عون في مؤتمر التحول الرقمي: المدخل لتحديث الدولة ومكافحة الفساد في الادارة والحد من هجرة الادمغة عز الدين:لمراعاة الحفاظ على خصوصية المواطنين

اكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون انه “مع التطور المتسارع في عالم التكنولوجيا في مختلف القطاعات صار تحديث الدولة والتطوير الإداري ضرورة وليس ترفا أو من الكماليات” لافتا الى “اننا فيما نتلمس خطانا نحو الحكومة الرقمية وال E Goverment، نجد العديد من الدول قد تخطاها وصار في مرحلة حكومة الموبايل
M Goverment، بحيث يمكن المواطن انجاز جميع معاملاته في الدولة عبر الموبايل”.

وشدد على “ان التحول الرقمي للحكومة هو المدخل لتحديث الدولة ومكافحة الفساد في الادارة والحد من هجرة الادمغة”.

كلام الرئيس عون جاء خلال رعايته وحضوره مؤتمر “التحول الرقمي 2018” الذي نظمته وزارة الدولة لشؤون التنمية الادارية بعنوان “استراتيجية وطنية نحو مستقبل افضل” في فندق “فينيسيا” ويستمر يومين.

وشارك في المؤتمر وزيرة الدولة لشؤون التنمية الادارية الدكتورة عناية عز الدين، وزير الاتصالات جمال الجراح، وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني، وسفراء بريطانيا هيوغو شورتر، اليابان ماتاهيرو ياماغوشي، الصين جيانغ زنغ وي، المانيا مارتن هوت، وقطر علي بن حمد المري.

وحضر رئيس المجلس الاعلى للقضاء القاضي جان فهد، رئيس المجلس الوطني للاعلام
عبد الهادي محفوظ، المدير العام لوزارة الاعلام الدكتور حسان فلحة، رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور فؤاد أيوب، مديرة “الوكالة الوطنية للاعلام” لور سليمان صعب وعدد من المديرين العامين، الى ممثلين للأجهزة الامنية والجامعات اللبنانية والدولية وعدد من ممثلي الاجهزة الرقابية والقضائية ورؤساء بلديات وهيئات نقابية ونسائية.

بداية النشيد الوطني، فتقديم من الاعلامي سامي كليب الذي اعتبر “ان لبنان يشهد لحظة مفصلية لدخوله الحداثة والتطور”.

ثم عرض فيلم قصير يعبر عن اهم الافكار نحو لبنان الرقمي شرحت خلاله الوزيرة
عز الدين “الوسائل الممكنة للتحول الرقمي للبنان”.

الكلمة الاولى كانت لرئيس ابحاث علوم البحوث المستشار الاول للحكومة الرقمية البروفسور علي عبدالله الذي قال: “لقد رسمنا، خلال مؤتمرنا الأول الذي عقد في أيار من العام الماضي، مسار طموحاتنا لحكومة رقمية. وكانت هذه الطموحات عظيمة. وقد عاهدناكم أن نبني أسسا رقمية متينة تخدم مصالح لبنان في المدى الطويل وتساهم في رسم مستقبله وتعزز من قدرته التنافسية. لقد أمضينا الاشهر العشرة المنصرمة ندرس بإمعان ودقة تجارب الحكومات الأخرى ونحلل الخيارات ونضع النماذج ونتشاور مع اصحاب الشأن من اجل تطوير استراتيجية خاصة بحاجاتنا وتتماشى مع ثقافتنا، في الوقت عينه، حتى نصل الى تحقيق أهدافنا المرجوة.

ويسرنا اليوم، وبعد 10 اشهر، أن نقدم اليكم، في هذا المؤتمر، الاستراتيجية التي سنتعاون عليها معا ليصبح مشروعنا الوطني حقيقة”.

وأضاف: التحول الرقمي يعني التحالف مع التكنولوجيا لتصبح الخدمات بديهية وتلقائية تساعد الدولة على التقرب من المواطنين وشركات الاعمال والمجتمع. وهذا يتطلب تغيرا جذريا في المفاهيم والممارسات. وعوض تقديم خدمات محدودة العدد والقيمة، كما في الوضع الحالي، فان الرقمية البديهية digital by default تتيح لنا امكان تقديم آلاف من الخدمات التي صممت خصيصا لحاجات المواطن الحالية وتتجاوب مع حاجاته المستقبلية. الابتكار هو اساس التحول الرقمي ولا يقتصر فقط على تحويل الاجراءات من الورقية الى الرقمية وانما يعني ابتكار افضل السبل لتوفير الخدمات المتلائمة مع عصر الانترنت.

