أقسم 21 قاضيا متدرجا ناجحا في معهد الدروس القضائية اليمين القانونية، أمام هيئة خاصة لمحكمة التمييز برئاسة الرئيس الأول القاضي جان فهد وعضوية الرئيسين القاضيين ميشال طرزي وسمير الحركة، في حضور رئيسة معهد الدروس القضائية القاضية ندى دكروب ومدير المعهد القاضي سهيل عبود.
بدأ الاحتفال بالنشيد الوطني، ثم ألقت القاضية دكروب كلمة اعتبرت فيها “ان تهيئة القاضي المتدرج لتولي العمل القضائي عبارة، أساسها نص قانوني حملناها في وجداننا وجعلناها تنطق استزادة في العلم والثقافة وتوجيها في المناقبية دون ان ننسى الحرص على التواصل الحقيقي، والبناء معنا ومع بعضكم البعض، وها هي قد أزهرت دفعة جديدة من حماة الحق”.
اضافت: “بكم اليوم نكبر ونعتز، فلقد أصبحتم قضاة بالفعل لا بالقول، والناس كل الناس يتشوقون الى احكام العدالة الحقة في زمن بات الفساد يحيط بنا من كل صوب، فقاتلوه باقلامكم… ولتضيء احكامكم محرابكم ولتكن اسماؤكم عنوانا للعدالة، ورؤوسكم متوجة باكليل الحكمة قبل ان يعلوها تاج القضاء، وتمستكوا بعصى العدل قبل ان تحملوا صولجان السلطة”.
وتابعت: “اعملوا بصمت وجاهدوا بتضحية، فالعظمة الحقة هي في ارواحكم النقية وانفسكم الابية، ولا تتأففوا من نقد يوجه اليكم بموضوعية، بل احذروا من المجلجلين والمعظمين لكم، ابتغاء لمنفعة، واجتنبوا المبالغة والافراط في الثقة، وترفعوا عن مباهج الدنيا الغرور، وعن اغراءات كبيرة يلوح بها اصحاب النفوس الصغيرة. ولا تهدروا حقا بطول انتظار فيربح الظالم بالاجحاف ويخسر المظلوم بطول الزمان والزمن”.
وقالت: “لا يستسهلن احد منكم اي مهمة في القضاء، فأحكامكم ايا تكن مواضيعها ينبغي ان تكون ثمرات قلم وثمرات عقل بالغة الدقة هي، تتطلب الحكمة بمقدار ما تتطلب من روح الضمير، وهي لا تستقيم ان لم توازن بين داعي العلم وداعي الحدس، وهي تبقى دون حياة، ان لم يواكبها اندفاع لنصرة مظلوم، فكم من قرار وقرار ضل الطريق او تخطى الحد فاشاع ظلما على ظلم. لذا فكلما ازددتم انحيازا للحق ازددتم ألقا، وكلما انجزتم للعلم ازددتم عدالة وحافظتم على اسس القضاء: الاستقلالية، النزاهة، الكفاءة، الحياد والشجاعة، التي تجمع في ثناياها صفات القاضي الاساسية والتي لا جوهر لحياته بدونها. وكما قال كبير من قضائنا يوما ان كل حكم قضائي يصدر عادلا محصنا، عصيا، شجاعا، مترفعا عن الصغائر هو طعنة في خاصرة الظالم الفاسد، فكونوا قضاة حق تستحقون القضاء”.
وختمت: “اخيرا وليس اخرا، تمسكوا بما تعلمتموه في المعهد وليكن قضاتنا الشرفاء اصحاب الايادي البيضاء في صرح العدالة، قدوة لكم، ولا تتأثروا بما تسمعون هذه الايام فهي غمامة ستزول وسينتصر عليها القضاء”.
بعدها، القى مدير المعهد القاضي عبود كلمة، قال فيها: “بعد سنوات ثلاث من الجهد والبذل والغطاء، تقسمون يمين الانتماء الى القضاء اللبناني، فهنيئا لقضائنا، يزهو بكم ومعكم، وهنيئا لنا بمنضوين جدد الى العائلة القضائية، مستحقين عن جدارة شرف رسالة قضائية، خطها السابقون، وسيستكملها اللاحقون، بتضحيات، وانجازات مطلوبة من الشعب، الذي باسمه ستحكمون”.
اضاف: “ان الشعب الذي تحكمون باسمه يطلب منكم، ومنا جميعا، ان نكون: عادلين بلا تجاوز، عالمين بلا تبجح، عاملين بلا تخاذل، ومتسلحين دائما وابدا بتواضع الانقياء والحكماء، وممسكين بغير وهن بمشعل الحرية، وعاشقين للنزاهة والاستقلالية والتجرد، وباختصار، ان المطلوب امرأة او رجل حر لا يسعى الى الظهور ولا ينتظر شيئا من السلطة”.
