ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي رتبة الغسل في في سجن روميه، وغسل أرجل 12 سجينا، على مثال السيد المسيح في يوم خميس الأسرار المقدسة.
وألقى عظة بعنوان “أحب يسوع أخصاءه الذين في العالم، أحبهم للغاية”، قال فيها:
“1- تجلت محبة الله لكل إنسان في محبة يسوع المسيح، ابن الله المتجسد. فبتجسده اتحد نوعا ما بكل إنسان. وبتقديم ذاته ذبيحة فداء بريئة، صالحنا مع الله، وحررنا من عبودية الشيطان والخطيئة، بحيث يستطيع كل واحد وواحدة منا أن يقول مع بولس الرسول: “إن ابن الله أحبني وضحى بذاته من أجلي” (غلا 2: 20؛ الدستور الراعوي: الكنيسة في عالم اليوم، 22).
وهكذا أصبح كل الناس، ونحن ومنهم، “أخصاءه الذين في العالم، وقد أحبهم للغاية” (يو13: 1)، وما زال يحبنا ويحبهم. فهو بقوة الحقيقة والمحبة، يقطع أشواط الحياة، بكل مراحلها وحالاتها، مع كل إنسان.
يسعدنا ان نحتفل معكم ككل سنة بهذا العيد العظيم، العيد الذي فيه انشأ الرب يسوع سر القربان والكهنوت والذي فيه قام وغسل ارجل التلاميذ ليعلمنا معاني القربان والكهنوت.
2- بشرى حب الله هي لكم أنتم أيضا أيها المساجين حيثما كنتم، أهنا في سجن روميه، أم في أي سجن آخر. أنتم كلكم حاضرون في صلاتنا اليوم. أنتم في السجن بسبب خطأ ما اقترفتموه. وكأنكم من وراء قضبان سجنكم، وداخل جدرانه وأسواره، تعيشون “درب صليبكم”. فضموها إلى “درب صليب” المسيح الذي كشف للجميع أن الله محبة ورحمة، وأنه يحمل ثقل خطايانا وأغلاطنا، من أجل أن نقوم منها، ونتصالح معه.
3- لقد تجلت محبة المسيح الفائقة لكل واحد منا، ولكل إنسان عبر تاريخ البشر، في مثل هذا اليوم، منذ ألفي سنة. ففيما كان يقيم العشاء الفصحي ليلة آلامه وموته، قدم للآب السماوي قربان جسده ودمه تحت شكلي الخبز والخمر، ووهبهما غذاء روحيا لرسله ولكل مؤمن، وسلمهم، عبر سر الكهنوت الذي أنشأه، خدمة قربانه، من أجل استمرارية ذبيحته الخلاصية التي تمت مرة واحدة على صليب الجلجلة، واستمرارية وليمة عشائه السري في العلية. بفضل هذه الاستمرارية يقول لنا الآن وهنا، بفم الكاهن: “خذوا كلوا، هذا هو جسدي يبذل من أجلكم… خذوا اشربوا من هذه الكأس، هذا هو دمي يراق من أجلكم وعن كثيرين لمغفرة الخطايا. إصنعوا هذا لذكري. فكلما أكلتم هذا الخبز، وشربتم هذه الكأس، تخبرون بموتي حتى مجيئي” (راجع متى 26: 26-28؛ مر14: 22-24؛ لو22: 19-20؛ 1كور11: 24- 26).
4- في هذا الجو المقدس، قام عن العشاء السري، وأخذ يغسل أرجل التلاميذ، تاركا هذه المبادرة نهجا للحياة الكهنوتية والمسيحية، وهي الخدمة المتواضعة وبذل الذات، إذ قال: “إذا كنت أنا الرب والمعلم غسلت أرجلكم، فيجب عليكم أنتم أيضا أن يغسل بعضكم أرجل بعض، فأنا أعطيتكم بذلك قدوة” (يو 13: 14-15).
5- أيها المساجين الإثنا عشر، الذين تم اختياركم لهذا الاحتفال، أنتم تمثلون رسل المسيح الإثني عشر. هذه نعمة خاصة تجعلكم تقفون أمام ذواتكم وقفة وجدانية قادرة أن تكون حدثا حاسما في حياتكم، يؤدي إلى توبة صادقة، ونهضة روحية داخلية تغير نظرتكم ومسلككم، فيتحول السجن من مكانٍ للعقاب إلى مكانٍ للولادة الجديدة.
