاديان والحضارات، والسبب في ذلك يعود لكونه يضم ديانات ومذاهب العالم وابناؤه يعيشون معا فيه، ومن اجل تحقيق هذه الغاية علينا ان نقوم بمحاولة ضغط lobbying في كل مكان حتى اذا ما طرحنا هذا الموضوع على الامم المتحدة يكون بمقدورنا اخذ موافقتها. فنحن بامكاننا اعلان الامر، الا ان ذلك غير كاف، لأننا نريد لبنان مركزا دوليا رسميا للحوار، لا ان يكون الامر مجرد مبادرة دولة فحسب”.
وقال: “قد نختلف احيانا، سياسيا، ويعتقد البعض ان الخلاف مسيحي-اسلامي، الا ان الواقع هو خلاف ذلك. ان ايا من المسلمين لم يقاتل كي يعتنق المسيحيون الاسلام، كما لم يقاتل المسيحيون كي يعتنق احد المسيحية. من هنا، علينا ان نفهم العالم اننا لا زلنا نتمتع بأرقى مرحلة حضارية من ناحية حرية المعتقد وحق الاختلاف، التي قد تصل الينا فوضوية احيانا اكثر من اي بلد في العالم”.
واعتبر ان “القيامة هي ما نتمناه جميعا بعد الموت، وهذا هو الرجاء المسيحي ومرتكزه الايمان. من دونها ليست هناك من مسيحية على ما يقول مار بولس”.
وردا على سؤال عن شعور الكثير من الناس وخصوصا المسيحيين منهم في لبنان والمشرق ان وصوله الى رئاسة الجمهورية يشكل املا ورجاء جديدا لهم، أجاب: “ان مراحل تاريخ الشعب اللبناني المعاصر مرت بظروف صعبة ولا سيما الاخيرة منها، إذ انتقل من مأساة الى مأساة، فيما اصيب الحكم بالعديد من الامراض. الشعب اللبناني يعرفني، وانا انادي بالخلاص من الوضع المذكور. من هنا جاء الاعتقاد بأن العماد عون يريد ان يخلصنا، وهو وليد هذه المعرفة”.
وردا على سؤال عما إذا كان قلقا ازاء ما يجري في المنطقة قال: “لا، لقد سبق لي ان توقعت حصول المشاكل التي حصلت بعد حرب العراق وتابعتها عن كثب، إذ بدأ الوضع المسيحي بالتردي، ولكن، لنكن منصفين، هذا التردي لم يقتصر في الآونة الاخيرة على المسيحيين فحسب، إذ حلت المرحلة التي نعتبرها تكفيرية وضربت المسلمين والمسيحيين على حد سواء”.
وعما هو متوقع من الرئيس المسيحي الوحيد في الدول العربية لتعزيز التفاهم والتعايش وسط كل ما يحصل، قال عون: “لدينا امتداد حيوي في هذا الشرق، وقد كان الجو معكرا في المنطقة، فبدأت بزيارة البلدان التي يجب ان تكون صديقة، واعدنا العلاقات معها الى طبيعتها، والامور تسير بشكل جيد. وان شاء الله سنكمل في هذا الاتجاه”.
وعن مقومات استراتيجية تعزيز الوجود اللبناني والدور المسيحي في الشرق، اكد ان “الكفاءات في لبنان لا تزال كثيرة، سواء العلمية منها او الدينية او الادبية، وفي جميع قطاعات الفكر والكتابة والعلم. يكفي اننا غازون العالم، اذا كانت هذه الكلمة تصح، باعتبار ان اللبنانيين موجودون اينما كان وفي أهم المراكز. لا ينقصنا العلم بل القليل من الانضباط. ان احد رجال الدين الكبار في الشرق، وهو تبوأ منصب رئاسة جمهورية، اكد لي ان الشرق هو مهد الاديان وجوهر اللقاء وتاج، ولبنان هو اللؤلؤة، فاذا كنا مقدرين على هذا النحو ولم نقم بهذا الدور، نكون مقصرين في موجباتنا الفكرية وغيرها من الالتزامات”.
سئل عما يجب القيام به من اجل عدم الوقوع مجددا في احباط معين، اجاب: “امامنا طريقان. بمقدور الشرق ان يسلك الطريق الذي نفكر فيه نحن، وهو كان يسلكه سابقا، او ان يسلك ذلك الجديد الذي ليس لنا ولن يكون لاحد، حيث الارض فيه محروقة. يجب ان تحصل اعادة نظر عميقة سواء لدى المسيحيين او المسلمين او لدى كل انسان مقيم على هذه الارض، ذلك انه ليس من السهل العودة الى التكفير والحرب التي شهدناها واستئصال البشر، وهي امور تعود بمجملها الى ما قبل تاريخ الاديان”.
وعن الكلمة التي يرغب في توجيهها الى مسيحيي لبنان والمشرق لمناسبة عيد الفصح، قال: “بين الصلب والقيامة، ارانا المسيح بسلوك تلاميذه كل اسباب السقوط في الحياة. وهنا يجب ان ننتبه لانفسنا، فالسقوط يتم بالخوف، بالشك، وكذلك بالاغراء. هناك امثولة كبيرة في هذا الاسبوع علينا ان نعتبر منها، فإذا اردنا ان نبقى في هذه الحالات الثلاث “العوض بسلامتكم”.
وختم عون: “ليس ممكنا لاي انسان يستكين للخوف، للشك او للاغراء ان يتقدم، لانه عند اي تغيير تحصل المقاومة، واحيانا تكون حركة التغيير لمصلحة الناس الا انهم لا ينخرطون فيها بسبب هذه الاستكانة. هكذا حصل مع المسيح. الجميع اعتراه الخوف عند صلبه، الا انهم عادوا عن هذا الخوف باستثناء من خان منهم، إذ دائما هناك خائن. كما هناك من يخاف ويشك، الا ان هؤلاء يعودون بعدها عن الامر ليكملوا المسيرة. من هنا تعطي القيامة المعنى الكامل للمسيحية.”