وتابع: “أما ما تطلبونه وما يطلبه كل قاض من القضاء فينحصر في تأمين ما هو حق لكل قاض حر، اي: العمل على بلورة سلطة قضائية مستقلة، قيادية ومبادرة، مخططة وساهرة، حرة ومنزهة، كفوءة وعادلة، كما تطلبون وستطالبون بلا ادنى وجل او خشية، بتأمين مقومات ومستلزمات حياة كريمة، تليق بمن ولي القضاء، وباعتماد تقييم عامي منزه لعمل كل قاض، وبتطبيق مبدأ الثواب والعقاب أساسا لاي تعيينات او تشكيلات قضائية، بعيدا عن اي محسوبيات، وستطالبون ايضا، بوجوب التصدي بغير مهادنة لاي تهجم غير مبرر على القضاء وعلى القضاة”.
وختم: “سنلتقي حتما على دروب العدالة، في زمالة أساسها القضية القضائية والمحبة والاحترام المتبادلان، ويقيني انكم ستنحتون بإزميل الحق، وبمطرقة العدالة، على جدار حياتكم القضائية وعمركم، منحوتات بذل وعمل وعطاء، وانكم ستستحقون القضاء وستستحقون وطنكم لبنان”.
ثم تلا القاضي رودني ضو المرسوم رقم 1406 القاضي بتعيين قضاة اصيلين في ملاك القضاة العدليين، وجاء فيه:
المادة الاولى: عين في ملاك القضاة العدليين بوظيفة قاض من الدرجة الاولى كل من القضاة المتدرجين الناجحين في معهد الدروس القضائية السادة:
ندى وجدي غانم، رين جورج ابي خليل، ديانا محمد شريم، سينولا شوقي ضاهر، روى حسن الشديد، لميس عباس الحاج دياب، سيلين ميشال الخوري، يامن حسين الحجار، طارق احمد صادق، علي طارق الخطيب، محمد كمال شرف، ماري تريز سيمون القزي، ندى سمير بو خليل، محمد فهمي عويدات، ريشار حنا السمرا، ريما وليد عاكوم، لطيف جرجس الخوري جرجس نصر، ايلي اميل ابو مراد، رودني الياس داكسيان، جسيكا منير شحود، احمد علي عيسى.
المادة الثانية: ينشر هذا المرسوم ويبلغ حيث تدعو الحاجة.
بعدها اقسم القضاة اليمين القانونية.
والقى القاضي فهد كلمة توجه فيها بالشكر والتهنئة للاهل “الحاضرين منهم معنا اليوم وغير الحاضرين، الشكر، على ما بذلوه من تضحيات وعطاءات لتربيتكم تربية صالحة وتأمين العلم والثقافة لكم فهم شركاء لنا في رفد السلطة القضائية برجال ونساء يعززون دولة القانون في لبنان، والتهنئة لكم ايها الاهل على نجاح اولادكم في انطلاقة حياتهم العملية، هذا مدعاة فخر لكم، وانا اقول لكم شكرا افخروا بانفسكم وبأولادكم، بيد انه لم يعد بامكانكم التدخل في عمل أولادكم، فمنذ الان خلعوا عنهم رداء الطالب ليصبحوا قضاة هذا الوطن”.
وقال: “في كل مرة استقبل قضاة في ملاك القضاء العامل، أتذكر يوم اقسمت اليمين لأساهم في ورشة ارساء دعائم دولة القانون المستمرة. أغرف من ذكريات ذلك اليوم واضيف اليها ما اختبرته خلال السنوات الطوال التي قضيتها في القضاء، فأنقل اليكم بعض ما يقتضي ان يلازمكم طوال مسيرتكم القضائية لكي تحكموا بالعدل بين الناس وتؤدوا الرسالة على أكمل وجه. ليس كل شعور يختلجكم او فكرة تراودكم اليوم سيبقيان ملازمين لكم طوال مسيرتكم القضائية”.
اضاف: “تبدأون اليوم مرحلة من حياتكم أصبح فيها توقيع كل واحد منكم على اي قرار او حكم، ذات اثر على حياة اشخاص مظلومين يتوقون للعدالة او اشخاص ضلوا طريقهم ويحتاجون للمؤازرة او اشخاص معرضة حقوقهم للضياع جعلوا قراراتكم واحكامكم مسندة الى القانون. ان القاضي مؤتمن على حسن تنفيذ القانون، وهو لا يملك بالتالي حق استنباط القواعد القانونية، اللهم الا عند غياب النص او غموضه. بغير ذلك يكون القاضي قد تجاوز حدود استقلاليته، وتعدى على استقلالية السلطة الاشتراعية وحقها في سن القوانين. بيد ان تطبيق القانون لا يمنع القاضي من سد الثغرات القانونية والتفكير بالحلول التي تشكل تصحيحا لها ضمن الحدود التي يمنحها المشترع والاصول”.