تهدف الاستراتيجية الى تحويل الدولة في فترة قياسية، وهي اربع سنوات، الى مؤسسة رقمية بجدارة.

ثم تحدث الخبير البريطاني في التحول الرقمي للحكومة البريطانية توم لوزمور عن تجربته في تحول بلاده التي تمكنت في الوصول الى المرتبة الاولى على مستوى الحكومات الرقمية”.

ألقى المسؤول في البنك الدولي في منطقة الشرق الاوسط وافريقيا بيتر موصلي كلمة رأى فيها “ان العالم يعيش في ثورة رقمية، لكن هناك عددا من الضغوط التي تؤثر على تأخر عدد من البلدان”.

وتحدث عن “الآثار الايجابية للحكومات المتحولة منها: حوكمة رشيدة، مزيد من الشفافية ما يخلص تلك البلدان من الفساد، بيئة صالحة للاعمال تسمح لمزيد من التنافسية، ادارة اكثر فاعلية والحد من نفقات الحكومة ومزيد من الخدمات، اضافة الى ايجاد فرص عمل جديدة للنساء”.

وشدد على “ان لبنان يتمتع بقدرة ريادية رقمية كبيرة وموهبة على مستوى الشباب مما يعزز دوره في التحول الرقمي”.

ثم كانت كلمة للوزيرة عز الدين، قالت: “ها نحن نلتقي مجددا في محطة جديدة من محطات مسار بدأناه في أيار من العام المنصرم في مؤتمر وطني أول أطلقنا عليه آنذاك اسم “ارساء أسس متينة للتحول الرقمي”، أعلنا فيه التوصيات الأولية لإرساء دعائم هذا المشروع الذي لا تخفى أهميته على أحد منكم، والذي ورد التزامه وعدا في خطاب قسم فخامة رئيس الجمهورية وبندا في البيان الوزاري لحكومة “استعادة الثقة” لدولة الرئيس سعد الحريري. وقلنا حينها أن كلا من العهد والحكومة حريصان على تكريس قيمة التزام العهود والوعود التي تطلق أمام الرأي العام اللبناني من أجل استعادة الثقة المفقودة بين المواطنين والسلطة في بلدنا الحبيب.

وسنعيد اليوم الوقوف عند الدوافع التي حتمت علينا المضي في تنفيذ هذا المشروع والنتائج والفرص المتأتية عنه على مختلف الصعد – المواطن، الدولة، الاصلاح، تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد امتدادا الى بيئة الأعمال والاقتصاد – فضلا عن التحديات التي تواجهه والمعوقات المرتبطة بالبنى التحتية الاخرى الضرورية لتنفيذ هذا المشروع، بالإضافة الى العواقب التي سنواجهها في حال بقي واقع الادارة على ما هو عليه اليوم”.

وأضافت: “لا ينفصل الواقع الاداري في لبنان عن الواقع السياسي والاقتصادي، نحن في دولة نظامها يعاني أزمات بنيوية وقلة ثقة المواطنين بالدولة وبالنظام الاقتصادي المتبع، الذي أوصلنا الى حد حذر معه فخامة رئيس الجمهورية من اضطرارنا الى الاستدانة للحفاظ على سعر صرف عملتنا. بدل أن نكون قادرين بواسطة الانتاج على حماية الليرة ورواتب اللبنانيين وقدرتهم الشرائية. وفي زمن عزت الموارد، أصبح التعديل في بنية النظام الاقتصادي وتطوير وترشيق وترشيد لآلية العمل الاداري وتخفيف أعبائها وجعلها أكثر شفافية وملاءمة لتلبية حاجات المواطنين للخدمات الاساسية وتطلعاتهم وحقهم في الحصول عليها بأقل الأعباء والمشقات أصبح حاجة ملحة. كل هذا يحتاج الى بنية تحتية من نوع آخر، بنية تحتية تواكب العصر الرقمي.
بقاؤنا كدولة لبنانية في واقعنا الحالي يعني أن الهوة بيننا وبين ما يتجه اليه العالم اليوم بسرعة تتجاوز الخيال أحيانا، ستتسع يوما بعد آخر، ونحن على أبواب الثورة الصناعية الرابعة.

