نظم معهد المعارف الحكمية، لمناسبة التحرير الثاني للبنان، ندوة بعنوان “حوار العيش المشترك” في صالون كنيسة مار اليان في رأس بعلبك، بمشاركة الوكيل الشرعي العام للامام الخامنئي في لبنان الشيخ محمد يزبك، راعي ابرشية بعلبك الهرمل للروم الملكيين الكاثوليك المطران الياس رحال، رئيس اتحاد علماء المقاومة الشيخ ماهر حمود، وحضور النائب الوليد سكرية، النائب السابق سعود روفايل، رؤساء بلديات ومخاتير ورجال دين وجمع من الأهالي.
وبعد النشيد الوطني والوقوف دقيقة صمت عن أرواح الشهداء، القى رئيس بلدية رأس بعلبك دريد رحال كلمة قال فيها: “لنا الشرف باستضافتكم في بلدتنا لندوة حوار العيش المشترك الذي هو فعل يومي يعيشه أبناء البلدة، وقد مارسوه منذ مئات السنين، بكل فخر ودون تمييز، كما قدم التحية لفخامة رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة العماد ميشال عون ولقائد الجيش العماد جوزف عون على معركة تحرير جرودنا وتلالنا من دنس الإرهابيين وفكرهم الظلامي، ننحني إجلالا للشهداء، شهداء الجيش اللبناني الذين سطروا ملاحم البطولة في الجرود وأعادوها الى كنف الدولة اللبنانية.
كما وجه التحية لشهداء المقاومة اللبنانية لتحريرها جرود عرسال.
وأخيرا شكر الضيوف والمعهد على مبادرتهم السامية في اللقاء ببلدة رأس بعلبك، بلدة الإنفتاح والحفاظ على التقاليد والعادات الراسخة بالتضامن والتكافل مع أهل منطقتنا الغالية.
ثم تحدث المطران رحال وقال: “نجتمع اليوم في كنيسة مار الياس فهو الطبيب الشافي من كل الأمراض التي تبعدنا عن العيش المشترك الذي نعيشه منذ القدم بمحبة واحترام متبادل، كما نتبادل وجهات النظر، وهذه ميزة في هذه المنطقة لا نراها في مكان آخر”.
وقال: “منذ استلمت مطرانية بعلبك الهرمل من 14 عاما رفعت شعارا ولا زلت “الإيد بالإيد والقلب بالقلب” مستشهدا بكلام الإمام المغيب السيد موسى الصدر عندما قال التعايش المسيحي – المسلم ثروة يجب التمسك بها”.
ثم حدد رحال مبادىء وأسس العيش المشترك بحسب الرؤية المسيحية بثلاث مبادىء:
أولا: الإرادة المشتركة في العيش معا هي إرادة بين ثماني عشر طائفة قد أوجدتها في لبنان الظروف التاريخية المعينة، وقد ارتضت أن تعيش معا في المساواة والتآخي.
ثانيا: هو التركيز على ما يؤول الى خير جميع المواطنين وليس على ما يعزز مواقع مختلف الطوائف، فليست مسألة إلغاء الطوائف بل مسألة إعطاء الأولويات في التفكير والممارسة، والمطلوب لتعزيز العيش المشترك الإنتقال من تفكير طائفي الى تفكير وطني أي إعطاء الأولوية لخير الوطن وليس للطائفة.
ثالثا: السبل لتوطيد العيش المشترك وهي تعزيز حقوق الإنسان وتطبيق العدالة الإجتماعية بين جميع المواطنين واعتبار الدين عنصر سلام وليس عنصر خلاف واعتماد الحوار على صعيد الحياة اليومية وعلى الصعيد الديني والتخلص من النزعة الطائفية والتعصب الديني وقبول التعددية والتنوع، فالتعددية الدينية لا تتناقض مع وحدة المجتمع وتآلفه وانسجامه، فالتنوع ثراء للوطن”.
وختم: “ان المسيحيين والمسلمين يؤمنون بالله الواحد وإن كان ذلك بطرق متنوعة ولكي نعيش معا ونبني معا الوطن الواحد، نحن اليوم مدعوون الى تجديد نظرتنا الى إيمان الآخرين فلا يرى كل منا الآخر عدوا وضالا بل أخا يسلك طريقا آخر للوصول الى الله الواحد وليس لأي منا أن يحكم على ضمير الآخر، إلا ان الله واحد، وهذا الإله الواحد يدعونا الى أن نتعاون كل من منطلق ديانته لبناء وطن واحد هو وطن الإنسان المدعو الى تجسيد القيم الإلهية في العالم”.