وتابع: “منذ اليوم، اصبحتم شركاء عضويين في السلطة القضائية، عماد دولة القانون. ولا يمكن ان يساهم أي قاض في تطوير السلطة القضائية، الا اذا ترك وراءه جميع انتماءاته والتزاماته التي تتناقض مع استقلاليته. ليكن انتماؤكم للحق والعدل، لوقائع الملف وللقانون. ابعدوا عنكم كل ما يمكن ان يشوش صفاء ذهنكم عند قيامكم بأعمالكم، ابقوا بمنأى عن كل تأثير سواء من اشخاص او افكار مسبقة، واجعلوا قراراتكم عاكسة لصورة السلطة القضائية المستقرة في قراراتها والموحدة في اجتهاداتها. ابتعدوا عن الشخصانية وعن التفرد، فالقرارات القضائية لا تشكل امتدادا لشخص القاضي، وهي منذ تاريخ صدورها تدخل في الملك العام، وبعد هذا التاريخ لا يعود للقاضي ان يدافع عنها او يتبجح بها، ولا تعتبروا ان التعليق عليها سلبا او ايجابا يشكل تعرضا لشخصكم”.
وتوجه فهد الى القضاة بالقول: “اجعلوا ولاءكم منذ اليوم للسلطة القضائية، ولها وحدها فقط، لأنظمتها المنصوص عليها في قانون القضاء العدلي، لتقاليدها، لأصول عملها، وتقيدوا بقواعد تمثيل القضاة ضمن نظام الهيئات الاستشارية في كل ما يمس حقوقكم الاجتماعية”.
واعلن ان “مجلس القضاء الاعلى وضع بالتعاون مع مجلس شورى الدولة خارطة طريق في العام 1999 يقتضي اتباعها واتخاذها نهجا لحياتنا”، وقال: “انها مبادىء الاخلاقيات القضائية التي أصبحت مكرسة كتابة. انني ادعوكم لابقائها نصب أعينكم والعودة اليها مرارا وتكرارا طوال مسيرتكم القضائية في كل مرة يساوركم شك حول تصرف او قرار”.
وقال: “منذ اليوم اصبحتم تحت مجهر الناس لا سيما المتقاضين منهم، فكل تصرف يصدر عنكم سواء على قوس المحكمة او خارجه سيكون سببا للحكم عليكم وعلى عدالتكم وسينعكس على تقييم الناس للسلطة القضائية سلبا كان ام ايجابا.
واعلن فهد ان “مجلس القضاء الاعلى وضع مؤخرا مشروع تشكيلات قضائية وأحاله البارحة على معالي وزير العدل، وقد تم اعتماد مبادىء الاقدمية والكفاءة والمداورة في المراكز القضائية مع الاعتماد على الطاقات الشابة وراعى حاجات المحاكم، والاختناق الحاصل في بعض المواقع القضائية. وهو يتطلع الى ان يولد هذا المرسوم زخما في عمل المحاكم وانطلاقة جديدة بعد مرور ما يقارب السبع سنوات على اخر مرسوم تشكيلات قضائية موسعة”.
وقال: “لقد حرص المجلس على ان يشملكم مشروع التشكيلات بغية الاستفادة من طاقاتكم في تزخيم العمل القضائي، وكلكم تعلمون كم ان القضاء مطالب اليوم اكثر من اي وقت مضى بزيادة فعاليته لارساء دولة القانون”.
ووجه “الشكر الجزيل الى معهد الدروس الضائية، رئيسة ومديرا ومجلس ادارة وهيئة تعليمية على الجهد الذي بذلوه في تنشئتكم وتهنئتكم كقضاة عاملين”.
وختم بالقول: تبدأون اليوم مسيرة قضائية بيضاء نقية بهية وناصعة، فاحرصوا على ان تبقى كذلك لحين ترجلكم عن حصان العدالة، واعلموا ان استقلال القاضي ليس منحة او هدية او امتيازا له، انه واجب عليه وحق للمواطن وضمانة للمجتمع والاستقلالية ذات وجهين: استقلالية ذاتية واستقلالية المؤسسة. الاستقلالية الذاتية هي بيدكم لا يمكن لاحد ان يسلبها منكم. واستقلالية المؤسسة هي مسيرة طويلة بدأت منذ زمن ونأمل ان تتفعل في الايام والسنوات القادمة، وقد لقينا التجاوب بشأنها من اعلى السلطات. وأيا تكن الحال كونوا مستقلين”.