والجدير ذكره الآن أن لبنان كدولة قد حقق 4.7% من طاقاته الرقمية Digital Potential، بينما حقق اللبنانيون كأفراد مستويات أعلى بكثير متفوقين بذلك على دولتهم. وأود أن أشير الى أن موقع accenturestrategy نشر دراسة في العام 2016 ذكر فيها أن الاقتصاد الرقمي سيشكل نسبة 25% من الدخل القومي للدول بحلول العام 2020 وأن الدول التي لا تتوفر فيها البنى التحتية اللازمة للدخول الى هذا العالم ستصبح متخلفة وغير قادرة على اللحاق بركب الاقتصاد العالمي.

وتابعت: “بعد سنوات قليلة، سيبدو الأمر كما لو أننا في كوكب لا صلة له بباقي دول العالم. نحتاج الى ثورة تقنية وادارية لمواكبة العصر ولبناء أحد مداميك الاقتصاد الحديث.

وهنا تكمن أهمية هذا المشروع الذي يشكل البنية التحتية الناعمة الضرورية واللازمة لإيجاد نهج جديد معاصر فاال لمعالجة ما ذكرناه من مشاكل وتحديات وللتمكن من ادارة كل مشاريع البنى التحتية الأخرى المأمول تنفيذها لإصلاح الادارة والأوضاع في مختلف القطاعات، في بيئة ادارية شفافة رشيقة وفاعلة.

لكل هذه الاعتبارات كانت هذه الاستراتيجية التي ستحول الدولة بإداراتها ومؤسساتها المختلفة الى مؤسسة رقمية تكون فيها البرامج الرقمية في الادارات المختلفة قابلة للتواصل فيما بينها بدل أن تعمل كجزر متفرقة ومنعزلة كما هو الحال الآن، في عالم أصبح فيه لكل فعل بعد رقمي وتكنولوجيا المعلومات أصبحت ضرورية لأي نشاط ناجح، فاعل ومؤثر وخصوصا في القطاع العام”.

وقالت: هنا أود أن أوضح وأشدد على أننا:

أولا: لسنا في صدد شراء تكنولوجيا، إنما في صدد القيام بعملية جذرية للإصلاح الاداري تستخدم التحول الرقمي أداة عصرية لاجتراح آليات ولفتح أفاق واسعة أمام عمليات الاصلاح المزمع القيام بها.

ثانيا: ان المعلومات (Data) تعتبر إحدى أكبر ثروات الحكومات الحديثة، كما أنها تعتبر المادة الأولية في عصر الرقمية، كما هي حال النفط والغاز في الصناعات الاخرى، وعدم مقاربة المعلومات بما تحمله من امكانات للاقتصاد سيعتبر هدرا لهذه الثروة والفرص المتأتية عنها. كما أن الادارة غير المدروسة وغير الممنهجة وغير المنظمة لهذه المعلومات ستؤدي الى:

أولا: خرق لخصوصيات المواطنين (Privacy) وثانيا لأمن الدولة.

وكما تعلمون، فالأمن المعلوماتي أصبح جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي والسيادة الوطنية، لذلك نحرص في هذه الاستراتيجية على مجموعة ضوابط ومعايير عالمية تراعي كل هذه الجوانب مع ما لها من انعكاس على الأمن القومي والسيادة الوطنية.
ثالثا: وقد عملنا على اتباع نهج جديد في العمل وفي التعامل مع مختلف الاطراف المعنيين بهذا المشروع:

أ – المواطن: نحرص على ان تكون العلاقة مع المواطن قائمة على التشاركية والتعاون والانفتاح وعلى جعل المواطن محورا لعملية التحول الرقمي ووضعه في صلب الاهتمام واعطائه حق المبادرة والمشاركة عبر منصات رقمية يقوم من خلالها بعملية تفاعلية (Interactive) منظمة وهادفة مع الدولة. ما نقصده هنا ان المواطن سيصبح شريكا في تصميم الخدمات من خلال عرض النسخة الاولية على المواطنين لفترة معينة من الزمن نتلقى خلالها تفاعل المواطنين وآراءهم وبعدها نعمل على تعديل النموذج الاولي بما يتلاءم مع حاجاتهم وآرائهم، وهذا نهج جديد للتعاطي مع مواطنينا. واليوم ندعو اللبنانيين الى الاطلاع على النموذج الاولي للنافذة الموحدة لخدمات الدولة والمعلومات التي تخص المواطنين عبر Portal.gov.lb. ويمكنهم الآن الدخول الى كل صفحات هذا الـPortal وتزويدنا آراءهم واقتراحاتهم لتحسينه لنعمل بعدها على الانتقال الى المرحلة الثانية بحيث يتم اكمال وتوسيع هذه المعلومات، على أمل أن نطلق قريبا موقع www.gov.lb ليكون نافذة المواطن على الدولة.

ان المشروع يعني، في ما يعنيه ايضا، تمكين المواطنين من انجاز ما يريدونه من خدمات عبر شبكات الانترنت (End to End) في مسار متكامل من لحظة طلب الخدمة الى لحظة الحصول عليها.

– نحرص على ضرورة وضع الأسس لمراعاة الحفاظ على خصوصية المواطنين مع ضمان عدم الاساءة في استخدامها وعدم اعطائها الى أي جهة الا من خلال آلية واضحة تضمن الحصول على موافقة المواطن.

ب – منهج التشاركية لا يقتصر على المواطن فقط، انما بدأنا بوضع أسس للتشاركية مع كل الاطراف ذوي الصلة سواء داخل الدولة او القطاع الخاص او المجتمع المدني والجامعات بحيث أننا أنجزنا وضع برنامج لطلاب الجامعات (Internship Program) لإعطاء الفرصة لهم بإجراء دورات داخل وزارة التنمية الادارية للاطلاع على طريقة العمل والمشاكل التي نواجهها والحلول. هذا البرنامج بالإمكان تطبيقه في كل الوزارات الاخرى.

هذا النهج الجديد سيتجلى أيضا في:
– الوسائل المتبعة لتنفيذ هذا المشروع بحيث أننا سنعمل وفق الأسس التالية:

– العمل وفق آليات المصادر المفتوحة (Open Source) بما يساعد على الافادة من الخبرات العالمية والتعلم من نجاحاتها واخفاقاتها وبكلفة أقل بكثير مما هو عليه الحال الآن.

– سيتم العمل على انشاء منصات موحدة (Common Digital Platforms)، مثلا، ستكون هناك طريقة موحدة يتبعها المواطنون لاثبات الهوية الرقمية لهم (authentication)، طريقة موحدة للدفع وطريقة موحدة للاتصال بالمواطن، وهذا من شأنه أن يسهل التعامل مع المواطن ويعزز تجربته الرقمية ويحسن جودة الخدمات.

نتائج هذا المشروع على عمل الادارات:
ان التحول الرقمي له انعكاسات ايجابية على عمل الموظفين بحيث ان الدولة المترابطة تجعل المعلومات (data) في متناول أيديهم ما يجعل عملهم اكثر فعالية وشفافية وسرعة ما يؤدي حتما الى تطوير الادارة. ان المنصات الموحدة التي أشرت اليها سابقا ستشكل بابا من أبواب ترشيد الانفاق ووقف الهدر في تنفيذ مشاريع المكننة. وهذا ما هو غير حاصل الآن، إن امكان انجاز الخدمات من أولها الى آخرها (end to end) رقميا يوفر أعباء مالية وادارية على الناس والدولة”.

وقالت: “نحن نتحدث اليوم في الموازنة عن محاولة لخفض 20% من موازنة كل ادارة. والتكنولوجيا هي بمثابة مفتاح لانجازات اكثر بكلفة أقل من ذلك بكثير (make more for less). انجازات اكثر يعني خدمات اكثر بطريقة مرنة قابلة للتطور مع تطور حاجات المواطنين وكل ذلك بكلفة أقل. وقد تم اختبار هذه المعادلة بنجاح في العديد من الدول. وتقول أجهزة التدقيق الدولية ان تكلفة العملية التجارية الالكترونية اقل بعشرين مرة من تلك التي نقوم بها عبر الهاتف، وأقل بستين مرة من الخدمات التي نقوم بها وجها لوجه.