6- ولكن يجب أن يقدم السجن الجو الملائم لذلك. فإنا نناشد الوزارات ذات الصلاحية وأجهزة العدل والأمن. نطالبها بالحيلولة دون أن يصبح السجن مركزا لتكتلات طائفية ومذهبية وحزبية وعصابية، تتحكم بالمساجين حتى إصدار أحكام بحقهم، وتتحكم بالدولة ذاتها وبعناصرها المسؤولة عن الأمن وحماية السجن، وتعمل على تفشي الفساد وتجارة المخدرات والممنوعات. نطالبها بممارسة العدالة وفقا لأصولها، وحماية القانون من تدخل النافذين ومن إهمال القضاة لواجبهم بالتحقيق في أوضاع أشخاص زجوا في السجن وينتظرون منذ أشهر المحاكمة والتحقيق. نطالبها بإضافة أبنية لتجنب الاكتظاظ، وبالنظافة في المكان والماء والطعام منعا لتفشي الأمراض، وبتوفير العناية الواجبة بالصحة. نطالبها بإحياء برامج ثقافية وإصلاحية للسجناء. أجل، السجن مكان للعقاب ولكنه أيضا مكان للإصلاح.
هذه الأمور وسواها تصلنا من خلال مرشدية السجون التابعة للجنة الأسقفية “عدالة وسلام” برئاسة المطران شكرالله نبيل الحاج، والمنبثقة عن مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان. فنحيي مرشدها العام الخوري جوزف العنداري رئيس الهيئة التنفيذية، ونائب الرئيس الأب إيلي نصر، وكل العاملين في مختلف قطاعات المرشدية والسجون. كما نحيي قوى الامن الداخلي بشخص قائد منطقة جبل لبنان العميد جهاد الحويك، وقائد سرية السجون العقيد محمد الدسوقي، وآمري السجون.
7- تعالوا نتذكر المجرمين اللذين صلبا مع يسوع. فالمصلوب من جهة الشمال كان يشمت ويقول ليسوع: “أما أنت المسيح؟ فخلص نفسك وخلصْنا”. أما الآخر فانتهره وقال: “أما تخاف الله؟ نحن عقابنا عن عدل بسبب أعمالنا. أما هو، فما عمل أي سوء. وقال ليسوع: “أذكرني متى جئت في ملكوتك”. فأجابه يسوع: “الحق أقول لك: اليوم تكون معي في الفردوس” (لو23: 39-43).
أجل، السجن، كما قال أحدهم، يفيد للنهوض من بعد السقطة، من أجل المصالحة مع الذات، ومع الآخرين، ومع الله، ومن أجل إمكانية الإنخراط من جديد في المجتمع. فكما كان مجرم جهة اليمين رسولا تجاه مجرم جهة الشمال، كذلك أنتم وكل من ينهض روحيا وإنسانيا من سقطته، مدعوون لتساعدوا المتعثرين، الذين يرتكبون في السجن شرا فوق شر، على النهوض بنظرة جديدة ومسلك جديد.
8 – بسبب سقطتكم أو سقطاتكم، أنتم في السجن. فكروا بسقوط يسوع ثلاث مرات تحت الصليب الثقيل أصلا، والذي جعلته خطايا البشر أثقل. لكنه نهض بعد كل سقطة، بقوة يقينه أن الآب يحبه، ولا يتركه في ضعفه ومرارته وحزنه. هكذا أنتم، أيها السجناء الأحباء، أنهضوا في داخلكم روحيا ومعنويا، مقرين بخطئكم، ومتكلين على محبة الله. ونحن نرجو معكم ونصلي من أجل نهوضكم الحسي بخروجكم من أسركم واستعادة حريتكم، على أن تكون “حرية أبناء الله”. فالمسيح قام! حقا قام!
9- هذه هي نية صلاتنا من أجلكم ومن أجل كل سجين، في أي مكان وجد، وعلى هذه النية نقدم الذبيحة الإلهية، ملتمسين لكم، من ذبيحة المسيح ومن وليمة جسده ودمه، النعمة التي تقدسكم وتعضدكم وتقوي عزيمتكم”.