ثم ألقى الشيخ حمود مداخلته قال فيها: “كنت أطمح الى المجيء اليكم عندما كان العدوان جاسما هنا على القمم القريبة لنشارككم الدفاع عن هذه الأرض العزيزة التي هي جزء عزيز من وطننا وجزء من مفهوم العيش المشترك لكننا تأخرنا قليلا ونحن هنا في أقل جهد ممكن لدعم العيش المشترك او العيش الواحد الذي هو جزء من عقيدة الدين الواحد من شرائع الله جميعا بل من الشرائع البشرية جميعا، وليس هناك ما يدعو الى القتل المجاني ليس هناك من عقيدة أو فهم أو أي انتماء بشري سليم يدعوالى الإنتقام المجاني والى العداوة المجانية ولكن الرسالة بحاجة للانسان وان المجتمع البشري لا يكون مجتمعا إلا اذا تعاون فيه الناس جميعا على مصلحة الجميع وبعد خروجنا من الحرب الأهلية اللبنانية البشعة والتي كانت دروسها كثيرة وكانت كافية لأن نستفيد منها جميعا من أجل عيش مشترك طويل الأمد. لكن التفكير تمت صياغته في أروقة “السي.اي.اي الأميركية: حيث قال بالفم الملآن احد مسؤوليها سنصنع لهم سلاما يناسبنا وقد استطاعوا ذلك ونشأوا حيلا بكره الآخر. ويستحل الدماء ويعتبر القتل والتهجير سبيلا للوصول الى أهداف أوهم انها أهداف إسلامية وطنية، ولكنها تحقق هدفا اسرائيليا-اميركيا وأعداء الأمة جميعا والمشكلة هنا ان جسدنا لم تكن فيه المناعة الكافية لطرد هذه الجرثومة، كان جسدا مريضا استقبلها بشكل أو بآخر وأصبح هذا الفكر جزءا من نسيجنا الموجود وقد استغرق الامر سنوات لعلها سبع أو أقل، بدأ الجسم الآن يكتسب هذه المناعة لطرد هذه الجرثومة الخبيثة لنعود أدراجنا ونستفيد مرة أخرى من تجارب الماضي والحاضر لنبني من خلالها المستقبل”.
وتابع: “ان المشكلة ليست في النص الديني وليس في أي نص، يوجد 3 أمور إما عدم إنسجام النظرة مع التطبيق وإما الإنتقاء واجتزاء النص وإما عدم فهم المرحلة التي نزل فيها النص. فموضوع النص الديني يكفي لأن نؤكد العدالة فنحن نحتاج بأن لا نسيس الإسلام أو أي دين آخر ومن كان يقول ان حروب الصليبيين حروبا دينية بل هي حروب سياسية ارتدت ثوب الصليب كما ارتدى التفكيريون ثوب الإسلام، نحتاج الى العيش المشترك ونحتاج الى ان نتعلم مما أصبح خلفنا والتجربة الى الأمام، ونحن نتقدم الى الأمام، نحن نحصد تجربة يجب أن نثبتها في مثل هذا اللقاء الذي يجب تحوله عمليا ويجب ان يؤكد بالدماء الواحدة بجهاد الجيش اللبناني متكاملا مع المقاومة في وجه الظلم والسرقة والتزوير والفساد، يجب ان نكون جميعا جيشا واحدا ونحيي الجيش اللبناني وكل من شارك في تحرير الجرود هنا وجرود عرسال، ونحيي كل من يقف في وجه الفساد وإن شاء الله على الطريق حتى يتم الله وعده في الأمن والأمان”.
وكانت مداخلة للشيخ محمد يزبك أكد فيها “أن مسؤولياتنا جميعا تتضاعف بعد التحرير، وعلينا أن نبذل كل جهد لإعادة اللحمة بين أهلنا بفتح القلوب وإزالة الهواجس والمخاوف التي أوجدها ما عصف من إرهاب وما حمله التكفير من مساوىء تفكيك المجتمع بطروحات جهنمية أبعدت الأخ عن أخيه والجار عن جاره”.
ودعا إلى لقاءات وندوات وتفاهمات وحوارات “تغسل ما علق من إشعال الفتنة”، مضيفا “أننا اليوم نبدأ من رأس بعلبك وان شاء الله يدعونا غدا رئيس بلدية عرسال إلى ندوة من أجل أن تلتئم الجراحات، وبعدها تعقد اللقاءات في القاع والعين والمنطقة ولبنان بكامله، لإزالة وغسل كل ما تركته تلك العواصف وما علق من إشعال الفتنة”.
ورأى “أن الحروب لم تكن طائفية أو مذهبية لأن تأكدنا جميعا بعد التفنيد والبحث بأن الحرب التي تشتعل في العالم المنطقة وما أرادوه للبنان هي سياسية وحرب سيطرة ونفوذ”، داعيا إلى “المحافظة على مكوناتنا الوطنية فهي ثروة عيشنا الواحد في هذا الوطن الأنموذج بحضارته المتنوعة والفاعلة والمتميزة تحت سقف الاستقلال والسيادة والحرية، ومحصنة بدولة قوية عادلة تحمل الخير إلى الداخل والخارج والعالم”.