أثر التحول الرقمي على بيئة الاعمال والاقتصاد:
هنا أود أن اذكر بما أشرت اليه في مطلع الكلمة بأن المعلومات تعتبر على ابواب الثورة الصناعية الرابعة الفيول او المادة الاولية الخام لهذا العصر الرقمي الحديث، هي ثروة تختزنها كل دولة في اداراتها (تماما كما تختزن الارض النفط في جوفها) وهذه المعلومات يجب العمل على استخراجها وتنقيحها ووضعها ضمن كاتالوغات، ونشرها على منصات مفتوحة (open data)، طبعا نتكلم على المعلومات التي لا علاقة لها بالأمن القومي، لتشكل البنية التحتية الناعمة لاقتصاد المعرفة (knowledge economy) عندها ستصبح متوافرة للدولة وللجامعات والشركات لتستعملها في صنع الخدمات وتقديمها رقميا الى المواطنين بشكل سريع وعملي وبأقل كلفة ممكنة. والا ستكون هذه المعلومات ثروة مهدورة.

ان هذا سيؤدي الى انشاء البنية التحتية الناعمة والبيئة المتكاملة (Eco System) للصناعة الرقمية (e-industry) ما يسهل عمل الشركات الخاصة، وعلى رأسها الشركات الوطنية ومنها الناشئة الصغرى والمتوسطة ما يؤدي لاحقا الى اقتصاد رقمي (e-economy) بعيدا من احتكار الشركات الكبرى.
كل هذا سيحسن بيئة الاعمال ويشجع المستثمرين على العمل في لبنان في مختلف القطاعات.
وهذا بدوره سيؤدي ايضا بصورة مباشرة وغير مباشرة الى توفير فرص عمل كثيرة لأبنائنا الذين لا خيار لهم بعد التخرج من الجامعات سوى الهجرة، وهنا تجدر الاشارة الى ان شباب لبنان يتمتع بالكثير من مقومات النجاح من مستوى أكاديمي عال الى اتقان اللغات المتعددة وقدرات باهرة على الابتكار والابداع.

هذه المقاربة الجديدة للمعلومات (data) ستمكن الحكومات من اتخاذ قرارات ورسم سياسات مبنية على حقائق موضوعية وعلمية مثبتة بالأرقام.

تأثير التحول الرقمي على مكافحة الفساد:
ان هذا المشروع:
أولا: يعزز الشفافية في القطاع العام وقد أثبتت تجارب التحول الرقمي في العالم ان هذه الوسيلة تشكل عنصرا رادعا للفساد.

ثانيا: يؤمن بشكل تلقائي الآليات اللازمة لنقل قانون حق الحصول على المعلومات الى حيز التطبيق العملي والفعلي.

ان مشروع التحول الرقمي ككل المشاريع الاستراتيجية في لبنان يحتاج الى قرار سياسي داعم على أعلى المستويات والى مشاريع أخرى مكملة”.

وأضافت: “نحن نعيش في بلد يعاني نقصا حادا، وعدم استقرار في انتاج الطاقة الكهربائية وتوزيعها. والطاقة ليست مصباحا منزليا فحسب، بل هي عصب الصناعة، والمواصلات الحديثة، والاتصالات، والاتصالات أيضا هي العمود الفقري والجهاز العصبي لأي مشروع رقمي.

أمام هذا الواقع، لا بد أن يترافق مشروع التحول الرقمي مع مشروعين اثنين، لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر: توفير الاستقرار الدائم في انتاج الطاقة الكهربائية ونقلها وتوزيعها، واستكمال مشروع شبكة الألياف الضوئية، التي ستنقل قطاع الاتصالات من حيث هو الآن الى مكان يجعله قابلا لحمل مشاريع كبرى كمشروع التحول الرقمي. وهذا المشروع يحتاج أيضا الى ورشة تشريعية تواكبه، تدعم الابتكار وتنتقل بمفهوم تطوير الادارة من مجرد مكننة العمليات الادارية الورقية المعمول عليها حاليا – لأننا رغم ما لدينا من مشاريع مكننة متفرقة ما زلنا دولة ورقية – الى وسائل رقمية مبتكرة وعصرية للأعمال الادارية.
وهنا لا بد من التوجه بالشكر الجزيل لدولة رئيس مجلس النواب على دعمه وتشجيعه الدائم للمضي قدما في هذا المشروع على رغم كل المعوقات وايمانا منه بأهمية هذا المشروع الذي أفرد له مكانا خاصا في الأجندة التشريعية ضمن البرنامج الانتخابي لكتلته النيابية”.

وتابعت: “من البديهي القول ان هذا المشروع لا يمكن أن يصبح واقعا الا بالاعتماد على طاقات وموارد بشرية مبدعة داخل الدولة، من اجل ذلك يجب اعتماد قواعد ومحفزات لجذب هذه الطاقات البشرية للعمل داخل القطاع العام ومساعدتها على بناء وتطوير مسار مهني (Career Path) مواز لفرص التنافس في القطاع الخاص.

ولا بد من بناء قدرات عالية داخل القطاع العام تنتج روادا (leaders) لبنانيين في المجال الرقمي والادارة، يدركون حساسية وأهمية العمل الوطني الذي يقومون به وأهميته ويدينون بالولاء لدولتهم. والاستثمار في القدرات الداخلية لم يعد من الكماليات واصبح ضرورة من ضرورات العصر الرقمي.
قد يخيل للبعض أننا نحلم، ويسألون هل هناك أمل ولو ضئيلا لتحقيق ذلك ونقول لهم: نعم، نعم هناك أمل”.

وقالت: “خلال هذين اليومين سنستمع الى تجارب دول بدأت من حيث بدأنا وأصبحت الآن دولا رقمية بامتياز بعد بضع سنين فقط من العمل الجاد والدؤوب وفق استراتيجيات صحيحة وعلمية.
والشعب اللبناني الجبار المعطاء الصابر والمبدع قادر على تحويل هذا الحلم الى حقيقة اذا تضافرت الجهود والارادات العالية للتعاون والتواقة الى التغيير والتطوير. وهذا ما لمسته عند معظم مندوبي الوزارات والادارات الذين التقيناهم مرات عديدة في اطار التحضير لهذه الاستراتيجية الوطنية، وعند جميع الأفرقاء والجهات الاخرى المعنية بهذا المشروع والتي التقيناها ايضا خلال الفترة السابقة”.

واكدت ان “هذه الاستراتيجية هي بكل ما للكلمة من معنى “صنع في لبنان”.

وأضافت: “يحدونا الامل أن نلقى منكم كل الدعم المطلوب السياسي والمعنوي اللازم والملزم للجميع وعلى كل المستويات.
شكرا لكل الذين تعاونوا معنا لوضع هذه الاستراتيجية، ولا سيما فريق وزارة التنمية الادارية الذي عمل على تحضير portal.gov.lb والدكتور علي عبدالله الذي عمل جادا منذ شهور عديدة وليل نهار لاعداد هذه الاستراتيجية مسخرا لها كل خبراته الاكاديمية والعملية العالمية وعلاقاته مع الخبراء المحليين والدوليين. ونشكر ايضا فريق البنك الدولي الذي عكف على مراجعة الاستراتيجية ووضع ملاحظاته عليها بعدما كلفنا فخامة رئيس الجمهورية عرضها عليهم”.

وشكرت “كل من دعمنا، وبحب كل من لم يدعمنا لأنه أعطانا الفرصة لندعوه الى مغادرة مساحة اليأس والتيئيس ولنقول له إن وجودنا هنا اليوم هو دليل على أن الاستسلام للأمر الواقع ليس قدرا وأن الارادات الصلبة كفيلة ترك أبواب الامل مشرعة على المستقبل الافضل”.

وشكرت ايضا “دولة الرئيس الحريري على حضوره ودعمه لنا في بدء هذا المسار العام الماضي، والشكر الكبير لكم، يا فخامة الرئيس، أنتم الذين أعطيتم برعايتكم لهذا المؤتمر وحضوركم لافتتاح أعماله دعما سياسيا وبعدا وطنيا جامعا”.

وألقى الرئيس عون كلمة ذكر فيها بأنه “عندما اعتبرت في خطاب القسم، تأليل إدارات الدولة هدفا وجزءا أساسيا من خطة الإصلاح الاقتصادي، فذلك لإيماني بأن هذا هو المدخل لتحديث الدولة ولمكافحة الفساد في الإدارة، وأيضا للحد من هجرة الأدمغة.

وقال: “مع التطور المتسارع في عالم التكنولوجيا في مختلف القطاعات، صار تحديث الدولة والتطوير الإداري ضرورة وليس ترفا أو من الكماليات”.

اضاف: “فيما نحن نتلمس خطانا نحو الحكومة الرقمية وال E Government، نجد العديد من الدول قد تخطاها وصار في مرحلة حكومة الموبايل M Government، بحيث يمكن المواطن القيام بجميع معاملاته في الدولة عبر الموبايل”.

وأعلن “ان الإدارة في لبنان، وعلى الرغم من بعض محاولات التحسين والتطوير في بعض الوزارات، فإنها لا تزال دون المطلوب بدرجة كبيرة، ولا يمكن أي قطاع أن ينطلق كما يجب ويحقق إنجازا، في ظل إدارة تكبلها البيروقراطية والتقنيات القديمة والتقليدية، وينخرها الفساد”.

واعتبر “ان الفساد في الإدارة هو وجه من أوجه الفساد العام، ومكافحته ضرورة على كل الصعد، فهو يسيء الى سمعة الدولة ككل، ويضرب ثقة المواطن بمؤسساته الرسمية، ويعرقل سير العمل”. وقال: “التأليل أو التحول الرقمي هو اجراء عملي لقطع دابر هذا الفساد لأنه يؤمن شفافية الإدارة، ويقطع الطريق أمام كل أنواع الرشوة والسمسرات والعرقلة، ويمنع التزوير، ويؤمن أيضا سلامة المحفوظات وحمايتها وسهولة حفظها والعودة اليها عند الحاجة، ويوفر الوقت والجهد”.

ورأى ان “هجرة الأدمغة هي مشكلة لبنان الكبرى، على الصعيد الاقتصادي كما الاجتماعي، فنحن نصدر خيرة أبنائنا الى الخارج، ونتابع من الإعلام العالمي أخبار نجاحاتهم وإبداعهم، وكل ذلك لأن وطنهم غير قادر على توفير سوق العمل المناسب لمؤهلاتهم”.

واكد “أن مشروع التحول الرقمي للحكومة سيحتاج الى الكثير من الكفايات والخبرات وسيفسح المجال للإبداع اللبناني أن يبرع في وطنه وبين أهله”.

وقال: “إن المعلوماتية والتكنولوجيا الذكية والرقمية صارت ثقافة عصرنا هذا، وولد نوع جديد من الأمية، يشعر به كل من لا يزال بعيدا من هذا العالم، مهما بلغت ثقافته “التقليدية” ودرجة تعليمه”.

اضاف: “انقلبت الأدوار، صار صغير العائلة هو المعلم، يشرح بسهولة فائقة ما يستعصي على الأهل فهمه في هاتفهم أو حاسوبهم، وفي هذا مؤشر إضافي الى أن عالم الغد هو لهذه التكنولوجيا، وأنها ستكون من أكثر القطاعات جذبا للاستثمار”.

وتابع: “سأترك التقنيات لأهل الاختصاص، ولكن ما أود تأكيد هو أن وضع استراتيجية للتحول الرقمي يشكل الخطوة الأولى في مشروع، إذا أحسنا تنفيذه، يجعل من لبنان نقطة استقطاب في المنطقة للتكنولوجيا الرقمية، مع ما يعنيه ذلك من نهضة على مختلف الصعد”.

واشار الى ان “مؤسسة “أوجيرو” اعلنت منذ فترة وجيزة عن استراتيجية “الرؤية الجديدة” لتطوير قطاع الانترنت، فإذا تمكن لبنان فعلا من تنفيذ هذين المشروعين المتلازمين فسيكون قد خطا خطوة جبارة تؤسس لاقتصاد جديد، يفتح له آفاقا جديدة”. وقال: “نحن بدورنا، نسعى الى تأمين الظروف الملائمة التي تسمح بالتنفيذ، خصوصا ما يتعلق منها بتثبيت الاستقرار السياسي والأمني”.

وحيا رئيس الجمهورية “العمل الدؤوب للوزيرة عناية عز الدين ولفريق العمل، ولكل القيمين على هذا المشروع”، متمنيا “أن تثمر جهودكم وتتكلل بالنجاح”.

عن Editor1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *